ما بعد التعاون التركي المصري في الصومال
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
عشرة آلاف جندي مصري يصلون الأراضي الصومالية، نصفهم سيكون تحت تصرف بعثة الاتحاد الأفريقي المعنية بحفظ الأمن والاستقرار “أميصوم”، فيما سيتمركز النصف الآخر قريبًا من الحدود الإثيوبية.
الانخراط المصري العسكري في المسألة الصومالية، يعدّ تطورًا بارزًا في السياسة الخارجية المصرية، حيث نأت القاهرة بنفسها عسكريًا منذ عقود، عن مناطق الصراع المشتعلة، إلا ما كان منه ضمن مشاركة أممية أو إقليمية.
فقد شهد هذا العام (2024) زيارتين للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للقاهرة، قادتا إلى توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين، اللذين تربطهما علاقات تاريخية قديمة، وتوقيع بروتوكول للتعاون العسكري.
الخطوة المصرية تزامنت مع تحركات تركية جيوستراتيجية في الصومال وفي المنطقة كلها بما في ذلك إثيوبيا، كما سيأتي ذكره.
إرسال القوات المصرية جاء في أعقاب بدء إثيوبيا الملء الخامس لسد النهضة في يوليو/تموز الماضي، والذي من المقرر أن ينتهي في سبتمبر/أيلول الجاري.
الملء الجديد الذي أضاف 23 مليار متر مكعب من الماء، إلى حوالي 41 مليار متر مكعب، تم احتجازها في المراحل السابقة، عمّق الخلافات بين أديس أبابا والقاهرة، ما دفع الأخيرة إلى إرسال رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي، أكدت فيها “رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي”.
تثير هذه التطورات في القرن الأفريقي التساؤلات بشأن التعاون المصري التركي في الصومال، وإمكانية أن يكون نواة لتعاون بين البلدين في ملفات حساسة أخرى كالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والأزمة السودانية، والأوضاع في ليبيا.
النَّكف: سلاح القبيلة العُرفي الذي تتنازعه أطراف الحرب باليمن كيف جعلت الولايات المتحدة الشرق الأوسط أكثر تقلباً؟ التموضع التركيقبل الحديث عن التعاون المصري التركي في الصومال، لا بدّ من التطرق إلى الوضع التركي المتميز في كل من الصومال وإثيوبيا.
فقد أولت تركيا منذ وقت مبكر تلك المنطقة الإستراتيجية مزيدًا من العناية والاهتمام، فاستخدمت إمكاناتها العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى قوتها الناعمة لبسط نفوذها، وتعظيم وجودها الحيوي والإستراتيجي.
أعادت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع الصومال في وقت مبكر من الألفية الحالية، وافتتحت أكبر سفارة لها في الخارج في مقديشو، كما أنشأت هناك أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد، وهي تستخدمها للتدريب وإعادة تأهيل الجيش الصومالي، وقوات الأمن، ومساعدة الصوماليين في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
وتوجت تلك العلاقات بأكبر اتفاق دفاعي وأمني بين البلدين تم توقيعه العام الجاري، وهو يمكن القوات التركية من مدّ مظلة الحماية على الأراضي والمياه الصومالية، ومنح الشركات التركية تراخيص التنقيب عن الثروة المعدنية في المياه الاقتصادية للصومال.
قال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عن هذه الاتفاقية إنها “تهدف إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين البلدين. هذه القوة ستحمي سواحل الصومال ومياهه الإقليمية، وستستثمر في موارده البحرية لمدة عشر سنوات. هذه القوات المشتركة ستعمل فقط لمدة عشر سنوات، وبعد ذلك سيكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة”.
على الجانب الآخر من الحدود، تحتفظ تركيا بعلاقات إستراتيجية مع إثيوبيا تضرب بجذورها إلى نحو 130 عامًا، وتربط بين البلدين في إطارها عدة اتفاقيات أمنية وعسكرية ومالية متنوعة.
قدمت أنقرة الدعم لأديس أبابا في صراعها ضد المتمردين في إقليم تيغراي، ما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد حينها للقول إن “إثيوبيا لن تنسى أبدًا التعاون الذي قدّمه شعب وحكومة تركيا في الأوقات الحرجة”.
هذه العلاقات المتميزة لتركيا مع الغريمَين الصومال وإثيوبيا، مكّنت أنقرة من لعب دور الوسيط بينهما، حيث نجحت في لمّ شمل وزيري خارجية البلدين في جولتين للمفاوضات بشأن إنهاء التوتر، وحلّ الخلافات بين البلدين.
وإلى جانب هاتَين الدولتَين المهمتَين ترتبط تركيا أيضًا مع جيبوتي باتفاقيات عسكرية ومالية.
العالم حذر من دونالد ترامب لكنه لا يعرف سوى القليل عن كامالا هاريس الانقلابات والتعاون.. دول الخليج واستراتيجية إيران في منطقة الساحل التعاون التركي المصريوفي ضوء هذا النشاط المكثف لتركيا في منطقة القرن الأفريقي، فإنّ التحركات العسكرية المصرية هناك، لا بدّ أن تكون تمّت بتنسيق بين الدولتين؛ منعًا لتضارب المصالح بينهما، ولا سيما في وقت تشهد فيه علاقتهما صعودًا مطردًا، مع إعادة تفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي المشترك، وزيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنقرة للمرّة الأولى منذ توليه الرئاسة.
في ملفّ تعاون البلدين، يأتي ملف سد النهضة في مقدمة الأولويات، فمنذ وصول القوات المصرية، لم تتوقف التكهنات بشأن إمكانية تحول النزاع المصري الإثيوبي إلى صراع مسلح.
ساعد في ذلك التصريحات الإثيوبية، إذ حذّر بيان رسمي عن خارجيتها “قوى (لم يسمّها) تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهداف قصيرة الأجل، بأنها ستتحمل عواقب وخيمة”.
لكن يبقى احتمال نشوب حرب مصرية إثيوبية انطلاقًا من الأراضي الصومالية أمرًا صعبًا، وذلك لأسباب سياسية ولوجيستية. والأهم أن سد النهضة صار واقعًا، يصعب تخيل سهولة تدميره في ظل مساهمة العديد من الدول في تمويله.
من هنا فإن التفاوض بشأن ضمان مصر حصتَها من المياه دون نقصان، يبقى الخيار الأكثر قبولًا ومعقولية، ويبدو أنّ القاهرة أرادت أن يتم ذلك تحت ضغط وجود بعض من قواتها قرب الحدود الإثيوبية.
وهنا تبرز أهمية الدور التركي في تقريب وجهات النظر بين البلدين، بما تملكه من علاقات مميزة معهما.
تتفق كلمة الدولتين، تركيا ومصر، أيضًا، فيما يتعلق بضرورة المحافظة على وحدة وسلامة أراضي الصومال، وعدم الاعتراف بأي محاولات انفصالية من جانب ما يعرف بـ “أرض الصومال” أو “صوماليلاند” التي أعلنت انفصالها في مايو/أيار 1991، ولم تحظَ باعتراف دولي، إلا أنها حظيت باعتراف إثيوبيا التي عينت فيها سفيرًا في أغسطس/آب الماضي.
لذا فإن الصومال ينتظر من الحليفين الكبيرين أن يقوما بدور فعال في التصدي للدعم الإثيوبي للانفصاليين، مقابل تأجير أديس أبابا لميناء بربرة من “أرض الصومال” لأغراض تجارية وعسكرية، وهي الخطوة التي رفضتها القاهرة وأنقرة.
مستقبل التعاون المشترك
يعدّ نجاح التعاون التركي المصري في الصومال، نموذجًا أوليًا لما يمكن أن يكون عليه تعاون الدولتَين في العديد من ملفات المنطقة ذات الحساسية العالية.
في مقدمة هذه الملفات، العدوان الإسرائيلي المتواصل والمتصاعد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، الذي وصل إلى درجات غير مسبوقة من التوحّش. فالتنسيق بين الدولتين يجب أن يتجاوز الجانب الإنساني من إيصال مساعدات وغيره، إلى اتخاذ خطوات فعالة في اتجاه إيقاف الحرب، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة.
كما أنّ تفاقم الأوضاع في السودان جراء الصراع المسلح بين القوات الحكومية، وقوات الدعم السريع، يجب أن يحمل الدولتَين على العمل على إيقاف الحرب وإحلال السلام، سواء كان ذلك بجهود ثنائية، أو داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وفي الملف الليبي حيث تتمتع الدولتان بنفوذ واضح، من الضروري التحرك صوب إنهاء الانقسام بين الشرق والغرب، وتوحيد الدولة تحت مظلة حكومة منتخبة.
وأخيرًا، فإن نجاح ذلك التعاون بين البلدين وتناميه سيسهم في إحلال الاستقرار في منطقة تعاني من الفوضى منذ أكثر من عقد من الزمان.
*نشر أولاً في “الجزيرة نت”
*سمير العركي.. كاتب وباحث في الشؤون التركية
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق تحليليا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المنتخب اليمني ............. لماذا لم يكن زي منتخب اليمن الف...
سلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: بین البلدین فی الیمن
إقرأ أيضاً:
وزير السياحة والآثار ونظيرته بالبحرين يفتتحان ورشة عمل سياحية مشتركة بين البلدين
افتتح، شريف فتحي وزير السياحة والآثار، وفاطمة بنت جعفر الصيرفي وزيرة السياحة بمملكة البحرين، ورشة العمل السياحية المهنية المشتركة التي نظمتها وزارة السياحة والآثار في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة على هامش مشاركة البلدين في فعاليات معرض سوق السفر العربي (ATM) المُقام حاليًا ويستمر حتى ١ مايو المقبل.
وقد شهدت ورشة العمل مشاركة واسعة من جانب عدد من ممثلي شركات السياحة المصرية ونظيرتها البحرينية، كما تم توجيه الدعوة أيضًا إلى شركات السياحة المصرية المشاركة بالمعرض وعددها 35 شركة من بينهم 5 شركات تعمل في السوق الصيني.
واستهل وزير السياحة والآثار فعاليات الورشة بكلمة قصيرة رحب خلالها بشركات السياحة المصرية والبحرينية المُشاركة بالورشة، متمنيًا أن تكون هذه الورشة مفيدة ومثمرة وتحقق الهدف المرجو منها كمنصة مبدئية للتعاون بين شركات السياحة المصرية والبحرينية.
وأكد على أنه مازال هناك الكثير الذي يمكن تقديمه من خلال هذا التعاون بما يساهم في تحقيق نمو صناعة السياحة في البلدين، مشيرًا إلى استعداد الوزارتين لدعم هذا التعاون وتقديم كافة التسهيلات الممكنة لتحقيق شراكات ناجحة ومتعددة في هذا المجال بما يعمل على تحقيق حركة السياحة بالبلدين للمستويات المأمولة منها.
كما أعرب عن تطلعه لمزيد من العمل والتعاون السياحي المصري البحريني وأن تشهد الفترة المقبلة نمو متسارع في حركة السياحة في البلدين حيث أن القطاع السياحي الخاص هو قاطرة صناعة السياحة وله دورًا فعالًا ومحوريًا في هذا القطاع الحيوي لوضع البلاد في مصاف الدول السياحية الكبرى.
ومن جانبها، وصفت وزيرة السياحة البحرينية التعاون بين مصر والبحرين بالوطيد في جميع المجالات ومنها السياحة، وأن هذه الورشة تعكس الحرص المتبادل للبلدين الشقيقين على تضافر الجهود التسويقية للترويج السياحي، لافته إلى أهمية تبني برامج تسويقية مبتكرة وإقامة الشراكات المباشرة بين الشركات في البلدين، مؤكدة أن البلدين الشقيقين، لديهما القدرة على الترويج المشترك لبلادهما كمقاصد سياحية دولية، ومشيرة إلى المباحثات الثنائية التي تمت بينها وبين وزير السياحة والآثار على مدى الشهور القليلة الماضية في تحديد ووضع السبل الفعالة والصحيحة للترويج لما تتمتع به مصر والبحرين من مقومات سياحية والترويج التكاملي لبرامج تسويق سياحية مشتركة موجهة إلى أسواق دول شرق آسيا واستثمار ما توفره البحرين من خطوط طيران مباشرة نحو هذه الأسواق، بما يسهم في جذب مزيد من السائحين إلى كلا البلدين.
كما أعربت عن سعادتها بحضور هذا الكم من شركات السياحة من كلا الطرفين والتي سوف تتعاون سويًا لوضع الدولتين في مكانة متميزة بين مصاف الدول السياحية الكبرى، مؤكدة على الاستعداد التام للدعم وتقديم الفرص المتاحة والحوافز والمبادرات التسويقية التي يمكن أن يتم تنفذها سويًا.
وخلال الورشة، ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون السياحي المشترك وتبادل الخبرات للعمل على جذب مزيد من الحركة السياحية الوافدة إلى البلدين ولا سيما من خلال تعظيم الاستفادة من خطوط الطيران المباشرة بين البحرين ومختلف الأسواق السياحية البعيدة لدعم حركة السياحة إلى البلدين وجذب السائحين منها خاصة من دول شرق آسيا.
كما تم مناقشة سبل وآليات الترويج للوجهات السياحية في البلدين من خلال الإعداد والتسويق لبرامج سياحية تكاملية مشتركة بينهما مما يسهم في رفع معدلات التبادل السياحي.
وتم أيضًا بحث إمكانية التعاون في تنظيم العديد من المنتجات السياحية ولا سيما منتج سياحة حفلات الزفاف والاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض MICE.
جدير بالذكر أن تنظيم هذه الورشة جاء في ضوء ما تم الاتفاق عليه خلال لقاء شريف فتحي وزير السياحة والآثار مع فاطمة بنت جعفر الصيرفي وزيرة السياحة بمملكة البحرين، خلال زيارة الوزير الأخيرة لمملكة البحرين لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مجال السياحة.
وقد شارك في حضور الورشة المهندس أحمد يوسف مساعد الوزير لشئون الإدارات الاستراتيجية والقائم بأعمال الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، وأحمد نبيل معاون الوزير للطيران والمتابعة، وسوزان مصطفى مدير عام الإدارة العامة للترويج السياحي بالهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي.