إستلهام التجربة الكردية
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
بقلم : هادي جلو مرعي ..
لكل أمة حتى وإن كانت تحت قيد الإضطهاد والمنع طموح، وتطلع لغد مختلف، ولعل الأمة الكردية مثال مهم على ذلك فهي، ووفقا لمعادلة الجغرافيا والتاريخ ممنوعة من أن تكون أمة كبقية الأمم المطوقة لها، وحالها يشبه حال فتى أنجبه رجل من زوجته الثانية المغلوبة على أمرها وتركه يصارع الحياة لوحده، بينما يتمتع أبناء الزوجة الأولى بكامل الإمتيازات، وتقع عليهم مسؤوليات عليا، ويشتركون في صناعة القرارات المهمة، ويديرون الأعمال، لكن الفتى المضطهد ممنوع عليه أن يكون مسؤولا، وممنوع عليه أن يكون قويا، وممنوع عليه أن يتصرف كما ينبغي، بل يهمل، ويتلقى الفتات، وإذا إحتج أتته ضربة على الرأس، وعبارة تثقب أذنيه ( أسكت ياولد).
لاأطمح لأن أصنع جبلا في الصحراء برغم تمنياتي الكثيرة، والمتكررة في أن أرى جبلا في بغداد نصنعه من ملايين من الصخور نستوردها على غرار الفكرة التي قدمها سندباد في واحدة من مغامراته حين زار بغداد، ووجد أن نهرها قد جف ماؤه، والعطش أخذ من الناس رغبتهم في البقاء فيها، وصاروا يغادرونها الى أمكنة أخرى، فتوجه رفقة ياسمينة الحزينة الى القطب الجنوبي، وبمساعدة بعض الحيتان طيبة القلب تمكن من دفع كتلة ثلجية عملاقة، وأوصلها الى بغداد لينهي أزمة المياه فيها مع إن أزمات العواصم العربية ليست متصلة بالمياه والثلوج والموارد، بل في الرجال القادة الذين يحولون المشاكل الى فرص، ويعملون بصدق وقدرات حقيقية ليستثمروا ويغيروا دون أن ينشغلوا بطرح الشعارات غير الواقعية، ويبتكرون مشكلات جديدة ليشغلوا بها الرأي العام الذي ينشغل عادة بهمومه الكثيرة التي تأبي أن تغادره.
الكورد الذين نعرفهم هم شركائنا في بناء دولة مابعد 2003 وقد كتبوا معنا دستور العراق، ومنحوا رئاسة الجمهورية، ونيابة رئاسة الوزراء، ونيابة رئاسة البرلمان، ووزارات عدة، مع مناصب وفيرة في مؤسسات الدولة، ولم يأخذوا تلك المناصب غصبا، بل كان ذلك بإتفاق دستوري مع المركز، وهذا يحيلنا الى ضرورة أن نكون موضوعيين وواقعيين في التعاطي مع المشاكل التي تتفتق من حين لآخر، فينبري كتابنا وصحفيونا لمهاجمة الكورد، وإتهامهم بشتى التهم، والغريب إنك حين تزور أربيل تجد إن نصف الشعب العراقي هناك، وتجد معظم المثقفين والصحفيين، ووسائل الإعلام، ورجال الأعمال، ووزراء ونواب، يتجولون في شوارع عاصمة الإقليم وهم منبهرون، ويلتقطون الصور، ويبعثون بها الى أصدقائهم، وهنا يجدر الحديث عن ضرورة ترتيب العلاقة بين بغداد واربيل حيث تتقاطع الرؤى في بعض الملفات التي تحتاج الى إبتكار أساليب أكثر نجاعة لتخفيف التوتر، وحل الإشكالات، وليس إستثمارها لدوافع شخصية وفئوية لاتنفع عامة الشعب، بل تحوله الى حال من القلق والإنزعاج.
من المؤكد إن الكورد يفكرون بطريقة مختلفة جعلت أربيل مختلفة عن بغداد، والسليمانية مختلفة عن البصرة، ودهوك مختلفة عن الموصل، ويبدو إن هناك فرصة مختلفة لمغادرة التصور النمطي عن العلاقة بين بغداد والإقليم طالما إننا نجد نموذجا للحداثة في البناء والإستثمار في كردستان يثير إعجابنا، ويدفعنا لصرف مدخراتنا في رحلة الى مصايف الإقليم، ومولاته مع إن عدد المولات في بغداد كبير، ومزعج، ويثير شكاوي إن تلك المولات في كل مكان، بل وتجد شارعا واحدا قد يحتوي أربعة مولات لايرتادها أحد لأنها بنيت عبثا بلاتخطيط، ولانظام محكم.
يمكن أن نستلهم التجربة الكردية في بناء مدن الوسط والجنوب والغرب، ويمكن حل المشاكل بالحوار لأنه الطريق للوصول الى نتائج مقبولة من الجميع. هادي جلومرعي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
بين الصحافة والسياسة
aloomar@gmail.com
بين الصحافة والسياسة جدارٌ من ورق. هناك صحافيون يمارسون المهنة بقناعات سياسية محددة بل انطلاقاً من انتماءات حزبية . لكن حتى الصحافي المنشغل مهنيا بمتابعة الشؤون السياسية يجد نفسه متورطا في السياسة. حتى ولو لم يلج المعترك السياسي إذ يجد نفسه قسرا مصنفاً سياسياً من قبل قراء غالباً أو ربما ساسة أحياناً. هذا التصنيف لا يعتمد بالضرورة على رؤاه الفكرية أو مواقفه المهنية. فغالبية التصنيفات تحملها أهواء تتراوح مصادرها بين التمجيد والتبخيس. لذلك قد تجد صحافيين انزلقوا إلى المعترك السياسي رد فعل لتصنيف ٍ ، بغض النظر عن كونه عادلاً أو ظالماً. في بعض هذه الحالات نخسر صحافياً ولا نربح سياسياً. في المقابل ثمة نشطاء سياسيون اقتحموا بلاط الصحافة في سياق شهواتهم للسلطة .ألا يصفون الصحافة بالسلطة الرابعة ؟حتى ولو كان في بلد لا توجد فيه غير سلطة واحدة؟! في مثل هذه الحالات لا نكسب صحافياً ولا نخسر سياسياً.
*****
تلك الحالات لاتتفي وجود صحافيين يغريهم بريق السلطة فيكسرون أقلامهم من أجل المناصب. رغم وجود صحافيين يكرسون أنفسهم من أجل خدمة الساسة إلا ان التكسب ليس غاية كل أولئك . فالتكسب المهني حرفة من ليس له أخلاقيات المهنة أو دافعه غايات سياسية وطنية . فبالاضافة إلى الصحافين المنشغلين بما يعرّف مهنيا بالصحافة السياسية ،يجرف التكسب بعضاً من صالات الصحافة الفنية -مثلا،- أو ميادين الرياضية . هذه الهجرة تعرّي كم هو ذلك الجدار الفاصل بين السياسة والصحافة سهل الاختراق. بل هو عند البعض جدار ٌوهمي. مثل هؤلاء المتكسبين أجهضوا حقوق رجال بذلوا بالتزامهم المهني عرقاً لا يقل غزارةً عن حبرهم وتحملوا كلفة تزيد من نبالة مواقفهم. من هؤلاء من أثبت للصحافة هيبة (السلطة الرابعة). منهم من رفع قلمه في وجه إغراءات المناصب .منهم من مارس السلطة بعقلية الصحافي فما احتملوا السلطة إو ضاق بهم محترفو المناصب.
*****
لعل محمد حسنين هيكل لا يجسد فقط أبرز الصحافيين العرب .بل هو كذلك أفضل من يمثل من استمسك بتعظيم القلم على المنصب . كماهو خير شاهد على عدم احتمال الصحافي البقاء في السلطة وضيق أهل السلطة بالصحافي .أبعد من ذلك ربما هيكل نفسه أحسن من كتب عن (العلاقة بين الصحافة والسياسة) في كتاب ممتع بهذا العنوان استعرض فيه سيرته المهنية. هيكل مزج بين الصحافة و السياسة في واحدة من أكثر تجليات تلك العلاقة وضوحاً و تأثيراً .لكأن صحيفة الاهرام كانت على أيامه إحدى مؤسسات رئاسة الدولة النافذة. لكنه في الوقت نفسه حافظ مهنياً على الجدار الفاصل بين الصحافة والسياسة على قدر ما حافظ على النأي بالاهرام من مأسسسةالدولة. رغم اعترافه في كتابه بأنها العلاقة الأكثر تعقيدا.هيكل عقّد تلك العلاقة على نحوٍ شكّل عقدة لكل من السادات ومبارك مثلما هو أيقونة في الصحافة المصرية استحال إعادة نسجها ممن حاولوا من مجايليه أو ممن مظاهيريه.
*****
لعل طارق عزيز يتميز بتألقه في السياسة أكثر من رصيده في الصحافة . رغم أنها هي منصة انطلاقته الأولى .فمن رئاسة تحرير (الثورة)الناطقة باسم حزب البعث صعد طارق عزيز وزيرا للاعلام ثم وزيرا للخارجية فغدا الناطق باسم العراق كله في جميع المنحنيات التاريخية إبان رئاسة صدام حسين خاصة سني حرب إيران وحرب الكويت .هو مجسد مواقف سيده المنافح وصوت سيده الفصيح لكنه وضع على لقاءاته الدبلوماسية والصحافية لمسات من ذاتيته الأنيقة المتعجرفة حتى لكأنه نسخة من شخصية رئيسه.
*****
مثل هيكل نال ونستون تشرشل شهرة على أعتاب الحياة مراسلا حربيا إذ تم تكليفه من قبل ( ديلي غرافيك )لتغطية صراع كوبا من أجل الاستقلال قبيل سفره إلى الجزيرة الكاريبية.كذلك حصل على تكليف من(مورننيغ بوست )بينما كان في مهمة في السودان ضمن جيش كيتشنر هازم الثورة المهدية.عقب عودته،كتب مؤلفه (حرب النهر) ليكتسب اهمية كأحد المراجع لتلك الحرب الاستعمارية. ثم اتجه تشرشل إلى جبهات التنافس السياسي فقاد بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية رئيسا للوزراء . هو لم يتألق فقط رجل دولة بل ظل يمارس الكتابة الصحافية مما جعله الكاتب الأعلى أجرا.
*****
في سياق الاستعادة لا يمكن تخطي يفغيني بريماكوف فهو رجل لا شبيه له في شرق اوربا.هو نسخة (سوفياتية) انسانية إذ ولد في اوكرانيا ثم تفتحت طفولته في جورجيا قبل الانتقال إلى روسيا يلتحق بجامعات ومعاهد موسكو. هوصحافي محترف في منصات واجهزة اعلامية متعددة.من ادارة القسم العربي في هيئة الاذاعة انطلق بريماكوف مراسلا ثم محررا قبل رئاسة القسم .من الصحافة المسموعة انتقل إلى المكتوبة في جريدة(برافدا) فتدرج كذلك فيها حتى اصبح مراسلا لها في الشرق الاوسط متخذاً من القاهرة مقرا دائما. في هذه المهمة امسى بريماكوف صحافيا معروفا على نطاق عالمي كما محاور اً. مألوفا لدى عدد غير قليل من الرؤوساء والسياسيين والقراء العرب.على صعيد الدولة شغل العديد من المناصب بينها رئاسة المخابرات الخارجية،رئاسة وفود بعثات روسية خارجيةقبل شغله منصب وزير الخارجية في ١٩٩٦ ثم رئاسة الحكومةبعد عامين.
*****
تيارات الهجرة من الصحافة إلى السياسة حملت العديد من الوجوه كماهي
في الاتجاه المعاكس .لكن كثيراً من الطحالب و العناكب غرقت بين الضفتين فذهبت كزبد البحر. لأن من طبع هؤلاء غزل خيوط في لزاجة بيوت العنكبوت بالكذب و التزلف والرياء على أي الضفتين وجدوا. غالبيتهم حاولوا العبور بوهم سهولة اختراق جدار الورق الفاصل بين الصحافة والسياسة.فامسوا فصيلا من المنبتين. الأنظمة الشمولية تهيء مواسم لتكاثر مثل هذه المخلوقات.
نقلا عن العربي الجديد