معايير ومقاييس الانضمام إلى عضوية بريكس (BRICS)
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
د. عمر محجوب الحسين
دارت نقاشات في الفترة الأخيرة حول ضرورة انضمام السودان إلى مجموعة بريكس (BRICS) ما بين مؤيد وما بين مذكر بقدرات السودان ووضعه الاقتصادي مقارنة مع الدول الأعضاء في المجموعة التي تسعى لاستقطاب الدول ذات الاقتصادات القوية وذات التأثير الإقليمي والدولي، وحتى تتضح الصورة نسوف نستعرض معايير ومتطلبات الانضمام إلى مجموعة بريكس.
البريكس (BRICS) هو اسم مجموعة الشراكة التي أسستها البرازيل (Brazil) وروسيا (Russia) والهند (India) والصين (China) وجنوب إفريقيا (South Africa)، عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في يونيو 2009م حيث تضمنت القمة الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. تكون الاسم من الحروف الأولى للدول المؤسسة بريك (BRIC)، ثم تم اضافة حرف (S) بعد انضمام جنوب أفريقيا للمجموعة في عام 2010م، وهناك مقترح لتعديل الاسم ليصبح «بريكس بلس» (BRICS Plus) في 24 أغسطس 2023 خلال قمة البريكس المنعقدة في بلده عن قبول انضمام خمس دول جديدة للبريكس وهي السعودية، الإمارات، مصر، إثيوبيا، إيران، وذلك اعتباراً من 1 يناير2024م مجموعة البريكس هي شراكة متساوية بين بلدان متنوعة ذات وجهات نظر وتوجهات مستقلة، وتمثل 41 بالمئة من سكان العالم، و40 بالمئة من مساحته و24 بالمئة من الاقتصاد العالمي و16 بالمئة من التجارة العالمية، وبحجم اقتصاد يبلغ 28.3 تريليون دولار.
منذ إنشائها على مستوى وزراء الخارجية في عام 2006، وقمة مجموعة البريكس الأولى في عام 2009 والتوسع في عام 2010، تطورت مجموعة البريكس من خلال روح الاحترام المتبادل والتفاهم والمساواة والتضامن والانفتاح والشمول والإجماع، والتعاون المتبادل في المنافع والتبادلات الوثيقة بين أعضاء المجموعة. طورت الدول الأعضاء في مجموعة البريكس قيمًا ومصالح مشتركة تشكل أساسًا للتعاون المتبادل المنفعة ورؤية مشتركة لعالم أفضل من وجهة نظر أعضاء المجموعة. تتخذ الدول الأعضاء في مجموعة البريكس جميع القرارات بالتشاور الكامل والإجماع. يعتمد الهيكل المالي لبريكس على عنصرين رئيسيين الأول هو بنك التنمية الجديد (NBD - New Development Bank) ويشار إليه أحياناً باسم بنك تنمية البريكس (BRICS Development Bank) والثاني ترتيبات احتياطي الطوارئ (CRA - Contingent Reserve Arrangement)، وتم توقيع الاتفاقيات الخاصة بكل منهما في عام 2014م وتم تفعيلهما عام 2015م.
أما فيما يخص أنظمة الدفع والتحويلات المالية الخاص بمجموعة بريكس (BRICS payment system) تم مناقشتها أول مرة في قمة بريكس 2015م في روسيا، حيث بدأ وزراء من دول المجموعة، بإجراء مشاورات حول نظام الدفع الذي سيكون بديلاً لنظام سويفت يمكن من الدفع والانتقال إلى التسويات بالعملات وطنية، وهو نظام دفع متعدّد الأطراف متعدّد الجنسيات من شأنه توفير قدر أكبر من الاستقلالية، ويوفر ضمانة أكيدة لـ "بريكس". كما بدأ البنك المركزي الروسي (المعروف اختصارا (CBR) بمشاورات مع دول بريكس لنظام الدفع الذي سيكون بديلا لنظام سويفت.
بدأت الصين أيضا في تطوير نظام الدفع الخاص بها والذي يسمى نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك((CIPS) (Cross-Border Inter-Bank Payments System والذي سيكون بديلاً لنظام سويفت العالمي للتحويلات المالية، وهو نظام مدفوعات بديل مخطط لنظام (SWIFT) من شأنه أن توفر شبكة تمكن الشعوب في جميع أنحاء العالم لإرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات المالية في بيئة آمنة وموحدة وموثوقة.
بعد أن قدمت كل من الجزائر ومصر والسعودية والإمارات بالإضافة إلى البحرين والكويت والمغرب وفلسطين، طلبات رسمية للانضمام إلى بريكس من بين 23 دولة قامت بالخطوة نفسها اتفقت الدول الأعضاء في مجموعة البريكس على مبادئ توجيهية ومعايير وإجراءات لتوسيع عضوية مجموعة البريكس خلال قمة البريكس الخامسة عشرة في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا، من 22 إلى 24 أغسطس 2023م.
فيما يلي المعايير والمقاييس التي أقرتها الدول الأعضاء لتوسيع عضوية مجموعة البريكس:
يجب على الدولة العضو الجديدة في البريكس أن:
1- تتوافق مع المبادئ التوجيهية للبريكس.
2- تساهم في تعزيز البريكس.
3- تكون دولة ناشئة أو نامية ذات نفوذ إقليمي واستراتيجي عالمي.
4- تتوافق مع القيم والمبادئ التأسيسية للبريكس بما في ذلك روح التضامن والمساواة والاحترام المتبادل والتفاهم والانفتاح والشمولية والتعاون المتبادل المنفعة والإجماع.
5- أن يكون لها علاقات دبلوماسية ودية مع جميع الدول الأعضاء حاليا في البريكس.
6- ألا تفرض عقوبات غير معتمدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الدول الأعضاء الحاليين في البريكس.
7- أن تلتزم بتعزيز السلام والأمن الدوليين والإقليميين، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، والنمو الاقتصادي العالمي من خلال تعزيز الروابط التجارية والاستثمارية، وأن تكون دولة عضوًا في الأمم المتحدة تدعم التعددية، وتلتزم بإصلاح الحوكمة العالمية وتحترم القانون الدولي.
8- تدعم الإصلاح الشامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها، بهدف جعله أكثر ديمقراطية وتمثيلاً وفعالية وكفاءة، وزيادة تمثيل البلدان النامية في عضوية المجلس حتى يتمكن من الاستجابة بشكل مناسب للتحديات العالمية السائدة ودعم التطلعات المشروعة للدول الناشئة والنامية من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بما في ذلك البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، للعب دور أكبر في الشؤون الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها.
9- الالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
10- التمتع بمكانة اقتصادية قوية وتأثير إقليمي وعالمي.
11- إقامة علاقات تجارية كبيرة مع الدول الأعضاء الحالية في مجموعة البريكس.
12- دعم نظام تجاري متعدد الأطراف مفتوح وشفاف وشامل وغير تمييزي وقائم على القواعد المنصوص عليها في منظمة التجارة العالمية.
13- قبول بيانات وإعلانات مجموعة البريكس كتعبير عن رؤية مجموعة البريكس ومبادئها وأهدافها.
14- قبول مذكرات التفاهم وأطر العمل والخطابات المعبرة عن النوايا والاتفاقيات والآليات ودورات العمل الخاصة بمجموعة البريكس، و
15- قبول أساليب عمل مجموعة البريكس كما هو موضح في الشروط المرجعية التي اعتمدها خبراء مجموعة البريكس وأقرها زعماء مجموعة البريكس.
رغم امتلاك الجزائر بعض المقومات التي تمثل إضافة لبريكس، فهي أكبر بلد إفريقي عربي من حيث المساحة وأكبر مُصدر للغاز الطبيعي في إفريقيا، ورابع أكبر اقتصاد في القارة السمراء، وديونها الخارجية شبه معدومة، ما يمنحها استقلالية أكبر في صناعة القرار. لكن رغم ذلك لم تمنح عضوية بريكس. كانت إحدى العقبات أمام انضمام الجزائر إلى منظمة بريكس، تواضع ناتجها الداخلي الخام الذي بلغ 163 مليار دولار في 2021، وفق بيانات البنك الدولي، بينما يبلغ الناتج الداخلي الخام لجنوب إفريقيا (عند طلب الجزائر الانضمام كان أصغر اقتصاد في مجموعة بريكس) 419 مليار دولار، أي مرتين ونصف ضعف الاقتصاد الجزائري. يذكر أن الرئيس الجزائري شارك في قمة بريكس الماضية التي عقدت في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023م، وسبق له أن شارك في قمة بكين التي جرت عبر الفيديو في 23 يونيو 2022م.
يبدوا أن طريق الانضمام لمجموعة (BRICS) سوف يكون طويلا بالنسبة للسودان لعدة عوامل اقتصادية، وأمنية وسياسية، وحالة عدم الاستقرار التي تلازم السودان منذ عقود، بالإضافة إلى عدم وجود بعد وتخطيط استراتيجي فيما يخص علاقات السودان الخارجية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي.
omarmahjoub@gmail.com
///////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی مجموعة البریکس الدول الأعضاء فی مجموعة بریکس بما فی ذلک بالمئة من فی عام
إقرأ أيضاً:
هل انتصرت غزة؟ معايير النصر في معارك التحرر الوطني
عندما نحاول الإجابة على سؤال مثل "هل انتصرت غزة؟"، فإننا ندرك أن مفهوم النصر في سياق معارك التحرر الوطني ليس بسيطا، ولا يقتصر على المكاسب العسكرية أو الميدانية. النصر هنا مفهوم أكثر تعقيدا، يُحدد من خلال أبعاد سياسية، نفسية، واجتماعية، مستندا إلى فهم عميق للتاريخ وتجارب الشعوب التي خاضت صراعات مشابهة، فمعارك التحرر الوطني ميدانها الكرامة، والاستقلال، والحرية، خاضتها كل شعوب الأرض، وسارت بنفس مسارات الشعب الفلسطيني، تضحية ونضال وانتصار، وهنا يمكن وضع خطوط عامة للجواب علي سؤال المقال "هل انتصرت غزة؟".
الأهداف السياسية.. النصر كتحقيق تقدم نحو الغاية
في أي معركة تحرير، تُقاس نتائجها بمدى اقترابها من تحقيق الأهداف الكبرى للحركة الوطنية. في السياق الفلسطيني، تُعد كل مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي خطوة على طريق التحرر الكامل. كما حدث في معركة “ديان بيان فو” في فيتنام عام 1954، لم يكن النصر مجرد تفوق عسكري، بل كان إنهاءً للهيمنة الفرنسية على البلاد، ما مهد لاستقلال فيتنام. وبالمثل، فإن انتفاضات غزة المتكررة تُحرج الاحتلال أمام العالم، وتعزز من زخم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. في هذا السياق، يمكن اعتبار المعارك حتى وإن كانت مكلفة، أدوات لكسب الشرعية السياسية والضغط على العدو لتحقيق تنازلات طويلة الأمد.
البعد النفسي.. الانتصار كتحفيز للروح الوطنية
الحرب ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي صراع على القلوب والعقول. أحد أهم أبعاد النصر في معارك التحرير هو الحفاظ على الروح المعنوية العالية لدى الشعب، حتى وسط أقسى الخسائر. في جنوب إفريقيا، ورغم عقود من القمع والتمييز العنصري، لم ينجح النظام في كسر إرادة الشعب أو إحباط معنوياته، لأن كل خطوة قام بها الشعب بقيادة نيلسون مانديلا كانت تغذي الأمل وتُعزز الإيمان بالمستقبل.
باختصار غزة تجيب على هذه الأسئلة يوميا إنها ليست مجرد شريط ساحلي محاصر، بل رمز للصمود والعزيمة. الانتصار لغزة لا يُقاس بعدد الصواريخ أو الأراضي المحررة فقط، بل بقدرتها على إبقاء القضية الفلسطينية حية في ضمير الأمة والعالم، وبتحويل كل معركة إلى خطوة إضافية نحو التحرر. غزة ليست استثناءً؛ حتى مع الدمار الكبير والخسائر البشرية، فإن الصمود الشعبي والدعم الجماهيري يُمثلان أعمدة الانتصار. عندما تخرج الحشود في غزة ترفع شعارات التحدي، فإنها تُعيد تعريف النصر بأنه صمود أمام الاحتلال ورفض للهزيمة النفسية.
التأثير على العدو.. كلفة الاحتلال وإضعاف الهيمنة
النصر لا يُقاس فقط بما يكسبه الطرف المقاوم، بل بما يخسره العدو. في الثورة الجزائرية، كانت الخسائر التي تكبدتها فرنسا على المستويين المادي والمعنوي أحد أهم عوامل الانتصار. فقد أدت العمليات المتكررة، والضغط الدولي، والمقاومة الشعبية إلى جعل تكلفة الاستعمار الفرنسي للجزائر غير محتملة. وبالنسبة لإسرائيل، فإن معارك غزة تُشكل تحديًا على مستويات عدة: كلفة اقتصادية وعسكرية، وتأثير نفسي على الجبهة الداخلية، فضلًا عن الإحراج المستمر أمام الرأي العام العالمي. كلما زادت كلفة الاحتلال، واقتربت من نقطة تصبح فيها السيطرة على غزة عبئًا أكثر من كونها مكسبًا استراتيجيًا، كان ذلك مؤشرًا على نجاح المقاومة في تحقيق أهدافها البعيدة.
التضحيات كاستثمار استراتيجي.. فلسفة الألم والتحرير
منطق التحرر الوطني يقبل التضحيات كجزء من معادلة التحرير، حيث تُعد الخسائر الجسيمة ثمنًا ضروريًا للحرية. كما قال هو تشي منه، قائد الثورة الفيتنامية: “ليس لدينا ما نخسره سوى قيودنا”. الشعوب التي تواجه الاحتلال تدرك أن المعاناة الحالية ليست نهاية المطاف، بل خطوة نحو بناء مستقبل جديد. في فيتنام، قُتل الملايين، ودُمرت القرى، ولكن الشعب صمد مؤمنًا أن الثمن يستحق. غزة، برغم الدمار المتكرر، تُثبت أن إرادة التحرير أقوى من آلة الحرب، وأن كل تضحيات تُقرب الفلسطينيين من تحقيق حلمهم في التحرر.
من الضربات المتتالية إلى الضربة القاضية.. استراتيجية التراكم
التاريخ يعلمنا أن الانتصارات الكبرى غالبًا ما تكون نتيجة تراكم مستمر للضربات الصغيرة. في جنوب إفريقيا، استمرت نضالات الشعب عقودًا قبل أن ينتهي نظام الفصل العنصري. الثورة لم تكن حدثًا واحدًا، بل كانت سلسلة من الاحتجاجات، والإضرابات، والمواجهات التي أثمرت في النهاية عن انتصار. كذلك في الجزائر، لم تأتِ الاستقلال فجأة، بل كان نتيجة ضربات متكررة استنزفت المحتل الفرنسي على مدى سنوات. غزة تسير على هذا النهج؛ فكل معركة، وكل مقاومة، هي لبنة تُضاف إلى جدار الصمود، حتى تأتي اللحظة الحاسمة التي تُنهي الاحتلال.
كيف نقرأ النصر في سياق غزة قراءة فلسفية وسياسية؟
1 ـ هل حافظ الشعب على وحدته وروحه المعنوية؟
الوحدة الوطنية هي أحد أعمدة النجاح في أي نضال تحرري. عندما نراقب الشارع الفلسطيني خلال وبعد الأحداث الكبرى مثل 7 أكتوبر، نجد أن التضحيات الجسيمة التي قُدمت لم تؤدِّ إلى انقسامات عميقة داخل المجتمع الفلسطيني. على العكس، شهدت القضية الفلسطينية درجة ملحوظة من التلاحم، ليس فقط بين الفصائل المقاومة، ولكن أيضًا على مستوى الشارع الفلسطيني داخل وخارج الوطن.
رغم وجود بعض الأصوات الفردية المعارضة هنا وهناك، كان هناك إجماع على دعم المقاومة، سواء من داخل غزة أو الضفة أو الشتات الفلسطيني. هذه الوحدة تعكس قدرة الشعب على تجاوز الخلافات والتوحد حول الهدف الأكبر: التحرر الوطني. التجارب التاريخية، مثل الثورة الجزائرية، تؤكد أن الشعوب التي تحافظ على وحدتها تكون أكثر قدرة على الصمود أمام الاحتلال، حتى في أصعب الظروف.
2 ـ هل كلفت المعركة العدو خسائر تفوق مكاسبه؟
الاحتلال الإسرائيلي دفع ثمنًا باهظًا نتيجة المعركة على جميع المستويات. الخسائر لم تكن مقتصرة على الأفراد والمعدات العسكرية، بل تجاوزتها إلى خسائر سياسية وأخلاقية واقتصادية.
على الصعيد العسكري، تعرضت إسرائيل لضربة موجعة في سمعتها كقوة لا تُقهر، حيث اخترقت المقاومة منظومتها الأمنية والاستخباراتية، وأظهرت هشاشة في استعدادها الدفاعي. كما ألحقت المعركة خسائر كبيرة بالبنية التحتية والاقتصاد الإسرائيلي، إذ تعطلت القطاعات الحيوية، وتعرضت المنشآت المدنية لأضرار جسيمة.
أما سياسيًا، فقد أثارت المعركة انقسامًا داخليًا واسعًا في إسرائيل، بين القيادات السياسية والعسكرية من جهة، وبين التيارات الشعبية من جهة أخرى. ظهر هذا الانقسام جليًا في الانتقادات المتزايدة لحكومة نتنياهو، والتي فُقدت الثقة فيها إلى حد كبير. هذه الخسائر جعلت الاحتلال يعيد النظر في استراتيجياته الأمنية والسياسية.
3 ـ هل دفعت المواجهة القضية نحو مزيد من الاعتراف الدولي والدعم؟
المواجهة لم تكن مجرد معركة على الأرض، بل معركة على الرأي العام الدولي. من خلال التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، أعيد تسليط الضوء على القضية الفلسطينية كقضية شعب يرزح تحت الاحتلال.
كلما زادت كلفة الاحتلال، واقتربت من نقطة تصبح فيها السيطرة على غزة عبئًا أكثر من كونها مكسبًا استراتيجيًا، كان ذلك مؤشرًا على نجاح المقاومة في تحقيق أهدافها البعيدة. أحداث مثل 7 أكتوبر دفعت الكثير من الدول والشعوب لإعادة النظر في مواقفها تجاه إسرائيل، وارتفعت أصوات جديدة تطالب بمحاسبة الاحتلال على جرائمه. تصاعدت الحملات التضامنية العالمية، سواء من خلال الاحتجاجات أو المواقف السياسية الرسمية في بعض الدول. حتى في الدول الغربية، التي طالما دعمت إسرائيل، بدأت تظهر انتقادات واسعة النطاق للإجراءات الوحشية التي يتبعها الاحتلال.
يمكننا أن نستشهد هنا بحركات التحرر في جنوب إفريقيا، حيث ساهمت الحملات الدولية والمقاطعات الاقتصادية في تسريع سقوط نظام الفصل العنصري. الفلسطينيون اليوم يراكمون تأثيرهم الدولي بنفس الطريقة، حيث أصبحت قضيتهم أقرب إلى الضمير العالمي.
4 ـ هل أسهمت في بناء وعي شعبي أعمق بقضية التحرير؟
من أكبر إنجازات أي معركة تحرر وطني أنها تُعيد بناء الوعي الشعبي، ليس فقط على المستوى المحلي، بل عالميًا أيضًا. المواجهات الأخيرة ساهمت في ترسيخ حقيقة أن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع حدودي، بل هي قضية تحرر وطني ضد احتلال استيطاني.
هذه الأحداث جعلت الجيل الجديد، سواء داخل فلسطين أو في الشتات، أكثر وعيا بجذور القضية وأهدافها. وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا محوريا في نشر الرواية الفلسطينية، وكشف جرائم الاحتلال أمام العالم، ما عزز من تعاطف الشعوب الأخرى مع الفلسطينيين.
على المستوى الداخلي، تعمقت مشاعر الانتماء والهوية لدى الفلسطينيين. باتت كل لحظة صمود أو مواجهة تُعزز الوعي بأن التحرر ليس مجرد مطلب سياسي، بل هو ضرورة وجودية تتعلق بالكرامة والحق في الحياة. هذا الوعي يُعتبر ركيزة أساسية لبناء حركة تحرير مستدامة، مثلما رأينا في فيتنام والجزائر، حيث كانت الثقافة الوطنية والوعي الجمعي من أدوات النصر.
باختصار غزة تجيب على هذه الأسئلة يوميا إنها ليست مجرد شريط ساحلي محاصر، بل رمز للصمود والعزيمة. الانتصار لغزة لا يُقاس بعدد الصواريخ أو الأراضي المحررة فقط، بل بقدرتها على إبقاء القضية الفلسطينية حية في ضمير الأمة والعالم، وبتحويل كل معركة إلى خطوة إضافية نحو التحرر.
الخاتمة: فلسفة التحرير وآفاق المستقبل
من فيتنام إلى الجزائر، ومن جنوب إفريقيا إلى غزة، يعلمنا التاريخ أن التحرر ليس مسارًا سهلًا ولا سريعًا ، إنه طريق مليء بالألم والتضحيات، لكنه أيضًا طريق الأمل والمستقبل. النصر الحقيقي ليس فقط في كسب المعارك الميدانية، بل في كسب القلوب والعقول، وفي تعزيز الروح الوطنية، وفي تحويل كل خسارة آنية إلى استثمار استراتيجي على المدى البعيد. غزة اليوم تجسد هذه الفلسفة، وتُعيد تعريف النصر بأنه ليس غياب الألم، بل القدرة على تحويله إلى طاقة للمقاومة والبقاء.