بوابة الوفد:
2024-09-16@03:58:00 GMT

بركة الوقت

تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT

كان القدماء، رضوان الله عليهم، من العلماء العاملين أحرص الناس على الأوقات، لم يضيعوا أوقاتهم فى الكلام الفارغ ولا فى اللهو ولا فى السهر، ولا فى القيل والقال ولا فى الغيبة ولا فى النميمة، ولا على الموبايلات الحديثة، ناهيك عن سد ذرائع قلة الأدب التى انتشرت فى كل مكان، ولا يكاد يخلو منها بينه وبين نفسه إنسان.

أعجب العجب فعلاً أنك تلاحظ أن فريضة التفكير وطلب العلم هما أعدى أعداء الوقت الضائع، فلن يتفق مطلقاً لرجل مفكر أو باحث أو أديب أو طالب علم مع ما يبدو الآن من مظاهر انتشار ضياع الوقت والقيمة والقانون، لأن أولئك كلهم بحاجة ماسّة إلى تجنيد الوقت لخدمة مآربهم العليا، ولو لم يحرصوا على ذلك لامتنع لديهم الانجاز!

وقانون الوقت من أخطر ما يمس العمر فى تحصيل ما يجب، وترك ما لا يجب، حتى تظهر بركة الأوقات مع التدبير والاعتبار، ومع الرعاية والعناية. ولذلك قال حجة الإسلام الإمام الغزالى فى بداية الهداية ما نصّه: 

(ولا ينْبغِى أَن تَكونَ أوقاتُكَ مُهْمَلَةً فَتَشْتغلَ فى كلِّ وَقْتٍ بما اتَّفقَ كَيْفَ اتَّفَقَ بل يَنْبَغِى أَنْ تُحاسِبَ نَفْسَكَ وتُرَتِّبَ وظائِفَكَ فى لَيلِكَ ونَهارِكَ وتُعَيِّنَ لكُلِّ وَقْتٍ شُغْلاً لا يَتَعَدَّاهُ ولا تُؤْثِرُ فِيهِ سِواه، فَبِهِ تَظْهَرُ بَرَكَةُ الأَوقاتِ.

فأمّا مَنْ تَرَكَ نَفْسَهُ مُهْمَلاً سُدًى إِهْمالَ البَهائِمِ لا يَدْرى بِما يَسْتقبِلُ كلَّ وَقْت، فَتَنْقَضِى أكثرُ أوقاتِهِ ضائِعَةً. 

وأوقاتُكَ عُمْرُكَ، وعُمْرُكَ رَأْسُ مالِكَ، وعَلَيْهِ تِجارتُكَ وبِهِ وُصُولُكَ إِلَى نَعِيمِ الأَبَدِ فى جِوارِ اللهِ تَعالَى، فَكُلُّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفاسِكَ جَوْهَرٌ لا بَدَلَ لَه، فَإِذا فاتَ فَلَا عَوْدَةَ لَهُ. فَلَا تَكُنْ كالحَمْقَى الذين يَفْرَحُونَ فى كُلِّ يَوْمٍ بِزِيادَةِ أَمْوَالِهِمْ مَعَ نُقْصانِ أَعْمارِهِمْ).

يتبيّن إذن أن الحرص على مراعاة الله فى كل لحظة، إنما هو بركة تمدُّ العمر وترفعه وتباركه وتزكيه، ولا يرفع العمر ولا يباركه ولا يزكيه إلا مراعاة الأوقات بين يدى الله وخلوص السريرة قصداً وتوجُّهاً إليه سبحانه، فلا خير فيما لا يكون خالصاً له وحده دوناً عن سواه إذا كان لا محل للسِّوى معه فى كل اعتقاد صحيح.

 ولنعلم جميعاً: أن العمر كله يوم، واليوم كله ساعة، والساعة كلها وقت، والوقت كله حال، والحالُ مراقبة القلب مع الله بإحصاء اﻷنفاس فى الوقت الذى هو فيه.. فإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله، فانظر فيماذا يقيمك؟ 

يعنى تحقق من «عبادة الوقت»، وعبادة الوقت من أنفع وأجل العبادات التى يجيدها أهل الله وخاصّته، لأنها العبادة التى تقدر العمر كله فتحصره فى اليوم، وتقدر اليوم كله فتحصره فى الساعة التى يحضر فيها مع الله، وتقدر الساعة كلها فتحصرها فى الوقت، وتقدر الوقت كله فتنزله فى الحال، وتنزل الحال بمراقبة الأنفاس مع الله باتصال القلب بمنن الفضل الإلهى. 

فلا يعرف العبد منزلته عند الله ما لم يقدّر للوقت قيمته ويعرف على التحقيق فيما أقامة الله فيه، ويُحسن هذه المعرفة مع الإقامة، فإنّ لها مع كل حال عبادة، فقد يقيمك الله فى حال الطاعة أو يقيمك فى حال المعصية، أو يقيمك فى حال النعمة، أو يقيمك فى حال البليّة. ومقتضى الحق - سبحانه - منك أن تؤدى حق العبادة فى كل حال وفى كل وقت فيما أقامك الله فيه، وهى التى يسميها العارفون «بحقوق الأوقات».

وحقوق الأوقات هذه إذا فاتت ليس لها قضاء، بخلاف أوقات الصلاة إذا هى فاتت تُقضى من فورها.

حتى إذا أقامك الله فى حال الطاعة فمقتضى الحق منك الشكر، وإذا أقامك فى حال المعصية، فمقتضى الحق منك وجود الاستغفار، وإذا أقامك فى حال النعمة، فمقتضى الحق منك شهود منته عليك ووجوب الشكر والحمد، وإذا أقامك فى حال البلية فمقتضى الحق منك الصبر والاحتساب والرضى بقضاء الله، ولا تخلو أحوال العبدمن هذه الأربعة التى لا خامس لها: طاعة فمعصية، ثم نعمة أو بلية، ولكل حال منها عبادة يؤديها العبد فى التو واللحظة، أى فى الوقت الذى هو فيه، ولذلك سميت بحقوق الأوقات التى لا قضاء لها إذا ما فاتت.

فمثلاً: إذا كان العبد فى حال المعصية ولم يؤد حق الاستغفار منها، وجعل وقته يمضى بغير استدراك، فقد فوّت على نفسه حق الله عليه فيما أقامه الله فيه، وأضاع حال العبادة فى الوقت الذى أقامه الله فيه، فلم يعط حق عبادته التى اقتضاها الله منه فى وقتها، ولم ينظر فيما أقامه الله فيه، ولم يدرك لنفسه منزلة عند الله لأنه لم يشأ أن يدرك لنفسه منزلتها. وليس للنفس أن تدرك منزلتها وهى بمعزل عن وصلتها الإلهية وبوصلتها الربانية وشهودها الأكمل لعالم الملك والملكوت والجبروت.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم ن القدماء فى الوقت الله فیه ولا فى فى حال

إقرأ أيضاً:

الملتقى العالمي للتصوف... بركة يؤكد على ضرورة التفكير في أساليب جديدة لتنمية وتدبير المياه

أكد وزير التجهيز والماء، نزار بركة، الجمعة بمداغ بإقليم بركان، أن الإجهاد المائي الذي يعاني منه المغرب منذ سنوات بسبب التغيرات المناخية، يفرض ضرورة التفكير في أساليب جديدة لتنمية وتدبير هذا المورد الحيوي وترشيد استعماله.

وأبرز بركة، في كلمة تلتها نيابة عنه مديرة وكالة الحوض المائي لملوية، نرجس لعمارتي سفيان، خلال افتتاح الدورة الـ12 من « القرية التضامنية »، المنظمة في إطار الملتقى العالمي الـ19 للتصوف (11- 16 شتنبر)، أن مسؤولية تبني رؤية بعيدة المدى في التعامل مع الماء، تقع على عاتق الجميع، لضمان استدامة الموارد المائية والحفاظ على حقوق الأجيال الحالية والقادمة في هذا المورد الحيوي، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة تعزيز الوعي الجماعي بأهمية ترشيد استعماله وإدارته بحكامة وحكمة.

وأوضح بركة أنه « بالرغم من هذه المنجزات، ونتيجة لتراكمات آثار تغير المناخ على الموارد المائية، وبالنظر إلى أهمية الماء في السياسات العمومية، فإن هذا القطاع يحظى بعناية خاصة من طرف جلالة الملك من خلال توجيهاته السامية التي شكلت نقطة تحول حاسمة في سياسة المياه الحالية في المغرب ».

وقال إنه تنفيذا للتوجيهات الملكية، تسهر القطاعات الحكومية المعنية بقطاع الماء، وبالتقائية في إعداد المشاريع المسطرة بطريقة تشاركية، على تسريع وتيرة إنجاز مشاريع البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020- 2027، بغية تأمين التزويد بالماء على نطاق واسع، خاصة من خلال تنويع مصادر التزود بهذه المادة الحيوية واستغلالها وتدبيرها بطريقة مندمجة.

وتطرق الوزير أيضا إلى المجهودات الأخرى المبذولة من أجل التأقلم مع مخلفات وآثار التغيرات المناخية التي لها وقع كبير على الموارد المائية، وأيضا إلى مراجعة وإغناء الصيغة النهائية لمشروع المخطط الوطني للماء، وتحيين الاستراتيجية الوطنية للماء، فضلا عن المصادقة على عشرة مخططات توجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية التي تم إنجازها من طرف وكالات الأحواض المائية.

مقالات مشابهة

  • وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي
  • كيف نحتفل بالرسول؟
  • جانتس: حان الوقت لاستخدام القوة مع «حزب الله» وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم
  • حان الوقت.. غانتس: لممارسة القوة ضد حزب الله!
  • الملتقى العالمي للتصوف... بركة يؤكد على ضرورة التفكير في أساليب جديدة لتنمية وتدبير المياه
  • بركة ساكن: تحية لنضال أهل الفاشر ابو زكريا أداب العاصي
  • السيرة النبوية مصدر إلهام الدراما والسينما
  • في خطوتين.. مرصد الأزهر يوضح حل تنظيم الوقت
  • حزب الله: قصفنا موقع بركة ريشا ما أدى إلى احتراق آلية ووقوع قتلى وجرحى
  • حزب الله يحرق أليات ويقتل جنود الاحتلال في موقع بركة ريشا