حكومة الإنقاذ السورية.. تكنوقراط يسيرون مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام

حكومة الإنقاذ السورية حكومة تكنوقراط، تأسست عام 2017 بمبادرة مدنية. يقع مقرها في محافظة إدلب، ويمتد نفوذها في أماكن سيطرة هيئة تحرير الشام، وتحصل منها على التمويل. عارضتها الحكومة المؤقتة ولم يعترف بها المجتمع الدولي.

تشكلت هذه الحكومة في أثناء الثورة السورية على يد أكاديميين ومسؤولين بمبادرة وطنية تدعو إلى الإدارة الذاتية، وتأسست في مناطق سيطرة المعارضة السورية عام 2017.

رؤية حكومة الإنقاذ

تقول حكومة الإنقاذ السورية إن رؤيتها تتلخص في "الرقي بالمناطق المحررة حتى تصل إلى أعلى مستويات التطور"، إضافة إلى "أن يكون المستوى التعليمي جيدا مع صناعة مجتمع منتج لا مستهلك".

أهداف حكومة الإنقاذ

تؤكد حكومة الإنقاذ السورية أن هدفها الأساسي هو "حفظ الأمن والاستقرار، والعمل على خدمة أهلنا في الشمال السوري المحرر في جميع نواحي الحياة"، وفق ما ورد على موقعها الرسمي.

الشعار

يتكون شعار حكومة الإنقاذ من كلمة "سوريا" مكتوبة بلون ذهبي على شكل خريطة البلد، ومحاطة من الأسفل بخط أزرق.

مبادرات لتأسيس حكومة الإنقاذ

أطلق مجموعة من الأكاديميين السورين مبادرة "الإدارة الذاتية في المناطق المحررة" في نهاية شهر أغسطس/آب 2017، وقد حضر الفعالية نحو 40 شخصا يمثلون منظمات وهيئات وأطرافا عسكرية، إضافة إلى عدد من الأكاديميين.

نتج عن المبادرة عقد "المؤتمر السوري العام نحو إدارة مدنية في المناطق المحررة" في سبتمبر/أيلول 2017، شاركت فيه شخصيات سورية معروفة، بينها أكاديميون وممثلون للهيئات والمجالس المحلية.

ونتج عن المؤتمر وضع أنظمة وتأسيس لجنة لبناء حكومة جديدة نتيجة الحاجة إلى "نظام حكم سياسي عسكري اجتماعي اقتصادي ثقافي تعليمي موحد، يمثل الثورة السورية" في المناطق المحررة، وفق ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر، الذي قسّم إلى 4 أقسام، يتعلق أولها بالمبادئ، ونصّ على أن:

"الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع"، وعلى "وجوب الحفاظ على هوية الشعب السوري المسلم". "إسقاط النظام اللاشرعي القائم بكافة رموزه وأركانه، ومحاسبته على جرائمه التي ارتكبها". "تحرير الأراضي السورية من جميع القوى المحتلة". "بسط الأمن ونشر العدل في المناطق المحررة". المعبر التابع لحكومة الإنقاذ السورية (الجزيرة)

أما القسم الثاني فتعلق بقرار إحداث هيئة تأسيسية تقوم بمهام مجلس الشورى، ومن مهامها تسمية رئيس حكومة لإدارة مناطق سيطرة المعارضة، والمصادقة على الوزارات المقدمة، وتشكيل لجنة لصياغة الدستور وأخرى تحضّر لاختيار مجلس الشورى. كما تضطلع هذه الهيئة بمهمة الرقابة ومتابعة عمل الحكومة.

والقسم الثالث هو التوصيات التي صدرت عن المؤتمر، والتي نصت على إقامة علاقات متوازنة مع الدول الداعمة للثورة السورية، بما لا يتعارض مع الثوابت وبما يحقق مصالح الثورة.

وأوصى المؤتمر القبائل برفض أي تدخل أجنبي لاعتماد اتحاد النقابات العامة، وعدم الاعتراف بكيان خارج "المناطق المحررة"، وتوحيد ملف المعتقلين أو الأسرى في جميع "المناطق المحررة" وتسليط الضوء عليه، وتوحيد "أجهزة الشرطة" تحت قيادة ومسمى واحد، إضافة إلى مجموعة من التوصيات التنظيمية الأخرى.

أما القسم الرابع فيتضمن دعوة لتوحيد الجهود في كل المجالات العسكرية والمدنية بغية تشكيل حكومة واحدة والانضواء تحت لوائها.

تأسيس الحكومة الجديدة

ترأس بسام صهيوني اللجنة التأسيسية التي انبثقت عن المؤتمر مع 36 عضوا، منهم العقيد رياض الأسعد، وسمت اللجنة "محمد الشيخ" رئيسا للحكومة ومكلفا بتشكيل حكومة جديدة، وحددت اللجنة التأسيسية فترة شهر لاختيار أعضاء الحكومة.

وعقد في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2017 مؤتمر الإعلان عن حكومة الإنقاذ في الشمال السوري، قرب معبر باب الهوى الحدودي، حيث جرت عدة اجتماعات وجلسات نتجت عنها تسمية أول حكومة إنقاذ بوزرائها وبرامج عملها.

محمد الشيخ أول رئيس لحكومة الإنقاذ السورية (الجزيرة)

وتكونت أول حكومة إنقاذ من 11 حقيبة وزارية، وهي:

وزارة الداخلية برئاسة العميد أحمد ديب. وزارة العدل برئاسة إبراهيم شاشو. وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد برئاسة أنس الموسى. وزارة التربية والتعليم برئاسة محمد شحود. وزارة التعليم العالي برئاسة جمعة العمر. وزارة الصحة برئاسة أحمد الجرك. وزارة الزراعة برئاسة فايز الخليفة. وزارة الاقتصاد برئاسة عبد السلام خلف. وزارة الشؤون الاجتماعية والمهجرين برئاسة محمد عامر. وزارة الإسكان والإعمار برئاسة ياسر النجار. وزارة الإدارة المحلية برئاسة فاضل عبد القادر. هيكل حكومة الإنقاذ

وفق موقع حكومة الإنقاذ فإنها تتكون من رئيس حكومة ورئاسة وزراء لـ11 وزارة، ثم 4 مديريات، تعنى الأولى بالرياضة والشباب، والثانية بالمشتقات النفطية والثالثة بالمصالح العقارية والرابعة بالموارد البشرية.

كما تنبثق عن الحكومة أمانة عامة تُعنى بالشؤون الإدارية والقانونية، وهيئات عامة، وهي: المؤسسة العامة للاتصالات والمؤسسة العامة للنقل، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.

مجلس الشورى

أدى مجلس الشورى في حكومة الإنقاذ دور الجهة التشريعية، وتولى وضع القوانين والأنظمة والأصول المستمدة من الشريعة الإسلامية وإقرارها ومتابعة تنفيذها، كما أجرى تعديلات على القوانين والأنظمة وفق ما يتطلبه الوضع العام.

من أحد اجتماعات حكومة الإنقاذ السورية (الصفحة الرسمية للحكومة على فيسبوك)

ويبدأ عمل مجلس الشورى بالتشاور حول القانون، ثم الاتفاق عليه وصياغته بصورته الأخيرة، ورفعه إلى رئاسة الوزراء التي تعممه على جميع الوزارات، ثم يأتي دور الوزارات بتطبيق القانون.

وقد تأسس مجلس الشورى عام 2019 بمشاركة 107 أعضاء انتخبوا وفق آلية وضعت لضمان مشاركة أكبر عدد من شرائح المجتمع.

ويتكون المجلس من 16 لجنة متخصصة، تختص 9 لجان منها بمتابعة أعمال الوزارات والإشراف على تنفيذ المهام والخطط، كما تهتم بتشكيل الوزارات الجديدة عند إلغاء وزارة معينة، ويتوزع أعضاء المجلس على اللجان وفق اختصاصهم.

أماكن حكمها

يمتد نفوذ حكم حكومة الإنقاذ في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، نحو نصف محافظة إدلب (شمال غرب) وأجزاء محدودة من محافظات حلب وحماة واللاذقية، وترتبط مع تركيا بمعبر رئيسي يسمى "معبر باب الهوى"، كما يربطها بمناطق الحكومة المؤقتة معبران.

علاقة حكومة الإنقاذ مع هيئة تحرير الشام

أقيمت حكومة الإنقاذ في مناطق حكم هيئة تحرير الشام، ونالت مسودة مبادرة "الإدارة المدنية عالية المستوى في مناطق سوريا المحررة" موافقة هيئة تحرير الشام بعد أن عرضت عليها وعلى عدة جهات عسكرية ومدنية أخرى، بهدف ضم أكبر عدد من مكونات المجتمع إلى الإدارة المدنية.

وكانت الهيئة قد دعت قبل إطلاق المبادرة بنحو شهر إلى تشكيل إدارة مدنية في مناطق شمال وغرب سوريا. وقالت في بيان إن "القوى الأمنية للهيئة ستكون في خدمة الإدارة المدنية".

صورة جوية لمدينة إدلب (الجزيرة)

وبعد المؤتمر التأسيسي الأول وتسمية أول رئيس حكومة، أُقصيت الحكومة المؤقتة من مناطق سيطرة الهيئة، وعُيّن مؤسس الجيش الحر رياض الأسعد نائبا لرئيس الوزراء للشؤون العسكرية.

ومع بدء عمل حكومة الإنقاذ سلمت الإدارة المدنية للخدمات التابعة لهيئة تحرير الشام مؤسساتها لحكومة الإنقاذ، معترفة بها حكومة مدنية.

وأصبحت حكومة الإنقاذ مسؤولة عن الدوائر والمؤسسات السابقة من مياه وخدمات وكهرباء واتصالات ومعابر وعقارات وتعليم وغيرها.

وظهر من خلال سنوات حكم حكومة الإنقاذ وجود توافق بين الطرفين، مع رقابة من هيئة تحرير الشام على عمل الحكومة، إذ يحضر أعضاء من الهيئة اجتماعات مؤسسات حكومية واجتماعات مجلس الشورى، إضافة إلى وجود مكتب متابعة لهيئة تحرير الشام في كل وزارة، وفق ما ذكره تقرير مركز جسور للدراسات.

وقد تسلمت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ مهام وعمل ومراكز جهاز الشرطة التابع لهيئة تحرير الشام مطلع عام 2019، وتلت ذلك حملات مشتركة بين الهيئة وحكومة الإنقاذ لتفكيك جهاز الشرطة الحرة لصالح وزارة الداخلية التابعة للحكومة.

غير أن وزارة الداخلية لم تتسلم من هيئة تحرير الشام كامل الأجهزة الشرطية، مثال ذلك أن الهيئة استحدثت عام 2018 جهاز حسبة سمته "مركز الفلاح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وحلّته عام 2021 ولم تسلمه لحكومة الإنقاذ ووزارة داخليتها.

التمويل

تحصل حكومة الإنقاذ على تمويلها من مصادر رئيسية تتمثل في الصندوق المالي لهيئة تحرير الشام، وواردات معبر باب الهوى، والرسوم والضرائب.

أعضاء من حكومة الإنقاذ خلال زيارة لأحد المواقع العسكرية (الصفحة الرسمية للحكومة على فيسبوك) الإدارة المركزية

اعتمدت حكومة الإنقاذ على مفهوم الإدارة المركزية في إدارة الحكومة والمجتمع، وكان من أبرز ما فعلته لتمكين حكمها:

سحب كل الصلاحيات من المجالس المحلية ونقلها إلى الوزارات المختصة. تسليم ملف الإغاثة إلى وزارة التنمية بعد أن كان من اختصاص المجالس المحلية تسليم وزارة الإدارة المحلية ملف رخص الأبنية. ضعف تمثيل المجالس على الصعيد المحلي وتعيينه من قبل وزارة الإدارة المحلية.

كما حاولت الحكومة بالتعاون مع الهيئة تمكين حكمها مجتمعيا من خلال خطوات عديدة منها:

إنشاء المشاريع الإستراتيجية مثل المدينة الصناعية وتنظيم الاتصالات والمياه. استحدثت الهيئة جهازا باسم "الإدارة العامة للحواجز" ينتشر عناصره في مناطق سيطرتها. إصلاح بعض الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي وتقديم القروض الزراعية. منع انتشار السلاح والمظاهر المسلحة، وتنظيم العسكر عبر ألوية، وإنشاء كلية عسكرية. ضبط فرق العمل ومنظمات المجتمع المدني واستخراج التراخيص لمزاولة العمل. موقف حكومة الائتلاف من حكومة الإنقاذ

اعترضت الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري على قرار المؤتمر بتأسيس حكومة الإنقاذ، ورفضت وجود حكومة أخرى معها، ووصفتها بأنها محاولة لإعلان "مشروع إدلبستان"، على غرار ما فعلت قوات سوريا الديمقراطية في القامشلي على حد تعبير رئيس الائتلاف حينها جواد أبو حطب، كما عدّها "محاولة للسيطرة على مؤسسات ذات تجربة إدارية طويلة وممتدة على كامل الأراضي السورية".

وبعد شهر من إعلان تشكيل حكومة الإنقاذ أجبرت هيئة تحرير الشام موظفي الحكومة المؤقتة على الخروج إلى مناطق "درع الفرات" وإخلاء مقراتهم جميعها.

حكومة الإنقاذ السورية تسير بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة (مواقع التواصل الاجتماعي) الموقف الدولي

لا يعترف المجتمع الدولي بحكومة الإنقاذ لأنه يعتبرها مظلة لهيئة تحرير الشام المصنفة على قائمة الإرهاب الدولي، بينما تحظى الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف باعتراف دولي كونها الممثل الرسمي للمعارضة السورية.

معبر باب الهوى

يقع معبر باب الهوى في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام، وهو معبر حدودي يصل بين سوريا وتركيا، ويبعد عن مدينة إدلب 33 كيلومترا، ويتبع إداريا محافظة إدلب وهو نقطة العبور الرئيسية مع تركيا، ويعدّ شريان الحياة الرئيسي نحو العالم الخارجي بعد إغلاق بقية المعابر.

الواقع المعيشي

تعاني مناطق حكومة الإنقاذ كغيرها من المناطق من الغلاء، مع غياب بعض المواد الأساسية عن السوق، وضعف أجور العاملين والبطالة، إضافة إلى كثرة الرسوم والضرائب.

كما تتعرض إدلب إلى قصف على نحو أكبر من المناطق الأخرى في الشمال السوري، لا سيما القصف على المناطق المدنية من المحافظة. ويمنع أي نشاط ثوري حر يخالف أيديولوجيا أو توجهات الهيئة والحكومة، وقد يتعرض صاحبه للعقاب والسجن.

المصدر: الجزيرة