باسمك اللهم رب العالمين نستعين. ونصل على النبي الأواب صلاة تليق بنور وجهه الكريم. بدءاً نقف اليوم أمام تحديات كبيرة تواجه السودان، تحديات أرهقت النفوس جميعها وأثقلت القلوب. فصبر الشعب السوداني قد وصل إلى حد لا يُطاق وفاق الحد، بعد حرب الخامس عشر من أبريل 2023 . نجد أن المواطن السوداني والمتابع أياً كان حول العالم .
فالسودان تلك البلد الثري بتراثه وتاريخه الطويل عانى لعقود عبر الزمن من أزمات سياسية واقتصادية، يعيش اليوم في تفاقم يوماً بعد يوم وتتعقد في غياب الحوار البناء والنية الصادقة من الأطراف المتحاربين لتحقيق السلام والاستقرار. فشعب السودان الذي لطالما أظهر صبراً وإيماناً عميقاً بقدرة الله على تجاوز تلك المحن، بات يشعر بثقل الزمن ومرارة الانتظار ولكن دون فقدان الأمل. وننظر لتلك المرأة التي تجلت واندفعت أمام الفريق البرهان في إحدى الولايات الشمالية وهي تشكو قسوة الحال والتعب تمثل صوت أمة بأكملها من الرجال والأطفال والصغار والمسنين.
إن الأزمة السودانية ليست مجرد أزمة سياسية عابرة؛ إنها أزمة كل جوانب الحياة. فالاقتصاد ينهار، والخدمات تتدهور، والأمن يختفي من أحياء المدن والقرى. وفي ظل هذا الواقع المرير، تجد أصوات العقل والحكمة هي ما يحتاجه السودان اليوم للخروج من هذا النفق المظلم.و لكن! مع كل هذا الألم والمعاناة، وهنا يبقى الأمل في قلوب السودانيين قائماً، يبقى الإيمان بأن الله لن يخذل عباده، وسيأتي هذا اليوم الذي ستعود فيه البسمة إلى وجوه الأطفال وتعود فيه الحياة إلى طبيعتها من جديد في كل أنحاء السودان. فالنداء اليوم ليس فقط للساسة، بل نداء لكل فرد من أبناء هذا الوطن العزيز، نداء للعمل بصدق وإخلاص من أجل بناء سودان جديد، سودان يليق بتلك التضحيات التي بذلها شعبه ويزيدها صبره الطويل. ولننبذ تلك الحرب وذلك الجهل.
وتكمن الحلول الممكنة في ظل هذه الأزمة السودانية الراهنة هي البحث عن نهجًا شاملاً يراعي تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وهنا يمكن أن أستعرض هنا بعض تلك الحلول الممكنة الناجعة والمجربة في بلدان أخرى حول العالم التي يمكن أن تساعد في تخفيف حدة الأزمة وتحقيق نوعاً من الاستقرار النسبي. وأولاً يجب التفكير جدياً في خلق حوار وطني شامل يجتمع فيه جميع الفاعلين السياسيين، بما في ذلك الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، كل في طاولة حوار وطني شامل. وهو الأمر الذي تضطلع به تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك. وبالتأكيد هذا الحوار يستثنى حزب المؤتمر الوطني الذي لفظه الشعب السوداني جراء ثورة شعبية منهية حكمه لفترة تزيد عن ثلاثين عاماً. ويكمن الهدف السامي لتلك العملية هو الوصول إلى اتفاق يعالج هذه القضايا الجوهرية ويضع مصلحة هذا البلد فوق المصالح الشخصية والفئوية. كما يمكن الاستفادة من دعم المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة لتقديم وساطة محايدة تساهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتداخلة.
أما عن الخطوة الثانية فهي تشكيل حكومة انتقالية محايدة بحيث يمكن تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية تتألف من خبراء محايدين غير متورطين في الصراعات السياسية، لتتولى قيادة البلاد في فترة انتقالية حتى يتم تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتعمل هذه الحكومة مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية العاجلة بحيث تعمل على تحسين إدارة الموارد الوطنية وتعمل على إجراء وتنفيذ إصلاحات عاجلة في إدارة الموارد الطبيعية والمالية، بما يضمن التوزيع العادل للثروات ويقلل من الفساد المالي والإداري. ولا بأس من الحصول على مساعدات دولية تعزز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية للحصول على دعم مالي وفني للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. ثم تأتي الخطوة الأهم وهي تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية وفي هذه المرحلة يتم محاسبة المتورطين في الجرائم التي أرتكبت خلال مدة الحرب وكما يجب تحقيق العدالة بمحاسبة المتورطين في جرائم حرب أو انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك عبر محاكمات عادلة وشفافة. كما تشمل تحقيق العدالة على تقديم تعويضات للضحايا، وهذا يساعد في إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوداني. ثم نذهب إلى مرحلة لا تقل أهمية من سوابقها من المراحل وهي إصلاح القطاع الأمني وإعادة هيكلة القوات المسلحة وأجهزة الأمن لضمان أن تكون تلك الأجهزة في خدمة الشعب وحماية الوطن، بعيدًا عن الولاءات السياسية الضيقة. مع إضافة نشر قوات حفظ السلام الوطنية والدولية في المناطق المضطربة لضمان وقف العنف وحماية المدنيين.
في نهاية المطاف يمكن العمل على تهيئة الظروف لإجراء انتخابات ديمقراطية تشمل جميع الأطراف السياسية، لضمان تمثيل حقيقي للشعب السوداني في اختيار قادته. وتوفير مراقبة دولية لضمان نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها. إن الحلول المطروحة تتطلب تعاونًا واسعًا وجهدًا مشتركًا من جميع الأطراف، مع دعم دولي وإقليمي يساهم في دفع عجلة السلام والتنمية في السودان. بالطبع أن الحل لن يكون سهلاً أو سريعًا، لكنه ممكن بالتزام حقيقي وإرادة قوية لتحقيق تغيير إيجابي. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نرفع أيدينا بالدعاء إلى الله تعالى أن يرفع عن السودان وأهله هذا البلاء، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً، ويجمع كلمتنا على الحق والعدل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
د. سامر عوض حسين
samir.alawad@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
لن نفاوض القتلة.. رسالة من السفير السوداني بالدوحة عقب مجازر الفاشر
الدوحة- أعلنت الحكومة السودانية عبر سفارتها في الدوحة أنها قطعت فعليا أي إمكانية للعودة إلى طاولة التفاوض مع قوات الدعم السريع، معتبرة أن الثقة بهذه "المليشيا مستحيلة" في ضوء ما ارتكبته من فظائع، خصوصا في مدينة الفاشر بإقليم دارفور.
وتقول الخرطوم إن ما جرى في الفاشر لم يكن حدثا عابرا، بل امتداد "لنمط ممنهج من الجرائم والانتهاكات" التي حملت مسؤوليتها للدعم السريع، مؤكدة أنها ماضية في ملاحقتها على المستويين العسكري والسياسي، مع دعوة المجتمع الدولي إلى تصنيفها منظمة إرهابية، ومحاسبة قادتها ومنتسبيها وفق القوانين الدولية.
وخلال مؤتمر صحفي عقده السفير السوداني في الدوحة بدر الدين عبد الله محمد أحمد، قدم السفير عرضا مفصلا لآخر تطورات الحرب في السودان، مسلطا الضوء على مأساة مدينة الفاشر، التي قال إنها "تكشف حقيقة السلوك العنيف والممنهج لهذه المليشيا" في مناطق مختلفة من البلاد.
وأكد السفير أن الحكومة السودانية "لن تتراجع عن ملاحقة عناصر الدعم السريع"، مشيرا إلى أن الجيش السوداني يمتلك القدرات العسكرية والاستعداد القانوني والأخلاقي لمواجهة من وصفهم بـ"رأس الرمح والمخلب" في المؤامرات التي تستهدف السودان منذ أبريل/نيسان 2023، والتي خلفت واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي رصدتها منظمات دولية.
وأشاد السفير السوداني بالدور القطري في دعم النازحين من الفاشر، موضحا أن قطر الخيرية قدمت مساعدات عاجلة للنازحين الذين وصلوا إلى مدينة الدبة قبل يومين، بمتابعة مباشرة من وزيرة الدولة للتعاون الدولي في قطر، الدكتورة مريم بنت علي بن ناصر المسند.
وقال إن "الموقف القطري كان ولا يزال سباقا"، مذكرا بأن أولى طائرات الإغاثة عقب اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين كانت قد انطلقت من الدوحة.
إعلانوأضاف أن مدينة الفاشر تعرضت لحصار استمر 500 يوم "دون أي استجابة لقرار مجلس الأمن بفك الحصار وإدخال المساعدات"، مشيرا إلى أن آلاف المرتزقة من جنوب ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد ودول الساحل وجنوب السودان “وحتى من كولومبيا وأوكرانيا" شاركوا في حصار المدينة.
السفير السوداني لدى الدوحة:
????ندعو مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية إلى إخضاع قادة ميليشيا الدعم السريع للقانون الدولي وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب
????ندعو مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية إلى تصنيف ميليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية#الجزيرة_مباشر… pic.twitter.com/1EHb5OqcyQ
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 3, 2025
تطهير عرقيوأوضح السفير السوداني في الدوحة بدر الدين عبد الله محمد أحمد أن بلاده سبق أن قدمت دعاوى أمام منظمة العفو الدولية، وتواصل الآن جهودها لفضح الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، التي باتت "معروفة للعالم بأسره بأنها تمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية وانتهاك جميع حقوق الإنسان".
وأشار إلى أن "قيادة المليشيا لم تنكر هذه الجرائم، بل اعترفت ضمنيا عبر إعلانها فتح تحقيقات داخلية ومعاقبة المسؤولين"، وهو ما اعتبره السفير "محاولة لذر الرماد في العيون"، مؤكدا أن المسؤولية تطال قيادة المليشيا وعناصرها وداعميها، وهي انتهاكات صنفتها منظمات حقوقية على أنها جرائم إبادة.
ولفت إلى أن المجازر في الفاشر أحدثت صدى دوليا واسعا "بالنظر إلى بشاعتها"، إذ وصفها مسؤولون دوليون بأنها "رعب خالص، وليست حربا بل إرهابا"، محذرين من أن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الجرائم يمثل "تقصيرا أخلاقيا فادحا".
ملاحقة متواصلةوقال السفير السوداني إن الخرطوم ستواصل تحركاتها القانونية والدبلوماسية "في جميع المنابر الدولية" لدفع المجتمع الدولي إلى تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية. وأضاف "ما حدث في الفاشر سيسهم بشكل كبير في إبراز الصورة الحقيقية لهذه المليشيا".
وشدد على أن السودان بحكومته وقواته المسلحة وجميع القوات المساندة قادر على هزيمة "هذه المليشيا الإرهابية" وإفشال مخططاتها، موضحا أن الجيش السوداني الذي ناهز عمره قرنا من الزمن خاض منذ الحربين العالميتين "أشرس المعارك وظل متماسكا وحاميا للوطن".
كما أكد أن السودان قادر على استعادة كامل أراضيه واستقراره، باعتباره عضوا فاعلا في محيطه العربي والأفريقي وفي المجتمع الدولي.
وذكر السفير السوداني بأن حكومة بلاده كانت سباقة إلى إحلال السلام عبر مشاركتها في منبر جدة قبل عامين، وأسفر ذلك عن توقيع اتفاق جدة، "لكن الدعم السريع لم يلتزم به". وأشار إلى أن الخرطوم لا تمانع في أي دور وساطة قطري، "لكن الطرف الآخر غير موثوق به".
السفير السوداني لدى الدوحة: لأول مرة في تاريخ السودان استخدمت ميليشيا الدعم السريع سلاح التجويع حتى أكل الناس في #الفاشر علف الحيوانات#الجزيرة_مباشر #السودان pic.twitter.com/Lu7YCrrx8D
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 3, 2025
إعادة الحياة للمناطق المحررةوأوضح السفير السوداني أن الحرب خلفت دمارا واسعا في البنية التحتية، من مستشفيات ومرافق صحية وتعليمية وخدمية ومحطات كهرباء ومياه، حيث تضررت مناطق كثيرة وتوقفت فيها الخدمات الأساسية، مشددا على أن الحكومة تعمل بشكل حثيث لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق التي استعادت أمنها واستقرارها.
إعلانوأكد وجود تنسيق كامل ودعم قطري كبير لحكومة الخرطوم، مشيرا إلى أن الدوحة ستكون "شريكا أساسيا" في إعادة إعمار السودان بعد انتهاء الحرب وعودة النازحين الذين يقدر عددهم بـ15 مليونا داخل البلاد، إضافة إلى 4 ملايين لاجئ خارجها.
وتوقف السفير بدر الدين عبد الله محمد أحمد عند "الجانب الإعلامي للحرب"، مشيرا إلى أن الطرف الآخر وداعميه كانوا مستعدين بخطط إعلامية واسعة، لكن الحكومة السودانية استطاعت بمرور الوقت مواكبة هذه الحملات وإظهار الفظائع التي يرتكبها الدعم السريع.