د.فايز أبو شمالة
نجح العدو “الإسرائيلي” في استرجاع ستة جثث لجنوده الأسرى لدى رجال المقاومة في قطاع عزة، وهذا ليس بالمفاجئ، ولا بالمستغرب في ظل حرب الإبادة التي يشنها الجيش “الإسرائيلي” على كل متحرك، وعلى كل جامدٍ في قطاع غزة، فإمكانية العثور على بعض الجثث هنا وهناك إمكانية واردة، وسبق وأن استرجع العدو الإسرائيلي قبل أيام ستة جثث أخرى، تعود لجنوده الأسرى في قطاع غزة، وقد يتمكن الجيش الإسرائيلي بعد أيام من استرجاع ست جثث أخرى، وخمسة جثث أخرى في مرحلة لاحقة.
وطالما استمر العدوان على أهالي قطاع غزة، فذلك يعني أن العدو “الإسرائيلي” سيتمكن من استرجاع المزيد من جثث جنوده الأسرى، وذلك إن حالفهم الحظ في مرات لاحقة، وتمكنوا من اكتشاف سر غزة الدفين، والوصول إلى الأماكن التي يحتجز فيها الأسرى، وهذا في تقديري من المستحيلات السبع، فرجال المقاومة يتعلمون من تجاربهم، ويطورون من أساليب عملهم.
لقد جرت العادة أن يتفاخر الجيش “الإسرائيلي” بأخلاقه العسكرية، وأنه جيش قيم ومبادئ، ولا يتخلى في المعارك عن جثث قتلاه ، وأنه لا يترك أسراه لدى أعداء إسرائيل مهما كلف ذلك من ثمن، ويزعم الإسرائيليون أن تحرير الجنود الأسرى عقد اجتماعي وأخلاقي تلتزم فيه الحكومة أمام أهالي الجنود، وأن الجيش الإسرائيلي لن يتركهم جثثاً أو أسرى، وقد تباهت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالثقة المتبادلة بين المجندين الصهاينة، وبين قياداتهم؛ التي وفرت لهم الأمن والحماية والسلامة، ولم تتخلَ عنهم في أحلك الظروف، وهذا العقد الأخلاقي، هو الذي عزز روح الانتماء لدى الجند، وزرع الثقة المتبادلة بين الجنود والقيادة، وهذا الالتزام الأخلاقي من أهم مقومات الوحدة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي، ولدى المؤسسة العسكرية والسياسية.
على أرض غزة يختلف المشهد، بعد أن تكسرت قواعد الجيش الإسرائيلي الأخلاقية تجاه جنده، فقد أجبر رجال المقاومة الفلسطينية جيش العدو على التخلي عن أسراه، وأجبرت المقاومة الفلسطينية عدوها على استرجاع جنوده الأسرى جثثاً على استحياء، فشروط العقد الأخلاقي أن يسترجعهم أحياء، ولا يتخلى عنهم لمصيرهم المجهول، لذلك ضج كل المجتمع الإسرائيلي غضباً وحنقاً على القيادة الإسرائيلية، حين سمعوا عن استرجاع ستة جثث لجنودهم الأسرى، وغضبوا أكثر حين تأكد لأهالي الأسرى أن بعض الجثث تعود لأسرى كان يمكن أن يتحرروا قبل فترة، فيما لو لم يضع نتانياهو العقدة أمام منشار التفاوض.
هذا الغضب الإسرائيلي الذي سيتفجر مظاهرات في الشوارع، أجبر رئيس الوزراء نتانياهو على الخروج عن صمته، ومواجهة وسائل الإعلام مبرراً خذلان الجنود، خرج نتانياهو عبر وسائل الإعلام ليكذب على الجمهور، ويدعي أنه يواصل الجهود لتحرير الأسرى، وأنه لم يقصر، وأن قدم لحركة حماس كل الإغراءات، من أجل استرجاع الأسرى، وفي هذا الخروج الإعلامي السريع ما يشير إلى حجم المأزق الذي تمر به الحكومة الإسرائيلية، التي انقسمت على نفسها، ففي الوقت الذي يقاتل وزير الحرب جالانت من أجل تحقيق صفقة تبادل أسرى، مقرونة بوقف إطلاق النار، وهو مدعوم بهذا الموقف من قيادات الجيش العسكرية والأمنية، يقف رئيس الوزراء نتانياهو ضد هذا الطرح، ويدعي أن أي صفقة لتبادل الأسرى، وأي وقف لإطلاق النار، دون تحقيق النصر التام على حركة حماس، يضر بالوجود الإسرائيلي نفسه، ويعتبر هزيمة مذلة “لإسرائيل”.
حرب غزة وضعت “إسرائيل” كلها في ورطة، فلا الحكومة “الإسرائيلية” جاهزة لتقبل الهزيمة، ولا الجيش الإسرائيلي قادر على الانتصار في غزة، والتفاخر بإنجازاته، ولا الحكومة الإسرائيلية قادرة على مواصلة الوحدة الداخلية بين الوزراء، والتماسك حول أهداف الحرب المجهولة، وبعيده المنال، ولا الحكومة الإسرائيلية قادرة على حل نفسها، والاعتراف بالفشل، وتسليم مقاليد الأمور لمن يخرج إسرائيل من ورطتها.
الورطة “الإسرائيلية” على أرض غزة تكلف أهل غزة المزيد من حرب الإبادة، بل انتقلت الورطة “الإسرائيلية” على أرض غزة إلى أرض الضفة الغربية، في محاولة يائسة من الحكومة الإسرائيلية لتحقيق أدنى انتصار، أدنى انتصار يعيد للجيش الإسرائيلي هيبته، ويعيد للمجتمع “الإسرائيلي” وحدته، ولكن أرض الضفة الغربية غضب وثورة، وقد لاقى فيها العدو الإسرائيلي مواجهات ومعارك لم تكن في الحسبان، وهذا الذي سيعمق المأزق “الإسرائيلي”، حتى الانفجار الداخلي، وهذا الذي سيكسر عنجهية العدو، ويجبره على التنازل، والموافقة غير المشروطة على وقف إطلاق النار، وتنفيذ صفقة تبادل اسرى، والخروج المذل من أرض غزة، ولاسيما بعد أن التحقت محافظة الخليل معركة طوفان الأقصى، وللخليل ثقلها الجماهيري، وإرثها المقاوم.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الحکومة الإسرائیلیة الجیش الإسرائیلی أرض غزة
إقرأ أيضاً:
أين هو موقف الحكومة من الخروقات الإسرائيلية بكل أشكالها؟
يكون ساذجًا من يعتقد أن كل خطوة جديدة تقوم بها إسرائيل، سواء أكانت عسكرية أو سياسية أو ديبلوماسية أو حتى شعبية، غير مرتبطة بما سبقها من خطوات يمكن اعتبارها تراكمية في مسرى الأحداث والتطورات المتنقلة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية فلبنان وسوريا. وهذا ما يُعرف بالخطوات التسلسلية في المكان والزمان المناسبين وفق أجندتها الخاصة المحدّدة مواقيتها والمضبوطة على التوقيت الأميركي من دون الأخذ في الاعتبار إن كانت هذه الساعة "جمهورية" أو "ديمقراطية"، وإن بدا بعض التباين في عقاربهما غير المتشابهة ظاهريًا. أن تسمح حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لعدد من المتدينين اليهود المتطرفين (حريديم) باستباحة الحدود الجنوبية وتركهم يمارسون شعائرهم الدينية داخل الأراضي اللبنانية، التي لا تزال محتلة، وهي شعائر تستفز جميع اللبنانيين من دون استثناء لما فيها من تحّد فاضح لهم ولسلطتهم السياسية والعسكرية والديبلوماسية. وكأن بحكومة العدو أرادت أن توجّه من خلال سماحها لهؤلاء المتطرفين دينيًا أكثر من رسالة إلى لبنان أولًا، وإلى المجتمع العربي غداة انعقاد القمة العربية الطارئة في القاهرة ثانيًا، وإلى المجتمع الدولي أولًا، وثانيًا، وثالثًا، وأخيرًا. ومفاد هذه الرسائل الموقّعة بخاتم استمرار قيام إسرائيل بشن غاراتها على لبنان، والتي بلغ عددها قبل يومين 26 غارة ادّعت أنها استهدفت مخازن أسلحة لـ "حزب الله" في أكثر من منطقة شمال الليطاني، أن حكومة الحرب في إسرائيل ماضية في انتهاج سياسة عدائية واحدة متواصلة الحلقات في فلسطين بقطاعها الغزاوي وضفتها الغربية، وفي الجنوب اللبناني والجنوب السوري. وبهذه السياسة التي تنتهجها حكومة العدو يُمكن فهم إصرارها المستميت على إبقاء احتلالها لأكثر من موقع استراتيجي داخل الأراضي اللبنانية، والتي يُقال إنها أكثر من خمس تلال فقط. أن تسمح حكومة إسرائيل لمئات المتشددين اليهود بانتهاك الحدود اللبنانية تحت حجة ممارسة شعائر دينية مستفزّة ليس حدثًا عاديًا وعابرًا في الحسابات الإسرائيلية. وهذا ما يجب أن يكون عليه الموقف اللبناني الرسمي. لأن ما يهدف إليه العدو يثير مخاوف كثيرين من اللبنانيين من أن تكون إسرائيل ماضية في مخططها التهجيري عبر فرض أمر واقع احتلالي يُضاف إلى الاحتلالات السابقة للتلال، التي رفضت الانسحاب منها. وهو أمر في غاية الخطورة، وهو موجّه إلى العهد والحكومة في بداية مسيرتهما "الإصلاحية والانقاذية"، ويشكّل ضغطًا متزايدًا على لبنان غير الموحدّة رؤاه، أقله في كيفية التعاطي مع الخروقات الإسرائيلية الاستفزازية المتمادية للسيادة اللبنانية، وإن كان موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي أعلنه في قمة القاهرة، واضحًا من حيث التوجهات العامة للسياسة الخارجية الجديدة للبنان. وهذه الخروقات من شأنها أن تحرج إدارة الرئيس ترامب، الذي اتهم الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي بأنه يقامر في تهديد السلام العالمي، غاضًا النظر عمّا يقوم به نتنياهو. والغريب في هذا "المشهد التلمودي" الاستباحي للسيادة اللبنانية وللشعور العام أنه يترافق مع منع أهالي حولا، الذي يقع موقع العباد في تلة قريبة من بلدتهم، من الوصول إلى منازلهم منذ أن أعلن وقف إطلاق النار، إذ تبلغت لجنة الإشراف على تطبيق هذا الاتفاق، الذي لم تطبقه إسرائيل منذ اليوم الأول لإعلانه، بأن تلة العباد الواقعة على ارتفاع أكثر من 900 متر باتت منطقة عازلة يُمنع على الأهالي الوصول إليها، بعدما دمّرت كل المنازل المحيطة وجرفت الحقول المحاذية للعباد. وفيما غاب الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية من هذه الخروقات الإسرائيلية المتمادية صدر بيان عن قيادة الجيش- مديرية التوجيه، جاء فيه: "في سياق مواصلة العدو الإسرائيلي اعتداءاته وخروقاته لسيادة لبنان، عمد عناصر من قوات الجيش الإسرائيلي إلى إدخال مستوطنين لزيارة مقام ديني مزعوم في منطقة العباد- حولا في الجنوب، ما يمثل انتهاكاً سافراً للسيادة الوطنية اللبنانية". وأضاف البيان: "إن دخول مستوطنين من الكيان الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية هو أحد وجوه تمادي العدو في خرق القوانين والقرارات الدولية والاتفاقيات ذات الصلة، ولا سيما القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار". تُتابع قيادة الجيش الموضوع بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان- اليونيفيل".يذكر في هذا المجال أنه لم تُعرف حتى الساعة الأسباب التي حالت دون عقد الاجتماع الذي كان مقررًا في السراي الحكومي بين رئيس الحكومة نواف سلام ولجنة الاشراف على وقف إطلاق النار.كما كان مستغربا الا يصدر اي موقف عن الحكومة ازاءما حصل ، رغم خطورته، كما لم يتم الاعلان عن اي اتصالات حكومية مع الدول المؤثرة في هذا الملف.
المصدر: خاص "لبنان 24"