مسعى أوروبي متوسطي مع سوريا حول النازحين
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
لا تزال قضية النازحين السوريين تثير قلقاً في دول الاتحاد الاوروبي، ولا سيما المتوسطية التي تعاني من تدفقهم غير الشرعي، ليعود البحث مع لبنان حول التشدّد بحراً
وكتبت هيام قصيفي في" الاخبار": في الأيام الأخيرة، حطّ في لبنان مسؤولان أمنيان، يوناني وقبرصي، لاستكمال البحث في ملف النازحين السوريين. رئيسا الاستخبارات اليونانية والقبرصية اللذان جالا مرة أخرى بعد زيارات سابقة، على قيادات أمنية وسياسية، ينطلقان من قاعدة أساسية تتعلق برغبة ثماني دول برسم خط سياسي مختلف في التعاطي مع ملف النازحين من ضمن الاتحاد الأوروبي.
حتى الآن، ما تم في شكل رسمي في سياق عودة العلاقات الأوروبية مع سوريا، هو إعلان إيطاليا تعيين سفير لها في دمشق بعد قطيعة استمرت 12 عاماً. ولا شك في أن صعود اليمين وتولّيه الحكم في إيطاليا ساهما في هذه الخطوة، كما أن قراءة غربية للخطوة الإيطالية تتحدث عن رغبة أوروبية في العودة إلى مكان الحدث في الشرق الأوسط لمعاينة أكثر قرباً للأحداث في المنطقة وفي سوريا من منظار عملاني.
ما يعني لبنان أن اليونان وقبرص تتفهّمان الوضع اللبناني، وهما وإن طالبتا بإجراءات أكثر تشدداً في معالجة أسباب الهجرة غير الشرعية، فإن الجواب الأمني اللبناني لا يزال هو نفسه، أي المتعلق بسياسة أوروبية حازمة، وبوقف الإحاطة والدعم غير المشروط. أما مساعدة لبنان على تحمل أعباء النازحين فلا تعفي الدول الأوروبية من تفهم انعكاس هذا النزوح على البنية الاجتماعية والاقتصادية اللبنانية التي ترزح تحت وطأته إضافة إلى الهم الأمني المشترك مع أوروبا في التخوف من تصاعد عناصر أصوليين من ضمن موجات نازحة. وبقدر ما أن الأجوبة اللبنانية شدّدت على أن لبنان يفعل ما في وسعه لمنع تدفق النازحين، إلا أن الهجرة غير الشرعية قادرة على التسرب أسوة بكل ما يحصل عبر الحدود الأوروبية التي تملك من التقنيات والتدابير الأمنية ما لا يملكه لبنان قطعاً، علماً أن في لبنان من يرفض تلبية المطالب الأوروبية لصالح فتح أبواب هجرة النازحين بحراً بعدما أثقلوا الوضع اللبناني، وليتحمل الأوروبيون تبعات سياساتهم.
وتتحدث معلومات عن احتمال انتقال أحد المسؤولين الأوروبيين من بيروت إلى دمشق، كخطوة، اذا تمت فعلاً، تُعد خرقاً جديداً في ملف النازحين، نتيجة رغبة دول المتوسط التي تعاني أكثر من دول الشمال الأوروبي من تأثيرات الهجرة إليها، رغم أن بعضاً من دول الشمال والعمق الأوروبي بدأت أيضاً تتعاطى بجدية وبقراءة عكسية لواقع النزوح، وللعلاقة مع سوريا. وبحسب المعطيات فإن الموقف الأوروبي المستجد، يمكن أن يشكل ثغرة للبنان ينفذ منها في حال استطاعت هذه الدول إقامة صلات مع سوريا في شأن المناطق الآمنة، رغم أن ثمة اعترافاً بأن ملفاً بهذا الحجم يتعلق بالولايات المتحدة وبدول صناعة القرار الأوروبي، ولن يكون ممكناً اتخاذه من بعض الدول، علماً أن هذه تراهن على أن ما يحصل مثلاً في ألمانيا من تطور في التعاطي مع النزوح يمكن أن يشكل ردة عكسية، تماماً كما تحاول بعض الدول كالمجر التصرف إفرادياً من أجل الحفاظ على استقرار أوضاعها. وفتح قبرص واليونان ثغرة في هذا الملف يمكن البناء عليه لبنانياً، إذا انتقلت معاينة الملف من الحسابات الضيقة إلى سياسة أكثر واقعية في الاعتراف بتنامي النزوح وانفلاشه أمنياً واقتصادياً واجتماعياً من دون الأخذ بتأثيرات عمل الجمعيات غير الحكومية وبفتحها أبواب الدعم غير المشروط للمدافعين عن بقاء النازحين في لبنان.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مع سوریا
إقرأ أيضاً:
زخم دبلوماسي عربي تجاه إدارة سوريا الجديدة فما الدلالات والمآلات؟
في ظل زخم دبلوماسي إقليمي ودولي تجاه سوريا، شهدت العاصمة السورية حراكا عربيا ملحوظا خلال الأيام الأخيرة، تميز بتوافد مسؤولين لإجراء مباحثات مع القيادة السورية الجديدة، في أعقاب تفاعل دولي تضمن زيارات وفود أوروبية وأميركية.
وفي زيارة هي الأولى لمسؤول أردني منذ سقوط الأسد، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بالقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، حيث دعا عقب اللقاء إلى منح الإدارة الجديدة فرصة لإعادة بناء البلاد، مشددًا على أهمية استقرار سوريا كعامل أساسي لأمن الأردن والمنطقة.
كما أجرى وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي لقاء مع الشرع، بحث خلاله العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون، إضافة إلى تقديم دعم قطري لتشغيل مطار دمشق الدولي، وجاء ذلك غداة لقاء وفد حكومي سعودي بالشرع في أول تواصل بين الإدارة الجديدة والرياض بعد سقوط الأسد.
لكن الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث" يرى أن التحركات العربية تجاه سوريا جاءت متأخرة نسبيا مقارنة بالتحركات الدولية التي سبقتها.
وأوضح أن العرب، باستثناءات محدودة مثل قطر التي رحبت منذ البداية، اتسموا بالحذر في التعامل مع القيادة الجديدة، لافتا إلى أن هذا التوجس لم يكن فقط بسبب ماضي القيادة الجديدة وتصنيفها على قائمة الإرهاب الأميركية، بل أيضا نتيجة رهانات بعض الدول العربية على نظام الأسد الذي بقيت آمال البعض معلقة عليه حتى لحظاته الأخيرة.
إعلان نضج سياسيويبدو أن "النضج السياسي والقدرة على التصرف بعقلية الدولة لا الثورة" التي أظهرتها القيادة الجديدة في دمشق -بحسب مكي- خلال الفترة الماضية، شجعا العديد من الدول على إعادة النظر في مواقفها.
كما أن زيارة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي إلى دمشق وما تبعها من تصريحات إيجابية تجاه القيادة السورية فتحت الباب أمام قبول دولي واسع لمن تولى زمام الأمور هناك، وفقا للمتحدث ذاته.
أما مسألة رفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب فـ"قد باتت مسألة وقت" كما يقول مكي، وأن هذا الأمر دفع بعض الدول العربية للإسراع في التعاطي مع القيادة الجديدة لتأمين مصالحها السياسية والاقتصادية في سوريا المستقبلية، مثل الأردن والخليج ولبنان.
لكنه في ذات الوقت حذر من رهان بعض الأطراف الإقليمية والدولية على فشل التجربة الجديدة في سوريا، سواء من خلال التأثير على الاستقرار الداخلي أو دعم أطراف متضررة مثل قوات قسد.
مفهوم الوصاية
ويرى مكي أن مفهوم الوصاية الذي كان حاضرا في السابق أثبت فشله في التعامل مع سوريا، لافتا إلى أن التجربة الديمقراطية في هذا البلد تمتد تاريخيًا إلى فترات بعيدة، وأن الشعب السوري -بما لديه من وعي- قادر على التكيف مع المرحلة الجديدة بعيدًا عن التطرف.
وعن الحضور التركي في سوريا، أوضح الباحث بمركز الجزيرة للدراسات أن تركيا كانت في طليعة المتفاعلين مع الثورة السورية منذ عام 2011، مما جعل حضورها في الانتصار الحالي أمرًا طبيعيًا.
بدوره، يرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور مؤيد غزلان قبلاوي أن سوريا تحتاج إلى وقت للتعامل مع المعطيات الجديدة، لكنه أكد أن المبادرات الآنية التي قامت بها حكومة الإنقاذ كانت مطمئنة للوسط الإقليمي والدولي.
وأشار قبلاوي إلى أن القوى الدولية لاحظت استقرارا غير متوقع في دمشق، حيث كان هناك تخوف من الفوضى وغياب الأمن، لكن حكومة الإنقاذ أثبتت عكس ذلك.
إعلانوأضاف أن الأرضية الأمنية والرؤية السياسية المتعاضدة مع دول الإقليم أسهمت بهذا الاستقرار، إلى جانب المكاسب التي حققتها الثورة السورية، مثل قطع تجارة الكبتاغون العالمية التي أرهقت دول الجوار، وتأمين الأمن الإقليمي بإنهاء الهلال الشيعي وتحويله إلى "رماد أمني".
مكاسب عاجلةوأوضح الدكتور قبلاوي أن هذه المكاسب امتدت إلى لبنان الذي عاد إلى ساحة تنافسية بعيدا عن سيطرة حزب الله، وكذلك تركيا التي استفادت من تقليل سطوة "قسد" معتبرا أن هذه الإنجازات فشلت القوى الدولية في تحقيقها على مدار 15 عامًا.
ولفت إلى أن دول المشرق العربي كانت أسرع في الاعتراف بالتطورات الجديدة مقارنة بدول المغرب العربي التي لا تزال مترددة، مضيفا بأن من يتأخر عن الاعتراف بالسياسة الجديدة في دمشق سيتأخر عن الركب الدبلوماسي العالمي.
واعتبر قبلاوي أن هذا التردد يعود إلى حرص بعض الدول المغاربية، مثل الجزائر وبعض الأطراف الليبية، على استكشاف المرحلة القادمة، مرجحا أن تكون علاقاتها مع روسيا أثرت على تسريع هذا الاعتراف.
ورأى أن دول أوروبا، مثل فرنسا، أبدت رسائل إيجابية تجاه التطورات في دمشق، متوقعا أن تلحق الدول المغاربية بالركب الأوروبي قريبا، خاصة مع إدراكها أهمية المسار الاقتصادي والمصالحة الوطنية.
وأكد قبلاوي أن الوضع في سوريا يتجه نحو الأفضل، مع ملاحظة التعايش بين المكونات المختلفة وإجراءات تقاربية مع الدول العربية. وأعرب عن أمله في إعادة تعريف الإرهاب في المنطقة، مشيرًا إلى أن حتى الموالين للنظام السوري السابق لا يرغبون في عودة فلوله إلى المشهد.