موقع النيلين:
2025-04-26@23:16:36 GMT

مصطفى ميرغني: جنازة الخوف

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

في يوم من أيام الحرب في جبرة،بلغني الخبر أن جارا لنا توفي رحمه الله تعالى،وحينها لم يصطنع الناس أمر دفن الموتى في الأحياء،كان وقت الوفاة قبل الظهر بقليل،تطوع بعض الشباب وذهبوا إلى مقابر الصحافة،التي تبعد عنا ثلاثة كيلوهات،ودخلت أنا الغسيل،وأثناء الغسيل أفكر و أحمل هما كبيرا،كيف سنذهب بالجنازة إلى المقابر،فالسيارات تنهب من البيوت عنوة و قهرا فمن الذي بقيت سيارته و يمكنه أن يخرجها؟ لا أحد.

اقترب وقت العصر و الذين ذهبوا إلى المقابر حفروا أرضا صلبة استعصت عليهم فحتى وقت العصر لم يشارفوا على الانتهاء،وكان المعلن أن الدفن سيكون بعد العصر،فأخبروني أن نتأخر قليلا حتى يجهز القبر،و المكان الوحيد الذي يمكن أن يجتمع فيه الناس على قلتهم هو المسجد في صلاة العصر،و إن تفرقوا بعد العصر صعب جمعهم و ذلك لأن شبكة الاتصالات ضعيفة فكيف بشبكة الانترنت.

صلينا العصر ثم وقفت بعد العصر أمام الناس و كان لا حل سوى ذلك،قلت لهم أن فلانا جارنا قد مات و أبناؤه هاهم يصلون معنا،وتعلمون أنه لا يوجد سيارة يمكن أن نحمل عليها الجثمان،فكل شاب و كل من يأنس في نفسه القوة فليتحرك معنا سيرا على الأقدام نحمل الجنازة على أكتافنا ونتبادل حملها حتى نصل،سبحان الله رغم الخوف الشديد في تلك الأيام من اعتداءات الميليشيا، واعتداءات النهابة و الحرامية،وكانت الاشتباكات تدور وقتها في شارع الهواء جنوبنا مباشرة و طائش الذخيرة يأتينا كثيرا،رغم ذلك كله استجاب الناس و ما تخلف منهم أحد حتى كبار السن و أصحاب الأعذار أصروا على القيام بهذا الواجب العظيم،تحركنا نسارع الوقت حتى لا يأتي الليل فالظلام شديد لعدم الكهرباء و لقلة الناس أصلا.

تحرك فوج عظيم وعدد كبير من الناس من المسجد إلى المقابر سيرا على الأقدام حاملين الجنازة،وصلنا المقابر و كان الوضع مخيفا،فصوت الاشتباكات فوق رأسك مباشرة و هاهو الرصاص يتساقط من حولنا بكثرة،وكل ذلك لا يخيف الناس أكثر من مخافتهم من أن يتعرض لنا أفراد الميليشيا،كان هذا خوفنا أكثر من الرصاص و الله.

تأخر الحفر لصلابة الأرض،وأصاب الناس العطش و الماء قليل جدا،أذن المغرب و بدأت مراسم الدفن فلما فرغنا من الدفن و قد حان وقت المغرب،قلنا لو أننا صلينا في مكاننا هذا سنتأخر،و إن تأخرنا صار الأمر أشد خطرا على الناس،فكان القرار أن نؤخر المغرب حتى نرجع،حتى لو أذن العشاء فإن حالنا هذا يجوز فيه الجمع لشدة الخوف،فعلا تحركنا و خوفنا الكبير من أن يرانا بعض أفراد الميليشيا ثم خوفنا من النهابين و قطاع الطرق ثم خوفنا من الكلاب التي اشتد سعرها،وصارت لا تنصرف بعصا أو صراخ،توكلنا على الله و مضينا في ظلام بهيم، في زقاقات السوق المحلي الذي صار يبابا،فأبواب الدكاكين المكسرة و بقايا البضاعة التي نهبت ملقاة على الأرض و صوت الذخيرة من الميليشيا الذي يضربونه على رأس كل دقيقة بثا للرعب و نشرا للخوف في قلوب القلة القليلة التي بقيت،بعد قرابة الساعة مشيا وصلنا الحي مع أذان العشاء و جمعنا المغرب مع العشاء جمع تأخير،و من لم يذهب معنا أصابهم قلق وخوف شديد لتأخرنا،لعدم الشبكة و إن وجدت فمن ذا الذي يجرأ ليحمل هاتفه معه.

كان يوما عسيرا بمعنى الكلمة و لعل كلماتي هذه لا تعكس لك الخوف و المعاناة الشديدة التي لقيناها في ذلك اليوم،وهذا حال كل من يعيش في مناطق الميليشيا،لا شيء غير الخوف و القلق والتوتر وعدم الأمن وعدم الشعور بالطمأنينة

رحم الله المتوفى
وجزى الله خيرا أهل مسجدنا فذلك العمل أحسب أن له أجرا وشأنا عظيما عند المولى عزوجل فقد وضعوا حياتهم في محك الخطر ليواري مسلما الثرى،وبعد ذلك ابتدع الناس دفن الناس في الأحياء،حفاظا على أرواحهم و سلامة لأنفسهم و لا حول و لا قوة إلا بالله
اللهم عجل بالخلاص من هذه العصبة
كتبه
مصطفى ميرغني محمدصالح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

قد خسرنا رجل الأعمال وجدي ميرغني في هذه المعركة الوطنية

حين كتبت هذا المنشور في نوفمبر من العام الماضي كنت أقرب إلى إدراك أننا قد خسرنا رجل الأعمال وجدي ميرغني في هذه المعركة الوطنية، مثلما خسرنا آلاف الناس الذين اختاروا الوقوف ضد الجماهير واصطفوا مع أعوان العدو هناك، أو في صفوف السلطة الخائنة/ الخائبة.

ليس هو رجل الأعمال الأول ولا الأخير الذي يصطف مع أعوان الجنجويد بقيادة #راسبوتين القصر الجديد #علاء نيابة عن الحاكم بأمره، لكن الخسارة فيه خسارتين كونه يتحكم في ثلاث قنوات تلفزيونية الشعب أحوج إليها في صفه وليس ضده.

خسر الشعب عشرات الصحفيين والإعلاميين الذين خذلوه بشق كلمة صدق واحدة، والآن يخسر ناشراً تلفزيونياً لكن عين التأريخ، ترى وسيكتب الناس من وقف مع الدفتردار، ومن كان أقل بسالة فوقف مع من وقف مع الدفتردار.

إصرار قناة سودانية٢٤ على الترويج لدعاية الجنجويد وأعوانهم من قوى الخيانة الوطنية، يعيد طرح التساؤلات عن الحكمة في تمكين السلطات الحكومية (البرهان وتابعه علاء) للسيد وجدي ميرغني من السيطرة على ثلاثة قنوات فضائية إثنتان منها مملوكتان للدولة بشكل كامل أو جزئي، وواحدة مدعومة من الدولة -المخروبة-أيضاً في هذا الظرف الاستثنائي، ودور وتوجهات هذه القنوات خلال فترة الحرب الحالية.
لم يعد السؤال حول موقف هذه القنوات من المعركة الوطنية قائماً بعد السفور الأخير، فالإجابة قد صارت في علم الكافة.

محمد عثمان إبراهيم محمد عثمان إبراهيم
#سودانية٢٤ إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «إيه القرف ده».. ريم مصطفى تعلق على مشهدها المثير للانتقادات الساخرة في «سيد الناس»
  • نيابة عن الرئيس عباس: مصطفى يشارك في جنازة البابا فرنسيس
  • ما تم نهبه فقط من بنك السوداني ٨٢٠ مليون دولار نقدا، و٥ طن ذهب
  • الدكتور أيمن أبو عمر: الوطن نعمة تستوجب الشكر.. وحبه نابع من الإيمان
  • قد خسرنا رجل الأعمال وجدي ميرغني في هذه المعركة الوطنية
  • علشان أفضل ترند.. تعليق ريم مصطفى على مشهد «سيد الناس» المثير للجدل (فيديو)
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • حكم الذكر جماعة وجهرًا عقب صلاة العصر يوم الجمعة
  • محمد مهنا: الزهد الحقيقي لا يعني ترك العمل أو الانعزال أو الفقر
  • الخداع تحت غطاء الصداقة وخيمة الثقة !