التنافر الثقافي والسياسي في اليمن
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
عند إعلان الوحدة عام 1990م، غفل القائمون على صناعة الحدث حينها عن البعد الثقافي ركونا إلى تراكمه، وكان اشتغالهم كل اشتغالهم على البعد السياسي، ولم تكن النتيجة حينها إلا حرب صيف 1994م. وبعد “7 يوليو 1994م” تكرر ذات المنهج وذات الخطأ فلم تكن النتيجة سوى ما شهده الوطن من تنافر وحروب بدءا من حرب صعدة مران في 2004م، ومروراً بتنامي الشعور الغاضب عند شعب الجنوب وتشكل الحراك في 2007م، وانتهاءً بالغضب الشعبي الذي تفجر في مدار عام 2011م .
ويبدو أن حالة الانتقال التي تحاول تشكيل نفسها في مخرجات الحوار الوطني ستقع في ذات الدائرة المغلقة التي يدور فيها هذا الوطن منذ مطلع ستينيات القرن الماضي إلى هذه اللحظة التي تشهد تفاصيل تموجها في سماء المشهد السياسي.
ثلاثة عقود ونيف من عمر الوحدة الوطنية دون أن يحدث أي تجديد في بنية المؤسسة الثقافية حتى تستطيع أن تواكب الحدث الوحدوي وحالة الانتقال التي تتسارع في ‘يقاع العصر وفي بنية المجتمع ونسيجه العام وفي التطور التقني، وكان لذلك أثراً غير محمود كما نقرأ في الواقع اليوم، فالعلاقة بين المثقف والسياسي هي علاقة جدلية، إذ أن علاقة المثقف بالسياسي هي علاقة احتياج، وعلاقة السياسي بالمثقف هي علاقة ضرورة، فالتطور لا يتكامل إلا به، وذلك من خلال إدراكه الواعي لمصيره ودوره المستقبلي ولواقعه وأبعاده المتعددة ومن خلال قدرته على التفكيك وإعادة البناء والصياغة وبما يحقق انزياح مجتمعه وفاعليته فيه .
فالواقع الذي تغيب أو تتعطل فيه معظم أشكال سيادة القانون أو الديمقراطية الحقة أو المساواة أو الحرية أو المواطنة لا يعدو عن كونه مجتمعا مشوهاً لا يكاد يتجاوز ثقافة الاستهلاك والتبعية وأمامه – أي أمام هذا الواقع – يبرز دور المثقف، وهو دور تاريخي لا يقوم على تبرير الوضع القائم بل على ممارسة النقد لما هو كائن التزاما لما سوف يكون وبالوسائط المتاحة وعبر كل أشكال الثقافة والتنويرية التقدمية في الآداب والفنون, وفي ظني أن أمام المثقف الوطني في الراهن ثلاث قضايا تتلخص في التالي :
1- الوقوف أمام الماضي ومساءلة مصادره المعرفية والثقافية، ذلك أن الماضي يعيق نظام الطاقة والقدرة على التجديد.
2 – مساءلة الحاضر البشري الثقافي والسياسي والاجتماعي وتفقد أُثره وإنتاجه وطبيعته الاجتماعية والسياسية والثقافية، من أجل الخلق والابتكار ضمن حدوده النسبية لا المطلقة ومن خلال مكونه ومن خلال منظومته التي هي عليها وإعادة الترتيب والصياغة.
3-الوقوف أمام أسئلة المستقبل وخلق إمكانية التحكم به عبر أدوات ومناهج العلم والتخطيط لا الفوضى والارتجالية التي نعاني منها في المظاهر الحياتية العامة.
فوجود المثقف ضرورة في حياة السياسي، ذلك أن الثقافة والفن من الأهمية بالمكان الذي يترتب عليهما حدوث التطور والنماء والتوازن النفسي للأفراد والمجتمعات باعتبارهما – أي الثقافة والفن- بدائل أو حياة مركزة يستغرق الإنسان ذاته فيها.. يقول أرنست فيشر:
( إن الفن لازم للإنسان حتى يفهم العالم ويغيره وهو لازم أيضا بسبب هذا السحر الكامن فيه ).
ويقول بريخت : ” إن النظرة الجمالية السائدة في مجتمع يحكمه صراع الطبقات تتطلب أن يكون الأثر المباشر للعمل الفني هو إخفاء الفروق الاجتماعية بين المتفرجين بحيث تنشأ منهم جماعة لا تنقسم إلى طبقات وإنما تكون وحدة إنسانية شاملة.”
ومن هنا يمكن القول إن حاجتنا إلى الفن – والفن هو إحدى دوائر التطور عند الفلاسفة وعلماء الاجتماع – تبدو أكثر إلحاحاً وأكثر لزوماً فالصراع ترك فروقا اجتماعية وتمايزاً طبقياً وسياسياً ولا يمكننا – ونحن نمر بمرحلة انتقالية – أن نجتاز تلك العقبات إلا بالفن بحيث نستطيع الوصول إلى وحدة وطنية ووحدة إنسانية مشتركة.
فالكيانات التي تمايزت في الإطار الوطني بعد عام 2011م، تريد أن تتحدث عن شيء أكثر من مجرد “أنا”، شيء خارجي وهو مع ذلك جوهري بالنسبة إليها فهي تريد أن تحوي العالم وتجعله ملك يديها, ومثل ذلك التطلع والتشوق يمكن احتواؤه والسيطرة على أبعاده النفسية والوجدانية والثقافية من خلال الفن الذي يربط تلك الـ(أنا ) بالكيان المشترك للناس وبذلك نتمكن من جعل فرديتها اجتماعية وربما إنسانية, فالفن هو الأداة اللازمة لإتمام الاندماج بين الكيانات المتمايزة والمتنافرة، وبين الآخر المختلف معها، وربما الآخر الذي يحترب معها، فهو يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة على الالتقاء بالمختلف وعلى تبادل الرأي والتجربة معه.
فالإنسان بالضرورة يريد أن يكون أكثر اكتمالاً، فهو لا يكتفي بالحالة الانعزالية بل يسعى إلى الخروج من جزئيته الفردية إلى كلية يرجوها ويتطلبها، فهو يحلم بعالم أكثر عدلاً وأقرب إلى العقل والمنطق.
وحتى نستطيع – ونحن على أعتاب مرحلة جديدة – أن نرسم خارطة ثقافية – وتلك مهمة غير سهلة – لا بد من التجديد وتجاوز أخطاء الماضي فالعشوائية لا يمكنها إلا إعادة إنتاج ذات الصراع، والتجديد لا يتم إلا من خلال إعادة البناء وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها الذي يرتبط بالتطور المادي الحضاري لمجتمعاتنا بما يحفظ الهوية الكلية والهويات الجزئية وهوية الأمكنة.
فالتنافر في البنية العمرانية الذي حدث في الحواضر الجنوبية بعد الوحدة – كمثال -ترك بعداً اغترابياً عند الإنسان، وهو ما نجد التعبير عنه في مضمون العبارة (الاحتلال اليمني)، وتلك العبارة يتحمل وزرها السياسي الذي مال إلى التغطرس والانفراد فلم يكن جهده إلا ذلك التنافر الثقافي والسياسي في النسيج الوطني.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بدور القاسمي: نفتح قنوات جديدة للتبادل الثقافي
الشارقة: «الخليج»
تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ودعم وتوجيهات الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، تنظم الهيئة في المدينة الجامعية الدورة الأولى من «مهرجان الشارقة للأدب الإفريقي»، في الفترة من 24 إلى 27 يناير المقبل تحت شعار «حكاية إفريقيا»، حيث يستضيف أكثر من 20 أديباً وروائياً إفريقياً منهم بعض الفائزين بجائزة نوبل للآداب، بهدف تعزيز التبادل الثقافي بين إفريقيا والعالم العربي، وتقديم منصة للاحتفاء بالتراث الإبداعي الإفريقي، وتسهيل الحوار البنّاء بين الأدباء والمثقفين والفنانين والجمهور.
يشكّل المهرجان فرصة لتشجيع المشاركين على اكتساب معارف جديدة وبناء روابط ثقافية بين العالم العربي والقارة الإفريقية، في أجواء تحتفي بالتنوّع الإبداعي، ضمن بيئة تفاعلية تجمع الجمهور بنخبة من الأدباء والكتاب الأفارقة، منهم التنزاني عبد الرزاق قرنح، والنيجيري وول سوينكا، فازا بجائزة نوبل للآداب، إلى جانب نخبة من الكتاب الإماراتيين، الذين يسلطون الضوء على أبرز الإسهامات الأدبية والفنية الإفريقية، ودورها في إثراء المشهد الثقافي العالمي.
وقالت الشيخة بدور القاسمي: «يشكّل المهرجان شهادة على قدرة الأدب العميقة على ربط القارات ببعضها البعض وتسليط الضوء على الحقائق الإنسانية المشتركة، ومن خلال الاحتفاء بالإرث الدائم لرواية القصص الإفريقية، فإننا نتجاوز الانقسامات الثقافية ونكرّم الإبداع اللامحدود الذي يسرد حكاية تراثنا الجماعي. وأنا على ثقة من أن هذا المهرجان سيفتح قنوات جديدة للتبادل الثقافي، ويعزز التفاهم بين إفريقيا والعالم العربي من خلال ما يوفره من منصة للتعبير عن الذات ضمن حوار عالمي».
أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي للهيئة، قال: «يعكس تنظيم المهرجان التزام الهيئة الراسخ، تحت قيادة وتوجيهات الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، بفتح آفاق أدبية جديدة وإعادة رسم خارطة التفاعل الثقافي العالمي، من خلال تسليط الضوء على آداب الشعوب الإفريقية الضاربة في عمق الذاكرة الإنسانية، من هنا فإننا يمكن أن نصف المهرجان بأنه منصة ثقافية وحضارية قيّمة تعيد الاعتبار لجذور هذا الأدب، وتستكشف كنوزه وطاقات أبنائه اللامحدودة، كما يمثل المهرجان أرضية لحوار ثقافي عالمي يمتد ليشمل قارات العالم».
وأضاف: «يثري المهرجان تبادل الخبرات بين الكتّاب والناشرين والباحثين والجمهور المتخصص؛ فمن خلال تركيزه على الأدب الإفريقي ورواده، وجماليات الثقافة والتقاليد والفنون الإفريقية، يخلق فرصة لتطوير دراسات نقدية مبتكرة، ويعزز فهم الأبعاد التاريخية والجمالية لهذا الأدب، ما يؤسّس لنمط جديد من العلاقات الثقافية التي تتجاوز التعرف إلى والاحتفاء به وتقدير تراثه الإبداعي».
برنامج متكامل من الفعاليات
ومن خلال برنامج متكامل من الفعاليات التي تتوزع بين ندوات أدبية، وورش للأطفال، وعروض موسيقية، وتجارب الطهي الإفريقي، إلى جانب معرض فني ومنصات للعروض الفنية وعربات طعام متنوعة، يسعى المهرجان إلى تعميق المعرفة بالثقافة الإفريقية.