هل تدخل فرنسا في أزمة داخلية بعد اختيار بارنييه رئيسا للوزراء؟
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
باريس– انتهت أخيرا سلسلة المشاورات، التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع القوى السياسية الرئيسية، بإعلان ميشيل بارنييه رئيسا للوزراء لتشكيل "حكومة وحدة في خدمة البلاد" وفق بيان قصر الإليزيه.
وبينما كان ماكرون يسعى لاختيار شخصية قادرة على الجمع بين الأطياف السياسية وتجنب "توجيه اللوم" في الجمعية الوطنية بدون أغلبية أو ائتلاف قوي بعد نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في يونيو/حزيران الماضي، سرعان ما تم وضع رئيس الحكومة الجديد في خانة "المتوافق" مع ماكرون وزعيمة التجمع الوطني مارين لوبان.
وبالتالي، انتقلت فرنسا من أصغر رئيس وزراء لها غابرييل أتال (34 عاما) إلى أكبر رئيس للوزراء، إذ يبلغ عضو حزب الجمهوريين بارنييه 73 عاما.
وقد بدأ بارنييه حياته السياسية في السبعينيات وشغل مناصب وزارية مختلفة، في عهد الرؤساء السابقين فرانسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزي، كما كان كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكما كان متوقعا، لم يتأخر زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون في الاعتراض على اختيار ماكرون، قائلا "لقد سُرقت الانتخابات من الفرنسيين" ودعا في فيديو نشِر على منصات التواصل الاجتماعي إلى "أقوى تعبئة ممكنة" يوم السبت ضد ما أسماه "انقلاب القوة" الذي قام به رئيس الجمهورية بعد رفضه تعيين مرشحة ائتلاف اليسار لوسي كاستيتس.
وتعليقا على ذلك، ترى فيرجيني مارتن أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع كلية كيدج للأعمال في باريس أن قرار ماكرون يسير عكس ما صوت عليه الشعب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، مشيرة إلى أنه حتى مع فوز "الجبهة الشعبية الجديدة" بنتائج التصويت وحصولها على المرتبة الأولى، فهي لم تحظ بالأغلبية المطلقة ولم تقم بالجهود المطلوبة لتقديم مرشح قوي لدخول قصر ماتينيون، وهو ما أدى إلى اختيار بارنييه آخر المطاف.
وأضافت مارتن -في حديث للجزيرة نت- أن قرار اليوم نتيجة إخفاق اليسار أيضا الذي "كان عليه الاختيار بين أن يكون يسارا ثائرا أو يسارا حكوميا، لأن الحكومة اليسارية يجب أن تأخذ في عين الاعتبار أهمية التسوية والواقعية السياسية" معتبرة أن اليسار الحالي "فقدَ ثقافة السلطة والحكم بعد بطولات التقشف عام 1983 في عهد ميتران ورئاسة هولاند عام 2012، بينما جاء اليمين ليثبت العكس وقد نجح في ذلك نظرا للتطورات الأخيرة".
من جانبها، ترى ماتيلد بانو رئيسة النواب عن حزب ميلانشون أن "الرئيس رفض احترام السيادة الشعبية" وأنه "بعد 52 يوما من هزيمة الحكومة في صناديق الاقتراع، لا يزال ماكرون يعيش كحاكم مستبد".
مباركة اليمين
وصرح الإليزيه في بيانه الصحفي أن هذا التعيين "يأتي بعد دورة غير مسبوقة من المشاورات، أكد خلالها الرئيس -وفقا لواجبه الدستوري- أن رئيس الوزراء والحكومة المقبلة سيوفران الظروف اللازمة ليكونا مستقرين قدر الإمكان ويمنحا نفسيهما فرص الالتقاء على أوسع نطاق ممكن".
وفي حديث للجزيرة نت، قال النائب جيروم لوغافر عن حزب "فرنسا الأبية" إن بارنييه هو اختيار مارين لوبان بشكل أساس. وكتب في تغريدة عبر منصة "إكس" أن بارنييه كان دائما محترما لدى حزب التجمع الوطني، وقريبا من برنامجه اليميني المتطرف خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة، وبالتالي أصبح لدينا حكومة ماكرون لوبان في فرنسا، على حد تعبيره.
وعند سؤال الأكاديمية مارتن عما إذا كان اختيار ماكرون يتماشى مع لوبان، أجابت أن الأمر يبدو أكثر تعقيدا من ذلك، وأن الأيام المقبلة كفيلة بإظهار ما إذا كانت المواثيق التشريعية للحكومة الجديدة ستصب في مصلحة اليمين المتطرف أم لا، مثل ملف الهجرة والقوة الشرائية. وفي حال تم ذلك، ترى المتحدثة أن هذه الحكومة لن تواجه قرار اللوم داخل البرلمان.
وهو تحليل يتطابق مع ما صرح به رئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا الذي قال "سوف نحكم على خطاب بارنييه بشأن السياسة العامة وقراراته المتعلقة بالميزانية وتصرفاته من خلال الأدلة" مؤكدا أن الرقابة على حكومته لن تكون تلقائية بالنسبة لحزبه.
إنكار ديمقراطي
ووصف السكرتير الوطني للحزب الاشتراكي أوليفييه فور -عبر منصة "إكس"- الوضع السياسي الحالي بـ"الإنكار الديمقراطي الذي وصل إلى ذروته: رئيس وزراء من الحزب الذي جاء بالمركز الرابع ولم يشارك حتى في الجبهة الجمهورية ضد اليمين المتطرف" معتبرا أن فرنسا تدخل "أزمة نظام".
بينما أعلن الحزب الاشتراكي -في بيان صحفي- أن ماكرون "يدوس على أصوات الشعب الفرنسي" مؤكدا فرضه "رقابة" على حكومة بارنييه.
بدوره، وصف لوغافر ـفي حديث للجزيرة نت- خيار ماكرون بـ"الانقلاب المناهض للديمقراطية على جميع الأصعدة" لأن الفرنسيين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التشريعية الأخيرة لم يصوتوا لهذه النتيجة.
وأضاف أن "الشخص الوحيد المسؤول عن هذا الوضع هو الرئيس لأنه يتصرف مثل الملك المطلق، ومن جهتنا (حزب فرنسا الأبية) أطلقنا حملة لإقالة رئيس الجمهورية وندعو الشعب الفرنسي للتظاهر السبت المقبل ضد انقلاب ماكرون".
وتتفق فيرجيني مع ما سبق، قائلة إن هناك شكلا من أشكال إنكار الديمقراطية من قبل ماكرون الذي "بدل أن يختار رئيس الوزراء السابق برنار كازينوف لأنه كان متوافقا معه جزئيا وهو ليس من تحالف اليسار، إلا أنه ابتعد وذهب في الاتجاه المعاكس أي اليمين".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فرنسا الأبیة
إقرأ أيضاً:
أنس خطاب.. من ظل الاستخبارات إلى واجهة داخلية سوريا..
وسط مشهد سياسي وأمني مضطرب، برز أنس خطاب بين الشخصيات المؤثرة في الحكومة السورية الجديدة، بعد أن تدرّج في العمل العسكري والاستخباراتي ليصل إلى منصب وزير الداخلية في التشكيلة المعلنة السبت.
رجل عُرف بعمله في الظلّ خلال سنوات الثورة على نظام بشار الأسد، لكنه اليوم في الواجهة، ليقود واحدة من أكثر الوزارات حساسية في سوريا ما بعد النظام البائد.
من مسؤول استخباراتي في هيئة تحرير الشام إلى رأس المؤسسة الأمنية للدولة الجديدة، يواجه خطاب تحديات كبرى، تتراوح بين إعادة بناء الأجهزة الأمنية، وفرض النظام والقانون، والتعامل مع فلول النظام السابق.
وبينما يتطلع السوريون إلى عهد جديد يقطع إرث القمع والبطش، يتعيّن على خطاب أن يثبت أن وزارة الداخلية يمكن أن تتحول من أداة ترهيب إلى ركيزة للأمن والعدالة.
وشهدت سوريا، مساء السبت، تشكيل أول حكومة رسمية في البلاد بعد الاعلان الدستوري الجديد والإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث اختير أنس خطاب لمنصب وزير الداخلية بعد أن كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات في الحكومة الانتقالية التي تشكلت أواخر 2024، عقب الإطاحة بنظام الأسد.
وجرى الاعلان عن التشكيلة ضمن مراسم رسمية جرت في قصر الشعب بدمشق، بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، وفق مراسل الأناضول.
وضمت الحكومة 23 وزيرا، بينهم سيدة واحدة و5 منهم من الحكومة الانتقالية التي تشكلت في العاشر من ديسمبر/ كانون أول الماضي لتسيير أمور البلاد.
**مناصب قيادية
وُلد خطاب في مدينة جيرود بريف دمشق جنوبي البلاد عام 1987، وشغل منصب نائب القائد العام، ثم عضو مجلس الشورى ومسؤول الجهاز الأمني في هيئة تحرير الشام.
التحق خطاب بجامعة دمشق لدراسة هندسة العمارة، لكنه لم يكمل تعليمه إثر مغادرته إلى العراق في 2008.
عاد إلى سوريا للمشاركة مع الفصائل السورية المسلحة بعد اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011، وقمع نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ضد المتظاهرين في عدة محافظات بالبلاد.
وأسّس خطاب جهاز استخبارات "هيئة تحرير الشام"، وجهاز الأمن العام التابع للهيئة في محافظة إدلب شمالي البلاد وأداره، وهو جهاز توسع نفوذه ليشمل أغلب المحافظات الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام".
وبعد سقوط نظام الأسد أعلنت القيادة العامة في حكومة تصريف الأعمال السورية تعيين خطاب يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2024 رئيسا لجهاز الاستخبارات العامة بالبلاد.
**تحديات صعبة
وتواجه وزارة الداخلية بقيادة خطاب مهمات صعبة، أبرزها إعادة تأهيل المؤسسة الأمنية التي كانت خاضعة لفكر نظام البعث البائد، وتمّ حلّها بشكل كامل بعد إسقاط نظام الأسد.
كما يُطلب من الوزارة الجديدة تقديم خدمات عاجلة للمؤسسات المدنية، لا سيما الشؤون المدنية التي ما تزال تعاني من تبعات الفساد الذي انتهجه نظام الأسد.
أما التحدي الثالث البارز الذي تواجهه وزارة خطاب، فهو ضبط الأمن وملاحقة فلول النظام البائد في عدة محافظات، بعد رفضهم الاندماج في الدولة الجديدة، وإصرارهم على حمل السلاح وبث الفوضى.
وفي كلمته بعد تكليفه بالوزارة، قال خطاب: "ارتبطت صورة وزارة الداخلية في عهد النظام البائد بالبطش والظلم والطغيان، وهذا ما أورثنا مهمة ثقيلة لتعديل هذا المفهوم"، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".
وأضاف: "سنسعى لبناء مؤسسات أمنية نقية تحفظ كرامة السوريين وتعينهم على كسب أرزاقهم".
وأشار إلى أن الوزارة "ستعمل على إرساء مؤسسات أمنية يفتخر بها كل سوري شريف ويرسل أبناءه للعمل ضمن صفوفها".
وتعهد خطاب "بالعمل على تطوير عمل الشؤون المدنية من خلال تطوير عمل قاعدة البيانات المدنية، وتفعيل أنظمة الأتمتة والتحول الرقمي لضمان تقديم المزيد من الخدمات مع دقة في الأداء وسهولة في الوصول".
وخلال الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، قال الشرع في كلمة: "في لحظة فارقة من تاريخ أمتنا تتطلب مننا التلاحم والوحدة أقف أمامكم اليوم متوجها إلى كل فرد منكم حاملا آمال كل واحد منكم ونحن نشهد ميلاد مرحلة جديدة".
وأضاف: "نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة".
وتابع: "هذه الحكومة ستسعى إلى فتح آفاق جديدة في التعليم والصحة، ولن نسمح للفساد بالتسلل إلى مؤسساتنا".
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد أيام من السيطرة على مدن أخرى، لينتهي بذلك 61 عاما من حكم نظام حزب البعث الدموي و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وأعلنت الإدارة السورية في 29 يناير/ كانون الثاني 2025 الشرع رئيسا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، بجانب إلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية، ومجلس الشعب (البرلمان)، وحزب البعث.
وفي 13 مارس الجاري، وقَّع الشرع إعلانا دستوريا يحدد المرحلة الانتقالية في البلاد بمدة خمس سنوات.
وقالت لجنة الخبراء المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري في مؤتمر صحفي حينها، إنها اعتمدت في صياغة الإعلان الدستوري على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في فبراير/ شباط