الثورة نت:
2025-01-31@07:07:08 GMT

التنافر الثقافي والسياسي في اليمن

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

 

 

عند إعلان الوحدة عام 1990م، غفل القائمون على صناعة الحدث حينها عن البعد الثقافي ركونا إلى تراكمه، وكان اشتغالهم كل اشتغالهم على البعد السياسي، ولم تكن النتيجة حينها إلا حرب صيف 1994م. وبعد “7 يوليو 1994م” تكرر ذات المنهج وذات الخطأ فلم تكن النتيجة سوى ما شهده الوطن من تنافر وحروب بدءا من حرب صعدة مران في 2004م، ومروراً بتنامي الشعور الغاضب عند شعب الجنوب وتشكل الحراك في 2007م، وانتهاءً بالغضب الشعبي الذي تفجر في مدار عام 2011م .


ويبدو أن حالة الانتقال التي تحاول تشكيل نفسها في مخرجات الحوار الوطني ستقع في ذات الدائرة المغلقة التي يدور فيها هذا الوطن منذ مطلع ستينيات القرن الماضي إلى هذه اللحظة التي تشهد تفاصيل تموجها في سماء المشهد السياسي.
ثلاثة عقود ونيف من عمر الوحدة الوطنية دون أن يحدث أي تجديد في بنية المؤسسة الثقافية حتى تستطيع أن تواكب الحدث الوحدوي وحالة الانتقال التي تتسارع في ‘يقاع العصر وفي بنية المجتمع ونسيجه العام وفي التطور التقني، وكان لذلك أثراً غير محمود كما نقرأ في الواقع اليوم، فالعلاقة بين المثقف والسياسي هي علاقة جدلية، إذ أن علاقة المثقف بالسياسي هي علاقة احتياج، وعلاقة السياسي بالمثقف هي علاقة ضرورة، فالتطور لا يتكامل إلا به، وذلك من خلال إدراكه الواعي لمصيره ودوره المستقبلي ولواقعه وأبعاده المتعددة ومن خلال قدرته على التفكيك وإعادة البناء والصياغة وبما يحقق انزياح مجتمعه وفاعليته فيه .
فالواقع الذي تغيب أو تتعطل فيه معظم أشكال سيادة القانون أو الديمقراطية الحقة أو المساواة أو الحرية أو المواطنة لا يعدو عن كونه مجتمعا مشوهاً لا يكاد يتجاوز ثقافة الاستهلاك والتبعية وأمامه – أي أمام هذا الواقع – يبرز دور المثقف، وهو دور تاريخي لا يقوم على تبرير الوضع القائم بل على ممارسة النقد لما هو كائن التزاما لما سوف يكون وبالوسائط المتاحة وعبر كل أشكال الثقافة والتنويرية التقدمية في الآداب والفنون, وفي ظني أن أمام المثقف الوطني في الراهن ثلاث قضايا تتلخص في التالي :
1- الوقوف أمام الماضي ومساءلة مصادره المعرفية والثقافية، ذلك أن الماضي يعيق نظام الطاقة والقدرة على التجديد.
2 – مساءلة الحاضر البشري الثقافي والسياسي والاجتماعي وتفقد أُثره وإنتاجه وطبيعته الاجتماعية والسياسية والثقافية، من أجل الخلق والابتكار ضمن حدوده النسبية لا المطلقة ومن خلال مكونه ومن خلال منظومته التي هي عليها وإعادة الترتيب والصياغة.
3-الوقوف أمام أسئلة المستقبل وخلق إمكانية التحكم به عبر أدوات ومناهج العلم والتخطيط لا الفوضى والارتجالية التي نعاني منها في المظاهر الحياتية العامة.
فوجود المثقف ضرورة في حياة السياسي، ذلك أن الثقافة والفن من الأهمية بالمكان الذي يترتب عليهما حدوث التطور والنماء والتوازن النفسي للأفراد والمجتمعات باعتبارهما – أي الثقافة والفن- بدائل أو حياة مركزة يستغرق الإنسان ذاته فيها.. يقول أرنست فيشر:
( إن الفن لازم للإنسان حتى يفهم العالم ويغيره وهو لازم أيضا بسبب هذا السحر الكامن فيه ).
ويقول بريخت : ” إن النظرة الجمالية السائدة في مجتمع يحكمه صراع الطبقات تتطلب أن يكون الأثر المباشر للعمل الفني هو إخفاء الفروق الاجتماعية بين المتفرجين بحيث تنشأ منهم جماعة لا تنقسم إلى طبقات وإنما تكون وحدة إنسانية شاملة.”
ومن هنا يمكن القول إن حاجتنا إلى الفن – والفن هو إحدى دوائر التطور عند الفلاسفة وعلماء الاجتماع – تبدو أكثر إلحاحاً وأكثر لزوماً فالصراع ترك فروقا اجتماعية وتمايزاً طبقياً وسياسياً ولا يمكننا – ونحن نمر بمرحلة انتقالية – أن نجتاز تلك العقبات إلا بالفن بحيث نستطيع الوصول إلى وحدة وطنية ووحدة إنسانية مشتركة.
فالكيانات التي تمايزت في الإطار الوطني بعد عام 2011م، تريد أن تتحدث عن شيء أكثر من مجرد “أنا”، شيء خارجي وهو مع ذلك جوهري بالنسبة إليها فهي تريد أن تحوي العالم وتجعله ملك يديها, ومثل ذلك التطلع والتشوق يمكن احتواؤه والسيطرة على أبعاده النفسية والوجدانية والثقافية من خلال الفن الذي يربط تلك الـ(أنا ) بالكيان المشترك للناس وبذلك نتمكن من جعل فرديتها اجتماعية وربما إنسانية, فالفن هو الأداة اللازمة لإتمام الاندماج بين الكيانات المتمايزة والمتنافرة، وبين الآخر المختلف معها، وربما الآخر الذي يحترب معها، فهو يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة على الالتقاء بالمختلف وعلى تبادل الرأي والتجربة معه.
فالإنسان بالضرورة يريد أن يكون أكثر اكتمالاً، فهو لا يكتفي بالحالة الانعزالية بل يسعى إلى الخروج من جزئيته الفردية إلى كلية يرجوها ويتطلبها، فهو يحلم بعالم أكثر عدلاً وأقرب إلى العقل والمنطق.
وحتى نستطيع – ونحن على أعتاب مرحلة جديدة – أن نرسم خارطة ثقافية – وتلك مهمة غير سهلة – لا بد من التجديد وتجاوز أخطاء الماضي فالعشوائية لا يمكنها إلا إعادة إنتاج ذات الصراع، والتجديد لا يتم إلا من خلال إعادة البناء وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها الذي يرتبط بالتطور المادي الحضاري لمجتمعاتنا بما يحفظ الهوية الكلية والهويات الجزئية وهوية الأمكنة.
فالتنافر في البنية العمرانية الذي حدث في الحواضر الجنوبية بعد الوحدة – كمثال -ترك بعداً اغترابياً عند الإنسان، وهو ما نجد التعبير عنه في مضمون العبارة (الاحتلال اليمني)، وتلك العبارة يتحمل وزرها السياسي الذي مال إلى التغطرس والانفراد فلم يكن جهده إلا ذلك التنافر الثقافي والسياسي في النسيج الوطني.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

هنو : الإنتاج الثقافي متميز،.. ولدينا جيل رائع في كافة الوسائط

قال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، إن الحب الكبير سر استمرار ونجاح معرض القاهرة للكتاب، سواء كان حب من دور النشر أو القراء.


وتابع هنو خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق، ببرنامج «نظرة» على قناة صدى البلد داخل معرض الكتاب «كان لدينا هدف بتقديم هدية لمصر، ففكرنا في مبادرة المليون الكتاب من خلال التعاون مع وزارتي التعليم والتعالي العالي والرياضة والتضامن والأزهر الشريف والكنيسة»، مضيفا «المليون كتاب هدية وزارة الثقافة لأهل مصر، ولدينا أمل أن يكون هذا الأمر سنة حميدة في الفترة المقبلة وأتعشم أن تكمل دور النشر التحدي خلال الفترة المقبلة».


وواصل وزير الثقافة «منفتحون للشراكة مع مختلف الفئات لتدعيم عملية النشر».
وبالنسبة لوضع الثقافة المصرية قال هنو «الثقافة متنامية وفي حالة حراك، الإنتاج الثقافي متميز، لدينا جيل رائع في كافة الوسائط سواء آداب ومسرح وفنون تشكيلية، لكن نحتاج لشراكة إعلامية كبيرة لتسليط الضوء على هذه النماذج»، مردفا «سعيدون بالحراك الذي يحدث في العواصم العربية، وسعيد أيضا أن المنتج الموجود في هذه المنصات مصري، وحتى التكريمات مصرية، هذا الزخم جميل ويعكس دور مصر الإقليمي بالثقافة، القاهرة هي المقر الأساسي للثقافة العربية».
وتابع «لدينا العديد من المهرجانات و أيضا معرض الكتاب الذي يحتل المركز الثاني على مستوى العالم».
 

مقالات مشابهة

  • هنو : الإنتاج الثقافي متميز،.. ولدينا جيل رائع في كافة الوسائط
  • الأسير المثقف قتيبة مسلم يعانق الحرية اليوم بصفقة التبادل (بروفايل)
  • لتوثيق 12 عامًا من العمل الشبابي والسياسي.. كيان شباب مصر يُصدر "الحكاية"
  • الدوبرداني: جهات خارجية تتحكم بنينوى وتهيمن على قرارها الإداري والسياسي
  • محمد صبحي يكشف عن المشهد الذي يرفض تقديمه في أعماله!
  • الاتحاد الأوروبي يجدد دعمه لأي مبادرات هادفة لتحقيق الحل السياسي في اليمن
  • خالد الجندي: العلم والدين يشكلان أساس نهضة الأمة الإسلامية
  • تنبيه هام للأجانب المقيمين في اليمن
  • وزير الشؤون النيابية: التعددية الحزبية أحد الأعمدة الرئيسية للتنوع الفكري والسياسي في البلاد
  • الفكر المركّب لإدغار موران .. ما الذي يمكن أن يضيفه في حقل التعليم؟