حصة علوم صباحية.. قصة قصيرة
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"
بريئة هي كفرخ صغير يتلمس أولى خطواته خارج مهده، يفرد جناحيه الصغيرين بحذر ثم يرفرف بهما على استحياء محاولا الطيران، رقيقة هي كوردة بلدية تفتحت لتوها، صُبغت باللون الأحمر خجلا حين لامس الندى شفيف بتلاتها، ثم ابتسمت بأمل لشعاع شمس دافىء لاح في الأفق من بعيد.
سكندرية أصيلة، لا تعرف رئتاها هواء صالحا للتنفس إلا نسيم جوها، لا يطرب أذنيها لحنٌ غير صوت أمواج بحرها، لا ينعشها أي عطر سوى رائحة اليود المنبعث من أجوائها.
مثلها ككل الفتيات لها قلب متلهف يبحث عن الحب وأحاسيس عطشى تنتظر ساقيها ومثلها ككل الفتيات أيضا تمتلك رادارا قويا يرصد مشاعر الاهتمام ومحاولات التقرب.
فهمت بذكائها لغة العيون وفكت شفرتها حين جمعتهما الحياة أخيرا، بدا وسيما، واثقا من نفسه، حلو اللسان ومهندم المظهر.
تعددت اللقاءات المدبرة المغلفة بستار الصدفة، كانت سعيدة يتراقص قلبها فرحا لكل هذه الصدف المخطط لها بعناية.
ثم حانت لحظة المصارحة فوجدته شهما نبيلا يطلب دخول البيت من بابه مما أثار إعجابها وإعجاب الأب أيضا حين اجتمع به وتجاذب معه أطراف الحديث فوجده إنسانا مسئولا.
طلبت من أبيها مهلة للتعرف أكثر عن قرب لتتأكد من تقارب الرؤى فيما بينهما، فطالما لمست بنفسها اختلافا عن مثيلاتها، فلديها عقل واع ولكن لديها أيضا قلب حالم ومشاعر رقيقة.
اتفقا على تناول قهوتهما الصباحية بكازينو أمام البحر بمنطقة الأزاريطة، تسعدها دوما الصباحات البحرية وتنعش روحها، بعد أن جاءتهما القهوة أخذت ترتشفها ببطء ناظرة من النافذة باتجاه البحر، لاحظ اهتمامها البالغ بالمنظر من حولها فسألها: فيما سرحت بخيالك ياترى؟
فأجابته: أعشق المنظر من حولي.
- منظر البحر؟
- ليس البحر فقط، إنها لوحة كاملة لها صوت وطعم ورائحة.
- ياااه! لهذه الدرجة؟!
- وأكثر، انظر جيدا وأمعن النظر ثم صف لي ما ترى، أريد أن أتعرف على رؤيتك وكيف التقط عقلك الصورة وكيف ستترجمها لكلمات.
- لا، أريد أن أسمع منك أولا، فمن الواضح أن لكِ رؤية شيقة.
- لك ذلك، أرى بحرا وسيعا بموج هادر يحمل في طياته الخير، بحر أحببناه دوما فأحبنا؛ لذا أبحر فيه ذلك الصياد الذي أمامك مبكرا ساعيا متوكلا على الله ولديه كامل اليقين في لطف ربه وجود البحر، أيضا تداعب عيوني هذه الطيور البيضاء التى تدثر صفحة الماء المتلألىء تحت شعاع الشمس الرحيم في هذا الصباح الشتوي المبهج.
فقاطعها وهو يرفع حاجبيه: رأيت كل ذلك من النافذة؟! أكملى.
- أشعر بالفخر وأنا أنظر لسور الكورنيش العتيق، لقد اهتز بخطى من سبقونا وسمع أحلامهم وشعر بالونس لضحكاتهم، ثم أنظر للقلعة التي تلوح من بعيد تقف شامخة ببهائها القديم رغم كل ما مر بها، أظنها إن تكلمت فسوف تحكي لنا حكايات السنين.
ما أجمل النخيل الملوكي بالجزيرة الوسطى في الطريق إنه باسق يشق السماء شقا، تتأرجح فروعه مبتهجة بالنسيم، وأخيرا أري ولدا وبنتا جالسين على السور وجوههما للبحر لديهما بالتأكيد قلبان أخضران يحتضنان أحلاما حلوة بطعم السكر.
- رأيت كل هذا حين نظرت من النافذة؟!
- وأكثر، والآن حان دورك لتخبرني عما ترى.
- ولكن رؤيتي مختلفة عنك كثيرا .
- وليكن، تفضل.
- إنني مشفق على هذا الصياد من قلة الرزق فقد بات بحرنا بخيلا على أمثاله وقد أتى هذا المسكين مبكرا وفي اعتقادى أنه لن يحظى إلا بالقليل.
أما عن القلعة فأعرف أن منظرها شامخ وعريق ولكنني أفكر دوما بأساساتها المهددة بسبب النحر فلابد من الوصول لحلول عاجلة كي لا نفقدها.
الولد والبنت الجالسان على السور يبدو عليهما حداثة السن، غالبا هما هاربان من المدرسة ويستحقان العقاب، والعلاقات في هذا العمر متهورة وغير جادة.
أما عن الطريق فهو مزدحم، مثير للأعصاب، أسف لأن المعركة بين سائق التاكسي والملاكي شغلتني عندما كنت تتحدثين، أعتقد سائق التاكسي هو المحق، ألا ترين ذلك؟
نعم تذكرت كنت تحدثين حينها عن النخل الملوكي، معك حق فى ذلك فأنا أعشق وقفته الشامخة، ثم إن ......
وقبل أن يكمل كلامه كانت تحمل فنجان قهوتها وتلملم حاجاتها وتتجه بعيدا لآخر منضدة بالمكان تاركةً إياه، فتبعها وسألها بصوت غاضب: لماذا غادرتِ بهذه الطريقة العجيبة وتركتني وحيدا بينما أتحدث؟
- أعتذر لأنني غادرت بهذه الطريقة لكنك أفسدت برؤيتك مذاق قهوتي فغادرت قبل أن تفسد عليّ ما تبقي من مزاجي الصباحي.
- كوني صريحة لقد انسحبتِ ليس لأني أفسدت مذاق قهوتك ولا مزاجك، لقد انسحبتِ لأنك اعتقدِت أن أحدنا غير لائق بالآخر لاختلاف الرؤى بيننا.
فاشتعلت وجنتاها خجلا وهي تجيب: نوعا ما.
- أنا أيضا أرى اختلافنا الآن وبشدة ولكن ذلك يسعدني وأجد أن هذا الاختلاف من الممكن بل هو بالتأكيد من أهم عوامل إنجاح علاقتنا.
- كيف ذلك؟
- لأن الحياة لابد أن يكون بها عدة عناصر تكاملية لتستقيم، فإن كانت رؤيتنا وحكمنا على الأمور من حولنا بهذه النظرة الحالمة التي تمتلكينها بجدارة أحسدك عليها فلسوف نقع بمشاكل جسيمة بالتأكيد، لأننا نحيا في الواقع وليس في حلم أو رواية رومانسية، وعلى النقيض فإن الإسراف في الواقعية الذي أتقنه شىء مرهق لي جدا ويوترني، لذا فنظرتك الحالمة للأمور من شأنها أن تهدئ الجو وتخفف عني الأرهاق الذهني وهو شىء محمود، رغم أنني أؤكد أن نظرتي الواقعية مطلوبة للحكم الجيد على الأمور فالدنيا أصبحت لا ترحم، وهناك شىء آخر، أتذكرين ونحن صغار عندما تعلمنا بحصة العلوم أن الأقطاب المتشابهة تتنافر والأقطاب المختلفة تتجاذب، لذا فمن الؤكد أن اختلافنا سيكون عاملًا من عوامل التقارب بيننا.
صمتك هذا أعتبره نوعا من الاقتناع بكلامي أم هو صمت تقييم ودراسة؟
- بالطبع هو صمت تقييم ودراسة، ولكن في المجمل كلامك يحترم، فلنعط أنفسنا فرصة أخرى للتقارب وأعتذر منك مرة أخرى لسوء تصرفي.
فأجابها ببرود: ولكن اعتذارك غير مقبول.
- ماذا؟
- كما سمعت، غير مقبول، والموقف بالنسبة لي حُسم وغير قابل لأي تقييم آخر، فقد غادرتِ وتركتني بطريقة مهينة لا أقبلها، طريقة جعلتني أشعر بعدم الأمان فمن يضمن أنك لن تتركيني عند أول خلاف بيننا وهو قادم لا محالة، فلا يوجد علاقة خالية من الخلافات، غير أني تأكدت من أنك إنسانة سريعة الحكم على الأمور، متقلبة المزاج وهذا لا يلائمني فأنا أريد أن أحيا في هدوء.
قاطعته في اضطراب وغضب: إذن لم ألقيت على مسامعي هذه المحاضرة الطويلة عن تكامل الرؤى، وأعدت عليَ حصة العلوم من المدرسة الابتدائية وأقطاب متشابهة وأقطاب مختلفة ما دمت قد حسمت أمرك؟
-أردت فقط أن أعلمك درسا تستعينين به في حياتك القادمة فأنا رغم كل شىء أعلم أنك ذكية وسوف تستفيدين من التجربة، شرفت بمعرفتك وأتمنى لك حياة سعيدة مستقرة مع من يتكامل معك وليس من يشبهك.
ثم همّ واقفا بعد أن دفع حساب القهوة تاركا إياها في غيظ وذهول.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قصة قصيرة نيللي عبدالعزيز
إقرأ أيضاً:
بوتين: روسيا ستضمن حياة الجنود الأوكرانيين في كورسك ولكن بشرط الاستسلام
أعلن فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، يوم الجمعة أن روسيا مستعدة لضمان حياة الجنود الأوكرانيين في منطقة كورسك الغربية إذا قررت كييف طلب استسلامهم، وذلك بعد مناشدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجنب وقوع "مجزرة" وشيكة.
يأتي ذلك بعد ورود تقارير تفيد بأن القوات الأوكرانية محاصرة بالكامل في المنطقة.
في هذا السياق، دعا ترامب، الذي نشر تغريدة عبر منصة "تروث سوشال"، بوتين إلى إنقاذ الجنود الأوكرانيين الذين وصفهم بأنهم "محاصرون بالكامل" و"في خطر داهم"، محذرًا من أن إراقة دمائهم ستكون "مجزرة رهيبة" لن يشهد العالم مثلها منذ الحرب العالمية الثانية.
وأضاف ترامب: "لقد طلبت بشكل قوي من الرئيس بوتين أن يُنقذ حياة هؤلاء الجنود".
من جانبه، أكد بوتين في اجتماع مع مجلس الأمن الروسي أنه قرأ مناشدة ترامب، وأنه إلى يفهم تلك الدعوة لاتخاذ إجراءات إنسانية.
وتابع سيد الكرملين: "إذا ألقى الجنود الأوكرانيون أسلحتهم واستسلموا، سيتم ضمان حياتهم ومعاملتهم بشكل لائق وفقًا للقوانين الدولية والقانون الروسي". وأوضح أن تنفيذ هذه المناشدة يتطلب أمرًا من القيادة العسكرية الأوكرانية بشأن استسلام الجنود.
على الجانب الآخر، حذر ديمتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، من أن كييف ستواجه "الدمار" إذا رفضت قواتها الاستسلام، مشيرًا إلى أن الجنود الأوكرانيين سيتم "تدميرهم بلا رحمة".
منذ أغسطس الماضي، أصبحت منطقة كورسكمسرحًا رئيسيًا للصراع بعد أن استعادت القوات الأوكرانية أجزاءً من الأراضي الروسية. وتواصل القوات الروسية محاولات استعادة هذه المناطق، بينما تواصل الولايات المتحدة الضغط على موسكو لقبول وقف إطلاق النار.
فيما نفت هيئة الأركان العامة الأوكرانية التقارير التي تحدثت عن محاصرة قواتها، مؤكدة أن هذه الادعاءات هي جزء من دعاية روسية تهدف إلى الضغط السياسي. وأشارت إلى أن الوضع على الجبهة لم يتغير بشكل جوهري بعد الاشتباكات التي جرت يوم الجمعة.
بدوره، أشاد الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بالهجوم الأوكراني في منطقة كورسك، مؤكدًا أن العملية العسكرية نجحت في تحويل الأنظار بعيدًا عن الجبهات الأخرى. وأضاف أن قواته تمكنت من التراجع إلى مواقع أكثر أمانًا، مما سمح لها بمواصلة تنفيذ مهامها بنجاح.
في سياق متصل، أفاد الناشط الأوكراني سيرهي ستيرننكو بأن القوات الروسية نفذت عمليات إعدام لعدد من أسرى الحرب الأوكرانيين في كورسك، حيث أشار إلى مقتل خمسة أسرى على الأقل الأسبوع الماضي. ويأتي ذلك في وقت تكثف فيه روسيا عملياتها العسكرية في المنطقة.
من جانبه، اتهم بوتين القوات الأوكرانية بارتكاب جرائم ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، واصفًا هذه الأفعال بـ "الإرهاب" وفقًا لتصنيف مكتب المدعي العام الروسي.
وفي تطور ميداني آخر، أعلنت وزارة الدفاع الروسية استعادة السيطرة على بلدة غونشاروفكا في كورسك. في الوقت نفسه، أكد حرس الحدود الأوكراني نجاحهم في صدّ محاولة دخول مجموعة استطلاعية روسية عبر الحدود في منطقة سومي.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إيران في مواجهة العقوبات: دعم الصين وروسيا يفتح الباب للحوار النووي 337 مسيرة أوكرانية فوق سماء روسيا تخلف خسائر مادية وبشرية تقرير: صفقة وشيكة بين سوريا روسيا تضمن احتفاظ موسكو بقاعدتي حميميم وطرطوس فما المقابل؟ فلاديمير بوتينروسيادونالد ترامبكورسكالحرب في أوكرانيا