هل العراق في طريقه للتحول إلى دولة إسلامية؟.. تحليل المستقبل السياسي والديني
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
بغداد اليوم - بغداد
علق الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، اليوم الخميس (5 أيلول 2024)، على إمكانية تحويل العراق الى "دولة إسلامية" خلال المرحلة المقبلة.
وقال التميمي، لـ"بغداد اليوم"، إنه "ليست المرة الأولى التي تظهر فيها دعوات إلى تحويل النظام في العراق من نظام مدني ديمقراطي كما هو مثبت في الدستور إلى نظام ديني متطرف يقوم به بتعديل القوانين وإلغاء التوافقية الديمقراطية التي تحكم النظام السياسي وتحويله إلى نظام يعتمد الشريعة الإسلامية في ممارساته اليومية وعلى الصعد كافة".
وأضاف، أنه "واضح أن الإسلاميين في العراق وهم من كتبوا الدستور العراقي عام 2005، لم يكونوا راغبين ببناء دولة ديمقراطية؛ بل رغبوا في بقاء هيمنتهم على النظام السياسي ومؤسسات الدولة، وهذا ما تحقق بعد ٢٠ عاما من خلال تأسيس نظام يؤخذ من العنوان البرلماني ولكنّه عملياً يصادر إرادته تحت عنوان صفقات التوافقية".
وتابع التميمي: "لقد كان الإسلاميون راغبين بلعب دور حراس العقيدة وحماة الإسلام والشريعة الإسلامية والمذهب، وهذا عبرت عنه المادة (2/أولاً) يحدد بأن "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع: أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام".
وبين، انه "بالفعل ومنذ عام 2011 هناك دعوات الى تعديل القوانين المعلقة بالأحوال الشخصية والحريات، حيث ظهرت دعوات من قبل شخصيات دينية وسياسية داخل البيت الشيعي استغلت الأغلبية النيابية لتحقيق هذه الهدف من خلال تطبيق مبادئ إسلامية في تشريع القوانين وإدارة الدولة، وهذا ما حصل في الاصرار من غالبية القوى الشيعية في العراق على تعديل قانون رقم 188 الخاص بالأحوال الشخصية".
وأكمل التميمي: "لم تكتف تلك الرجالات برغبة تعديل الاحوال الشخصية بل هناك مطالبات بتعديل قانون العقوبات وقانون المحكمة الاتحادية، بما يجعل من الشريعة مصدرا لها، والحملات لم تقتصر على ذلك بل ظهرت شخصيات دينية في جنوب العراق تدعو الى انهاء القضاء العراقي وتحويل مهامه الى فقهاء الدين، في مشهد لم يحصل إلا في دولة طالبان والقاعدة وداعش".
وأكد الباحث في الشأن السياسي "مخطئ من يعتقد ان هذه الدعوات هي محاولة لجر العراق الى نظام ولاية الفقيه كما هو موجود في ايران لان في ايران هناك اهتمام كبير من قبل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي الخامنئي بالقضاء ومؤسساته، حيث يعطي الاولوية في المحاكم الشخصية والمحاكم الأخرى للقضاء على حساب فقهاء الدين"، مردفا: "لذلك يبدو أن هناك إياد خفية تريد إفشال النظام الديمقراطي في العراق من خلال التشدد وسلب حقوق المرأة والطفل وإلغاء كل مؤسسات الدولة الدستورية وفي مقدمتها مؤسسة القضاء التي تعد إحدى السلطات الثلاث المثبتة في الدستور العراقي".
وختم التميمي قوله، إنه "بناءً على ذلك، فإن فقهاء الإسلام السياسي لديهم رغبة باحتكار الاسلاميين الحكم والإدارة تنفيذاً وتشريعاً، كما تُختزل العلاقة بين المجتمع والدولة بثنائية تقوم على أساس: حاكم باسم الشريعة ومحكوم باسم الشريعة أيضا".
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: فی العراق
إقرأ أيضاً:
بين فوضى السلاح وتيه العقل السياسي
يعيش السودان مرحلة من أكثر مراحله تعقيدًا في تاريخه الحديث، حيث تتداخل خيبات الماضي مع انسداد الأفق الحاضر، وتتضاعف معاناة الناس اليومية أمام عجز النخب السياسية عن تقديم بديل واقعي. السؤال اليوم لم يعد "من يحكم السودان؟" بل "كيف نخرجه من هذه العتمة المتواصلة؟".
منذ انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 1958، مرورًا بنميري والبشير، وحتى انقلاب البرهان في 2021، ظل الجيش يتدخل في السياسة تحت شعارات مختلفة، لكن النتيجة دائمًا واحدة: تعطيل المسار المدني، وتآكل مؤسسات الدولة. في كل مرة يُطرح الجيش كمنقذ، لكنه سرعان ما يصبح جزءًا من الأزمة، إن لم يكن جوهرها.
غير أن المشكلة لا تكمن في العسكر وحدهم؛ فالقوى المدنية بدورها أظهرت هشاشة واضحة، وانقسامات عميقة، وغياب مشروع وطني متماسك. بعد ثورة ديسمبر المجيدة، تضاءلت آمال الناس بسبب صراعات النخب، وتعطيل العدالة الانتقالية، والضعف التنفيذي الذي مهّد لانقلاب جديد.
وتزداد الصورة قتامة حين نضيف إلى المعادلة الدور الذي لعبه الإسلاميون منذ 1989، حيث بنوا نظامًا شموليًا قائمًا على التمكين وتفكيك مؤسسات الدولة. وحتى بعد سقوطهم، ظل تأثيرهم ممتدًا في شكل تحالفات خفية ومقاومة لأي تحوّل ديمقراطي، ما عمّق أزمة الانتقال
أما التفكير السائد داخل المؤسسة العسكرية، فقد تشكّل على مدار عقود في بيئة ترى نفسها وصية على الدولة، لا خادمة لها. العقل العسكري في السودان اعتاد النظر إلى المدنيين كمصدر للفوضى، وإلى نفسه كضامن وحيد للاستقرار، مما جعله يرفض التنازل عن السلطة الحقيقية حتى في ظل أنظمة انتقالية. هذا النمط من التفكير يعكس تراكماً تاريخيًا من التداخل بين النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية، وهو ما يفسّر إصرار الجيش على البقاء في المشهد وعدم قبوله الخضوع الكامل للسلطة المدنية.
ويبدو أن أحد أخطر مظاهر الأزمة هو تغلغل "الأنا السياسية" داخل العقل القيادي في السودان، حيث باتت المصالح الذاتية والأجندات الحزبية تتقدّم على المصلحة الوطنية. هذا النوع من التفكير تغذّيه ثقافة تقوم على الشخصنة والولاء الضيق، وتكريس الزعامة الفردية على حساب المؤسسات. كما أن ضعف التربية الديمقراطية، وانعدام آليات المحاسبة، وفشل النخب في بناء دولة قانون ومواطنة، كلها عوامل ساهمت في تعميق هذا النهج الأناني.
لكن، رغم هذا الواقع المعقد، فإن باب الأمل لم يُغلق. يمكن للعقلين العسكري والمدني أن يلتقيا في منتصف الطريق إذا توفرت الإرادة الحقيقية، وتقدم كل طرف بتنازلات شجاعة. المطلوب إعادة تعريف دور الجيش بوضوح، وجعل مهامه الأمنية تحت مظلة مدنية دستورية. كما أن القوى المدنية مطالبة ببناء كتلة سياسية موحدة ذات برامج واضحة وقيادات مؤهلة، قادرة على نيل ثقة الشارع أولًا ثم المؤسسة العسكرية ثانيًا. يجب تجاوز منطق المحاصصة، والانخراط في تسوية تضمن تفكيك النفوذ السياسي والاقتصادي للمؤسسة العسكرية تدريجيًا، ومن جهة أخرى، لا بد من إصلاح الحياة الحزبية، وتوسيع قاعدة المشاركة، وفتح حوار وطني واسع يشمل الجميع بلا إقصاء.
السودان لن يخرج من عتمته الحالية إلا إذا ارتفع الجميع فوق جراحهم وطموحاتهم الخاصة، وقدموا مصلحة الوطن على كل ما عداها. النور ممكن، لكنه لن يأتي إلا بالاعتراف، والتنازل، والتفكير خارج الصندوق.
بقلم: محمد الأمين حامد
rivernile20004@gmail.com