سودانايل:
2025-03-15@16:31:03 GMT
حكومة فيشي وإعادتها في السودان
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
حكومة فيشي هي الحكومة التي كونها الجنرال فيليب بيتان خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1940م، و استمرت أربع سنوات حتى 1944و كانت متواطأة مع الدولة النازية، و حكم بيتان حكما استبدادا و فرضت رقابة على الإعلام، و عندما استطاعت حركة شارل ديجول تفرض نفوذها في فرنسا القت القبض على أعضاء حكومة فيشي، و تم القبض علي الجنرال فيليب بيتان و تم إعدامه بالخيانة العظمى، و عدل ديجول حكمه بالسجن المؤبد.
أن انقلاب اليسار في 1969م و الذي تم فيه قمع المعارضة بالسلاح، و استخدام سلاح الطيران على الجزيرة أبا و ود نوباوي، مما جعل قوى المعارض تضطر أن تحمل السلاح لمواجهة النظام، فكونت الجبهة الوطنية من ثلاث قوي سياسية " الأتحادي و الأمة و الإسلاميين" لمواجهة النظام اليساري، و المعارضة استطاعت أن تهدد النظام مرتين الأولى بانتفاضة شعبان الطلابية و معهم عددا من النقابات العامة العمالية في 1973م، و كانت قد شكلت أكبر تهديدا للنظام. و الثانية عمل عسكري في 1976م، و كان أقل تهديدا من سابقه.. باعتبار أن انتفاضة شعبان 1973 كانت سلمية و داخلية، و لم يستطيع النظام أن يجد مادة إعلامية يعبيء الشارع ضدها.. و الثانية رغم أن عناصرها سودانيين، و لكنهم كانوا حاملين للسلاح، و تدربوا في دولة أخرى، استطاع نظام نميري أن يعبيء الشارع ضدهم و يطلق عليهم "المرتزقة" لكن الذين يديرون الأزمة جميعهم كانوا سودانيين..
بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو 1989م، لم تقرر المعارضة في باديء الأمر أن تحمل السلاح، رغم وسوسة الحركة الشعبية في أذان القيادات السياسية بحمل السلاح، و لكن بعد خطاب البشير في بورتسودان 1995م "من اراد السلطة عليه حمل السلاح" بدأت الدعوة لحمل السلاح لمنازلة النظام، الملاحظ؛ أن الأحزاب عجزت أن تنجح في تعبئة الناس و إقناعهم بالحضور للمعسكرات و حمل السلاح.. فكانت الدعوة لحمل السلاح خصما على العمل السياسي و وعي الجماهير، و التي كانت تنتظر المعارضة غازية للخرطوم. و النهاية أنتصرت الجماهير سلميا على الإنقاذ، لكن كانت الأحزاب غير مستعدة أن تحمل الأمانة، و تحقق شعارات الثورة الداعية للتحول الديمقراطي.. الأمر الذي فتح بابا لتدخل النفوذ الخارجي في الشأن السياسي، و تقديم مبادرة تلو الأخرى كأن العقل السوداني عجز عن التفكير..
أن التدخل المباشر لأمريكا و الاتحاد الأوروبي و الاتحاد الأفريقي و دولة الأمارات في الشأن السياسي السوداني ليس خدمة لمطالب الشعب من أجل التحول الديمقراطي، أنما خدمة لأجنداتهم الخاصة، و معروف ما فعلته الأمارات و الذين يقفون وراءها في دول الربيع العربي، هؤلاء يريدون فقط تنصيب العناصر الذين يعتقدون أنهم سوف ينجزون لهم هذه الأجندة.. يريدون حكومة مثل حكومة فيشي في فرنسا إبان العهد النازي في أوروبا.. الغريب في الأمر أن السياسية في السودان متدحرجة عجلتها للوراء، و تم تعطيل للذهن السوداني في تقديم مبادرات وطنية للحل، و أصبح يلهث وراء الخارج أن يقدم هو المبادرات و الحلول دون أي حياء، و أصبحت القيادات السياسية تتغني بالمبادرات الخارجية و تنتظر منها الحلول و اصبحوا مثل الكورس في الغناء الشعبي يرددون ما يقول صاحب المبادرة..
أن القوى السياسية التي تحاول أن تغطي على المصالح الحقيقة التي تسعى وراءها، دائما تستخدم العديد من الشعارات الوطنية ذات الوزن الثقيل بهدف التغطية، و هي تعلم أن هذه الشعارات لا تقدر على تنزيلها على الأرض، في اعتقاد أن الشعار يمكن أن يكون بديلا للمشروع السياسي. الذي يجب أن تحاكم عليه إذا انحرفت عنه أو عجزت عن تطبيقه..
و السؤال الذي يطرح: هل الحرب و الصراع السياسي في السودان؛ قادر العقل السياسي السوداني التعامل معهما بأفق واسع؟ و يقدم مشاريع للحل سودانية بأجندة سودانية، أم أصبح الخارج هو وحده القادر أن يفكر بديلا عن قيادات تشهد على نفسها بالضعف.. يذكرني قول منصور خالد في كتبه " النخبة و إدمان الفشل 1" يقول فيه ( تعود الأزمة النخبوية – في جوانبها الفكرية – إلي تصدع الذات، الذي يقود، بطبعه، إلي الفجوة بين الفكر و الممارسة؛ بين ما يقول المرء و ما يفعل، بين التصالح مع الواقع السلبي في المجتمع و الإدانة اللفظية لهذا الواقع. و الذي نتحدث عنه هو حالة نفسية تقود، على مستوى النظر و الممارسة، للتلبيس في الفكر و التخبط في الأداء أيا كان نوع البزة التي يرتديها النخبوي أسمى نفسه أمميا أو قوميا أو لبراليا أو إسلاميا) بالفعل السودان يقع في أعمق أزمة في تاريخه المعاصر " أزمة النخب السياسية" التي تنتظر حلا لأزمات البلاد من عواصم العالم.. الغريب في الأمر: أن الشعب السوداني بات يحفظ أسماء السفراء و ممثلي الدول الخارجية أكثر من اسماء السياسيين السودانيين، أمثال جون غودفري و بن لباد و أبي أحمد و توم بيرييلو و جايلز ليفر و موسي فقي و على بن حسن جعفر و حمد محمد الجنيبي و الأخير صاحب الحظوة الداعي إلي تكوين حكومة مثل حكومة فيشي في السودان، و تدعم دولته الميليشيا.. و هو صاحب دعوات السياسيين المتكررة لزيارة عاصمة بلده..
عندما تتحول الإزمة السياسية في أي بلد إلي حرب، تنزاح قيادات، و تظهر قيادات جديدة بحكم التغيير الذي حدث للأدوات و الأجندة، فالحرب تعلي من شأن القيادات العسكرية، و تصبح هي وحدها المتحكمة في القرار، و تذهب القيادات السياسية إلي هامش الفعل، و على طول و قصر الحرب تفرز قيادات سياسية جديدة، تكون ملتصقة بالمجتمع في ساعات العثرة.. و هؤلاء هم الذين يحاولون إعادة الفعل السياسي للداخل مع وضع الفعل الخارجي فقط في آطار المساعدة التي هم يطلبونها من الخارج.. نسأل الله حسن البصيرة...
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان
إ
عداد: يوسف عزت
*مقدمة:* يواجه السودان مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، حيث تعكس المواجهة المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني صراعًا أكثر تعقيدًا من كونه نزاعًا عسكريًا. فعلى الرغم من النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع في بداية النزاع، إلا أنها تعاني حاليًا من تراجع ملحوظ على الأصعدة السياسية والاجتماعية والعسكرية. يهدف هذا التحليل إلى دراسة الأسباب الجوهرية لهذا التراجع، مع التركيز على العوامل البنيوية، والسياسية، والقيادية. كما يسعى للإجابة على السؤال المركزي: هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات وضمان بقائها وسط هذا التصعيد؟ *أولاً: غياب الانضباط والانفلات الأمني* تعدّ السيطرة على الأمن والنظام أحد العناصر الأساسية للحفاظ على الشرعية والقبول الشعبي. غير أن الواقع في مناطق نفوذ قوات الدعم السريع يُظهر اختلالًا أمنيًا خطيرًا انعكس في انتشار أعمال النهب، وانتهاكات حقوق المدنيين. ويمكن تحليل آثار هذا الانفلات من خلال بعدين أساسيين: 1. فقدان التأييد الشعبي: • أسهمت الانتهاكات الميدانية في تقويض الثقة الشعبية بقوات الدعم السريع، خاصةً في المناطق الحضرية التي كانت أكثر تضررًا من عمليات النهب والاعتداءات. • انعكست هذه الانتهاكات على صورة القيادة باعتبارها غير قادرة على السيطرة على عناصرها، مما أدى إلى عزلة متزايدة في الأوساط المجتمعية. 2. تعزيز الفوضى وانعدام السيطرة: • أدى غياب المحاسبة الداخلية إلى بروز مجموعات منفلتة تعمل خارج السيطرة المباشرة للقيادة، مما كرّس بيئة من الفوضى وصعوبة استعادة النظام. *الخلاصة:* أضعف الانفلات الأمني قدرة الدعم السريع على تقديم نفسه كفاعل منظم ومشروع، وخلق حالة من الاستقطاب السلبي ضده داخل المجتمعات المحلية. ⸻ *ثانياً: تراجع الرؤية السياسية وانعدام المصداقية* بدأت قوات الدعم السريع مسارها السياسي بعد اندلاع الحرب عبر طرح رؤية الحل الشامل دات النقاط العشر، والتي لاقت قبولًا داخليًا وخارجيًا باعتبارها محاولة لصياغة مشروع سياسي مدني. إلا أن هذا الزخم تلاشى بسبب تضارب الخطاب السياسي مع الواقع الميداني. 1. التناقض في الخطاب السياسي: • اعتمدت القيادة خطابًا يركز على مواجهة الإسلاميين (“الكيزان”)، مما أكسبها دعمًا مؤقتًا من القوى المدنية المناهضة للنظام السابق. • غير أن وجود عناصر محسوبة على الإسلاميين داخل صفوف الدعم السريع قوّض مصداقية هذا الخطاب، وكشف عن تناقض جوهري بين الشعارات والممارسات. 2. تأثير الحرب على الأولويات السياسية: • فرضت الحرب أولويات جديدة على قيادة الدعم السريع، حيث أصبح الحشد القبلي والاجتماعي أولوية تفوق الالتزام بالمشروع المدني، مما أدى إلى تراجع الرؤية السياسية إلى مجرد أداة تكتيكية. *الخلاصة:* غياب خطاب سياسي متماسك يعكس رؤية مستقبلية واضحة أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والانكشاف أمام المجتمع الدولي كفاعل غير قادر على الالتزام بمبادئ التحول المدني. ⸻ *ثالثاً: ضعف القيادة وتعدد مراكز القرار* تعاني قوات الدعم السريع من أزمة قيادية بنيوية تتجلى في غياب مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتظهر هذه الإشكالية في النقاط التالية: 1. تعدد دوائر صنع القرار: • يشكل التداخل بين القائد الأول (محمد حمدان دقلو – حميدتي) ونائبه (عبد الرحيم دقلو) مصدرًا لتضارب القرارات وتباطؤ الاستجابة للأحداث. • تسهم تأثيرات المحيطين بالقيادة من أفراد الأسرة والمقربين في خلق ديناميكيات معقدة تُعيق اتخاذ قرارات حاسمة. 2. غياب التخطيط طويل الأمد: • تفتقر القيادة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث يعتمد اتخاذ القرارات على ردود الفعل الآنية دون تحليل معمق للعواقب المستقبلية. *الخلاصة:* انعكس غياب القيادة المركزية الموحدة على كفاءة إدارة الحرب، وتسبب في قرارات متضاربة، مما أضعف الموقف السياسي والعسكري للدعم السريع. ⸻ *رابعاً: أزمة التحالفات السياسية والعسكرية* تورطت قيادة الدعم السريع في تحالفات متباينة مع قوى سياسية وعسكرية، خلال السنوات الماضية آخرها تبني مشروع “السودان الجديد”. لكن هذه التحالفات تعاني من تناقضات بنيوية واضحة: 1. التناقض مع التركيبة الاسرية والاجتماعية للدعم السريع: • يتطلب مشروع السودان الجديد إعادة هيكلة الدعم السريع كمؤسسة قومية ديمقراطية، في حين أن بنيته القائمة تعتمد على قيادة الأسرة والولاءات القبلية. 2. الطابع التكتيكي للتحالفات: • تتعامل قيادة الدعم السريع مع التحالفات كأدوات مرحلية فرضتها ظروف الحرب، دون التزام فكري أو سياسي حقيقي بالمبادئ التي تقوم عليها هذه التحالفات. *الخلاصة:* غياب رؤية استراتيجية للتحالفات والثبات عليها جعل الدعم السريع يبدو كفاعل انتهازي، مما يهدد استمرارية هذه التحالفات ويؤدي إلى عزلة سياسية متزايدة. *خامساً: الصدام مع الدولة المركزية وتأثيره على الاصطفاف القبلي* أدى الصدام المباشر بين قوات الدعم السريع والدولة المركزية إلى إعادة تشكيل الاصطفافات القبلية في السودان بصورة غير مسبوقة فللمرة الأولى في تاريخ السودان الحديث، أصبحت المجتمعات العربية منقسمة بين دعم الجيش أو الدعم السريع، مما أدى إلى حالة استقطاب حاد والدخول في حرب اهلية مباشرة. • دفع هذا الاستقطاب المجتمعات إلى تسليح نفسها بشكل مستقل، مما حول الحرب لحرب أهلية واسعة النطاق ذات قوى متعددة. *الخلاصة:* ساهم الصدام مع الدولة المركزية في تفكيك التحالفات القبلية التقليدية وأدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية واعاد المكونات العربية في غرب السودان إلى محيطها التقليدي والتحالف مع قوى الهامش التي كانت تستخدم هذه المجتمعات لقمعها ،كأداة لسلطة المركز . يمكن تطوير هذا التحول لحل صراع المركز والهامش بتبني مشروع دولة خدمية بدلا من التعريف التقليدي للصراع بأن المركز هو عروبي إسلامي والهامش إفريقي زنجي وهو تعريف غير صحيح كرست له سلطة الحركة الإسلامية وعمقتها وتبنتها كسياسات حتى الان ، وكنتيجة لذلك انفجر الصراع بهذه الصورة التي نشهدها الان ، ولكن يمكن وفق المعادلات الراهنة الوصول لحلول لصالح جميع السودانيين من خلال التفكير الواقعي والاعتراف بالأزمة وحلها حلا جذريا وذلك يحتاج لعقول تنظر إلى ابعد من مصالحها. *الإجابة على السؤال الجوهري:* هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات التي تقع في مناطق سيطرتها وضمان بقائها؟ بناءً على التحليل السابق، لا تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية متكاملة لتحقيق هذا الهدف، وذلك للأسباب التالية: 1. الارتجالية بدل التخطيط الاستراتيجي. 2. التناقض في الخطاب السياسي والممارسات. 3. غياب قيادة موحدة لاتخاذ القرارات. 4. الاعتماد على تحالفات ظرفية غير مستدامة. 5-عدم القدرة هلى التخلص من ارث الماضي والتكيف مع التحولات التي تستدعي اعادة تشكيل القيادة وصياغة مشروع وطني يمثل مصالح قطاعات واسعة تتبناه وتشارك في تنفيذه. *توصيات* 1. إعادة هيكلة القيادة: إنشاء مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. 2. ضبط الأمن: فرض انضباط صارم على القوات ومحاسبة المتجاوزين. 3. صياغة رؤية سياسية متماسكة: تطوير مشروع وطني يعكس المصالح الحقيقية لجميع الفئات. 4. تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك الكفاءات المحلية في صنع القرار. 5. تبني استراتيجية طويلة الأمد: التركيز على حلول مستدامة تربط بين الأمن والسياسة والتنمية. *خاتمة* يتضح أن قيادة الدعم السريع تواجه تحديات بنيوية تهدد بقاءها كفاعل سياسي وعسكري مؤثر. إن غياب التفكير الاستراتيجي والارتباك في الخطاب والممارسة يجعل مستقبلها مرهوناً بقدرتها على إصلاح هذه الاختلالات واعتماد رؤية متماسكة ومستدامة. الدعم السريعالمستشار السياسي السابقحميدتي