سودانايل:
2025-04-29@13:50:20 GMT

حكاية الهامش والتهميش

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

زهير عثمان

مفهوم الهامش في القاموس السياسي السوداني , هو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى المناطق أو الجماعات التي تعرضت للتهميش السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي على مر العقود. هذا التهميش تمثل في إهمال تنمية تلك المناطق وقضاياها، وتجاهل مشاركة سكانها في صنع القرار السياسي على مستوى الدولة. يُعد مفهوم "الهامش" أحد أبرز القضايا التي تشكل تاريخ الصراع السياسي والاجتماعي في السودان، وقد أفرز تداعيات عميقة على البنية السياسية والاجتماعية في البلاد.


التعريف الأساسي للهامش
الهامش، في السياق السوداني، يشير إلى المناطق الجغرافية الواقعة خارج العاصمة والمراكز الحضرية الكبرى، وخاصة تلك المناطق الواقعة في أطراف البلاد مثل دارفور، جنوب السودان (قبل الانفصال)، جنوب كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشير الهامش أيضًا إلى الفئات الاجتماعية أو الجماعات العرقية التي تعاني من التمييز والتهميش، سواء كان ذلك على أساس العرق أو الدين أو الموقع الجغرافي.
التهميش السياسي والاقتصادي
التهميش السياسي ويُقصد به عدم تمثيل سكان الهامش بشكل كافٍ في المؤسسات السياسية والحكومية. النظام السياسي في السودان منذ الاستقلال تميز بتركيز السلطة في أيدي النخبة الحضرية التي تتركز في العاصمة (الخرطوم) والمناطق المجاورة لها. هذا التهميش أدى إلى حرمان سكان الهامش من الوصول إلى مراكز صنع القرار والمشاركة الفعالة في تحديد السياسات الوطنية.
التهميش الاقتصادي المناطق الهامشية في السودان تعاني من نقص كبير في التنمية والخدمات الأساسية مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية، والمياه. معظم الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الكبرى تتركز في المناطق المركزية، مما يزيد من الفجوة بين المركز والهامش ويعزز الإحساس بالإقصاء بين سكان المناطق الطرفية.
البعد التاريخي للهامش
التهميش في السودان له جذور تاريخية تعود إلى فترة ما قبل الاستعمار البريطاني، لكنه تفاقم بشكل أكبر بعد استقلال السودان في عام 1956. بعد الاستقلال، استمرت النخبة السياسية في العاصمة في التحكم في السلطة والثروة، مما أدى إلى شعور متزايد بالظلم في الأقاليم الطرفية. هذا التباين التاريخي ساهم في اندلاع العديد من النزاعات الأهلية والحروب في البلاد، من بينها الحرب في جنوب السودان (قبل انفصاله)، وحروب دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.
الهامش والمركز
المفهوم المركزي الذي يرتبط بمفهوم الهامش هو "المركز"، وهو العاصمة الخرطوم والمناطق المتاخمة لها. "المركز" في السياق السياسي السوداني يُعتبر المهيمن على السلطة والثروة والتنمية، بينما يُعتبر "الهامش" محروماً من هذه الموارد. هذا النموذج الثنائي (المركز والهامش) أصبح جزءاً من الخطاب السياسي الذي يفسر الفوارق الاقتصادية والسياسية في السودان.
دور الحركات المسلحة والقوى السياسية
نتيجة للتهميش المستمر، ظهرت حركات مسلحة وأحزاب سياسية تُطالب بحقوق سكان الهامش، وتحاول إنهاء الفجوة بين المركز والهامش. من أبرز هذه الحركات "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي نشأت في جنوب السودان، و"حركة العدل والمساواة" في دارفور، وغيرهما من الجماعات التي تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية.
تطالب هذه الحركات بالمزيد من العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتوزيع عادل للثروات، وكذلك تمثيل سياسي أفضل لسكان المناطق الهامشية. وقد أدت هذه المطالبات إلى نزاعات وحروب أهلية طويلة الأمد، أثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسي في السودان.
لتهميش في الخطاب السياسي المعاصر
مفهوم الهامش أصبح جزءاً من الخطاب السياسي السوداني الحديث، حيث تتبناه العديد من القوى السياسية والمدنية كوسيلة للمطالبة بالإصلاح. الخطاب حول الهامش لم يعد يقتصر على الحركات المسلحة، بل أصبح جزءاً من الجدل السياسي في الخرطوم نفسها، حيث تُطرح مطالب بالعدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للسلطة والثروة.
أبعاد الهوية والتعددية الثقافية
الهامش في السودان يرتبط أيضاً بقضايا الهوية والتعددية الثقافية. كثير من سكان المناطق الهامشية ينتمون إلى جماعات عرقية ولغوية مختلفة عن سكان المركز، الذين يتحدثون العربية وينتمون إلى ثقافة عربية إسلامية مهيمنة. هذا البعد الثقافي أضاف تعقيداً إضافياً إلى قضية الهامش، حيث تم ربط التهميش بقضايا التمييز العرقي والثقافي.

الهامش في المستقبل السياسي السوداني
بعد الثورة السودانية في 2019 وسقوط نظام عمر البشير، تزايدت المطالب بإدراج قضايا الهامش في الأجندة الوطنية. هناك جهود مستمرة لتحقيق السلام مع الحركات المسلحة وتلبية مطالب المناطق الهامشية، ومع ذلك لا تزال التحديات كبيرة في تحقيق مصالحة شاملة وتوزيع عادل للثروات والسلطة.
مفهوم الهامش في القاموس السياسي السوداني هو تعبير عن تاريخ طويل من الإقصاء والتهميش لمناطق وفئات معينة داخل الدولة. الفجوة بين "المركز" و"الهامش" تمثل أحد أهم التحديات التي تواجه السودان منذ استقلاله، وهي سبب رئيسي في النزاعات والحروب التي عانى منها. معالجة قضايا الهامش تتطلب جهوداً سياسية جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة.
خطورة خطاب التهميش في الطرح السياسي . و تكمن في قدرته على تأجيج الصراعات الاجتماعية والسياسية وتعميق الانقسامات داخل المجتمع والدولة. خطاب التهميش يبرز عندما تشعر جماعات معينة بالإقصاء السياسي، الاقتصادي، أو الاجتماعي من النظام العام. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً إذا تم استخدامه للضغط من أجل الإصلاح والعدالة، إلا أن مخاطره تتزايد عندما يتحول إلى وسيلة للاستقطاب والتجييش، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. فيما يلي أبرز مخاطر هذا الخطاب:
تعزيز الانقسامات الاجتماعية والسياسية
خطاب التهميش يقوم عادة على تقسيم المجتمع إلى "مركز" و"هامش"، أو إلى فئات مستفيدة وفئات مضطهدة. هذا الخطاب يعمق الانقسامات بين الفئات المجتمعية المختلفة على أساس العرق، الدين، الجغرافيا، أو الثقافة. مثل هذا الخطاب قد يؤدي إلى حالة من الاستقطاب الحاد، حيث تصبح الجماعات المختلفة أكثر انعزالاً عن بعضها البعض وأكثر تمسكاً بمواقفها ومظلومياتها، مما يعيق بناء التوافق الوطني .
تأجيج الصراعات الأهلية
عندما تتبنى الحركات السياسية أو الجماعات خطاب التهميش بشكل متطرف، فإن ذلك قد يشجع على اللجوء إلى العنف كوسيلة لتحقيق المطالب. في السودان، على سبيل المثال، أدى خطاب التهميش في مناطق مثل دارفور وجنوب السودان إلى تصاعد الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة. استخدام هذا الخطاب بشكل حاد يُشرعن أعمال العنف ضد "المركز" أو الأطراف الأخرى التي تُعتبر مسؤولة عن التهميش.

إضعاف الثقة في المؤسسات الوطنية
من أخطر آثار خطاب التهميش هو إضعاف الثقة في المؤسسات الوطنية (مثل الحكومة، البرلمان، الجيش). الجماعات التي تشعر بالتهميش ترى أن هذه المؤسسات غير شرعية أو أنها لا تمثل مصالحها. نتيجة لذلك، قد ينخفض الإقبال على المشاركة السياسية الرسمية، ويزيد الاعتماد على وسائل غير رسمية أو عنيفة لتحقيق المطالب. وهذا يضعف النظام السياسي ككل ويزيد من حالة الفوضى وعدم الاستقرار.
الإضرار بالوحدة الوطنية
عندما يسيطر خطاب التهميش على المشهد السياسي، تصبح فكرة "الوحدة الوطنية" مهددة. بدلاً من الشعور بالانتماء إلى كيان سياسي واحد، قد تبدأ الجماعات المتضررة في التفكير في حلول أخرى، بما في ذلك انفصال. كما حدث في حالة جنوب السودان، حيث أدى تفاقم التهميش إلى انفصال الجنوب وتشكيل دولة مستقلة في عام 2011.
تشويه الحركات السياسية
الحركات السياسية التي تتبنى خطاب التهميش قد تفقد تدريجياً مصداقيتها إذا لم تحقق نتائج ملموسة. التركيز المستمر على خطاب المظلومية قد يؤدي إلى حالة من الاستياء بين الجمهور المستهدف، خاصة إذا شعروا بأن الحركات التي تمثلهم لا تقدم حلولاً حقيقية أو تنجز تغييرات فعلية. كما أن استمرار هذا الخطاب قد يُنظر إليه على أنه نوع من الاستغلال السياسي.
. عرقلة التنمية والإصلاح
خطاب التهميش، إذا لم يُدر بوعي وحكمة، يمكن أن يصبح عقبة أمام تحقيق التنمية والإصلاحات الحقيقية. التركيز الشديد على التهميش قد يُلهي الحكومة والمجتمع عن معالجة القضايا الجوهرية مثل التنمية الاقتصادية، التعليم، والصحة. بدلاً من بناء نظام سياسي اقتصادي يشمل الجميع، يصبح التركيز على التهميش جزءًا من الصراع السياسي الداخلي، مما يعطل فرص التعاون والتقدم.
. استخدام التهميش كأداة سياسية
في بعض الحالات، يمكن أن يُستخدم خطاب التهميش كأداة سياسية من قبل النخب لتحقيق أهداف شخصية أو حزبية. هذا النوع من الاستغلال السياسي يزيد من الانقسام في المجتمع، لأنه يخلق تصوراً لدى الجماهير بأن القضايا الحقيقية للتهميش لا تُعالج بصدق، وإنما يتم التلاعب بها لتحقيق مكاسب سياسية مؤقتة.
. إثارة النعرات العرقية والإثنية
في بلدان متعددة الأعراق مثل السودان، يمكن لخطاب التهميش أن يثير النعرات العرقية والإثنية بشكل خطير. في السودان، على سبيل المثال، ارتبط خطاب التهميش في مناطق مثل دارفور بمظلوميات إثنية، مما أدى إلى اندلاع صراعات عرقية طويلة الأمد. استخدام خطاب التهميش بهذا الشكل يمكن أن يقود إلى تعزيز الكراهية بين الفئات المختلفة وزيادة حدة النزاعات العرقية.إضعاف الهوية الوطنية المشتركة
إحدى المخاطر الكبرى لخطاب التهميش هي تقويض فكرة الهوية الوطنية المشتركة. عندما يتم التركيز بشكل مفرط على الفوارق الجغرافية أو العرقية أو الدينية، يتلاشى الإحساس بالانتماء الوطني لصالح الهويات الجزئية. وهذا قد يؤدي إلى تعقيد عملية بناء دولة مستقرة ومتنوعة تحترم التنوع داخل إطار الوحدة الوطنية.
التطرف والانفصال
عندما يصل خطاب التهميش إلى ذروته، يمكن أن يؤدي إلى تطرف بعض الجماعات، مما يدفعها إلى المطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي الكامل. مثل هذه التحركات تؤدي إلى تصاعد الصراع الداخلي، وقد تُفضي إلى تفكك الدولة كما حدث في جنوب السودان.
خطاب التهميش، على الرغم من مشروعيته في بعض الأحيان كوسيلة للمطالبة بالحقوق والعدالة، يحمل مخاطر كبيرة على استقرار المجتمعات والدول إذا لم يتم توظيفه بشكل حكيم ومسؤول. التحدي الأكبر يكمن في كيفية معالجة قضايا التهميش بطريقة شاملة وعادلة دون تأجيج الصراعات أو تعزيز الانقسامات الداخلية. يتطلب ذلك قيادات سياسية رشيدة تعمل على تحقيق إصلاحات متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف وتضمن المشاركة العادلة في السلطة والثروة.

*هذا الطرح لعرض وجهة نظري كاملة لان مشاركتي في منتدى التبلدي كانت مربوطة زمن محدد ولكثرة المشاركين في الغرفة

مراجع وكتب يمكن الاستنارة بما فيها من اراء

قضية التهميش في السودان تُعدّ من المواضيع الرئيسية التي تم تناولها بشكل واسع في الكتابات السياسية والاجتماعية والأكاديمية. تناولت العديد من الكتب والدراسات قضية التهميش من زوايا مختلفة، بما في ذلك تاريخه، وأسبابه، وتأثيراته على الصراعات السياسية والاجتماعية في البلاد. فيما يلي بعض من الكتب والكتابات الهامة التي تتناول قضية التهميش في السودان:

1. "دارفور: تاريخ الحرب طويلة الأمد" - أليكس دي وال
هذا الكتاب يُعدّ من أهم الدراسات حول أزمة دارفور، التي تعتبر أحد أبرز أمثلة التهميش في السودان. يناقش دي وال الجذور التاريخية والسياسية للنزاع في دارفور، ويعزو جزءاً كبيراً من الأزمة إلى سياسات التهميش المتعمدة من قبل الحكومة المركزية.

2. "المركز والهامش: إعادة التفكير في الصراع السوداني" - فرانسيس دينق
فرانسيس دينق، وهو أكاديمي سوداني بارز، يناقش في هذا الكتاب التوترات بين المركز والهامش في السودان. يركز دينق على الديناميكيات الثقافية والسياسية التي أدت إلى الشعور بالتهميش لدى المناطق الطرفية، مثل جنوب السودان ودارفور، وكيفية تأثير هذا التهميش على الهوية الوطنية السودانية.
3. "السودان: دراسة في جذور النزاع" - غابرييل ريجنالد واربرج
هذا الكتاب يستعرض النزاعات السودانية من منظور تاريخي وسياسي، مسلطاً الضوء على التهميش كعامل رئيسي في اندلاع النزاعات في السودان. يناقش واربرج السياسات التي اتبعتها الحكومات السودانية تجاه المناطق الهامشية وكيفية إسهامها في تفاقم الصراعات.

4. "الحرب والسلام في السودان: الداخل والخارج" - منصور خالد
منصور خالد، السياسي والدبلوماسي السوداني، يقدم في هذا الكتاب تحليلاً شاملاً للصراعات السودانية، مسلطاً الضوء على التهميش كأحد الأسباب الرئيسية للصراع. يناقش الكتاب كيف أن سياسات التهميش الاقتصادية والاجتماعية أسهمت في تأجيج النزاعات الداخلية.

5. "السودان: النخب والصراعات الثقافية" - عبد الله علي إبراهيم
يعتبر هذا الكتاب من المراجع المهمة لفهم التوترات بين المركز والهامش في السودان. يدرس عبد الله علي إبراهيم التهميش الثقافي والعرقي الذي تعاني منه العديد من الجماعات السودانية، ويربط هذا التهميش بالصراعات السياسية والاجتماعية في البلاد.

6. "جنوب السودان: صراع الهوية والسيادة" - سلمان محمد أحمد سلمان
سلمان محمد أحمد سلمان يناقش في هذا الكتاب أزمة جنوب السودان في إطار التهميش الطويل الذي عانى منه الجنوب منذ الاستقلال. يستعرض الكتاب مراحل الصراع الذي أدى في النهاية إلى انفصال الجنوب في 2011، مع التركيز على التهميش السياسي والاقتصادي.

7. "التهميش والسلطة في السودان: دارفور كنموذج" - حسن مكي محمد أحمد
هذا الكتاب يقدم دراسة تفصيلية عن دارفور بوصفها نموذجاً للتهميش في السودان. يناقش حسن مكي السياسات الحكومية التي أسهمت في تهميش دارفور، ويربطها بالصراعات العنيفة التي شهدتها المنطقة.

8. "الهامش والمركز: قضية الوحدة والانفصال في السودان" - جيمس كوبينغ
في هذا الكتاب، يناقش جيمس كوبينغ مسألة الهوية الوطنية السودانية والصراعات بين الهامش والمركز التي أدت إلى انفصال جنوب السودان. يركز الكتاب على الأبعاد الثقافية والسياسية للتهميش وكيفية تأثيرها على الوحدة الوطنية.

9. "الصراع على الهوية في السودان: العرق، الدين والسياسة" - النور حمد
النور حمد في هذا الكتاب يستكشف كيفية تداخل العرق والدين في تشكيل الهويات السياسية في السودان، وكيف أن هذه العوامل أسهمت في تهميش مجموعات معينة داخل المجتمع السوداني.

10. "الاستعمار الجديد والتهميش في السودان" - مكي مدني
هذا الكتاب يعالج قضية التهميش من منظور نقدي للاستعمار الجديد. يناقش مكي مدني كيفية استمرار التهميش عبر سياسات النخب الحاكمة بعد الاستقلال، ويقدم تحليلاً للنظام الاقتصادي والسياسي الذي يحافظ على هذه الهياكل التهميشية.

هذه الكتب والكتابات تقدم رؤى عميقة وتحليلات متنوعة حول قضية التهميش في السودان. يغطي الأدب المتعلق بهذه القضية جوانب متعددة تشمل التاريخ، السياسة، الثقافة، والاقتصاد، مما يساعد في فهم الأبعاد المختلفة للتهميش وآثاره على السودان. تلعب هذه الدراسات دوراً هاماً في تشكيل النقاش العام والسياسات المتعلقة بكيفية معالجة قضية التهميش وتحقيق العدالة الاجتماعية في السودان

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السیاسیة والاجتماعیة التهمیش فی السودان السیاسی السودانی الوحدة الوطنیة الهویة الوطنیة الاجتماعیة فی فی هذا الکتاب جنوب السودان هذا الکتاب ی بین المرکز هذا التهمیش على التهمیش قد یؤدی إلى هذا الخطاب العدید من الهامش فی فی البلاد سیاسیة فی یمکن أن ی التی ت

إقرأ أيضاً:

الرهانات الخاطئة على فشل الإسلام السياسي

منذ نشوء وصعود الإسلام السياسي في المجال العربي الإسلامي تعرض إلى حملة مادية ورمزية عنيفة منسقة وممنهجة من القمع والاحتواء، وخضعت الحركات الإسلامية على مدى عقود إلى عمليات نزع شرعية قاسية من الاستئصال والاستبعاد، وخضع حقل دراسات الإسلام السياسي إلى مقاربة استشراقية وثقافوية وأمنية غير تفهمية؛ بهدف تشويه وتسفيه خياراته الأيديولوجية والسياسية والأخلاقية، وجرى حبسه في سجن المقاربة الجوهرانية الماهوية، وحُشر في سياق هوية متطرفة عنيفة على يد خبراء مزعومين وموظفين مخلصين لأجندة الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية والسلطوية العربية؛ بقصد إخضاع حركات الإسلام السياسي وتطويعه وفرض الهيمنة والسيطرة على أفكاره وممارساته.

منذ صدور كتاب الباحث الفرنسي أوليفييه روا "فشل الإسلام السياسي" في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، باتت مقولة "فشل الإسلام السياسي" وأفوله ونهايته ثيمة راسخة في التعاطي مع الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وهي نبوءة سياسية رغبوية لا تستند إلى أدنى درجات المعرفة العلمية، فقد أخقفت في كافة مراحل صعود الإسلام السياسي. فلم تفشل الحركات الإسلامية قي أي اختبار ديمقراطي حقيقي، وتعرضت لعمليات قمع واستئصال عنيقة وقاسية من خلال أجهزة الدولة الاستبدادية القمعية العسكرية والقانونية. ففي كل مرة حصلت فيها حركات الإسلام السياسي على ثقة الشارع بانتخابات ديمقراطية نزيهة تم قمعها بعنف عسكري وقانوني، وبدعم ومباركة من المركزية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي كانت حركات الإسلام السياسي رغم عمليات القمع والاحتواء تعود أقوى من السابق، وشكلت محطة الانتفاضات العربية مختبرا لإخفاق نبوءات الفشل والأفول. وفي زمن "طوفان الأقصى" برهن الإسلام السياسي عن استحالة إزاحته وإعلان موته، فقد برهنت حركة حماس عن وهم الصهيونية بالقضاء عليها، وفي غفلة عن التحولات الجيوبوليتيكية أصبحت سوريا في قبضة الإسلام السياسي وتخلصت من حكم استبدادي عربي وحشي، وكانت حركة طالبان قد أحكمت قبضتها على أفغانستان قبل ذلك ودحرت الولايات المتحدة وواجهضت الحلم الإمبريالي.

تكشف التحولات العميقة التي عصفت في بنية النظام الدولي عن بوادر هزيمة استراتيجية للثلاثي الإمبريالي والصهيوني والاستبدادي في ثلاث مناطق جيوسياسية مركزية (أفغانستان وفلسطين وسوريا) عن طريق الإسلام السياسي، على اختلاف توجهاته الأيديولوجية، وهو ما دفع بثلاثي القهر العالمي إلى استخدم العنف المفرط للحيلولة دون تحقيق نصر كامل للإسلام السياسي
تكشف التحولات العميقة التي عصفت في بنية النظام الدولي عن بوادر هزيمة استراتيجية للثلاثي الإمبريالي والصهيوني والاستبدادي في ثلاث مناطق جيوسياسية مركزية (أفغانستان وفلسطين وسوريا) عن طريق الإسلام السياسي، على اختلاف توجهاته الأيديولوجية، وهو ما دفع بثلاثي القهر العالمي إلى استخدم العنف المفرط للحيلولة دون تحقيق نصر كامل للإسلام السياسي، وهو ما يتزامن مع صعود منظورات دول الحضارة وبروز التعددية القطبية، حيث يشهد العالم تحولا في النظام العالمي من نظام عمودي، حيث يكون الغرب فوق البقية، إلى نظام أفقي، حيث يكون الغرب والبقية على قدم المساواة مع بعضهم البعض من حيث الثروة والقوة والأفكار. وشكلت حرب الإبادة في غزة مختبرا لثلاثي القهر ونهاية سردية الحضارة والبربرية، فبدلا من الدفاع عن القيم العالمية كالديمقراطية وحقوق الإنسان، انتهت الأحادية إلى الدفاع عن أسلوب حياة أحادي ضد كل البدائل المتعددة.

إن العداء للإسلام السياسي يعبر عن حالة الهلع والفوبيا من عودة منظورات دول الحضارة التي ترتكز على الهوية الحضارية، والالتزام بالرموز الثقافية الموروثة من أجيال وأجيال من الأجداد، والمتجذرة في هوية الشعوب الذاتية، إذ يشير مصطلح الإسلام السياسي إلى الأفكار والحركات التي تسعى لتأسيس كينونة تناهض المنظومة الإمبريالية والحركة الصهيونية والأنظمة الاستبدادية.

وتهدف حركات الإسلام السياسي على المدى المنظور والبعيد إلى إقامة "نظامٍ إسلامي" يتمثّل في دولة تُحكَم بالشريعة وتفرض القوانين الأخلاقية الخاصة بها في المجتمعات الإسلامية، وما حصل في العالم العربي من إخفاق مؤقت لهذه الحركات هو فشل لنوع من نضالات الإسلام السياسي؛ حين تخلى عن أهدافه النهائية واندمج في إطار دولة سلطوية استبدادية تتناقض في أبسط تعريفاتها مع مفاهيم الحكم الإسلامي الجيد.

وبهذا فإن فشل الإسلام السياسي هو فشل تكتيكي في إطار حدود اللعبة السلطوية المحسوبة دون ديمقراطية حق، فالحرب الشاملة على حركات الإسلام السياسي هي نتاج حقد وكراهية متأصلة خشية ظهور كينونة مسلمة مخِلة بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة. وإن ظهور كثير من الأفعال السياسية باسم الإسلام يمكن وصفها بطريقة مفيدة باعتبارها الإسلام السياسي. وقد تمّ وسم ظهور الإسلام السياسي بتطوّرين: إزاحة الغرب عن المركز، والمحاولة المتصاعدة في شدّتها لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز عبر إعادة تقرير تفوّق البيض.

يبدو أن الخوف من عودة حركات الإسلام السياسي كفاعل في المجال السياسي العربي منطقيا عقب عملية "طوفان الأقصى" المباغتة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 التي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة المحتل، وكانت حركة طالبان قبل ذلك بعام قد فرضت واقعا مختلفا في أفغانستان وهزمت الولايات المتحدة. وقد برهنت "حماس" على قدرة الإسلام السياسي على المخاطرة والمغامرة في ظل انسداد أفق الحل السياسي العادل، وأن الاستقرار المبني على جبروت القهر وغطرسة القوة مجرد وهم لا يحقق الأمن، ولا يتمتع بالشرعية والمشروعية. وسرعان ما أطاحت هيئة تحرير الشام بعد عام من عملية "طوفان الأقصى" بنظام استبدادي عربي وحشي.

فعملية "طوفان الأقصى" عصفت بركائز الأمن القومي الإسرائيلي وعقيدة الردع الاستعمارية، وهزت أركان النظام الدولي المبني على الهيمنة الأمريكية الأحادية، وأصبح النظام الاستبدادي العربي ما بعد استعماري في حالة شك وفقدان الثقة بمستقبله، وسرعان ما صدرت تحذيرات عالمية وإقليمية ومحلية واسعة من خطر صعود حركات الإسلام السياسي في المنطقة، والترهيب من موجة جهادية عالمية جديدة تهدد الاستقرار العالمي والإقليمي.

إن حالة الرعب التي دبت في أوصال النظام الاستبدادي المبني على القهر من موجة ثالثة لصعود حركات الإسلام السياسي تقوم على الخشية من تشكّل نموذج جديد على شاكلة "حماس"، فلا جدال في أن حركة "حماس" ترتبط تاريخيا وأيديولوجيا بحركات الإسلام السياسي، لكنها تختلف عن الحركات الإسلامية الأخرى بخصوصية العمل في نطاق حكم استعماري. وقد تطورت "حماس" من حركة إحيائية دعوية إصلاحية إلى حركة مقاومة إسلامية عسكرية، وهي تجمع بين العمل الديني الإصلاحي الدعوي والاشتغال السياسي والمدني والعسكري. وهي حركة مقاومة وطنية إسلامية سياسية جهادية تحصر نطاق عملها العسكري بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، وتؤمن بنهج إصلاحي تدريجي في تطبيق المبادئ الإسلامية والحكم، ولذلك تمتعت "حماس" بحكم صلاتها التاريخية والأيديولوجية بالإخوان المسلمين؛ بالدعم والتأييد من كافة حركات الإسلام السياسي المنبثقة من الإخوان.

يتأسس الخوف من ظهور نمط جديد من حركات الإسلام السياسي من الخشية من نجاح حركة "حماس" في فرض نفسها وعدم القدرة على هزيمتها وتجاوزها في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وهو ما يؤذن بتدشين نموذج إرشادي جديد وملهم لحركات الإسلام السياسي التي فشلت في خلق جاذبية كافية لإحداث اختراق في النظام الاستبدادي العربي الما بعد استعماري. فالنموذج الجديد الذي تقدمه "حماس" يجمع بين التقاليد الخطابية الإسلامية والتأويلات الواقعية المجسدة، إذ لم تتخل حماس عن هويتها الدينية الإسلامية، وإنما أعادت تعريفها هويتها نتيجة تطور نظرتها العالمية المتغيرة، ولم تستبدل معجمها الديني الإسلامي وحقلها الدلالي، وإنما أضافت إليه مفردات من المعجم القومي الحداثي، لتوسع مجال الخطاب إلى مجال تداولي أشمل، وهو ما فشلت فيه حركات الإسلام السياسي في اختبارات عدة.

في زمن الاستقرار في ظل الهيمنة الأحادية الأمريكية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 أصبح العداء للإسلام السياسي بضاعة رائجة في ظل عولمة "الإسلاموفوبيا" صناعة إمبريالية غربية رائجة، وبات مصطلح الإرهاب يكافئ دين الإسلام، وبعد الانقلاب على ثورات الربيع العربي أعيد تشكيل النظام الاستبدادي العربي باستبعاد أي شكل من عملية تسيس الإسلام، والانتقال إلى إدماج المستعمرة الصهيونية في المنطقة.

وقد جاءت عملية "طوفان الأقصى" في لحظة تاريخية شهدت تراجعا قسريا لدور الحركات الإسلامية على اختلاف أوجهها وتوجهاتها، عقب الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي"، وفي حقبة تاريخية بائسة تماهى فيها الخطاب الاستبدادي العربي مع المقاربة الصهيونية الإسرائيلية والإمبريالية الغربية، حيث تناسى خطاب القهر الثلاثي أسباب العنف الإسرائيلي في قطاع غزة الذي حوله الاحتلال إلى معتقل وسحن كبير. وقد تجاهل الثلاثي الإمبريالي الغربي والاستعماري الصهيوني والاستبدادي العربي الخلفية التاريخية والسياقية للمشروع الاستعماري الإسرائيلي الذي يستند إلى الاحتلال والإخضاع والإبادة والمحو والتطهير، كما تناسى المجتمع الدولي حقيقة شرعية المقاومة الفلسطينية المناهضة للاستعمار وطبيعتها كحركة تحرر وطني، الأمر الذي جعل من تكرار إسرائيل لجرائمها في غزة شيئا ممكنا، بل واجبا يقوم على حق الدفاع عن النفس، بينما حشرت حركات الإسلام السياسي عموما وحركات المقاومة خصوصا في خانة "الإرهاب".

نظرية الاستقرار في ظل الهيمنة الأمريكية باتت ترتكز إلى دعم الأنظمة السلطوية، ولم تعد قضية الديمقراطية ومسألة حقوق الإنسان جوهرية في السياسات الدولية والإقليمية، وأصبحت شأنا ثانويا داخليا من متطلبات السيادة الوطنية، وتحولت مدارك النظر إلى القضية الفلسطينية من مسألة استعمار واحتلال وعدالة سياسية إلى مشكلة إنسانية، وتبدلت النظرة إلى إسرائيل من دولة استعمارية عنصرية توسعية مهددة للاستقرار إلى شريك في صناعة الاستقرار الإقليمي
فقد أصبح الوهم القائل بأن القضية الفلسطينية يمكن محوها أو نسيانها حقيقة مقبولة لدى المستوطنين الإسرائيليين وحلفائهم الدوليين، وتنامى الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية باتت قضية منسية ومهجورة، وأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على وجودها غير القانوني إلى أجل غير مسمى لأنها صاحبة اليد العسكرية العليا. وقد عززت مسارات التطبيع مع الدول العربية السلطوية في جعل الاحتلال حقيقة دائمة وحالة طبيعية، حيث تماهت الخطابات الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية والاستبدادية العربية مع أسطورة "الإرهاب الإسلامي"، وخرافة الإسلام السياسي كمهدد للاستقرار.

لقد تنامى الوهم بالقضاء على الإسلام السياسي بعد الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي"، حيث تشكّلت تصورات دولية وإقليمية جديدة حول دور الحركات الإسلامية في تحقيق الاستقرار، فقد تبدلت النظرة التقليدية التي طالما ربطت عدم الاستقرار الداخلي بالأنظمة الاستبدادية وغياب الديمقراطية، وهشاشة الاستقرار الإقليمي بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وتحولت المقاربة الدولية والإقليمية بالنظر إلى جماعات الإسلام السياسي باعتبارها أحد أهم عوامل عدم الاستقرار.

فنظرية الاستقرار في ظل الهيمنة الأمريكية باتت ترتكز إلى دعم الأنظمة السلطوية، ولم تعد قضية الديمقراطية ومسألة حقوق الإنسان جوهرية في السياسات الدولية والإقليمية، وأصبحت شأنا ثانويا داخليا من متطلبات السيادة الوطنية، وتحولت مدارك النظر إلى القضية الفلسطينية من مسألة استعمار واحتلال وعدالة سياسية إلى مشكلة إنسانية، وتبدلت النظرة إلى إسرائيل من دولة استعمارية عنصرية توسعية مهددة للاستقرار إلى شريك في صناعة الاستقرار الإقليمي.

وهكذا أُسدل الستار على نظريات إدماج الإسلاميين في الحكم، وضرورة اشتمال الاعتدال في السلطة، وانتهت مقولات الاعتدال وجدار الوقاية، وغدت الحركات الإسلامية تتقلب بين تعريفها بين كونها حزاما ناقلا للتطرف والعنف، أو اعتبارها حركات عنيفة إرهابية، وتبلورت عقيدة دولية جديدة حول ماهية الاستقرار ومكوناته في نظام سلطوي في الشرق الأوسط، وأصبح وجود إسرائيل مشروطا بوجود أنظمة استبدادية عربية تقمع الإرادة الحرة للشعوب، وغدت الوظيفة المقدسة للاستبدادية العربية العمل كحاجز حماية بين إسرائيل والشعوب العربية.

فالعلاقة بين "عملية السلام" والديمقراطية في المنطقة العربية حسب الرؤية الأمريكية والإسرائيلية باتت توصف بالعلاقة المعقدة، وهو ما يفرض التضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان لجلب السلام والاستقرار الإقليمي في ظل الهيمنة العالمية الأمريكية. واختفت النظرة إلى الكيان الإسرائيلي كعدو مهدد للاستقرار، وباتت إسرائيل بمنزلة الصديق، بعد أن أصبحت المستعمرة الصهيونية الإسرائيلية صلة الوصل بين الأنظمة الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية.

قبل عملية "طوفان الأقصى" تبدلت المنطقة وتحولت إلى واحة استبدادية في ظل الهيمنة الأمريكية، وظهر مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط عقب اكتمال إعادة بناء الاستبدادية العربية، بعد الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي" التي جاءت بالإسلاميين إلى السلطة، وبرزت تصورات جديدة حول مهددات الاستقرار في نظام سلطوي في المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية، إذ لم يعد ينظر إلى الاستبداد كتهديد وعقبة تحول دون الاستقرار، بل أصبحت مطلبا ضروريا للاستقرار، ولم يعد يُشار إلى وجود الاستعمار الإسرائيلي كمهدد للاستقرار، وتبدلت تعريفات الصديق والعدو، فاختُزلت مهددات الاستقرار بوجود الإسلام السياسي على اختلاف توجهاته السياسية؛ الديمقراطية السلمية والجهادية الثورية، وتبلورت رؤية تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وإدماج المستوطنة الاستعمارية الإسرائيلية في نسيج المنطقة، من خلال تأسيس تحالف بين الإمبريالية الأمريكية والاستبدادية العربية والاستعمارية الإسرائيلية تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك المتمثل بالحركات الإسلامية؛ التي تقوم أيديولوجيتها الدينية السياسية على مناهضة الإمبريالية والاستبدادية والاستعمارية، وأصبحت الأنظمة الاستبدادية العربية متماهية مع الرؤية الإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية في بناء التصورات الأساسية حول المنطقة، وأصبحت تتبنى السردية الأمريكية الإسرائيلية حول تعريف الاستقرار وماهية الصديق والعدو.

الخوف من عودة الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى" ومنع انبعاثه والقضاء على "حماس"، هدف مشترك للأنظمة الاستبدادية العربية والإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية، فظهور كينونة مسلمة مقاومة يخل بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة
وبلغت الكراهية والعدوانية تجاه الحركات الإسلامية في المنطقة أوجها بعد الانقلاب على "الربيع العربي"، وهو ما تجلى في بناء استراتيجية تقوم على التخلص من الإسلاميين محليا، وتسليم قيادة المنطقة إقليميا للمستعمرة الاستيطانية اليهودية، ومحو وإزالة وتصفية القضية الفلسطينية، من خلال نسج تحالفات مع الأنظمة العربية الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية، أسفرت عن توقيع اتفاقات السلام "الإبراهيمية"، وبناء تحالفات عسكرية مشتركة، من خلال استراتيجية أمريكية غربية طموحة تسعى إلى إدماج المستعمرة الاستيطانية اليهودية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك تمّ اختزاله بمقولة "الإرهاب" الإسلامي، والذي بات يكافئ مصطلح "الإسلام السياسي".

خلال السنوات التي أعقبت الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي" التي أظهرت قوة ونفوذ حركات الإسلام السياسي التي ترى في الإسلام دين وسياسة، تعاملت الأنظمة الاستبدادية العربية بقسوة مع نمط الإسلاميين المسيسين باستخدام القوة العسكرية أو العنف القانوني أو مزيج بين المقاربتين، ولجأت الأنظمة الاستبدادية المحافظة إلى مزيح من الاحتواء والإخضاع، وساد الاعتقاد لدى معظم الخبراء والباحثين بنهاية رؤى الإسلام السياسي وبروز نمط جديد من التدين، يستند إلى ظهور تغيرات في الممارسة الدينية من التعبئة السياسية من أجل الخلاص المجتمعي، وإلى تحول الإسلام إلى نهج غير مُسيس وشيوع نمط من التدين يقوم على سعي شخصي فرداني روحاني، حيث فُسّر تراجع الإسلام السياسي بسبب رفض المجتمعات لأطروحات ونهج الإسلام السياسي بعد الإخفاق في إيحاد حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دون الالتفات إلى أن انحسار الإسلاميين جاء بسبب الانقلابات العسكرية المسلحة واستخدام العنف المادي والقانوني، وتشكيل تحالفات عسكرية دولية واسعة للقضاء على المنظمات الجهادية العالمية.

خلاصة القول أن الخوف من عودة الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى" ومنع انبعاثه والقضاء على "حماس"، هدف مشترك للأنظمة الاستبدادية العربية والإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية، فظهور كينونة مسلمة مقاومة يخل بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة. وإن ظهور كثير من الأفعال السياسية باسم الإسلام يمكن وصفها بطريقة مفيدة باعتباره الإسلام السياسي، وقد تمّ وسم ظهور الإسلام السياسي بتطوّرين: إزاحة الغرب عن المركز، والمحاولة المتصاعدة في شدّتها لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز من خلال إعادة تقرير تفوّق العرقية البيضاء والعرقية اليهودية.

فالتحدي الذي يفرضه الإسلام السياسي يمكن مقاربته من خلال النظر إليه باعتباره إطارا مفككا للاستعمارية الصهيونية والغربية على الصعيدين الإبستمولوجي والاستراتيجي، فالحركات الإسلامية تتوافر في جوهرها على أجندة تؤسس لكينونة مناهضة لسياسات ومصالح ومشاريع الغرب الإمبريالي، فقد نشأت كرد فعل على الاجتياح الكولونيالي والإمبريالي للعالم الإسلامي الذي تزامن مع نشوء الحركة الصهيونية وتأسيس وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وعلى وقع صدمة انهيار وسقوط الخلافة الإسلامية (العثمانية).

وقد تطور الإسلام السياسي كأيديولوجيا سياسية في إطار الدولة ما بعد الكولونيالية، وتشكُل الدولة الوطنية (العلمانية)، وبهذا أصبحت أهداف وغايات الحركات الإسلامية مناهضة للدكتاتورية والإمبريالية والصهيونية، من أجل استعادة "الخلافة" كرمز للهوية السياسية الدينية الإسلامية.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • لم يكن الصراع السياسي أبدا سلميا في السودان
  • البرهان في القاهرة… دلالة الزيارة ومآلاتها والرسائل التي تعكسها
  • حكاية أطفال الأنابيب (٢)
  • فصل ملابسه وسرير نومه.. حكاية أطول رجل في مصر يعاني من التنمر| شاهد
  • جاسوس سايغون حكاية مراسل حول فندق كونتننتال لمركز استخبارات
  • بين فوضى السلاح وتيه العقل السياسي
  • الدبيبة يبحث مع «اللافي» تطورات المشهد السياسي
  • الرهانات الخاطئة على فشل الإسلام السياسي
  • السودان: المُسيّرات التي استهدفت عطبرة حديثة وفّرتها للمليشيا راعيتها الإقليمية
  • مخرج عراقي يرهن تطور الدراما بالاستقرار السياسي والاقتصادي