#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 102من سورة آل عمران: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ”.
في هذه الآية الكريمة جملة من المواقف ينبغي للمتأمل فيها التوقف عند كل منها مطولاً:
أولها في الخطاب: فعندما تبتدئ آية بـ (يا أيها الذين آمنوا)، فإن ما يتلوها أمر لكل مسلم واجب التنفيذ، حيث أن المؤمنين توصيف لكل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعندما نزلت الرسالة الخاتمة على آخر الأنبياء المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، صار من لزوم الإيمان على من عاصرها من أتباع الرسالات السابقة أن يؤمن بها وبكتاب الله (القرآن)، لأن الإيمان كل متكامل ولا يجوز انكار أي من كتب الله أو رسله، وعلى ذلك فمن أصر على تكذيب الرسول أو رسالته فذلك يعني التكذيب بالدين، لذا تسقط عنه صفة الإيمان.
ثانيا: يجب أن نعلم أن الإيمان لا ينفع من رفض الإستجابة لما أمره به الله، فإبليس ظل مؤمنا ولم يكفر بالله، فقد قال: “فَبِعِزَّتِكَ” لكنه لما عصى أمر الله غضب عليه وطرده من رحمته.
لذلك فعلى المؤمن أن ينفذ كل أمرٍ أمرَ الله المؤمنين به، وهو هنا من شقين: تقوى الله واتباع الإسلام.
ثالثا: التقوى لغةً من الوقاية، وهي الصون والحماية، وهو اصطلاحا أن يتجنب المؤمن غضب الله وسخطه، ويتمثل ذلك عمليا بعبادته بأداء فرائضه، وفعل أوامره، وترك نواهيه عن خوفٍ من الله، وعن رغبةٍ فيما عنده.
أما حق تقاته فتكون بتمثل الله أمامه يراقبه في كل حركاته وسكناته خشيةٍ له سبحانه، وعن تعظيمٍ لحرماته، وعن محبةٍ صادقةٍ له سبحانه ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
رابعا: في قوله تعالى (ولا تموتن الا وانتم مسلمون) قمة الإبهار البلاغي، وذلك في استعمال (لا) التي تستعمل للزجر والنهي عن أمر يأتيه الإنسان، ويملك الخيار في أن يفعله أو لايفعله، لكن الموت أمر لا يملك الإنسان أن يقرر فيه مكانا ولا زمانا ولا كيفية، فلماذا جاء النهي عن فعله وكأنه في يد الإنسان؟.
إذاً فقد أراد رب العزة أن يقول للمؤمن: إن كان ليس بمقدورك أن تفعل شيئا إزاء الموت والذي سيأتيك من غير استئذان ولا تنبيه، فكن مستعدا له طوال الوقت …أي حافظ على أن تكون مسلما طوال حياتك.
خامسا: يريد الله أن يعلمنا أن الإسلام ليس مجرد نطق الشهادتين، فلو كان كذلك لما ذكرنا الله تعالى على أن نحافظ على كوننا مسلمين، فليس ذلك بأن نواصل التلفظ بالشهادتين طوال الوقت، بل بالممارسة العملية لمعنى الإسلام، أي تمثل مواصفات المسلم طوال حياته، والتي نستنبطها من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها:
“مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ” [صحيح مسلم].
سادسا وأخيرا: فإن ابتداء الآية بخطاب المؤمنين وانتهائها بالمسلمين، له دلالة عميقة، وهي أن واجب المؤمن هو تقوى الله، أي الحرص على أن يتوخى في حياته نيل رضاه وتجنب ما يغضبه، وأكثر ما يغضبه هو الشرك والكفر. ما ينجي من الشرك هو التوحيد، أي إفراد الله وحده بالألوهية والربوبية، وما ينجي من الكفر هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، مع عدم التفريق بين أحد من رسله، وهذا هو مضمون ما دعت إليه الرسالة الخاتمة.
لذلك يشترط في المؤمنين لاعتبارهم كذلك، يجب أن يكونوا مسلمين، بدلالة التأكيد عليهم إن كانوا يهمهم أن يقبل الله إيمانهم أن يحرص على ألا يأتي أجل أحدهم إلا وقد كان دخل في الإسلام.
“ألَا أُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه، والمُؤمِنُ مَن أمِنَه الناسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ الخَطايا والذُّنوبَ، والمُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَه في طاعةِ اللهِ” [حديث صحيح:]
“مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” [صحيح مسلم].
“لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”. [متفق عليه].
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان سيدنا رسول الله ﷺ أمرنا بالصدق، وسأله أحد الصحابة : أيزني المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيسرق المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيكذب المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «لا». قد يشتهي الإنسان، فتدفعه شهوته للوقوع في المعصية، أو يحتاج، فيعتدي بنسيان أو جهل. أما الكذب، فهو أمر مستبعد ومستهجن.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه عندما التزم الناس بهذه النصيحة، وهذا الحكم النبوي الشريف، عرفوا أنهم لا يقعون في الزنا ولا في السرقة. سبحان الله! لأن الإنسان إذا واجهته أسباب المعصية، وكان صادقًا مع نفسه، مع ربه، ومع الناس، فإنه يستحي أن يرتكب المعصية.
وجاء رجلٌ يُسْلِمُ على يدي رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، أريد أن أدخل الإسلام، ولكني لا أقدر على ترك الفواحش والزنا. فقال له النبي ﷺ: «عاهدني ألا تكذب».
فدخل الإسلام بهذا الشرط، رغم كونه شرطًا فاسدًا في الأصل. وقد وضع الفقهاء بابًا في كتبهم بعنوان: الإسلام مع الشرط الفاسد.
دخل الرجل الإسلام، وتغاضى النبي ﷺ عن معصيته، لكنه طالبه بعدم الكذب. ثم عاد الرجل إلى النبي ﷺ بعد أن تعافى من هذا الذنب، وقال: والله، يا رسول الله، كلما هممت أن أفعل تلك الفاحشة، تذكرت أنك ستسألني: هل فعلت؟ فأتركها استحياءً من أن أصرح بذلك، فالصدق كان سبب نجاته.
الصدق الذي نستهين به، هو أمر عظيم؛ الصدق يمنعنا من شهادة الزور، ومن كتمان الشهادة. وهو الذي ينجينا من المهالك. وقد ورد في الزهد : »الصدق منجاة؛ ولو ظننت فيه هلاكك، والكذب مهلكة؛ ولو ظننت فيه نجاتك».
وفي إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، رضي الله عنه: كان خطيبٌ يخطب في الناس عن الصدق بخطبة بليغة. ثم عاد في الجمعة التالية، وألقى نفس الخطبة عن الصدق، وكررها في كل جمعة، حتى ملَّ الناس، وقالوا له: ألا تحفظ غير هذه الخطبة؟ فقال لهم: وهل تركتم الكذب والدعوة إليه، حتى أترك أنا الدعوة إلى الصدق؟! نعم، الصدق موضوع قديم، ولكنه موضوع يَهُزُّ الإنسان، يغير حياته، ويدخله في البرنامج النبوي المستقيم. به يعيش الإنسان مع الله.
الصدق الذي نسيناه، هو ما قال فيه النبي ﷺ : »كفى بالمرء كذبًا أن يُحَدِّث بكل ما سمع ».
ونحن اليوم نحدث بكل ما نسمع، نزيد على الكلام، ونكمل من أذهاننا بدون بينة.
ماذا سنقول أمام الله يوم القيامة؟
اغتبنا هذا، وافتَرَينا على ذاك، من غير قصدٍ، ولا التفات. لأننا سمعنا، فتكلمنا، وزدنا.
قال النبي ﷺ: «إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
وأخذ بلسانه وقال: «عليك بهذا».
فسأله الصحابي: وهل نؤاخذ بما نقول؟ فقال النبي ﷺ : وهل يَكُبُّ الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ لقد استهنا بعظيمٍ علمنا إياه النبي ﷺ. يجب علينا أن نعود إلى الله قبل فوات الأوان.
علق قلبك بالله، ولا تنشغل بالدنيا الفانية، واذكر قول النبي ﷺ: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل».
راجع نفسك، ليس لأمرٍ من أمور الدنيا، ولكن لموقف عظيم ستقف فيه بين يدي رب العالمين. فلنعد إلى الله، ولا نعصي أبا القاسم ﷺ.