حكومة فيشي وإعادتها في السودان
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
حكومة فيشي هي الحكومة التي كونها الجنرال فيليب بيتان خلال الحرب العالمية الثانية سنة 1940م، و استمرت أربع سنوات حتى 1944و كانت متواطأة مع الدولة النازية، و حكم بيتان حكما استبدادا و فرضت رقابة على الإعلام، و عندما استطاعت حركة شارل ديجول تفرض نفوذها في فرنسا القت القبض على أعضاء حكومة فيشي، و تم القبض علي الجنرال فيليب بيتان و تم إعدامه بالخيانة العظمى، و عدل ديجول حكمه بالسجن المؤبد.
أن انقلاب اليسار في 1969م و الذي تم فيه قمع المعارضة بالسلاح، و استخدام سلاح الطيران على الجزيرة أبا و ود نوباوي، مما جعل قوى المعارض تضطر أن تحمل السلاح لمواجهة النظام، فكونت الجبهة الوطنية من ثلاث قوي سياسية " الأتحادي و الأمة و الإسلاميين" لمواجهة النظام اليساري، و المعارضة استطاعت أن تهدد النظام مرتين الأولى بانتفاضة شعبان الطلابية و معهم عددا من النقابات العامة العمالية في 1973م، و كانت قد شكلت أكبر تهديدا للنظام. و الثانية عمل عسكري في 1976م، و كان أقل تهديدا من سابقه.. باعتبار أن انتفاضة شعبان 1973 كانت سلمية و داخلية، و لم يستطيع النظام أن يجد مادة إعلامية يعبيء الشارع ضدها.. و الثانية رغم أن عناصرها سودانيين، و لكنهم كانوا حاملين للسلاح، و تدربوا في دولة أخرى، استطاع نظام نميري أن يعبيء الشارع ضدهم و يطلق عليهم "المرتزقة" لكن الذين يديرون الأزمة جميعهم كانوا سودانيين..
بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو 1989م، لم تقرر المعارضة في باديء الأمر أن تحمل السلاح، رغم وسوسة الحركة الشعبية في أذان القيادات السياسية بحمل السلاح، و لكن بعد خطاب البشير في بورتسودان 1995م "من اراد السلطة عليه حمل السلاح" بدأت الدعوة لحمل السلاح لمنازلة النظام، الملاحظ؛ أن الأحزاب عجزت أن تنجح في تعبئة الناس و إقناعهم بالحضور للمعسكرات و حمل السلاح.. فكانت الدعوة لحمل السلاح خصما على العمل السياسي و وعي الجماهير، و التي كانت تنتظر المعارضة غازية للخرطوم. و النهاية أنتصرت الجماهير سلميا على الإنقاذ، لكن كانت الأحزاب غير مستعدة أن تحمل الأمانة، و تحقق شعارات الثورة الداعية للتحول الديمقراطي.. الأمر الذي فتح بابا لتدخل النفوذ الخارجي في الشأن السياسي، و تقديم مبادرة تلو الأخرى كأن العقل السوداني عجز عن التفكير..
أن التدخل المباشر لأمريكا و الاتحاد الأوروبي و الاتحاد الأفريقي و دولة الأمارات في الشأن السياسي السوداني ليس خدمة لمطالب الشعب من أجل التحول الديمقراطي، أنما خدمة لأجنداتهم الخاصة، و معروف ما فعلته الأمارات و الذين يقفون وراءها في دول الربيع العربي، هؤلاء يريدون فقط تنصيب العناصر الذين يعتقدون أنهم سوف ينجزون لهم هذه الأجندة.. يريدون حكومة مثل حكومة فيشي في فرنسا إبان العهد النازي في أوروبا.. الغريب في الأمر أن السياسية في السودان متدحرجة عجلتها للوراء، و تم تعطيل للذهن السوداني في تقديم مبادرات وطنية للحل، و أصبح يلهث وراء الخارج أن يقدم هو المبادرات و الحلول دون أي حياء، و أصبحت القيادات السياسية تتغني بالمبادرات الخارجية و تنتظر منها الحلول و اصبحوا مثل الكورس في الغناء الشعبي يرددون ما يقول صاحب المبادرة..
أن القوى السياسية التي تحاول أن تغطي على المصالح الحقيقة التي تسعى وراءها، دائما تستخدم العديد من الشعارات الوطنية ذات الوزن الثقيل بهدف التغطية، و هي تعلم أن هذه الشعارات لا تقدر على تنزيلها على الأرض، في اعتقاد أن الشعار يمكن أن يكون بديلا للمشروع السياسي. الذي يجب أن تحاكم عليه إذا انحرفت عنه أو عجزت عن تطبيقه..
و السؤال الذي يطرح: هل الحرب و الصراع السياسي في السودان؛ قادر العقل السياسي السوداني التعامل معهما بأفق واسع؟ و يقدم مشاريع للحل سودانية بأجندة سودانية، أم أصبح الخارج هو وحده القادر أن يفكر بديلا عن قيادات تشهد على نفسها بالضعف.. يذكرني قول منصور خالد في كتبه " النخبة و إدمان الفشل 1" يقول فيه ( تعود الأزمة النخبوية – في جوانبها الفكرية – إلي تصدع الذات، الذي يقود، بطبعه، إلي الفجوة بين الفكر و الممارسة؛ بين ما يقول المرء و ما يفعل، بين التصالح مع الواقع السلبي في المجتمع و الإدانة اللفظية لهذا الواقع. و الذي نتحدث عنه هو حالة نفسية تقود، على مستوى النظر و الممارسة، للتلبيس في الفكر و التخبط في الأداء أيا كان نوع البزة التي يرتديها النخبوي أسمى نفسه أمميا أو قوميا أو لبراليا أو إسلاميا) بالفعل السودان يقع في أعمق أزمة في تاريخه المعاصر " أزمة النخب السياسية" التي تنتظر حلا لأزمات البلاد من عواصم العالم.. الغريب في الأمر: أن الشعب السوداني بات يحفظ أسماء السفراء و ممثلي الدول الخارجية أكثر من اسماء السياسيين السودانيين، أمثال جون غودفري و بن لباد و أبي أحمد و توم بيرييلو و جايلز ليفر و موسي فقي و على بن حسن جعفر و حمد محمد الجنيبي و الأخير صاحب الحظوة الداعي إلي تكوين حكومة مثل حكومة فيشي في السودان، و تدعم دولته الميليشيا.. و هو صاحب دعوات السياسيين المتكررة لزيارة عاصمة بلده..
عندما تتحول الإزمة السياسية في أي بلد إلي حرب، تنزاح قيادات، و تظهر قيادات جديدة بحكم التغيير الذي حدث للأدوات و الأجندة، فالحرب تعلي من شأن القيادات العسكرية، و تصبح هي وحدها المتحكمة في القرار، و تذهب القيادات السياسية إلي هامش الفعل، و على طول و قصر الحرب تفرز قيادات سياسية جديدة، تكون ملتصقة بالمجتمع في ساعات العثرة.. و هؤلاء هم الذين يحاولون إعادة الفعل السياسي للداخل مع وضع الفعل الخارجي فقط في آطار المساعدة التي هم يطلبونها من الخارج.. نسأل الله حسن البصيرة...
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
هل تخلى الحلو عن مشروعه السياسي أم وجد ضالته في مشروع تقسيم البلاد
عندما حاورت رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان / شمال، عبدالعزيز آدم الحلو في نهاية يناير عام 2024 وسألته
– هل ترى أن الصراع الآن، صراع سياسى أدى لصراع عسكرى؟ أم هو صراع بين المركز والهامش تفاقم لحد المواجهة العسكرية؟
ليقول: حرب 15 أبريل هي مواجهة بين جناحين للقوات المسلحة، لأن الدعم السريع صنعته القوات المسلحة ليقاتل إلى جانبها ضد الهامش!، ولن تنتهى الحرب بينهما إلا باتفاقهما على معالجة الخلل الذى قادهما للمواجهة، ونحن فى الحركة لدينا قناعة راسخة بأن الحروب لا تقود لحل النزاعات داخل الأوطان، إنما الحوار والتفاوض هى الوسائل الأنجح لإنهاء الحروب و الصراعات المسلحة.
وفي حديثه عن الفارق بين مشروع الحركة الشعبية وما يتحدث عنه الدعم السريع؟ وما هو تعريفه بالأساس لدولة 56؟
قال، إن مشروع السودان الجديد كما عرفه منفستو الحركة الشعبية هو مشروع واحد من حيث المضمون والمحتوى لا فرق إذا كان قد جاء على لسان الحركة الشعبية أو على لسان الدعم السريع، رغم صعوبة التفريق بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية من حيث البنية الفكرية والممارسة العملية، لكن إذا حدث تحول فى عقيدة الدعم السريع فإن ذلك يعد أمرا إيجابيا يصب فى مصلحة التغيير الجذرى.
كان هذا الحوار الذي أجراه لأول مرة بعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، بمثابة قراءة جديدة للرجل الذي طالما كان يرفض الجلوس مع حميدتي عندما كان الأخير نائبا لرئيس مجلس السيادة السوداني، والتقاه بصورة مقتضبة بضغوطات من حكومة جنوب السودان بصفتها راعي اتفاق سلام جوبا الذي رفض الحلو التوقيع عليه رغم كل المحاولات التي أجراها السودان وأجرتها حكومة الجنوب وغيرهم من السياسيين الذين يتمتعون بعلاقات طيبة مع الحلو منذ زمن ما قبل انفصال الجنوب ولكنها هي السياسية دوماً بلا ثوابت والكواليس تحمل الحقيقة الغائبة…
ولكن اللافت للانتباه ويستحق السؤال بعيداً عن ضجيج المفاجأة والحزن من كثيرين.. بسبب ظهوره في مهرجان نيروبي بجوار عبدالرحيم دقلو، هل تخلى الحلو عن مشروعه السياسي أم وجد ضالته في مشروع تقسيم البلاد أم امتثل إلى اعتبارات الإنتماء الاثني؟ أي من ذلك يفسر وحدة السلاح والمشروع والمصير؟!
Samar Ibrahim