لا وطن بدون عدالة ولا عدالة بدون محاماة، هذا ليس شعارا نطلقه بل حقيقة راسخة، فالعدل اساس الملك وبه تبنى الاوطان ولا يمكن لوطن أن ينعم بالعدل إلا فى ظل حارس امين يدافع عن الحق والحقيقة ألا وهى المحاماة الحصن الواقى للعدالة والحديث اليوم لدى رجال القانون والمهتمين بالشأن العام عن تعديل قانون الإجراءات الجنائية، والذى سبق وأن تحدثنا فى المقال السابق عن مراد المشرع والذى تمثل فى استجابة السيد الرئيس إلى توصيات الحوار الوطنى بشأن الحبس الاحتياطى وتكليف الحكومة ببناء الانسان وانشاء الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان، بالاضافة إلى عرض رؤية مصر فى فبراير القادم لدى الامم المتحدة عن حقوق الانسان، وكل تلك دلائل قاطعة تؤكد ارادة الدولة بتقديم قانون يتوافق مع مبادئ حقوق الانسان، وبالتالى فإن ارادة المشرع تتجه إلى قانون يتسم بالرضاء الشعبى والحقوقى وما يتفق مع حقوق الانسان، وهذا ملمح مهم واساسى، إلا أن هناك وقفات على هذا القانون يتعين عدم اغفالها وفى البداية موقف نقابة المحامين وهو اقل ما يمكن وصفه بالتخاذل المذرى، فلقد ذهب السيد النقيب العام إلى اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب لتقديم مذكرة بتعديلات وتحفظات بناء على ضغط من محامي مصر فيعيب النقيب العام حال كونه ممثلا لنقابة المحامين بأن تمت مخاطبته منذ ١٤ شهرا وكلف الداخلى بالحضور بالإنابة وحضر كافة جلسات اللجنة الفرعية ووافق على القانون، ثم فوجئت اللجنة ببيان من النقابة فقيل كيف يستقيم هذا الأمر، فاعتذر النقيب علام للجنة عن ما صدر من المحامين من تخوفات وتحفظات واعتراضات، وذكر انه تفهم من اللجنة فلسفة القانون وانه ليس هناك شبهة عدم دستورية وانه سيرجع للنقابة بذلك وسلامتك على قول حسن عبدالجواد الله يرحمه وقطعت جهيزة قول كل خطيب، والحقيقة إن المحامين دائما وأبدا حريصون على الدفاع عن استقلال القضاء وحيدة القاضى، لأنها ضمانة أساسية لتحقيق العدل والانصاف وحتى يتمكن القاضى دون مواءمات أو املاءات من اصدار حكم أو قرار يتفق وصحيح القانون وتحقيق العدالة، وعندما يناشد المحامون المشرع حتى يتفق النص التشريعى مع متطلبات العدالة وطبيعة عمل المحامى، فهى ليست مطالب فئوية بل هو حق أصيل ورؤية مهمة لطبيعة المنظومة القضائية، وعودا على بدء فإن هناك وقفات مهمة، وضرورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية تتمثل فى ثلاثة محاور أساسية؛ المحور الاول اضافة مواد تم اغفالها وهى من الأهمية بمكان فى ظل الشمول المالى كالمنع من التصرف والمعاملات والمنع من السفر والمحور الثانى هو المواد التى يجب الغاؤه، من مشروع القانون كالعادة ١٥ التى تنص على أن يجوز لمحكمة الجنايات بدرجتيها أو محكمة النقض إذا وقعت أفعال خارج الجلسة.
أن تقيم دعوى على الفاعل وفقا للمادة ١٣ والمادة ٣٣٦ تنص على أنه يجوز للقاضى أن يصحح ولو من تلقاء نفسه كل اجراء يتبين له بطلانه والمادة ٣٦٨ التى تمنع المحكوم عليه غيابيا من التصرف فى امواله أو ادارتها أو أن يرفع دعوى باسمه وكل تصرف أو التزام يكون باطلا والمادة ٤٠١ يجوز للنيابة العامة أن تستأنف الاحكام الغيابية فى الجنايات وفى هذا ضياع درجة من درجات التقاضى على المحكوم عليه غيابيا والمادة ٥١٩ التى تنص على فى الاحوال التى يكون فيها من شأن سماع اقوال اى انسان تعريض حياته أو سلامته أو أحد أفراد اسرته للخطر يجوز لمحكمة الموضوع أو للمحامى العام أو لقاضى التحقيق بناء على طلب هذا الشخص أو أحد مأمورى الضبط القضائى الأمر بسماع أقواله دون ذكر بياناته على أن ينشئ ملفا فرعيا للقضية يتضمن تحديدا لشخصيته وبياناته والمحور الثالث وهو الخاص بالحذف والاضافة وهى كالمادة 25 من مشروع القانون التى تتوسع فى منح الضبطية القضائية لمندوبى الشرطة وضباط الصف ومعاوني الأمن بقطاع الأمن الوطنى ومعاوني الأمن العام والمادة 69 من القانون التى تفتح الباب على مصراعيه أمام النيابة لإجراء التحقيق -وفى غيبة المدعى عليه ومحاميه والمادة 72 من القانون تحظر على المحامين الحديث إلا بإذن من وكيل النيابة وتسمح فقط بتقديم دفاع مكتوب، وهذا يمثل تعديا صارخا على حق الدفاع ولما كانت المادة ٣٣٣ تمنع المتهم من الطعن على اجراءات التحقيق حال حضور محام معه جلسة التحقيق فى حين أنه قد يمنع من الاطلاع وقد لا يؤذن له بالحديث وهذا يمثل إهدارا لتلك الضمانات التى اقرها القانون لحماية حق الدفاع وباستعراض تلك المواد السابقة وغيرها يجب على مجلس النواب مناقشة تلك المواد مناقشة جادة ومتأنية فى الجلسة العامة حتى يخرج القانون بصياغة تحمى حق الدفاع وتحقق العدل المنشود وتصون كرامة المتهم وحريته حتى نتجنب اى عوار قد يصيب القانون ويؤدى إلى مخاطر كثيرة فى التطبيق، فلا وطن بدون عدالة ولا عدالة بدون محاماة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المقال السابق
إقرأ أيضاً:
الإجراءات الجنائية.. كيف واجه القانون الجديد حالات الاحتجاز غير القانونية
يواصل مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد من حيث المبدأ.
ويعمل مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد على تحقيق فلسفة تشريعية وحقوقية تتسق مع دستور 2014، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ويتلافى العديد من الملاحظات.
كما يتلافى مشروع القانون الجديد الملاحظات الصادرة عن بعض الأجهزة التابعة للمنظمات الدولية الرسمية، فصلا عن ما يحمله من صياغات تشريعية لدعم حقوق المواطنين وحق الدفاع.
ووضع مشروع القانون ضوابط لمواجهة حالات الاحتجاز غير القانونية، إذا نصت المادة 45 على أنه يجوز لكل نزيل في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل أو الأماكن المشار إليها في المادة 37 من هذا القانون يقدم في أي وقت للقائم على إدارته شكوى كتابة أو شفاهة، ويطلب منه تبليغها للنيابة العامة، وعلى أن الأخير قبولها وتبليغها في الحال بعد إثباتها في سجل معد لذلك.
ويجوز لكل من علم بوجود محتجز أو نزيل بصفة غير قانونية أو في محل غير مخصص للحبس أن يخطر أحد أعضاء النيابة العامة وعليه بمجرد علمه أن ينتقل فوراً إلى المحل الموجود به النزيل وأن يقوم بإجراء التحقيق وأن يأمر بالإفراج عن النزيل الموجود بصفة غير قانونية وعليه أن يُحرر محضراً بذلك.