موقع النيلين:
2024-11-08@11:46:07 GMT

إنهيار المعايير الفكرية

تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT

من علامات الانهيار الفكري الشامل في المشهد السياسي السوداني الفكرة الغريبة التي تقول إن أي فكرة أو مساهمة في النقاش يجب أن يحكم عليها لا بمطابقتها للحقيقة وإنما بمقياس من يستفيد ومن يخسر منها. وهذا تيار أنيمي، فاسد، معاد للفكر وخطير.
إن التقييم لأي فكرة أو موقف بمعيار تجاري يزن من يستفيد ومن يخسر يعني ببساطة أنك لا تهتم بالحقيقة ولا تبحث عنها.

أنت فقط تسعى إلى هزيمة أعدائك بالحقائق أو الأكاذيب، لا فرق. وفي هذا نهاية الحقيقة وموتها علي يديك ثم هزيمة الخير وتمكين الشر لان الحقيقة دائما في مصلحة المضطهدين والدغمسة دائما في خدمة الظالمين.

إن الشرفاء يهتمون فقط بالحقيقة: الحقيقة الفكرية والحقيقة الأخلاقية، ولا يهمهم من يستفيد ومن يخسر لانهم يعرفون أن الحقيقة نصير المظلومين مهما كان.

إذا كنت تعتقد أنك تخسر إذا قال شخص ما شيئًا صادقًا، فلا ينبغي لك أن تسلخه أوتكممه، بل إن الشيء الصحيح هو أن تغير موقفك حتى يصبح متوافقًا مع الحقيقة. إن قمع الحقيقة شر، وتبني موقف يتطلب إخفاء الحقيقة يجعلك كاذبًا شريرًا.

لكن فكرة أن يسنسر الإنسان نفسه لأن الكيان الخطأ قد يستفيد لها تاريخ طويل. عندما كتب إدوارد سعيد كتابه الشهير “الاستشراق” انتقده البعض قائلين إن كتابه يصب في مصلحة الإسلاميين والإسلام الراديكالي. تخيل لو لم ينشر إدوارد سعيد أحد أهم الكتب في تاريخ البشرية – واقيم مرجعيات التحرر البشري – لأن سياسياً دعائياً خفيف الوزن ظن أن كتابه سيخدم مصالح الإسلاميين.

وحدث نفس الشيء مع تشومسكي. فقد جلبت انتقاداته الشديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة عليه اتهاماً بأن كتاباته تخدم أعداء أميركا واعداء الحرية في أيران، أو الأتحاد السوفيتي، لا فرق.

وعندما انتقد تروتسكي بشدة النزعة الستالينية الشمولية، اتهمه قوميسارات ستالين بمساعدة المراكز الرأسمالية الإمبريالية، أعداء الإشتراكية العلمية.

وفي السودان اليوم، يُصوَّر انتقاد مجموعة مدنية منحرفة وخطيرة على أنه خدمة للإخوان. وهذا يعني أن علي الجميع أن يفرضوا الرقابة على أنفسهم، ويقبلوا الممارسات السياسية الرديئة والمدمرة، بما في ذلك قبول الغزو الأجنبي علي رماح ميليشيات عنيفة. ومن يجرؤ علي رفض المشروع الجنجويدي بشقيه الداخلي والخارجي، العسكري والمدني، لا يواجه بمطابقة أو مفارقة موقفه للحقائق والمصلحة الوطنية إذ يكفي إستدعاء لبانة “كلامك ده بيخدم الإخوان” لتكميم النقاش وحرفه عن مساره وتشتيت الكورة.بدلا من تفنيد الحجة، ما علينا إلا أن نثبت كوزنتك وإن فشلنا فانت مغفلهم النافع أو برجوازي مارق عن الصراط الثوري اليساري القويم.
توتر أي ناشط سياسي من ظهور الحقيقة بحجة إنها تخدم الأخوان هو إعتراف بان موقفه يحتاج لإخفاء الحق وهذه أزمة فكرية أخلاقية مزدوجة.

فحتي الرب إنتقد نبيه في رفق إذ قال معاتبا “عبس وتولي” ولم يخطر علي بال أحدهم إن الأية قد يستفيد منها كفار مكة.

بإختصار أن مصطلح “كلامك ده بيخدم الكيزان” ليس حجة أو قل هو حجة فاسدة. إذا أزعجتك فكرة أثبت خطلها المعرفي أو الأخلاقي وان صعب. فعليك مراجعة موقفك أو انطم, أسكت وهذا أضعف الإحسان واكرم من محاولة قمع الحقيقة.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بفارق نقطة واحدة.. منتخب يد العراق يخسر أمام إيران ودياً

بفارق نقطة واحدة.. منتخب يد العراق يخسر أمام إيران ودياً

مقالات مشابهة

  • مطاردة صلاح.. ماذا قال سيمون هيوز في كتابه الجديد عن الملك المصري؟
  • القبض على مروج فكرة “سيارة لقتل الزوجات” بالعراق
  • النائبة مرثا محروس: فكرة الكوتة للمرأة المصرية حق دستوري أصيل
  • تعدى على حقوق الملكية الفكرية.. ضبط مدير مطبعة دون ترخيص في القاهرة
  • باحث: لبنان ليس ولاية إيرانية.. وإسرائيل لا تحترم المعايير الدولية في الحروب
  • فكرة الأقاليم.. وزير الداخلية يرد !
  • بفارق نقطة واحدة.. منتخب يد العراق يخسر أمام إيران ودياً
  • يستفيد منها أكثر من 100 سيدة… معدات ومستلزمات لدعم مشاريع متناهية الصغر بالسويداء ‏
  • تركي السهلي: بيولي لديه أفكار تدريبية وأعاد فكرة اللاعب الملتزم .. فيديو
  • 15 اختصاصًا للجهاز المصري للملكية الفكرية بالقانون الجديد