مجتمع النفايات الفكرية «١»
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
الواقع أن الجيل المعاصر لم يعش طفولته بهدوء
عكرت عليه وسائل التواصل الاجتماعى بأنواعها حياته، بل إنها قتلت فيه كل معانى البراءة، وخطفته من بين أسرته، فما فاق ابن الثلاث سنوات إلا وقد تجاوز العشر وزيادة، يعيش فى عالم افتراضى بعيدًا عن عالمه الواقعى، وبدورها السيئ أثرت عليه الأجهزة نفسياً وصحياً وفكرياً، وخلقت هذه المنصات الهلامية التى تسبح فى فضاء عار تمام من الفضيلة، وزاد الطين بلة، فالأب مشغول وأم لا تهتم، وكل فرد من الأسرة مهووسة بهذا «النت»، حتى مات فى المجتمع كل ألوان الإبداع والابتكار وساد الكسل والخمول والانشغال بما هو تافه وانحصر الإبداع والتميز فى فرز جيل كسول أقصى غاياته حصد أعلى المشاهدات للحصول على الثراء السريع من خلال عرض يومى لمحتوى كشف ستر البيوت المصرية.
عندما سئل الكاتب الروسى أنطون تشيخوف عن طبيعة المجتمعات الفاشلة، أجاب: فى المجتمعات الفاشلة، يوجد ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية. تظل الغالبية بلهاء دائما، وتغلب العاقل باستمرار. فإذا رأيت لموضوعات التافهة تتصدر النقاشات فى أحد المجتمعات، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدا، فعلى سبيل المثال، الأغانى والكلمات التى لا معنى لها تجد ملايين الناس يرقصون ويرددونها، ويصبح صاحب الأغنية مشهورا ومعروفا ومحبوبا، بل حتى الناس يأخذون رأيهم فى شئون المجتمع والحياة، أما الكتاب والمؤلفون، فلا أحد يعرفهم ولا أحد يعطيهم قيمة أو وزنا. فمعظم الناس يحبون التفاهة والتخدير، فشخص يخدرنا ليغيّب عقولنا عنا، وشخص يضحكنا بالتفاهات، أفضل من شخص يوقظنا للواقع ويؤلمنا بالقول الحق..
فعندما يغيب الضمير، تموت المبادئ وتكفن الأخلاق.. وتدفن القيم الانسانية لتنتشر الفاحشة والوقاحة حينها البقاء لله فى الامانه والاخلاق والضمير، البقاء لله فى الحياء والخجل والايمان، البقاء لله فى الاخلاص والتعاون والإخاء، فالنفايات الفكرية التى تنتج عن توجيه العقول إلى طرق مظلمة بل وتشويه الفضائل والقيم الراسخة فى معتقداتنا الدينية داخل العقول التى تربت على الفطرة والبراءة باتت الآن تتباهى بالتشبه بفكر الغرب، حتى تحولت إلى نفايات تعشش داخل عقول وفكر جيل بأكمله هى أشد خطرًا على المجتمع من النفايات الموجوده فى الشوارع..!
«التيك توك» هو أحد هذه المواقع التى استطاعت تحقيق انتشار كبير، وأضحى عبارة عن ملهى ليلى مباشر للعريّ والإيحاءات غير اللائقة والرقص الماجن.. حيث رفع الحياء... وكشف عورات البيوت المصرية، وقبح المستوى الأخلاقى والانحلال الثقافى فى مجتمع لطالما كان يصنف عرض نسائه فى خانة الحرمات والممنوعات والخطوط الحمراء، وما يثير الانتباه أن الفتيات اللواتى ينشرن هذه المقاطع معظمهن من أسر محافظة.. ما يثبت فشل العملية التربوية التقليدية، وانهيار القيم الأسرية ذات الطابع الدينى والأخلاقى. ناهيك عن أن هذا التطبيق قد ساهم فى كسر هيبة حرمة البيوت بشكل لا يُصدق ويذهل العقول لدرجة أن الفتيات ينشرن رقصهن وميوعتهن داخل بيوتهن بملابس غير محتشمة وبغناء أغلبه من أغانى الملاهى الليلية من خلال تقليد أعمى لهوس الغرب بالرقص الماجن َتعبيرات أقرب ما تكون «ألفاظ الشوارع». الأمر الذى بالتأكيد تشاع فيه كل أنواع النفايات الفكرية التى تقتل كل مظاهر الإبداع والابتكار والتقدم.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعي
إقرأ أيضاً:
الصين وصراعها مع مجتمع استهلاكي
إن أقل وصف تستحقه البراعة الهندسية التي تتمتع بها الصين هو أنها غير عادية. فمن البنية الأساسية عالمية المستوى والمدن الصديقة للبيئة إلى أنظمة الفضاء والقطارات فائقة السرعة، لعب تراكم رأس المال المادي المتقدم إلى حد الإبهار في الصين دورا مهيمنا في دفع اقتصادها إلى الأمام. لكن إنجازات الصين الهندسية المادية على جانب العرض لم تكن قابلة للتحول إلى جهود هندسية اجتماعية على جانب الطلب، وخاصة في تحفيز الطلب الاستهلاكي.
ينشأ هذا الانفصال عن النظام السياسي الصيني الحديث، الذي يؤكد على الاستقرار والسيطرة. ففي حين عمل هذا التركيز على تمكين الصين من أن تصبح «الـمُنتِـج الأساسي» على مستوى العالم، فأنها لم تكن ناجحة في الكشف عن الحمض النووي للمستهلك الصيني. تتناقض الهندسة الاجتماعية من خلال إملاءات الحكومة بشكل حاد مع الروح الفردية الطليقة القائمة على الحوافز والتي تشكل السلوك البشري وأنماط الاستهلاك في الغرب.
ومع بقاء حصة الاستهلاك الأسري في الناتج المحلي الإجمالي الصيني عند مستوى أقل من 40%، مقارنة بنحو 65% في الاقتصادات المتقدمة، فإن الصين ليس لديها إلا أقل القليل لتظهره مقابل خطابها الذي دام طويلا حول إعادة التوازن بقيادة المستهلك. الواقع أن التجربة الأمريكية، كما وَثَّـقَها جون كينيث جالبريث في كتابه «مجتمع الوفرة»، تفك شفرة الحمض النووي للمجتمع الاستهلاكي. وتشمل سماته الرئيسية الحراك الاجتماعي الصاعد في الدخل والثروة، والاتصالات المفتوحة ونشر المعلومات، والفردية وحرية الاختيار، وتقلص فجوة التفاوت في أنماط الحياة، ونقل الثروة بين الأجيال، وفي نهاية المطاف القدرة على انتخاب الممثلين السياسيين.
الواقع أن النزعة الاستهلاكية الغربية تشكل إلى حد كبير فرضية طموحة. وهذا يثير سؤالا جوهريا: هل النظام السياسي في الصين غير متوافق مع الثقافة الاستهلاكية الحديثة؟ يكتسب هذا السؤال قدرا أعظم من الأهمية في مواجهة السلطوية التكنولوجية الجديدة في الصين، والتي تبدو على خلاف مع الحريات الأساسية التي يستند إليها الاستهلاك. إذ تتناقض التطورات التكنولوجية الأخيرة في الصين (وخاصة في مجال التعرف على الوجوه وغير ذلك من أشكال المراقبة)، إلى جانب نظام الائتمان الاجتماعي والرقابة الـمُـحـكَـمة، تمام التناقض مع المجتمع الاستهلاكي كما نعرفه في الغرب. في نهاية المطاف، من الأسهل كثيرا حشد آليات الدولة لفرض النفوذ على المنتجين من السماح بالحريات الأساسية لتمكين المستهلكين. يعود هذا إلى أيام الجمهورية الشعبية الأولى، عندما كان المنتجون الصينيون خاضعين للسيطرة الصارمة التي فرضتها لجنة التخطيط الحكومية. ويَـصدُق هذا مرة أخرى اليوم حيث ارتد اتجاه قوة الصين الاقتصادية من القطاع الخاص الديناميكي الريادي إلى الشركات المملوكة للدولة. يتعارض إحكام الضوابط الحكومية على المجتمع الصيني على مدار العقد الماضي بشكل خاص مع هدفها المتمثل في تحفيز الاستهلاك.
في عام 2013، بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، قدم الرئيس شي جين بينج حملة توعية «جماهيرية» لمعالجة أربع «عادات سيئة» ــ الشكلية، والبيروقراطية، والسعي وراء المتعة، والإسراف. اكتسب هذا الجهد، الذي كان يُنظر إليه في البداية باعتباره فرعا جانبيا من حملة مكافحة الفساد التي أطلقها شي، حياة خاصة به منذ ذلك الحين.
في عام 2021، ركز شي جين بينج على العادات السيئة، عندما لم تكتف حملة تنظيمية صارمة ضد شركات منصات الإنترنت باستهداف رواد أعمال صينيين مثل جاك ما مؤسس شركة علي بابا، بل استهدفت أيضا ما أسمته تجاوزات نمط الحياة المرتبطة بألعاب الفيديو، والموسيقى عبر الإنترنت، وثقافة المعجبين بالمشاهير، والدروس الخصوصية. تشير مثل هذه الهندسة الاجتماعية الموجهة من قِبَل الدولة إلى أن السلطات الصينية لا تتسامح كثيرا مع الشعور بالإمكانية والتفاؤل المتأصل في حمض المجتمعات الاستهلاكية الغربية النووي.
بوسعنا أن نجد مثالا آخر على هذا التناقض بين الطموح والعقلية التنظيمية في محاولات الصين المتكررة في التصدي للرياح الديموغرافية المعاكسة وراء انكماش قوة العمل، والتي من المقرر أن تتراجع حتى نهاية هذا القرن، بسبب إرث سياسة تنظيم الأسرة المهجورة الآن والتي كانت تقضي بإنجاب طفل واحد. مؤخرا، أعلنت الحكومة الصينية عن تدابير لتعزيز معدلات المواليد، بما في ذلك تحسين الدعم للولادة، وتوسيع القدرة على رعاية الأطفال، وغير ذلك من الجهود لبناء مجتمع «صديق لزيادة المواليد». لكن هذه لم يكن سوى أحدث حلقة في سلسلة من التدابير التي أعقبت تبني سياسة الطفلين في عام 2015 وسياسة الثلاثة أطفال في عام 2021. على الرغم من هذه الجهود، يظل معدل الخصوبة في الصين أقل كثيرا من معدل الإحلال (2.1 ولادة حية لكل امرأة حامل). وتشير بيانات استطلاعات الرأي إلى سببين: المخاوف بشأن ارتفاع حاد في نفقات تربية الأطفال ومعايير الأسر الصغيرة الراسخة ثقافيا. تؤكد هذه النقطة الأخيرة على الجانب السلوكي لهذه المشكلة ــ على وجه التحديد أن جيلا من الصينيين الأصغر سنا نشأ معتادا على الأسرة ذات الطفل الواحد. وهذه المقاومة البشرية لمحاولة الحكومة فرض ممارسات تنظيم الأسرة قسرا لا تختلف كثيرا عن استراتيجية بكين للدفع نحو زيادة الطلب الاستهلاكي.
يتمثل المفتاح لإطلاق العنان لإمكانات المستهلك في الصين في تحويل الخوف إلى ثقة، وهو التحول الذي لا يتطلب أقل من تحول جوهري في العقلية التي تؤطر عملية صنع القرار في الأسر ذاتها. ولكن هنا على وجه التحديد تعثرت الحكومة. ذلك إن تحفيز السلوك البشري يختلف جذريا عن إلزام البنوك التي تديرها الدولة بزيادة الإقراض لمشاريع البنية الأساسية أو إلزام الشركات المملوكة للدولة بالاستثمار في العقارات. أعترف بأنني أقدم منظورا غربيا لمشكلة صينية، وقد علمتني التجربة أن مثل هذه المشكلات تحتاج إلى دراسة من منظور الصين ذاتها. وحتى برغم هذا، فإن زيادة الاستهلاك تمس جوهر التجربة الإنسانية: فهل من الممكن أن تزدهر ثقافة استهلاكية ذات خصائص صينية تتناقض مع الروح الطموحة التي تقوم عليها المجتمعات الغربية؟ ربما يتوقف الحل النهائي لمشكلة نقص الاستهلاك المزمن في الصين على هذه الاعتبارات العميقة للسلوك البشري. وقد ألمح اجتماع عقد مؤخرا في إطار مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في الصين إلى حافز استهلاكي كبير آخر قادم. ولكن إذا ظلت السلطات الصينية ثابتة في إحكام السيطرة على المعايير الاجتماعية والروح الإنسانية، فإن كل التحفيز في العالم ــ من حملات المقايضة إلى إصلاحات شبكة الأمان الاجتماعي ــ قد يذهب سدى.
ستيفن س. روتش عضو هيئة التدريس في جامعة ييل والرئيس السابق لمورجان ستانلي آسيا، هو مؤلف كتاب «غير متوازن: الاعتماد المتبادل بين أمريكا والصين» والصراع العرضي: أمريكا والصين وصراع القوى. روايات كاذبة.
خدمة بروجيكت سنديكيت