زهير عثمان
مفهوم الهامش في القاموس السياسي السوداني , هو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى المناطق أو الجماعات التي تعرضت للتهميش السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي على مر العقود. هذا التهميش تمثل في إهمال تنمية تلك المناطق وقضاياها، وتجاهل مشاركة سكانها في صنع القرار السياسي على مستوى الدولة. يُعد مفهوم "الهامش" أحد أبرز القضايا التي تشكل تاريخ الصراع السياسي والاجتماعي في السودان، وقد أفرز تداعيات عميقة على البنية السياسية والاجتماعية في البلاد.
التعريف الأساسي للهامش
الهامش، في السياق السوداني، يشير إلى المناطق الجغرافية الواقعة خارج العاصمة والمراكز الحضرية الكبرى، وخاصة تلك المناطق الواقعة في أطراف البلاد مثل دارفور، جنوب السودان (قبل الانفصال)، جنوب كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشير الهامش أيضًا إلى الفئات الاجتماعية أو الجماعات العرقية التي تعاني من التمييز والتهميش، سواء كان ذلك على أساس العرق أو الدين أو الموقع الجغرافي.
التهميش السياسي والاقتصادي
التهميش السياسي ويُقصد به عدم تمثيل سكان الهامش بشكل كافٍ في المؤسسات السياسية والحكومية. النظام السياسي في السودان منذ الاستقلال تميز بتركيز السلطة في أيدي النخبة الحضرية التي تتركز في العاصمة (الخرطوم) والمناطق المجاورة لها. هذا التهميش أدى إلى حرمان سكان الهامش من الوصول إلى مراكز صنع القرار والمشاركة الفعالة في تحديد السياسات الوطنية.
التهميش الاقتصادي المناطق الهامشية في السودان تعاني من نقص كبير في التنمية والخدمات الأساسية مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية، والمياه. معظم الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الكبرى تتركز في المناطق المركزية، مما يزيد من الفجوة بين المركز والهامش ويعزز الإحساس بالإقصاء بين سكان المناطق الطرفية.
البعد التاريخي للهامش
التهميش في السودان له جذور تاريخية تعود إلى فترة ما قبل الاستعمار البريطاني، لكنه تفاقم بشكل أكبر بعد استقلال السودان في عام 1956. بعد الاستقلال، استمرت النخبة السياسية في العاصمة في التحكم في السلطة والثروة، مما أدى إلى شعور متزايد بالظلم في الأقاليم الطرفية. هذا التباين التاريخي ساهم في اندلاع العديد من النزاعات الأهلية والحروب في البلاد، من بينها الحرب في جنوب السودان (قبل انفصاله)، وحروب دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.
الهامش والمركز
المفهوم المركزي الذي يرتبط بمفهوم الهامش هو "المركز"، وهو العاصمة الخرطوم والمناطق المتاخمة لها. "المركز" في السياق السياسي السوداني يُعتبر المهيمن على السلطة والثروة والتنمية، بينما يُعتبر "الهامش" محروماً من هذه الموارد. هذا النموذج الثنائي (المركز والهامش) أصبح جزءاً من الخطاب السياسي الذي يفسر الفوارق الاقتصادية والسياسية في السودان.
دور الحركات المسلحة والقوى السياسية
نتيجة للتهميش المستمر، ظهرت حركات مسلحة وأحزاب سياسية تُطالب بحقوق سكان الهامش، وتحاول إنهاء الفجوة بين المركز والهامش. من أبرز هذه الحركات "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي نشأت في جنوب السودان، و"حركة العدل والمساواة" في دارفور، وغيرهما من الجماعات التي تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية.
تطالب هذه الحركات بالمزيد من العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتوزيع عادل للثروات، وكذلك تمثيل سياسي أفضل لسكان المناطق الهامشية. وقد أدت هذه المطالبات إلى نزاعات وحروب أهلية طويلة الأمد، أثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسي في السودان.
لتهميش في الخطاب السياسي المعاصر
مفهوم الهامش أصبح جزءاً من الخطاب السياسي السوداني الحديث، حيث تتبناه العديد من القوى السياسية والمدنية كوسيلة للمطالبة بالإصلاح. الخطاب حول الهامش لم يعد يقتصر على الحركات المسلحة، بل أصبح جزءاً من الجدل السياسي في الخرطوم نفسها، حيث تُطرح مطالب بالعدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للسلطة والثروة.
أبعاد الهوية والتعددية الثقافية
الهامش في السودان يرتبط أيضاً بقضايا الهوية والتعددية الثقافية. كثير من سكان المناطق الهامشية ينتمون إلى جماعات عرقية ولغوية مختلفة عن سكان المركز، الذين يتحدثون العربية وينتمون إلى ثقافة عربية إسلامية مهيمنة. هذا البعد الثقافي أضاف تعقيداً إضافياً إلى قضية الهامش، حيث تم ربط التهميش بقضايا التمييز العرقي والثقافي.
الهامش في المستقبل السياسي السوداني
بعد الثورة السودانية في 2019 وسقوط نظام عمر البشير، تزايدت المطالب بإدراج قضايا الهامش في الأجندة الوطنية. هناك جهود مستمرة لتحقيق السلام مع الحركات المسلحة وتلبية مطالب المناطق الهامشية، ومع ذلك لا تزال التحديات كبيرة في تحقيق مصالحة شاملة وتوزيع عادل للثروات والسلطة.
مفهوم الهامش في القاموس السياسي السوداني هو تعبير عن تاريخ طويل من الإقصاء والتهميش لمناطق وفئات معينة داخل الدولة. الفجوة بين "المركز" و"الهامش" تمثل أحد أهم التحديات التي تواجه السودان منذ استقلاله، وهي سبب رئيسي في النزاعات والحروب التي عانى منها. معالجة قضايا الهامش تتطلب جهوداً سياسية جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة.
خطورة خطاب التهميش في الطرح السياسي . و تكمن في قدرته على تأجيج الصراعات الاجتماعية والسياسية وتعميق الانقسامات داخل المجتمع والدولة. خطاب التهميش يبرز عندما تشعر جماعات معينة بالإقصاء السياسي، الاقتصادي، أو الاجتماعي من النظام العام. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً إذا تم استخدامه للضغط من أجل الإصلاح والعدالة، إلا أن مخاطره تتزايد عندما يتحول إلى وسيلة للاستقطاب والتجييش، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. فيما يلي أبرز مخاطر هذا الخطاب:
تعزيز الانقسامات الاجتماعية والسياسية
خطاب التهميش يقوم عادة على تقسيم المجتمع إلى "مركز" و"هامش"، أو إلى فئات مستفيدة وفئات مضطهدة. هذا الخطاب يعمق الانقسامات بين الفئات المجتمعية المختلفة على أساس العرق، الدين، الجغرافيا، أو الثقافة. مثل هذا الخطاب قد يؤدي إلى حالة من الاستقطاب الحاد، حيث تصبح الجماعات المختلفة أكثر انعزالاً عن بعضها البعض وأكثر تمسكاً بمواقفها ومظلومياتها، مما يعيق بناء التوافق الوطني .
تأجيج الصراعات الأهلية
عندما تتبنى الحركات السياسية أو الجماعات خطاب التهميش بشكل متطرف، فإن ذلك قد يشجع على اللجوء إلى العنف كوسيلة لتحقيق المطالب. في السودان، على سبيل المثال، أدى خطاب التهميش في مناطق مثل دارفور وجنوب السودان إلى تصاعد الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة. استخدام هذا الخطاب بشكل حاد يُشرعن أعمال العنف ضد "المركز" أو الأطراف الأخرى التي تُعتبر مسؤولة عن التهميش.
إضعاف الثقة في المؤسسات الوطنية
من أخطر آثار خطاب التهميش هو إضعاف الثقة في المؤسسات الوطنية (مثل الحكومة، البرلمان، الجيش). الجماعات التي تشعر بالتهميش ترى أن هذه المؤسسات غير شرعية أو أنها لا تمثل مصالحها. نتيجة لذلك، قد ينخفض الإقبال على المشاركة السياسية الرسمية، ويزيد الاعتماد على وسائل غير رسمية أو عنيفة لتحقيق المطالب. وهذا يضعف النظام السياسي ككل ويزيد من حالة الفوضى وعدم الاستقرار.
الإضرار بالوحدة الوطنية
عندما يسيطر خطاب التهميش على المشهد السياسي، تصبح فكرة "الوحدة الوطنية" مهددة. بدلاً من الشعور بالانتماء إلى كيان سياسي واحد، قد تبدأ الجماعات المتضررة في التفكير في حلول أخرى، بما في ذلك انفصال. كما حدث في حالة جنوب السودان، حيث أدى تفاقم التهميش إلى انفصال الجنوب وتشكيل دولة مستقلة في عام 2011.
تشويه الحركات السياسية
الحركات السياسية التي تتبنى خطاب التهميش قد تفقد تدريجياً مصداقيتها إذا لم تحقق نتائج ملموسة. التركيز المستمر على خطاب المظلومية قد يؤدي إلى حالة من الاستياء بين الجمهور المستهدف، خاصة إذا شعروا بأن الحركات التي تمثلهم لا تقدم حلولاً حقيقية أو تنجز تغييرات فعلية. كما أن استمرار هذا الخطاب قد يُنظر إليه على أنه نوع من الاستغلال السياسي.
. عرقلة التنمية والإصلاح
خطاب التهميش، إذا لم يُدر بوعي وحكمة، يمكن أن يصبح عقبة أمام تحقيق التنمية والإصلاحات الحقيقية. التركيز الشديد على التهميش قد يُلهي الحكومة والمجتمع عن معالجة القضايا الجوهرية مثل التنمية الاقتصادية، التعليم، والصحة. بدلاً من بناء نظام سياسي اقتصادي يشمل الجميع، يصبح التركيز على التهميش جزءًا من الصراع السياسي الداخلي، مما يعطل فرص التعاون والتقدم.
. استخدام التهميش كأداة سياسية
في بعض الحالات، يمكن أن يُستخدم خطاب التهميش كأداة سياسية من قبل النخب لتحقيق أهداف شخصية أو حزبية. هذا النوع من الاستغلال السياسي يزيد من الانقسام في المجتمع، لأنه يخلق تصوراً لدى الجماهير بأن القضايا الحقيقية للتهميش لا تُعالج بصدق، وإنما يتم التلاعب بها لتحقيق مكاسب سياسية مؤقتة.
. إثارة النعرات العرقية والإثنية
في بلدان متعددة الأعراق مثل السودان، يمكن لخطاب التهميش أن يثير النعرات العرقية والإثنية بشكل خطير. في السودان، على سبيل المثال، ارتبط خطاب التهميش في مناطق مثل دارفور بمظلوميات إثنية، مما أدى إلى اندلاع صراعات عرقية طويلة الأمد. استخدام خطاب التهميش بهذا الشكل يمكن أن يقود إلى تعزيز الكراهية بين الفئات المختلفة وزيادة حدة النزاعات العرقية.إضعاف الهوية الوطنية المشتركة
إحدى المخاطر الكبرى لخطاب التهميش هي تقويض فكرة الهوية الوطنية المشتركة. عندما يتم التركيز بشكل مفرط على الفوارق الجغرافية أو العرقية أو الدينية، يتلاشى الإحساس بالانتماء الوطني لصالح الهويات الجزئية. وهذا قد يؤدي إلى تعقيد عملية بناء دولة مستقرة ومتنوعة تحترم التنوع داخل إطار الوحدة الوطنية.
التطرف والانفصال
عندما يصل خطاب التهميش إلى ذروته، يمكن أن يؤدي إلى تطرف بعض الجماعات، مما يدفعها إلى المطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي الكامل. مثل هذه التحركات تؤدي إلى تصاعد الصراع الداخلي، وقد تُفضي إلى تفكك الدولة كما حدث في جنوب السودان.
خطاب التهميش، على الرغم من مشروعيته في بعض الأحيان كوسيلة للمطالبة بالحقوق والعدالة، يحمل مخاطر كبيرة على استقرار المجتمعات والدول إذا لم يتم توظيفه بشكل حكيم ومسؤول. التحدي الأكبر يكمن في كيفية معالجة قضايا التهميش بطريقة شاملة وعادلة دون تأجيج الصراعات أو تعزيز الانقسامات الداخلية. يتطلب ذلك قيادات سياسية رشيدة تعمل على تحقيق إصلاحات متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف وتضمن المشاركة العادلة في السلطة والثروة.
*هذا الطرح لعرض وجهة نظري كاملة لان مشاركتي في منتدى التبلدي كانت مربوطة زمن محدد ولكثرة المشاركين في الغرفة
مراجع وكتب يمكن الاستنارة بما فيها من اراء
قضية التهميش في السودان تُعدّ من المواضيع الرئيسية التي تم تناولها بشكل واسع في الكتابات السياسية والاجتماعية والأكاديمية. تناولت العديد من الكتب والدراسات قضية التهميش من زوايا مختلفة، بما في ذلك تاريخه، وأسبابه، وتأثيراته على الصراعات السياسية والاجتماعية في البلاد. فيما يلي بعض من الكتب والكتابات الهامة التي تتناول قضية التهميش في السودان:
1. "دارفور: تاريخ الحرب طويلة الأمد" - أليكس دي وال
هذا الكتاب يُعدّ من أهم الدراسات حول أزمة دارفور، التي تعتبر أحد أبرز أمثلة التهميش في السودان. يناقش دي وال الجذور التاريخية والسياسية للنزاع في دارفور، ويعزو جزءاً كبيراً من الأزمة إلى سياسات التهميش المتعمدة من قبل الحكومة المركزية.
2. "المركز والهامش: إعادة التفكير في الصراع السوداني" - فرانسيس دينق
فرانسيس دينق، وهو أكاديمي سوداني بارز، يناقش في هذا الكتاب التوترات بين المركز والهامش في السودان. يركز دينق على الديناميكيات الثقافية والسياسية التي أدت إلى الشعور بالتهميش لدى المناطق الطرفية، مثل جنوب السودان ودارفور، وكيفية تأثير هذا التهميش على الهوية الوطنية السودانية.
3. "السودان: دراسة في جذور النزاع" - غابرييل ريجنالد واربرج
هذا الكتاب يستعرض النزاعات السودانية من منظور تاريخي وسياسي، مسلطاً الضوء على التهميش كعامل رئيسي في اندلاع النزاعات في السودان. يناقش واربرج السياسات التي اتبعتها الحكومات السودانية تجاه المناطق الهامشية وكيفية إسهامها في تفاقم الصراعات.
4. "الحرب والسلام في السودان: الداخل والخارج" - منصور خالد
منصور خالد، السياسي والدبلوماسي السوداني، يقدم في هذا الكتاب تحليلاً شاملاً للصراعات السودانية، مسلطاً الضوء على التهميش كأحد الأسباب الرئيسية للصراع. يناقش الكتاب كيف أن سياسات التهميش الاقتصادية والاجتماعية أسهمت في تأجيج النزاعات الداخلية.
5. "السودان: النخب والصراعات الثقافية" - عبد الله علي إبراهيم
يعتبر هذا الكتاب من المراجع المهمة لفهم التوترات بين المركز والهامش في السودان. يدرس عبد الله علي إبراهيم التهميش الثقافي والعرقي الذي تعاني منه العديد من الجماعات السودانية، ويربط هذا التهميش بالصراعات السياسية والاجتماعية في البلاد.
6. "جنوب السودان: صراع الهوية والسيادة" - سلمان محمد أحمد سلمان
سلمان محمد أحمد سلمان يناقش في هذا الكتاب أزمة جنوب السودان في إطار التهميش الطويل الذي عانى منه الجنوب منذ الاستقلال. يستعرض الكتاب مراحل الصراع الذي أدى في النهاية إلى انفصال الجنوب في 2011، مع التركيز على التهميش السياسي والاقتصادي.
7. "التهميش والسلطة في السودان: دارفور كنموذج" - حسن مكي محمد أحمد
هذا الكتاب يقدم دراسة تفصيلية عن دارفور بوصفها نموذجاً للتهميش في السودان. يناقش حسن مكي السياسات الحكومية التي أسهمت في تهميش دارفور، ويربطها بالصراعات العنيفة التي شهدتها المنطقة.
8. "الهامش والمركز: قضية الوحدة والانفصال في السودان" - جيمس كوبينغ
في هذا الكتاب، يناقش جيمس كوبينغ مسألة الهوية الوطنية السودانية والصراعات بين الهامش والمركز التي أدت إلى انفصال جنوب السودان. يركز الكتاب على الأبعاد الثقافية والسياسية للتهميش وكيفية تأثيرها على الوحدة الوطنية.
9. "الصراع على الهوية في السودان: العرق، الدين والسياسة" - النور حمد
النور حمد في هذا الكتاب يستكشف كيفية تداخل العرق والدين في تشكيل الهويات السياسية في السودان، وكيف أن هذه العوامل أسهمت في تهميش مجموعات معينة داخل المجتمع السوداني.
10. "الاستعمار الجديد والتهميش في السودان" - مكي مدني
هذا الكتاب يعالج قضية التهميش من منظور نقدي للاستعمار الجديد. يناقش مكي مدني كيفية استمرار التهميش عبر سياسات النخب الحاكمة بعد الاستقلال، ويقدم تحليلاً للنظام الاقتصادي والسياسي الذي يحافظ على هذه الهياكل التهميشية.
هذه الكتب والكتابات تقدم رؤى عميقة وتحليلات متنوعة حول قضية التهميش في السودان. يغطي الأدب المتعلق بهذه القضية جوانب متعددة تشمل التاريخ، السياسة، الثقافة، والاقتصاد، مما يساعد في فهم الأبعاد المختلفة للتهميش وآثاره على السودان. تلعب هذه الدراسات دوراً هاماً في تشكيل النقاش العام والسياسات المتعلقة بكيفية معالجة قضية التهميش وتحقيق العدالة الاجتماعية في السودان
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السیاسیة والاجتماعیة التهمیش فی السودان السیاسی السودانی الوحدة الوطنیة الهویة الوطنیة الاجتماعیة فی فی هذا الکتاب جنوب السودان هذا الکتاب ی بین المرکز هذا التهمیش على التهمیش قد یؤدی إلى هذا الخطاب العدید من الهامش فی فی البلاد سیاسیة فی یمکن أن ی التی ت
إقرأ أيضاً:
يستغلون شعار الهامش ولا يعرفون الهامش واهل الهامش (2)
اغلبية سكان العاصمة كانوا من اهل الهامش خاصة بعد الانقاذ . اهل البادية والاقاليم لم يتعرضوا لنهب الكيزان الذين قالوا بصريح العبارة.... انحنا نفتخر باننا مش من العاصمة . ومن اتى من الكيزان الى العاصمة كانوا مثل الجنجويد اليوم عندهم غبينة مبيتة مع اهل العاصمة والمدن الكبيرة ،همشوا اغلب اهل العاصمة وافقروهم . فرضوا عليهم كل انواع الضرائب الجبايات اجبروهم لدفع مال الشهيد ودمعة الجريح والنفايات التى تكدست في العاصمة ولا تجد من يتخلص منها بالرغم من الدفع. والبقية تاريخ لم ينساه التاريخ ؟
اهل البادية والاقاليم يحضرون الى العاصمة يجدون كل شي مجهز من طرق اضاءة في الشوارع المنتزهات المدارس المستشفيات الامن والعمل . هل يستطيع اهل البادية او الاقاليم استقبال ابن العاصمة اذا قرر الانضمام اليهم ويصير احدهم ومقبولا للجميع ويزوجوه ويحتضنوه كما كنا نعمل مع الوافدين وأن يجد كل ما تعطي العاصمة للجميع . شاهدنا من اتى حتى بدون شنط الحديد يصير من اثرياء العاصمة .
اذكر ونحن في في بداية الطفولة ، قرأنا قصيدة الوالد عبد الله البنا وهو يقارن بين اهل الريف واهل البادية.... وكلي اسف للغلطات فلم اجد القصيدة في اى موقع .
لبن المعزة عندكم يباع وهن في بيوتكم جياع
الماء عندكم يشرى مع الحطب باسعار الذهب
ويقول عن البادية
بقر الحي لها دوي وكأنما قرونها العصي
يكفيك من دنياك كلب صيد يكون للغزلان مثل القيد
اهل العاصمة يدفعون اجارا لمسكنهم وترتفع الاجارات بدون توقف . واهل البادية والاقاليم يمتلكون مسكنهم . تفرض عليهم مدارس الكيزان كل انواع المصرفات والمضايقات . اسعار المواصلات التي تنعدم في بعض الاحيان الكهرباء الماء الذي ينعدم تثقل كاهل اهل العاصمة وترتفع اسعارها كل الوقت .
مهن هامشيه فى أم درمان قديماً (2)
الفتاته . هذه ليست مهنه ولكن طريقه حياة بعض الناس وكانوا يعتبرون ان هذه مهمتهم فى الدنيا . كان هنالك مجموعه من الرجال متخصصين فى الصدقات . وظيفتهم كان اكل الصدقه واستلام حقهم فى وظيفتهم ومجهودهم الكبير فى اكل صدقه الميت . هذه المجموعه تطرقت لها انا فى كتاب حكاوى امدرمان . مكاتبهم كانت فى الجامع الكبير فى امدرمان بزعامه ابو الياء وحاج ابكر وآخرين . منهم كاسترو وهو متعلم يناقش السياسه له لحيه مستديره ونظيف الثياب يمتاز باللماضه والتطاول . كانت لهم عباره وهى الكبرى وقع . وهى بمثابه سر الليل كما عند الجيش . وتعنى ان هنالك صدقه مدنكله او عزومه .
من العاده ان يرسل الناس الصبيان لدعوتهم . ولهم حس مهنى عالى جداً فى تحديد الاماكن الجيده . وقد يحددون من شكل الصبى ولبسه وحزاءه . وقد تكون هنالك اكثر من مناسبه . ويختارون الاجود والاقرب . وبينما كانوا على وشك الذهاب الى مناسبه بعيداً فى بانت ظهرت مناسبه فى الملازمين فاعتزروا للاولين قائلين يعنى نحنا نتقطع . وذهبوا الى حى الملازمين .
كاسترو كان لا يأكل مع البقيه . وهنالك اتيام اخرى قد تشمل بعض الهواه وغير المحترفين قد يأتوا من العباسيه وفلاته . وكان يقول عن البعض ديل مرملين . وهؤلاء المرملين لا يشبعون ابداً . يقضون على الاخضر واليابس . وبعض الفتاته يقولون الزول لازم يكون فارش عشان يقدر ياكل . بمعنى ان لا يأتى ببطن خاويه . وكاسترو كان يقول عند تقسيم الصدقه التى قد تكون دبلانا او دموريه انه يريد حقه ( عيناً ) وينطقها بلغه عربيه فصحي يعنى كاش .
كاسترو كان يمكث فى المأتم عدة ايام اذا عجبه الحال وكان هنالك من يناكفه ويناقشه فى السياسه والدين عدة ايام . وعندما ماتت جدتنا ام الحسن ابتر ( التومه ) . والده الدرديرى نقد وحكيم باشى مستشفى امدرمان الرجل المرهوب الدكتور عبد العزيز نقد , كان كاسترو يمنى نفسه باقامه طيبه فى بيت المال . الا ان الخال عزيز نقد كان يقول بين كل ربع ساعه للمعزين الفاتحه الفاتحه ارتاحو ارتاحو يا جماعه . وعندما لم يتحرك كاسترو وضع الخال عبد العزيز يديه امام كاسترو وقال له الفاتحه الفاتحه ارتاحو ارتاحو يا جماعه . ولم يكن الخال يعرف ان كاسترو فاكه معاهو . وكان رد كاسترو مرتاحين يا ثقيل . ولم يراعى ان الفقيده والده الخال دكتورعزيز . ولقد سمعت الاخ بشاره يردد هذه الجمله فى براغ فى الستينات ويبدو ان بيت المال كانت ترددها .
من اشهر الفتاته فى امدرمان كان خوجلى الحمارى . وهو طويل القامه بشكل ملفت ونحيف . ويرتدى قبعه من الزعف . لا يتكلم كثيراً . يستطيع ان يلتهم كميات خرافيه . لا يشبع ابداً . اذكر ان العم خضر رحمه الله الياس ( الحاوى ) . قد قال ان الانسان يمكن ان يكسب مالاً كثيرا اذا اخذه الى اوربا كظاهره غير طبيعيه .
خوجلى كان حمارى . وفى احد الاوقات اعطوه خروفا مشويا من الفرن لتوصيله . وبدا يدخل يده ويظعط قطعه من الخروف وعندما وصل كان الخروف عباره عن كومه من العظام . وفى مره اعطوه شوال تمر . وعندما اوصله كان قد اكل ما يقارب نصفه . واحد خواجه فتح مطبخ ووظف خوجلي ولم يكن يعرفه فرجع الخواجه ووجد كل الحلل مغسلة ففرح ولكن لم يجد سوي عشرين قرشا . وتفسير خوجلي كان في كم واحد يا خواجه جوا اكلوا وانا فطرت لي فطور مسلمين . وامدرمان كانت تردد عندما يخرج الامر من اليد ,, فطور مسلمين .
لخوجلى ساحوته كانت وظيفه اخرى وهو انه يدخل الادبخانات . بعد ان يشلع الارضيه ويعمل فتحه تكفى لادخال قامته النحيفه . فكثيراً ما كانت حفله النساء تسقظ منهن وهن فى الحمام وتجد طريقها الى الفجوه . وما كان يزين المرأه قديماً هو عقد الفرج الله الذي يعنى كل مدخرات السيده . او يسقط جزلان احد الاغنياء من جيبه وهو فى الحمام .
رأيت خوجلى فى بيت المال وهو يربط نفسه بحبل وينزل الى داخل (المستراح) ويحمل لمبه مربوطه فى نهايه الحبل . واذكر انه كان يسب ويشتم بالفاظ بذيئه من داخل الحفره بالرغم من وجود النساء .
ولا اظن ان هنالك من يقوم بهذه المهنه الهامشيه الآن . سعدت عندما عرفت ان ابن خوجلى قد صار احد المليونيرات وله عماره فى امدرمان بعدة طوابق .
معدل الزريبه … زريبه المواشى شيدت فى ايام الاستعمار . وكانت تقدم الخدمات البيطريه لاهل امدرمان . ذكر لى الدكتور سلمان بدرى ان البروفسور البريطانى اخذهم للزريبه وهم طلبه فى جامعه الخرطوم وقال للحراس مستفسراً عن ثور مات بطاعون البقر ( النينى ) . ولهذا يقولون يضربك النينى . ( وين جنازه ؟ ) فقال الحارس ( آآ خواجه التور ده قريبك سويتو جنازه . ) البعض كان ياتى بحميرهم او حصينهم او بغنمهم لعمليه ( التعشير ) . والمعدل هو كان من يتولى هذه العمليه . ويوفق بين انثي وذكر . وله حس مهنى ليعرف الطريقه المناسبه والوقت المناسب . ولقد يساعد فى عمليه الايلاج وهو مرتدياً جونت . وكان يقال ان هذه العمليه قد لا تتم ابداً بدون فراسه وخبره واجتهاد المعدل .
مهنه اخرى عرفت بعده اسماء وهى واسطه خير . ولا ناس باركوها . وهو شخص يتواجد فى الزريبه . وعندما يأتى شخص لشراء خروف او خراف , يتدخل بطريقه قد تبدو عفويه وكأنه يريد الخير خاصه عندما يحس بأن العمليه لا تسير فى صالح البائع فيتدخل قائلاً كده يا ابن العم باركها . وبدبلوماسيه يجعل البائع يتنازل عن بضع ريتالات بعد ان حلف بالطلاق وحرم ويفتح الله وده والله ما راس مالو . وقد يقنع المشترى بان ما يكسر حلف الراجل . واذا كان المشترى حاداً وسأله انت دخلك شنو يقول يا ابن العم انا واسطه خير . وبما ان ثمن الخروف فى الخمسينات والستينات كان حوال الخمسه جنيه فواسطه خير كان يمكن ان يتحصل على خمسه قروش او عشره قروش من كل بيعه . وقد يكون رأس مال ويصير بعد فترة تاجر مواشى يبدا بعده رؤوس ويستدين بعض النقود ويصير تاجرا بعد فتره ويعصر لناس واسطه خير .
منادى السيارات كان يتحصل على ( فرينى ) فى كل طرحه فالطرحه من امدرمان للخرطوم كانت بشلن والتكس ياخذ خمسه ركاب . والركاب عادة يتجهون نحو السياره التى تكون شبه ممتلئه وينادون الخرطوم نفر الخرطوم نفر . وعندما يركب آخر راكب ينزل احد الركاب الذى هو فى الحقيقه يساعد المنادى او سائق سياره اخرى تنتظر دورها . وعندما كنت فى طريقى الى قهوة شديد ومعى صديقى كيكس العجلاتى . طلب منا الحاج ان نجلس لنملأ العربه فتردد كيكس فقال الحاج اقعد خت صلبك فى السوسته . انت والله فى نفاس امك ما قعدته فى عربيه . انتو ما ساكنين قدام البحر فى ابروف امك فى اربعينها بس بكون درجوها للمويه , تكس ما جابوهو ليها . وجلسنا فى التكس . وعندما نادى على راكب للجلوس فتح الباب ليركب ولم يتعرف عليه الا انه عندما شاهد كيكس الذى كان يعمل فى ميدان البوسته فى الشارع قفل الباب قائلاً زولك ده الخرطوم بعينو ما شافها , ديل ما ركاب . ولقد صدق فكيكس لم يذهب الى الخرطوم الا عندما كان يعمل مع العم خدر الحاوى كفتوه عندما كان العم خضر الحاوى يدير العاب اللبس تكسب فى المقرن وحديقه الحيوان .
عمال الصحه . ( ود بانديه ) هذه المهنه لم تكن هامشيه ولكن الناس لم تكن تحس بها وتعتبرها هامشيه . فى بدايه القرن الماضى ادخل الانجليز نظام الجردل للتخلص من البراز . وكان المقرر ان تستمر تلك العمليه لبضع سنوات فقط الا انها استمرت لاكثر من نصف قرن . وكان يختار لها الاقوياء لان الجردل عندما يمتلئي يكون ثقيلاً . وفى كل السودان كان يقوم بها الاغراب او من اتوا من مناطق بعيده . فى امدرمان كان مرتبها جيدا وهى الدرجه الاولى وتعنى تسعه جنيه وخمسه وسبعين قرش زائد العلاوه وتصل الى اثناعشر جنيه وهو نفس المرتب الذى يبدأ به رجل البوليس او الميكانيكى الغير متدرب او البناء حديث التعيين فى الاشغال . ولهم بدلات تجعل المبلغ يصل الى خمسه عشر او سته عشر جنيها وهو مبلغ لا يستهان به قديماً . والعمل يكون فى الليل ولذا يكون هؤلاء الناس متبطلين فى النهار ويعملون بعد حلول الظلام . وقديماً كانت الجرادل تفرغ فى عربات جديديه ضخمه تجرها الجمال. وفى بدايه الستينات صارت تجر بالتراكترات . صديقى عبد العزيزجهاز كان يؤدى هذا العمل وعندما يمازحه البعض فى القهوه في سوق الموية كان ينكر بشده وعرف بعبد العزيز جهاز لانه كان يردد دائماً . ينعل ……… ابو اى جهاز . اربعه حمير كان احد المصارعين فى ميدان الربيع كان يؤدى هذه المهنه . وشخص بشوش من اهل العباسيه اسمه كوكو . والجميع كانوا يرتدون ثيابا جميله فى النهار وكأنما يعوضون عن الوصمه التى تتابعهم . والغريبه ان الناس لم تكن تحترمهم بل قد يجدون الاسأه والاستخفاف فى بعض الاحيان . وهذه مهنه مهمه وانسانيه . فى مصر كانت هذه المواد تتجمع فى احواض ضخمه من الرخام تفرغ بواسطه شخص يغطس فيها عارياً ويقوم بفتح صمام عباره عن سداده ضخمه . اخونا …… كان يقود احدى هذه التركترات وكان يلف وجهه عادة بشال تعرفت عليه بواسطه صوته وهو امام كازينو الرفيرا عندما احتد فى الكلام مع احد العاملين . .
من النكت التى تحكى فى امدرمان ان شخص وقف امام الرفيرا منتظرا اى نوع من المواصلات وهو موزون . وعندما شاهد نور التركتر قال لهم بالله يا جماعه ما ممكن توصلونا على بانت فطلب منه السائق ان يجلس على الكنبه وافهمه ان عندهم لفه . وكان يدقس ويصحى . وعندما وصل بانت قال لهم شكرا والله يا جماعه وصلتونا . لكن والله الفسه فيكم ده بالغ . .
. نطلع العقارب والدبايب من البيت، كانوا ينادون علي خدمتهم بالصوت العالي. البعض كان من غرب افريقيا ومصر وهؤلاء عرفوا بالرفاعية في مصر . احد المصريين ايقظ العم خضر الحاوي من نومه بالطرق علي الباب . ورحب به العم خضر . ولكن الرجل جلس محتارا. فهم يحضرون ثعابينهم معهم وهي من نوع البرل الغير سام بلون اصفر. ثعابين الرجل اختفت . العم خضر الحاوي قضي عشرة سنوات في الهند واسيا ، وهذا في العشرينات ، وتعلم الموسيقي والسحر ….. الخ وبعد جرسة و تحانيس و الوعد بعدم ازعاج الناس في فترة القيلولة ارجعت له ثعابينه ..
المعا قزاز والمعا نحاس
في البداية كان البعض يطوف علي المنازل ويشتري الزجاج الفارغ ، لكي يعود للتعبئة في مصنع البيرة ابو جمل ومصانع الشري ابو تركتر و ابو رحط ….الخ النحاس ظهر اخيرا في نهاية الخمسينيات . ملوك النحاس في حي السردارية العباسية تحت كان الاخ رشا والاخ ,,الدب ,, حارس مرمي الفريق القومي عبد العزيز عبد الله وهو اول من عرفني ونحن اطفال بان الحنفية المكسورة يمكن ان تبتاع بقرشين وهذا يعني فلم كارب في سينما العرضة .
من المهن الهامشية والتي اضافت روعة لامدرمان ،المعلنين عن افلام السينما من ظهر عربت الكارو مع بوق لايصال الصوت للكثيرين . على رأسهم حبل القرع . كان يجلس امام لوحة ضخمة تعرض مشاهدا عن الفلم ، اسم الفلم واسم السينما ،، برامبل ،،كثيرا ما كان يضيف اشياءا مشوقة لا وجود لها في الفلم . عندما كان يتكلم عن فلم طريق الشيطان اخد تخريمة وبدأ ينادي على شارع ابليس . فيلم حصار طروادة صار حصان طروادة. عنما لفت نظره الى الخطأ قال .... اعمل شنو اذا راسمين لى صورة حصان قدر الكتلة . يوسف كان ينافسه لسينما الوطنية . ابو النوم كان يكون في بعض الاحيان نائما والحصان يمشي بالكارو يمثل سينما العرضة .
نواصل
كنت اضيف الحرفين ع و س وتعني عتالي سابق . مارست هذه المهنة في السودان خاصة المشاريع والمراكب كنوع من التجربة بدون اجر حبا في اهلها وطريقة حياتهم . مارستها في مواني اوربا لفترة اكثر من سنتين . عائدها في المواني اكثر من دخل العامل في المصنع .
ع . س .شوقي بدري
shawgibadri@hotmail.com