من علامات الانهيار الفكري الشامل في المشهد السياسي السوداني الفكرة الغريبة التي تقول إن أي فكرة أو مساهمة في النقاش يجب أن يحكم عليها لا بمطابقتها للحقيقة وإنما بمقياس من يستفيد ومن يخسر منها. وهذا تيار أنيمي، فاسد، معاد للفكر وخطير.
إن التقييم لأي فكرة أو موقف بمعيار تجاري يزن من يستفيد ومن يخسر يعني ببساطة أنك لا تهتم بالحقيقة ولا تبحث عنها.
إن الشرفاء يهتمون فقط بالحقيقة: الحقيقة الفكرية والحقيقة الأخلاقية، ولا يهمهم من يستفيد ومن يخسر لانهم يعرفون أن الحقيقة نصير المظلومين مهما كان.
إذا كنت تعتقد أنك تخسر إذا قال شخص ما شيئًا صادقًا، فلا ينبغي لك أن تسلخه أوتكممه، بل إن الشيء الصحيح هو أن تغير موقفك حتى يصبح متوافقًا مع الحقيقة. إن قمع الحقيقة شر، وتبني موقف يتطلب إخفاء الحقيقة يجعلك كاذبًا شريرًا.
لكن فكرة أن يسنسر الإنسان نفسه لأن الكيان الخطأ قد يستفيد لها تاريخ طويل. عندما كتب إدوارد سعيد كتابه الشهير “الاستشراق” انتقده البعض قائلين إن كتابه يصب في مصلحة الإسلاميين والإسلام الراديكالي. تخيل لو لم ينشر إدوارد سعيد أحد أهم الكتب في تاريخ البشرية – واقيم مرجعيات التحرر البشري – لأن سياسياً دعائياً خفيف الوزن ظن أن كتابه سيخدم مصالح الإسلاميين.
وحدث نفس الشيء مع تشومسكي. فقد جلبت انتقاداته الشديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة عليه اتهاماً بأن كتاباته تخدم أعداء أميركا واعداء الحرية في أيران، أو الأتحاد السوفيتي، لا فرق.
وعندما انتقد تروتسكي بشدة النزعة الستالينية الشمولية، اتهمه قوميسارات ستالين بمساعدة المراكز الرأسمالية الإمبريالية، أعداء الإشتراكية العلمية.
وفي السودان اليوم، يُصوَّر انتقاد مجموعة مدنية منحرفة وخطيرة على أنه خدمة للإخوان. وهذا يعني أن علي الجميع أن يفرضوا الرقابة على أنفسهم، ويقبلوا الممارسات السياسية الرديئة والمدمرة، بما في ذلك قبول الغزو الأجنبي علي رماح ميليشيات عنيفة. ومن يجرؤ علي رفض المشروع الجنجويدي بشقيه الداخلي والخارجي، العسكري والمدني، لا يواجه بمطابقة أو مفارقة موقفه للحقائق والمصلحة الوطنية إذ يكفي إستدعاء لبانة “كلامك ده بيخدم الإخوان” لتكميم النقاش وحرفه عن مساره وتشتيت الكورة.بدلا من تفنيد الحجة، ما علينا إلا أن نثبت كوزنتك وإن فشلنا فانت مغفلهم النافع أو برجوازي مارق عن الصراط الثوري اليساري القويم.
توتر أي ناشط سياسي من ظهور الحقيقة بحجة إنها تخدم الأخوان هو إعتراف بان موقفه يحتاج لإخفاء الحق وهذه أزمة فكرية أخلاقية مزدوجة.
فحتي الرب إنتقد نبيه في رفق إذ قال معاتبا “عبس وتولي” ولم يخطر علي بال أحدهم إن الأية قد يستفيد منها كفار مكة.
بإختصار أن مصطلح “كلامك ده بيخدم الكيزان” ليس حجة أو قل هو حجة فاسدة. إذا أزعجتك فكرة أثبت خطلها المعرفي أو الأخلاقي وان صعب. فعليك مراجعة موقفك أو انطم, أسكت وهذا أضعف الإحسان واكرم من محاولة قمع الحقيقة.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
فكرة التسامح بين الجيش موجودة.. جمال سليمان يتحدث عن الأوضاع في سوريا
تحدث الفنان جمال سليمان خلال تكريمه في نقابة الصحفيين ، عن الأوضاع في سوريا بعد رحيل بشار الأسد.
وقال جمال سليمان"فكرة التسامح بين الجيش موجودة ولكن نضع في الاعتبار السجون و التعذيب التي كانت تحدث ".
وأكمل "أنا مقدرش أفوض نفسي في التسامح مكان بنت شافت زنزانه اللى أبوها عاش فيها ٢٠ سنة ".
جمال سليمان :
وصول الفنان جمال سليمان الى نقابة الصحفيين وذلك بعد أن صرح حسين الزناتي وكيل النقابة ورئيس لجنة الشئون العربية وأشار إلي أنه سيتم تكريم الفنان الكبير جمال سليمان، ومنحه درع النقابة تقديرًا لمسيرته الفنية الثرية، وحرصه الدائم على ترسيخ قيم العروبة من خلال أعماله المختلفة.
وقد صرح الفنان جمال سليمان إنه لن يستطيع تقديم دور بشار الأسد في عمل فني، لأنه لا يوجد شبه بينهما، ولا يعتقد أن سيرته ستقدم في أي عمل على الشاشة.
وتعجب سليمان في تصريحات لشاشة العربية، من طريقة تخلي بشار الأسد عن السلطة، وخروجه من سوريا هاربا دون تصريح مسبق أو توضيح يشرح اضطراره للمغادرة بهذا الشكل أو بأي صيغة دستورية واصفا:" شيء مذهل ما قام به هذا الرجل".
ووصف جمال سليمان بشار الأسد بأنه يختلف عن باقي أمثاله قائلا:"اسمه لن يكون مكتوبا في كتاب الديكتاتوريين سيكون له كتاب خاص"، مشيرا إلى توقعه بانهيار النظام منذ حوالي عام ونصف.
وأشار جمال سليمان إلى أن لديه الرغبة في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية السورية، متابعًا: «هذا ليس شرطًا، إذا لم أجد من هو أنسب مني في هذا المنصب، سأرشح نفسي إذا أراد السوريون».
يذكر أن لجنة الشئون العربية والدولية بالنقابة كانت قد استضافت الأربعاء السفير الصيني بمصر لياو ليتشيانج، والذي شدد على العلاقات التاريخية بين القاهرة وبكين، وسعي البلدين لتحقيق السلام الشامل في المنطقة والعالم أجمع.