بقلم : م.م. زهراء موسى جابر ..

حينما سُئل الكاتب الروسي أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلة، أجاب بجملة قد تبدو بسيطة لكنها عميقة في معناها: “في المجتمعات الفاشلة، يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية. تظل الغالبية بلهاء دائماً، وتغلب العاقل باستمرار؛ فإذا رأيت الموضوعات التافهة تتصدر النقاشات في أحد المجتمعات، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جداً.

” تتجلى حكمة تشيخوف اليوم في عصر الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، إذ بات الابتذال الإلكتروني تهديداً حقيقياً للقيم الاجتماعية. في هذا السياق، يبرز مفهوم الابتذال لوصف تلك الظواهر التي تُفرغ النقاشات العامة من محتواها الجوهري، وتحولها إلى ساحة لاستعراض التفاهات والانحرافات الفكرية التي لا تخدم، وانما تعزيز الانقسام والتفكك الاجتماعي.
ما هو الابتذال الإلكتروني؟
الابتذال الإلكتروني يشير إلى انتشار المحتوى الذي يفتقر إلى العمق والجودة، ويعتمد على الإثارة أو العبارات المستفزة لتحقيق الانتشار الواسع، يظهر هذا النوع من المحتوى عبر مقاطع الفيديو، الصور، النصوص، والتعليقات التي تتداول على منصات التواصل الاجتماعي، ويستهدف هذا المحتوى في الأساس الحصول على أكبر قدر ممكن من المشاهدات والنقرات، بغض النظر عن قيمته أو تأثيره الأخلاقي؛ إذ تسهم عدة عوامل في زيادة انتشار الابتذال الإلكتروني:

السباق نحو الشهرة: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة سهلة للوصول إلى الشهرة والانتشار، إذ يبحث الكثيرون عن الأضواء بأي وسيلة حتى لو كان ذلك بنشر محتوى مبتذل أو مثير للجدل. الضغط الاقتصادي: يعتمد العديد من صناع المحتوى على الإيرادات التي تأتي من الإعلانات والمشاهدات، فيشجع هذا النظام على إنتاج محتوى يسعى لجذب الانتباه السريع، حتى لو كان ذلك على حساب الجودة والأخلاق. التفاعل الفوري: الطبيعة الفورية لمنصات التواصل الاجتماعي تجعل من السهل نشر أي محتوى في لحظة، مما يشجع على نشر محتوى سطحي أو مثير دون التفكير في تداعياته.
انعكاسات الابتذال الإلكتروني على المجتمع:
تفاقم هذه الظاهرة ينعكس سلباً على القيم الاجتماعية، فعندما تتحول النقاشات العامة إلى سجالات سطحية ومبتذلة، تتراجع قيمة التفكير النقدي وتغيب روح الحوار البناء، هذا الواقع يعكس أزمة حقيقية في الهوية والقيم داخل المجتمع الرقمي، فتسيطر الثقافة السطحية على المشهد، مما يعمل على تآكل الروابط الاجتماعية وتراجع مفهوم المواطنة المسؤولة؛ إذ تعمل على: التقليل من قيمة الأخلاق: المحتوى المبتذل يمكن أن يسهم في تقليل أهمية القيم الأخلاقية مثل الاحترام والكرامة، مما قد يعمل على انتشار سلوكيات غير محترمة في المجتمعات. تشويه صورة المرأة: الكثير من المحتوى المبتذل يتناول النساء بطريقة سلبية، مما يسهم في تعزيز القوالب النمطية السلبية، ويضعف من مكانة المرأة في المجتمع. إضعاف العلاقات الاجتماعية: الابتذال يمكن أن يؤثر على كيفية تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، مما يعمل على إضعاف العلاقات الأسرية والاجتماعية بسبب نقص التواصل المبني على الاحترام. التأثير على الشباب: الشباب أكثر عرضه للتأثر بالمحتوى الإلكتروني، وقد يؤدي التعرض المستمر للابتذال إلى تغييرات في سلوكهم وقيمهم، مما قد يؤثر سلباً على مستقبل المجتمع ككل.
مواجهة الابتذال الإلكتروني:
لمواجهة الابتذال الإلكتروني تتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل التوعية، التعليم، وتفعيل دور المجتمع والمؤسسات، ندرج بعض الطرق الممكنة لمواجهة هذه الظاهرة: التثقيف الرقمي: تنظيم حملات توعية وبرامج تعليمية تستهدف الشباب والمجتمع بشكل عام، لزيادة وعيهم بأهمية المحتوى الذي يتفاعلون معه عبر الإنترنت وكيفية التمييز بين المحتوى المفيد والضار. تشجيع التفكير النقدي: تعليم الأفراد كيفية تحليل وتقييم المحتوى قبل مشاركته أو التفاعل معه، وتدريبهم على كيفية تجنب المحتوى المبتذل أو المسيء. الرقابة والتشريعات: سن قوانين وتشريعات تهدف إلى تنظيم المحتوى المنشور على الإنترنت ومكافحة الابتذال والإساءة، مع تطبيق عقوبات على المخالفين. دعم صناع المحتوى: تقديم الدعم للمحتوى الإيجابي والإبداعي الذي يعزز من القيم الاجتماعية ويكون بديلاً عن المحتوى المبتذل. الترويج للنماذج الإيجابية: الترويج لنماذج يحتذى بها من المؤثرين والمبدعين الذين يقدمون محتوى ذو قيمة، وتسليط الضوء عليهم كمثال يحتذى به. تعزيز القيم في المناهج الدراسية: دمج القيم الاجتماعية والأخلاقية في المناهج التعليمية، وتعليم الطلاب كيفية الحفاظ على هذه القيم حتى في البيئة الرقمية. التربية المنزلية: دور الأهل في مراقبة المحتوى الذي يتفاعل معه أبناؤهم وتوجيههم نحو السلوكيات الإيجابية والابتعاد عن الابتذال. تفعيل دور المجتمع: إنشاء مبادرات مجتمعية تهدف إلى مكافحة الابتذال الإلكتروني وتعزيز القيم الاجتماعية عبر تنظيم ورش عمل وندوات تثقيفية. العمل التطوعي: تشجيع الأفراد على المشاركة في حملات مجتمعية توعوية وتنظيم أنشطة تهدف إلى تعزيز الوعي بالقيم والأخلاق.
ختاماً يمكن ان يشكل الابتذال الإلكتروني تحدياً حقيقياً في عصرنا الرقمي، ويجب على كل من المستخدمين وصناع المحتوى تبني مقاربات جديدة لضمان الحفاظ على جودة المعلومات المقدمة؛ يتطلب الأمر منا جميعاً أن نكون أكثر انتباهاً وانتقائية فيما نتلقاه ونقدمه من محتوى، للحفاظ على مستوى عالٍ من القيمة والاحترافية في العالم الرقمي. زهراء موسى جابر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات القیم الاجتماعیة

إقرأ أيضاً:

انطلاق المؤتمر الإقليمي للرعاية البديلة ودور التنمية المستدامة.. «الحماية الاجتماعية للأطفال والشباب والتمكين الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة وبناء مؤسسات معاصرة» أبرز المحاور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تنظم جمعية "سند للرعاية الوالدية البديلة"، المؤتمر الإقليميى للرعاية البديلة بعنوان "دور أهداف التنمية المستدامة في حماية وتمكين فاقدى الرعاية الوالدية" يومي 29 و30 يناير 2025، بمشاركة منظمة يونيسيف والوكالة الإيطالية للتعاون . 

بدأ المؤتمر بعرض قصص ملهمة لمجموعة من الشباب من الأسر البديلة في كيفية مواجهة المجتمع وتحقيق أهدافهم بداية من وحيد سالم التي تملك موهبة فنية وترسم لوحات فنية تحولت لفيلم كانت هي البطلة والثانية سامية كمال التي تواجه المجتمع ببسمتها الجميلة عقب عمل تقويم أسنانها في أحدى كليات الطب، علاوة عن سليمان عبد الرحمن الذي يرفض مخاوفة ويتعامل مع المجتمع بثقة .

يأتي المؤتمر في وقت تسعى فيه الدول العربية إلى تحسين جودة الرعاية والخدمات المقدمة للأطفال والشباب فاقدي الرعاية الوالدية، ويهدف المنظمون إلى تعزيز دور المسؤولية المجتمعية وتطوير منظومة رعاية وحماية الأطفال والشباب في المؤسسات الإيوائية ونظام الاحتضان "الكفالة في الأسر" في الوطن العربي، ويأتي المؤتمر برعاية وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة مايا مرسي، ووزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي.

يناقش المؤتمر أربعة محاور رئيسية: المحور الأول يتضمن الحماية الاجتماعية للأطفال والشباب في الرعاية البديلة والرعاية اللاحقة، فيما يركز المحور الثاني على التمكين الاجتماعي والاقتصادي لخريجي دور الرعاية، ويتناول المحور الثالث استدامة جودة الرعاية البديلة من خلال عقد الشراكات المبتكرة، وأخيرًا يناقش المحور الرابع كيفية بناء مؤسسات قوية معاصرة في مجال الرعاية البديلة.

من ناحيته، ذكر أيمن عبد الموجود، الوكيل الدائم لوزارة التضامن الاجتماعي لشئون مؤسسات المجتمع الأهلي، أن الوزارة تولي اهتماما لملف الرعاية الوالدية البديلة، وتعمل بما يتفق مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل وحقوق الإنسان، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، واستراتيجية التنمية المستدامة 2030، موضحا أنه أثناء المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان فى مصر أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي أبرزت الوزارة دور مصر في ملف الأيتام والتحول إلى دور الرعاية للأسر البديلة.

 

بدورها قالت عزة عبد الحميد، المؤسس ورئيس مجلس إدارة  "سند": "ترجع أهمية عقد هذا المؤتمر إلى زيادة أعداد الأطفال فاقدي الرعاية الوالدية في الوطن العربي وعلى المستوى العالمي، حيث يوجد أكثر من 220 مليون طفل - واحد من كل عشرة أطفال – في العالم يعيشون بدون رعاية والدية أو معرضون لخطر فقدانها للدخول في نظام الرعاية البديلة، ومن هنا تأتي أهمية تضافر جهود الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص لتوفير بيئة داعمة تُعزز من تمكين هؤلاء الأطفال والشباب اجتماعيًا واقتصاديًا ودمجهم في المجتمع".

وتابعت: "بالرغم من ارتباط أهداف التنمية المستدامة بقضية الأطفال والشباب فاقدي الرعاية الوالدية، إلا أنه توجد العديد من التحديات التي تمنع دمج هذه القضية ضمن أهداف التنمية المستدامة" وأكدت على ضرورة ربط قضية فاقدي الرعاية الوالدية بشكل مباشر بمؤشرات التنمية المستدامة لجذب الإنتباه والتمويل، مشيرة إلى ضرورة خلق الحوافز للقطاع الخاص وتشجيعهم لدعم برامج المسؤولية الاجتماعية.

 وأوضحت ياسمين الحاجري المدير التنفيذي لجمعية "سند" أن المؤتمر يعد فرصة جيدة لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات بين الحكومات، منظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص لدعم الأطفال والشباب فاقدي الرعاية الوالدية، وأن الشباب رأس مال بشري يجب الاستثمار فيه وتغير منظور الخيري التكافلي إلى التنموي. 

وأضافت أن تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الرعاية البديلة لهؤلاء الأطفال يهدف إلى وضع حلولاً مستدامة تضمن نموًا صحيًا واجتماعيًا لهؤلاء الأطفال، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، وعلبمت بناء قدرات التربيويين ومقدمي الرعاية والمدرسين وهي سر حصولنا على جائزة التعليم على مستوي الجمهورية .

يذكر أن جمعية "سند" سعت منذ نشأتها إلى تقديم حلول مبتكرة لتعزيز نظام الرعاية البديلة في مصر وضمان مستقبل 

أفضل للأطفال والشباب فاقدي الرعاية الوالدية، والعمل على تمكين هؤلاء الشباب من خريجي دور الرعاية اجتماعياً واقتصادياً. كما نجحت في تحقيق أثر ملموس على نطاق واسع.

وقال الدكتور علي عبد الله ٱل إبراهيم العضو المنتدب للشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية إن هناك العديد من التحديات التي تحول دون تمكين أبنائنا من فاقدي الرعاية الوالدية اقتصاديا واجتماعيا، تتمثل في قلة مبادرات المسؤولية الاجتماعية التي تركز على هذه القضية الهامة، وضعف التنسيق بين منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لنشر الوعي بأهمية الربط بين قضية فاقدي الرعاية الوالدية بمؤشرات التنمية المستدامة.

 وأشار إلى أن "الشبكة" تعمل على رفع مستوى الوعي حول المسؤولية المجتمعية للشركات والمؤسسات، وتهدف إلى تعزيز المسؤولية المجتمعية للشركات والمؤسسات، والقطاعات الحكومية والأهلية والخاصة. 

 يشارك في المؤتمر نحو 250 فردا من مختلف الدول العربية (الكويت - البحرين – الأردن - المملكة العربية السعودية - سلطنة عمان - قطر- دولة الإمارات العربية المتحدة)، حيث يمثلون الأطراف المعنية في التنمية المستدامة ومجال الرعاية البديلة. ويسعى المشاركون إلى تقديم مقترحات عملية لتحقيق النتائج المرجوة، وتبادل الخبرات، بالإضافة إلى بحث شراكات مستقبلية لتضافر الجهود. كما يشهد المؤتمر مشاركة فاعلة من الشباب فاقدي الرعاية الوالدية، حيث يقدمون حلولًا مبتكرة لتطوير نظم الرعاية البديلة والرعاية اللاحقة من خلال مشاركة تجاربهم وقصص نجاحاتهم الملهمة.

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى: التربح من المحتوى الإلكتروني مشروط بنفعه واحترامه للقيم الدينية
  • خليفة التربوية تعزز دور المجتمع في التعليم وتنمية القيم الإماراتية
  • خليفة التربوية تعزز دور المجتمع والأسرة في التعليم وتنمية القيم الإماراتية
  • حكم التربح من نشر فيديوهات على مواقع التواصل؟.. الإفتاء تحسم الجدل
  • ما حكم التربح من نشر فيديوهات على مواقع التواصل؟.. الإفتاء تحسم الجدل «فيديو»
  • «الإفتاء»: الترويج لمحتوى يهدف لاستغلال المواقف بطريقة قبيحة لا يجوز شرعا
  • باحثة بمرصد الأزهر: التخبيب الإلكتروني خطر يهدد العلاقات الاجتماعية والأسرية
  • ميرا الكعبي: «عام المجتمع» مبادرة استراتيجية ترسّخ القيم الوطنية
  • «سند السنع» تعزّز الهوية وتبرز القيم المجتمعية
  • انطلاق المؤتمر الإقليمي للرعاية البديلة ودور التنمية المستدامة.. «الحماية الاجتماعية للأطفال والشباب والتمكين الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة وبناء مؤسسات معاصرة» أبرز المحاور