اختارت ميتشي بيه موقعا مميزا على نهر ساراواك مقابل مبنى برلمان الولاية على الضفة المقابلة، فهي تجيد الغناء بلغات محلية مختلفة، كيف لا وقد نشأت في مدينة كوتشينغ عاصمة التنوع العرقي في ماليزيا.

ويصعب تمييز انتمائها العرقي أو الديني من اسمها، فهي ملايوية مسلمة تعيش مع جيران ينتمون إلى قرابة 7 مجموعات عرقية استوطنت ولاية ساراواك شرقي ماليزيا منذ آلاف السنين، وتفرع منها عشرات العرقيات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما الذي يقدمه كردستان العراق لعشاق السفر؟list 2 of 27 مواقع سياحية تستحق الزيارة في الأردنend of list

لحْن صوتها يستوقف المارة من سياح أجانب ومحليين، فهي تغني بلغات محلية وأحيانا أجنبية، أما المستمعون المستمتعون بأدائها من مختلف الألوان والأطياف والجنسيات، فأشك بمعرفتهم باللغة التي ترنو بها، وكثيرا ما ينتظرون في مجموعات أو فرادى انتهاء مقطع غنائي، إما وقوفا أو جلوسا على جدار ضفة النهر.

وبمجرد أن ميزت ميتشي بيه ملامحي العربية، عرضت عليّ الغناء باللغة العربية، فاستحسنت ذلك، مع اعتذارها مسبقا إن كان الأداء ليس كما أتوقع، فبدأت بأغنية الطفولة الحزينة التي تحاكي الواقع الفلسطيني: اعطونا الطفولة، اعطونا السلام، أرضي محروقة، ثم اغرورقت عيونها ونزلت دموعها ودموع مشاهدين على وقع لحن رائع حزين، ولعلي كنت الوحيد من بين الحضور الذي تأثر بكلمات عربية مكسرة تروي قصة أرض مسروقة وشعب مقهور.

مبنى البريد في مدينة كوتشينغ شيد في عهد الاستعمار البريطاني (الجزيرة) محطات استعمارية

غير بعيد عن منصة ميتشي المتنقلة يعطي مبنى تاريخي صغير ظهره للنهر، في مقابل بوابة مبنى المحكمة القديم، وكان بمثابة قلعة صغيرة استعملتها سلطات الاستعمار البريطاني مركز توقيف لمن تدينهم المحكمة تمهيدا لنقلهم إلى السجن، وكلتاهما: القلعة والمحكمة، خرجتا من الخدمة وحُولا إلى مطاعم، ومراكز خدمات سياحية.

يشير التأريخ الموسوم فوق عتبة البوابة الرئيسية للقلعة، مركز التوقيف السابق، أنها بنيت عام 1879، وهو أوج الاستعمار البريطاني الذي كان يتمدد في جزيرة بورنيو، حيث تقع ولايتا ساراواك وصباح اللتان تشكلان القسم الشرقي من ماليزيا اليوم إلى جانب سلطنة بروناي دار السلام ومحافظة كالمنتان الإندونيسية.

وفي داخل المطعم أو السجن أو القلعة، كما يروق لكل زائر أن يطلق عليه، تلاحظ تنوع سِحنات وجوه العاملات من مختلف عرقيات أهل المنطقة، وهن يقدمن مأكولات غربية مع ابتسامات، بينما تستقبل الملايوية المسلمة نور شفيقة الزوار عند باب القلعة الضيق الوحيد، وخلفها صورة لتمثال بوذا، وتقول إن الصور تمثل التنوع الديني للمدينة العريقة وجزء من تراثها.

يطلق على القلعة اسم مارغاريتا نسبة إلى راني مارغاريت زوجة الحاكم البريطاني تشارلز بروك الذي توفي عام 1917، وما بين القلعة والمحكمة نصب تذكاري للحاكم البريطاني بروك، وهو ثاني حاكم لساراواك في الحقبة الاستعمارية، وفي عهده استبدل بمبنى المحكمة الخشبي السابق البناء الذي ما زال قائما.

ويقول المسؤول في إدارة المعلومات السياحية أوزي تونغينغ للجزيرة نت إن مجمع المحكمة القديم ذو طراز روماني مع لمسات محلية، وكان يحوي العديد من الإدارات الحكومية، ويقف حاليا شاهدا على طبيعة الحقبة الاستعمارية، بما فيها الاحتلال الياباني إبان الحرب العالمية الثانية، وانتهاء باستقلال الولاية عام 1963 وانضمامها إلى ماليزيا.

مبنى المحكمة القديم وهو مجمع إداري واسع وقد حول إلى مركز للخدمات السياحية (الجزيرة) عائلة القطط

يتبادر لزائر كوتشين للوهلة الأولى أن اسم المدينة ينسب إلى القطط، وتعزز هذا الانطباع الأولي تماثيل وصور القطط المنتشرة بكثرة على الهدايا والتحف التي تعكس تراث المنطقة، لكن تونغينغ مسؤول إدارة المعلومات السياحية يؤكد أن لا علاقة للاسم بالقطط، وإنما بثمار فاكهة استوائية تشبه عين القط، ويعتقد أن الرحالة الصينيون هم أول من أطلق مصطلح كوتشينغ -التي تعني القط- على المدينة.

وبينما تتخذ ماليزيا من النمر شعارا لها فالقط هو شعار كوتشينغ الترويجي للمدينة، فلا تكاد تخلو منطقة حيوية من تمثال لقط أو عائلة قطط، ويتحدث الناس في هذه المدينة عن رفق الهرة، رمز المدينة الاجتماعي، الطوافة بين أزقتها وبيوتها، مقابل قوة النمر الآسيوي رمز الدولة.

قلعة مارغاريتا تقع مقابل مبنى المحكمة واستعملت إبان الاستعمار البريطاني مركز توقيف للسجناء (الجزيرة) جولة نهرية

لا تكتمل زيارة كوتشينغ دون النزول إلى نهر ساراواك، وسيكون الزائر محظوظا إذا صادف أحد المهرجانات الدورية التي تقام في المدينة، ومنها سباق القوارب السهمية السريعة، والتي يشارك في التجديف فيها عشرات الهواة أو محترفو هذا النوع من السباقات.

وتستقطب القوارب الصغيرة هواة التجديف، ومن يستمتعون بلمس مياه النهر من أفراد أو مجموعات صغيرة، أو رحلة عائلية تستغرق نحو ساعة مع الحاجة إلى لبس سترة النجاة.

أما الرحلة الجماعية في السفن الكبيرة (المسماة سفن الكروز)، فهي مهرجان اجتماعي وتعريفي بامتياز، حيث يعرّف المرشد السياحي بتاريخ المكان وجغرافيته والمعالم الرئيسية على ضفتي النهر.

وتتناوب على متن السفينة فرق فولكلورية في أداء رقص واستعراض يعكس ثقافات المجموعات العرقية في ساراواك، نذكر منها العرقيات السبع الرئيسية وهي بيدايو وإيبان وأورانغ أولو وملايو ومالاناو والصينيون.

مسجد الهند من المنشآت المميزة على ضفة نهر ساراواك (بيكسباي) تحفة البرلمان

لن تفوِّت أي سفينة أو قارب سياحي المرور من تحت جسر (دار الهنا) المطل على مبنى البرلمان المحلي، وهو جسر المشاة الوحيد الذي يربط بين ضفتي نهر ساراواك الجنوبية والشمالية في كوتشينغ، وصمم على شكل حرف "S"، وكانت القوارب وسيلة الانتقال الوحيدة بين ضفتي النهر قبل افتتاح جسر دار الهنا في عام 2017، وإضافة معلم جديد للمدينة العريقة.

لكن المنظر الساحر يكون بالإطلالة من فوق الجسر على مبنى المجلس التشريعي ذي التسعة طوابق، المصمم على شكل مظلة، وأقيم على تلة من الجانب الشمالي من النهر، ويعتبره كثير من المعماريين أجمل مبنى في جنوب شرق آسيا.

وبالعودة إلى الضفاف يمكننا الاستمتاع بوجبة مأكولات بحرية طازجة على أنغام من بسطات الطعام المنتشرة على طول الكورنيش، ومعها عشرات المغنين ومستعرضي التراث الشعبي، ولا شك أن منهم صديقتنا ميتشي بيه التي فضلت الغناء بمختلف الثقافات على العمل في تخصصها الجامعي في إدارة الأعمال، وما زالت دمعتها رقراقة تضامنا مع أهل الأرض المسلوبة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاستعمار البریطانی مبنى المحکمة

إقرأ أيضاً:

دول العالم تتفق على تمويل جهود حفظ الطبيعة بعد مفاوضات شاقة

أسفرت مفاوضات روما الشاقة الأسبوع الماضي عن التوصل إلى اتفاق بشأن تمويل جهود حفظ البيئة، لتتجنب بذلك تكرار الفشل الذريع الذي منيت به مفاوضات مماثلة جرت في كولومبيا قبل 4 أشهر.

ونجحت الدول الـ196 المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الـ16 (كوب16) لاتفاقية التنوع البيولوجي في تقديم تنازلات متبادلة أثمرت اتفاقا على خطة عمل لتمويل حماية الطبيعة حتى عام 2030.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تحذير من عدم كفاية التزامات اتفاقية باريس لمنع كارثة مناخيةlist 2 of 2الاحتباس الحراري يقلّص امتصاص النباتات والتربة للكربونend of list

ويضع القرار خارطة طريق بشأن سبل تمويل جهود حفظ الطبيعة في العالم، وينص على "ترتيب دائم" لدفع الأموال لمساعدة البلدان النامية في الحفاظ على التنوع البيولوجي وإستراتيجية "لحشد" مليارات الدولارات لحماية الطبيعة.

ويتعين جمع مليارات الدولارات لتحقيق الهدف المتمثل في وقف إزالة الغابات والاستغلال المفرط للموارد والتلوث بحلول العام 2030، وهي عوامل تعرّض للخطر الإمدادات الغذائية والمناخ وبقاء مليون نوع من الكائنات المهددة بالانقراض.

خلاف مالي

وكان مقررا أن تتفق الدول الموقعة على اتفاقية التنوع البيولوجي في مؤتمر الأطراف الـ16 في كالي، على طريقة حل مشكلة نقص التمويل لخريطة الطريق الطموحة هذه.

وتنص الاتفاقية على أن يزيد العالم إنفاقه على حماية الطبيعة ليصل إلى 200 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030، منها 30 مليارا على شكل مساعدات تقدمها الدول الغنية للدول الفقيرة.

إعلان

لكنّ طريقة جمع الأموال وتقاسمها أصبحت موضع خلاف بين القوى العظمى وبقية العالم، لدرجة أنها غادرت محادثات كالي من دون اتفاق، مما أجبرها على استئناف المفاوضات في روما.

بداية الحل

وبعد يومين من المفاوضات، على خلفية تدهور العلاقات الدولية وحروب تجارية، تلقى المفاوضون الأربعاء نصا جديدا طرحته الرئاسة الكولومبية، يسعى لتقليص الهوة بين دول الشمال والجنوب.

والخميس، طرحت البرازيل باسم دول مجموعة بريكس نصا جديدا، هو أقرب الى مقترح بصيغة نهائية، وذلك خلال الجلسة الختامية ليل الخميس.

وتتمثل النقطة الشائكة الرئيسية في مطالبة الدول الفقيرة بإنشاء صندوق جديد مخصص للتنوع البيولوجي يوضع تحت سلطة مؤتمر الأطراف، كما هو منصوص عليه في اتفاقية عام 1992.

لكن البلدان المتقدمة، بقيادة دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا في غياب الولايات المتحدة التي لم توقّع الاتفاقية، وتعد من كبار المانحين، عارضت بشدة هذا المقترح.

كما تندد هذه القوى بتجزئة المساعدات التنموية التي تراجعت أصلا بسبب الأزمات المالية وانكفاء الأميركيين عن دعم هذه الجهود منذ عودة دونالد ترامب إلى السلطة.

ونشرت رئاسة مؤتمر "كوب 16" الكولومبية صباح الجمعة اقتراح تسوية يتضمن خريطة طريق لإصلاح الأنظمة المختلفة التي تولد التدفقات المالية الرامية إلى حماية الطبيعة بحلول عام 2030، مما أدى إلى التوصل للحل.

لكن عددا من الحضور أشاروا إلى أن الدول لا تزال بعيدة عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف إطار "كونمينغ-مونتريال" العالمي للتنوع البيولوجي الذي تم التوصل إليه عام 2022 بهدف وقف وعكس فقدان التنوع البيولوجي بحلول عام 2030.

مقالات مشابهة

  • ديربي مدريد في دوري الأبطال: ماذا ينتظر ريال مدريد؟
  • عاصمة الفيلبين تغلق نصف مدارسها بسبب موجة حر
  • وفد كتائبي في قرى الجنوب
  • بعد حكم القضاء الإداري.. ميدو عادل ينتظر الحكم في اتهامه بسب لقاء سويدان
  • «سمانا» تدعم «وقف الأب» بإنشاء مبنى وقفي في دبي بـ 40 مليون درهم
  • السوداني يوجه باطلاق مشروع القصر الحكومي للطاقة البديلة بـ164 مبنى
  • محمد كركوتي يكتب: الإمارات.. نمو قوي متعدد التنوع
  • دول العالم تتفق على تمويل جهود حفظ الطبيعة بعد مفاوضات شاقة
  • ليفربول ينتظر «كذبة أبريل» للتتويج بلقب «البريميرليج»!
  • دون أمريكا وربما بلا زيلينسكي..مستقبل غامض ينتظر أوكرانيا