شهداء طوباس فرّقتهم الجغرافيا وجمعتهم الكتيبة واغتالهم الاحتلال
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
نابلس– "كل الذين فقدتهم لم أودعهم ولم أدفنهم" عبارة يتناقلها الفلسطينيون منذ فجر اليوم الخميس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على لسان الأسير زكريا الزبيدي، بعد سماعهم خبر استشهاد نجله محمد.
وبحسب العبارة المتداولة، يقول الزبيدي "أبي توفي حين كنت في سجن جنين، وسمعت نعيه بسماعة المسجد، وأمي استشهدت بمعركة المخيم 2002 ودفنها الصليب الأحمر، وأخي طه دفنوه وأنا تحت حطام المخيم والبيوت المهدمة، ومن ثم استشهد شقيقي داود، ولم أستطع توديعهم جميعاً، ولم أتمكن من العزاء، لا أعرفه ولم أجربه ولم أمارسه بشكل شخصي".
وكأن الفلسطينيين -بهذه العبارات- يخبرون الأسير الزبيدي داخل معتقله أنه أضيف لقائمة شهداء عائلته ابنه محمد، وأنه لن يراه أو يشارك بتشييعه أيضا كمن سبقه.
وفي قصف جوي عنيف تزامن وعملية اقتحام واسعة للجيش الإسرائيلي لمخيم الفارعة، استهدف طيران الاحتلال المسيَّر مجموعة من المقاومين في حي العقبة بمدينة طوباس شمال الضفة، مما أسفر عن استشهاد 5 مواطنين هم محمد الزبيدي ومحمد أبو زاغة (مخيم جنين) وأحمد أبو دواس وقصي عبد الرازق (مدينة طوباس) ومحمد أبو جمعة (30 عاما) من مخيم الفارعة جنوب طوباس.
معا وتحت اسم كتائب المقاومة (جنين وطوباس ومخيم الفارعة) استشهد المقاومون الخمسة وإن تفرقت مواقعهم الجغرافية، فقد التقوا بمدينة طوباس داخل منشأة من الصفيح (بركس) اتخذوها سترا لهم، لتمر عتمة الليل الدامس ومن ثم يواصلون مقاومتهم، لكن الاحتلال لم يمهلهم، فباغتهم بُعيد الثالثة فجرا بصواريخه القاتلة.
ويوصف المقاومون الخمسة بأنهم الأشرس في مقارعة الاحتلال الذي طاردهم عبر عمليات عسكرية كثيرة، كان آخرها "المخيمات الصيفية" التي أطلقها قبل 9 أيام ضد مدن طوباس وطولكرم وجنين.
شهيدا مخيم الفارعة محمد أبو جمعة وماجد أبو زينة (الجزيرة) الشهيد محمد نجل القائد الزبيديينتمي الشهيد الزبيدي إلى عائلة مضحية ومناضلة، فهو نجل الأسير زكريا الزبيدي أحد مؤسسي كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة التحرير الوطني (فتح) وأحد أبطال "نفق الهروب" من سجن جلبوع الإسرائيلي مطلع سبتمبر/أيلول 2021.
وقد تزوج زكريا عام 2002 بعد مشاركته بمعركة "نيسان" إبان الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين والتي وصف بأنه أحد أبطالها، وأنجب 3 أبناء: محمد وسميرة وحملا تيمنا اسميْ والديه، ومن ثم أنجب أصغرهم أيهم (12 عاما).
وفي حارة الفلوجة وسط مخيم جنين، ولد محمد عام 2003، وبالمدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) تلقى تعليمه الأساسي، ثم انتقل لمدارس جنين الحكومية وبها أنهى الثانوية العامة، وعمل لاحقا في صيانة زجاج المركبات، وظل كذلك حتى طارده الاحتلال قبل بضعة أشهر.
وواصل محمد صعود سلم المقاومة أسوة بوالده وعائلته، فلاحقه الاحتلال وفشل في اعتقاله وحتى اغتياله مرات عدة، وقبل أيام "اقتحم الجنود الإسرائيليون منزل عائلته بالمخيم وعاثوا به دمارا وخرابا، وهددوا ذويه بقتله" كما يقول عمه جمال الزبيدي (أبو أنطون) للجزيرة نت.
وبالرغم من توقعهم استشهاد محمد، فإن الهم والحزن رافق العائلة منذ اللحظات الأولى لمطاردته. وعبر اتصال هاتفي من أحد أصدقائه تلقى أبو أنطون خبر استشهاده، ويقول "تلقينا أنا وعمه يحيى خبر استشهاد محمد عبر اتصالات هاتفية، ووالدته عرفت بذلك عبر صديقة ابنتها".
وكأبيه وجده وأعمامه، خاض محمد دروب النضال من صغره، فجده لأبيه (محمد) توفي متأثرا بمرضه بالسرطان بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال عام 1993، ثم استشهدت جدته سميرة قبيل اجتياح مخيم جنين عام 2002، ليتوالى بعدها استشهاد أعمامه طه (عام 2002) وجبريل وداود ومن ثم أبناء عمه نعيم ومحمد خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
ومنهم من استشهد أو بقي على قيد الحياة، أفنى أبناء عائلة الزبيدي سنوات طويلة من أعمارهم في سجون الاحتلال، ولا يزال زكريا يعزل داخل سجن ريمون منذ هروبه من سجن جلبوع. ويقول أبو أنطون "منذ احتلال إسرائيل للضفة عام 1967 ونحن نضحي، هذا قدر الناس الأوفياء لهذا الوطن ولن نحيد عن الطريق".
وعلى درب محمد الزبيدي سار صديقه وابن مخيمه الذي استشهد معه محمد نظمي أبو زاغة (23 عاما) الذي ولد في حارة السمران بمخيم جنين، وتعلم بمدارسه. وكغيره من أبناء المخيم وشبابه، تأثر بالمقاومة ورجالها الذين استشهدوا أمام ناظريه ومنهم ابن عمه.
المحرران المؤسسان
ولد أحمد فواز فايز أبو دواس (24 عاما) الملقب بـ"السرديني" بمدينة طوباس لعائلة مناضلة، فوالده أسير سابق وأحد قيادات العمل الوطني وانتفاضة الحجارة أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وتعلم في مدارسها، ولم يكمل دراسته الجامعية نتيجة اعتقاله من قبل الاحتلال، حيث قضى في سجونه عدة سنوات خلال أكثر من عملية اعتقال.
وطورد أبو دواس منذ نحو 3 سنوات من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد ظهور كتيبة طوباس المقاومة التي عرف بأنه أحد أبرز مؤسسيها، وحاول الاحتلال عبر اقتحامات كثيرة لمنزله ولمدينة طوباس اعتقاله طوال تلك الفترة، لكنه لم ينجح.
وفي مقابلة صحفية، يقول أبو دواس "المقاومة لن تتوقف، ونحن في كتيبة طوباس لن يردعنا الخوف أو اغتيال الاحتلال لأي منا، وهدفنا الشهادة ومهما لاحقتنا إسرائيل لن تنال منا".
ومثل أبو دواس، طاردت إسرائيل صديقه قصي مجدي عبد الله عبد الرازق (26 عاما) منذ عدة سنوات، حيث يتهمه الاحتلال بأنه أحد المؤسسين لكتيبة طوباس المقاومة.
وقد ولد قصي في طوباس بين 5 أشقاء وشقيقات، حيث يشتغل والده بالأعمال الحرة، وأنهى تعليمه المدرسي الأساسي والثانوي بها، ومن ثم تعرض للاعتقال في سجون الاحتلال مرات عدة، ومع ظهور المقاومة في المدينة التحق بصفوفها ولاحقه الاحتلال وحاول اعتقاله مرات كثيرة إلى أن تمكن من اغتياله فجر اليوم.
القائد المثقف
وغير بعيد من طوباس، ولد الشهيد الخامس محمد سالم أبو جمعة (30 عاما) الملقب بـ"الأحتي" في مخيم الفارعة للاجئين جنوب المدينة في حارة النادي، وقد ترعرع بين 6 أشقاء (3 ذكور ومثلهم إناث) وتلقى تعليمه الأساسي والثانوي بمدارس المخيم، ومن ثم واصل تعليمه الجامعي بالتربية الابتدائية وأنهى دراسته واشتغل في أحد محال السوبر ماركت، وعرف بعلاقاته الاجتماعية المميزة.
وبينما نفت عائلة الشهيد أبو جمعة للجزيرة نت أن يكون الاحتلال قد أخبرهم بأن نجلهم "ملاحق ومطلوب " نقلت مواقع التواصل صورا للشهيد عنونتها بأنه "قائد كتيبة الفارعة" في وقت تداول ناشطون مقاطع مصورة له وهو يشتبك مع جيش الاحتلال بمواقع عدة شمال الضفة.
وبينما شيعت جثامين شهداء الفارعة وطوباس، لا تزال عائلة الزبيدي تنتظر -لتشييع جثمان نجلها محمد وكذلك عائلة صديقه أبو زاغة- انسحاب الاحتلال من مخيمي جنين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مخیم الفارعة مخیم جنین أبو جمعة ومن ثم
إقرأ أيضاً:
3 شهداء ومصابون رغم سريان الهدنة.. وجيش الاحتلال يؤجل وقف إطلاق النار في غزة
في ساعات الصباح، أصيب عدد من الفلسطينيين بنحو 20 مصابًا برصاص الجيش الإسرائيلي شرق مدينة غزة رغم بدء وقف إطلاق النار بناء على الموعد الذي حدده الوسطاء، بينما ارتقى 3 شهداء، وفق ما أوردت صحف ووكالات عدة.
أفادت الأنباء بأن آليات الجيش الإسرائيلي تطلق نيرانها شرق حي الشجاعية والزيتون شرق محافظة غزة رغم بدء وقف إطلاق النار بناء على الموعد المحدد من قبل الوسطاء.
وقال متحدث الجيش الإسرائيلي إن الجيش يواصل العمل ويهاجم "أهدافًا إرهابية" في شمال القطاع ووسطه بالمدفعية والطائرات (إكس).
ووفق ذلك يؤجل الاحتلال الهدنة التي طال انتظارها في الحرب بين إسرائيل وحماس يوم الأحد بعد أن قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اللحظة الأخيرة إن الهدنة لن تدخل حيز التنفيذ حتى تقدم الجماعة المسلحة الفلسطينية قائمة بالرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم.
وفي حين أكدت حماس "التزامها" بشروط الهدنة، قالت: "إن التأخير في تقديم أسماء الذين سيتم إطلاق سراحهم في الدفعة الأولى يرجع إلى أسباب فنية".
وقال بيان من مكتب نتنياهو، صدر قبل أقل من ساعة من بدء الهدنة في الساعة 8:30 صباحًا (0630 بتوقيت جرينتش)، إنه "أصدر تعليمات لقوات الدفاع الإسرائيلية (العسكرية) بأن وقف إطلاق النار ... لن يبدأ حتى تتلقى إسرائيل القائمة".
وكان التبادل الأولي يهدف إلى إطلاق سراح ثلاثة رهائن إسرائيليين من الأسر مقابل مجموعة أولى من السجناء الفلسطينيين.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي دانييل هاجاري يوم الأحد إن تنفيذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس تأخر لأن حماس لم تف بالتزامها بإرسال قائمة الرهائن إلى إسرائيل في اليوم الأول.
وفي خطاب تلفزيوني قصير، قال هاجاري إن القيادة السياسية وجهت الجيش بتأخير التنفيذ وأنه يحتفظ بحرية مواصلة الهجمات في قطاع غزة طالما لم يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وقال هاجاري إن الجيش مستعد تمامًا لتنفيذ وقف إطلاق النار، والذي من شأنه أن يفتح الطريق أمام نهاية محتملة للحرب التي استمرت 15 شهرًا، لكنه مستعد أيضًا للتحرك في حالة انتهاك حماس لشروط الاتفاق.
إذا استمر وقف إطلاق النار، فسيتم إعادة ما مجموعه 33 رهينة خلال هدنة أولية مدتها 42 يومًا.
وبموجب الاتفاق، سيتم إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
وتهدف الهدنة إلى تمهيد الطريق لإنهاء أكثر من 15 شهرًا من الحرب.
ويأتي ذلك في أعقاب اتفاق أبرمه الوسطاء كم مصر وقطر والولايات المتحدة بعد أشهر من المفاوضات، ويدخل حيز التنفيذ عشية تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.
وفي خطاب متلفز يوم السبت، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل لديها دعم الولايات المتحدة للعودة إلى الحرب إذا لزم الأمر.
ووصف المرحلة الأولى التي تستمر 42 يومًا بأنها "وقف إطلاق نار مؤقت"، وقال: "إذا أجبرنا على استئناف الحرب، فسنفعل ذلك بالقوة".
واستمر القتال حتى عشية الهدنة، حيث قالت وكالة الدفاع المدني في غزة إن خمسة أفراد على الأقل من عائلة واحدة استشهدوا عندما أصابت غارة إسرائيلية خيمتهم في مدينة خان يونس الجنوبية.