نبي الإسلام لمحمد حميد الله الحيدرآبادي يرى النور بالعربية أخيرا
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
صدرت حديثا الترجمة العربية لكتاب "نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلّم.. حياته وآثاره" (Le Prophète de l’Islam: Sa vie, son oeuvre) لعلامة شبه القارة الهندية محمد حميد الله الحيدرآبادي (1326 هـ ـ 1423 هـ/1908م ـ 2002م)، وجاءت في مجلدين صدرا بعد أكثر من 4 عقود من النسخة الأصلية التي ألفها بالفرنسية.
محمد حميد الله، المولود في حيدر آباد بجنوب الهند، أحد أساطين الفكر الإسلامي المعاصر، ودوحة شامخة انتقلت أسرتها القديمة من الحجاز إلى البصرة، واستقر بها المقام في جنوب الهند هربا من البطش والاستبداد.
نشأ في بيئة علمية، فبزّ أقرانه وتألق في مجالات عديدة، فهو الحاصل على دكتوراه في الفلسفة كما حصل على درجتي الدكتوراه في السيرة النبوية من جامعتين مختلفتين إحداهما من جامعة باريس والأخرى من جامعة توبنجن بألمانيا، ومن نهمه المعرفي إتقانه أكثر من 20 لغة، منها العربية والأوردية والفارسية والتركية واللاتينية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والروسية والبولونية والدانماركية والسويدية والفنلندية، وكان من آخر ما تعلم من اللغات اللغة التايلندية التي درسها بعدما تجاوز عمره الـ80.
وكان من المكثرين في التأليف والتحقيق، على أن الإكثار لم يؤثر على الإبداع والفرادة، فله عشرات المؤلفات من أشهرها ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية وقد قدم لها بمقدمة وافية وبديعة في علوم القرآن الكريم، وله كتاب "التعريف بالإسلام"، ألّفه بالفرنسية، وصدرت له طبعات عدة، ونقل إلى 23 لغة عالمية، وكتاب "ست رسائل دبلوماسية لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم" الذي صدر أيضا بالفرنسية.
وله تحقيقات كثيرة، منها ما يتصل بموضوع الكتاب الذي نتناوله وهو تحقيقه لسيرة ابن إسحاق، ومن تآليفه في مجال السيرة النبويّة وما يتصل بها كتابه البديع والنوعيّ في مجاله "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة" وقد ألّفه بالعربيّة، وكذا كتاب "نظام التربية والتعليم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم" وكتاب "ميادين الحرب في العصر النبوي"، على أن أجلّ مؤلفاته في السيرة النبويّة هو "نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلّم.. حياته وآثاره" (Le Prophète de l’Islam: Sa vie, son oeuvre)، وهو كتابنا الذي نحتفي باستعراضه في زاويتنا هذه.
فبعد أكثر من 40 سنة على صدوره بالفرنسية وطباعته عدة طبعات كانت آخرها سنة 1989م، رأى الكتاب طريقه إلى العربيّة قبل أسابيع معدودة بإصدار منتدى العلاقات العربيّة والدوليّة في الدوحة، وترجمة الأكاديمي المغربي الدكتور عبد الواحد العَلمي الذي يقول في مقدمته لترجمة الكتاب:
"أمّا هذا الكتاب الذي بين أيدينا فهو عجيب في بابه، قلّما تجود أقلام الباحثين بمثله، فلا يضاهيه في استقصائه مصادر السّيرة والرجوع إلى ما كتب عنها قديما وحديثا، والدخول في حوار نقدي مع الباحثين فيها القدماء والمعاصرين إلّا كتب قليلة، والتآليف في السيرة عند علّامتنا لم تأت من فراغ ولم يكن تأليفا من أجل التأليف، بل جاء تتويجا لمعاشرة علميّة لمصادرها، ومصاحبة روحيّة لما كتب فيها، وإنجازات تحقيقيّة معتبرة لبعض وثائقها، فجاء الكتاب ثمرة خبرة تكونت من كلّ ذلك"
إنّ ترجمة هذا الكتاب تمثّل بعثا جديدا لروح حميد الله العلميّة واستحضارا لحياته الفكرية وهو الذي فارق الحياة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2002 عن 94 عاما.
وقبل الولوج في العناوين التفصيليّة للكتاب، فإن أهم ما أضافه الكتاب على استعراضه تفاصيل أحداث السيرة النبويّة بطريقة تجمع بين تحقيق الأقدمين ولغة المعاصرين هو رصد ما انبثق من تعاليم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله من مؤسسات إداريّة وسياسية واقتصاديّة، سواء كان ذلك خلال حياته أم بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم، فقد توقّف المؤلف مليا عند التّعاليم الأخلاقية والاجتماعية وما أثمرته هذه التّعاليم من مؤسسات وقفية وتعاونية في المجتمع المسلم.
كما فصّل المؤلف القول في التوجيهات النبوية المتعلقة بطلب العلم، والتي أثمرت ابتداء استقرار العلم في المجتمع المسلم بوصفه قيمة راسخة وصولا إلى ازدهار بعض الحقول العلميّة والمعرفيّة، وقد رصد المؤلف بعض هذه الحقول كتطور علم الطب والفلك والصناعة العسكرية والأرصاد الجوية والملاحة البحرية والبحوث والتقنيات الزراعيّة بوصفها ثمرة من ثمرات السيرة النبوية.
حوار نقديوتميّز الكتاب بالحوار النقدي مع الباحثين الأقدمين والمعاصرين في السيرة النبويّة، ومن ذلك الاستفاضة في ردّ أقوال المستشرقين الذين خبر المؤلف أفكارهم ولغاتهم وبواعثهم كما لم يخبرها غيره.
والكتاب ليس سرديا لأحداث السيرة النبويّة، بل تضمن تحليلات واستنباطات وتأويلات في كثير من مواضعه، ومما تجدر ملاحظته أن هذه الاستنباطات والتأويلات هي ابنة السياق الزمني والظرف السياسي والاجتماعي الذي ألف فيها حميد الله كتابه، وقد جرت مياه كثيرة في أودية الزمن والسياسة والمجتمع من ذلك الوقت إلى يومنا هذا فلا بدّ عند التعامل مع بعض هذه التأويلات والاستنباطات استحضار هذه الملحوظة.
يبدأ محمد حميد الله كتابه بمقدمة يجيب فيها عن سؤال "لماذا دراسة حياة نبي الإسلام؟" ثمّ ينتقل في المقدمة نفسها إلى تفصيل القول في "المواد والمصادر الأولى" مستعرضا ومقيّما أهم المصادر التي يتم الاعتماد عليها في السيرة النبويّة، ليبدأ بعد ذلك خوض غمار سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مبتدئا بالحديث عن "الوسط والظروف" مستعرضا أوضاع البلاد بين يدي ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، الصين، والهند وتركستان ومنغوليا والإمبراطورية البيزنطية وفارس والحبشة، ثم ينتقل بعد ذلك للحديث عن "اختيار مركز" مستعرضا الأسباب لاختيار مركز القيادة لأي رسالة إصلاحية، ثم يفصل القول في "اختيار مكة مركزا" ويشرع بعد ذلك في الحديث عن "اختيار محمد -صلى الله عليه وسلم- للرسالة الإلهيّة الأسمى" مبحرا في الحديث عن "أسلاف النبيّ صلى الله عليه وسلّم".
ثمّ يستعرض في عناوين متتالية البداية مع ولادة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ونشأته وزواجه ومجريات ما بين ولادته وبعثته -صلى الله عليه وسلم- ليتوقف عند "يقظة الضمير الديني" مبينا تفاصيل متعلقة بحوادث أسهمت في هذه اليقظة قبيل بعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة.
وينتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن "الرسالة" مستعرضا تفاصيل بدئها ثم تبليغها وما ترتب عليها من مجابهة، ليفصل القول بعد ذلك بالهجرة إلى الحبشة وما تبعها من الحصار الذي يعبر عنه بوصف "الإقصاء الاجتماعي" ثم طرح عنوان "البحث عن منفى" وبعد ذلك بسط القول التفصيلي والتحليلي في "المعراج والمعجزات" وما تبع ذلك من انفراجات في مسار الدعوة متحدثا عن "انتشار الإسلام في المدينة"، وقبل الحديث عن "الهجرة إلى المدينة" يفصل القول في "نشاط النساء في الإسلام قبل الهجرة" مستعرضا أهمّ أعلام النساء في الفترة المكيّة ودورهن في مواجهة التحديات التي صاحبت البعثة النبوية والدعوة إلى الدين الجديد.
وبعد الهجرة يشرع المؤلف في الحديث عن "تنظيم الجماعة" و"تكوين أول دولة إسلاميّة" ليبدأ بعد ذلك فصلا عريضا تحليليا عن "الحياة السّياسية الدينيّة" مستعرضا "العلاقات مع قريش" وما تخلّلها من مواجهات عسكريّة وغزوات نبويّة، ثم ينتقل إلى استعراض "العلاقات مع الحبشة" وما فيها من تفصيل العلاقات في مكة وما جرى من المراسلات النبويّة عقب الهجرة وطبيعة العلاقات الممتدة مع الحبشة، ثم يأتي الحديث عن "العلاقات مع مصر" ويتبعه الحديث عن "العلاقات مع الإمبراطوريّة الرومانيّة" وكل ذلك بتفصيل إخباري واستفاضة تحليلية وافية ليكون بعدها الحديث عن "العلاقات مع الفرس" وتفصيل خاص عن "العلاقات مع المستعمرات الفارسيّة" لا سيما تلك التي تقوم في الجزيرة العربيّة.
وفي هذا السياق يستعرض المؤلف "قبائل شبه الجزيرة العربيّة" محللا الأحداث المتعلقة بتعامل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع كل قبيلة منها، ثمّ ينتقل المؤلف للحديث عن "العلاقات مع اليهود" مفصلا القول في مسيرة العلاقات مع اليهود وتطوراتها منذ بداية البعثة، ولم يقتصر القول على اليهود في المدينة بل استعرض اليهود في عموم الجزيرة العربيّة والعلاقات معهم، وبعدها جاء الحديث التفصيليّ عن "العلاقات مع النصارى" مستعرضا قبائل النصارى والعلاقة معهم، وباسطا الحديث في "المسيح والنصرانيّة في القرآن الكريم".
الآثار النبوية
وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى فصل جديد وهو الفصل الختامي في الكتاب ويحمل عنوان "الآثار"، يسترسل فيه بالحديث عن آثار السيرة النبويّة مبتدئا بالحديث عن "المحافظة على سنة النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وتعاليمه" ثمّ يبسط القول التفصيلي والتحليلي في "التعاليم الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم" ثم ينتقل للحديث عن "التعليم والتربية" ومن بعدها يأتي القول المفصل في "العلوم وازدهارها".
ومن الآثار المهمة التي يسترسل المؤلف في الحديث عنها استعراض وتحليل "التصوّر الأولي للدولة عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم"، لينتقل بعد ذلك للحديث عن "تصور الدولة في العصر الإسلامي" مستعرضا التصور القرآني للدولة والمسار التاريخي لها في القرآن الكريم، وما تنطوي عليه الدولة من مسائل السلطات والسيادة وغير ذلك.
ثم يتناول المؤلف ويشرح آثار "الوظيفة العموميّة والتوظيف" ولا ينسى المؤلف أن يجعل تفصيلا واسعا للحديث عن "النظام الاقتصادي" ليستعرض فيه أسواق الجزيرة العربيّة، ثم يبيّن إسهام الإسلام في تطوير الاقتصاد، ومداخيل الدولة ونفقاتها، وما يتعلق بإدارة النفقات والزكاة وغيرها، ثمّ يشرع في الحديث عن "النظام العسكري" موضحا القول في العمل العسكري بوصفه نظاما رسخه النبي -صلى الله عليه وسلم- في عموم أعماله العسكرية وغزواته، ويشمل ذلك حديثا عن "الراية واللواء".
ويتحدث بعد ذلك عن "النظام الدبلوماسي والقنصلي" مفصلا القول في الدبلوماسيّة قبل الإسلام، ثم العصر الإسلامي وسفارات المسلمين، والعمل القنصلي والأرشيف، ثم ينتقل المؤلف لتفصيل القول في "المبادئ الأساسيّة في سياسة النبيّ صلى الله عليه وسلّم" مستعرضا 15 مبدأ للسياسة النبويّة، ومعلقا على كلّ مبدأ من هذا المبادئ استشهادا وتبيينا.
وينتقل المؤلف للحديث عن "الحياة الاجتماعيّة في ذلك العصر" متحدثا عن الولادات والاحتفال بها، والمساكن والحجاب، ويفصّل القول في "الحياة الشخصيّة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم، رئيس الدولة"
ويصل المؤلف إلى "الخاتمة" متحدثا عن وداع النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- للحياة الدنيا، والمرض والموت، ثم يختم الكتاب بالحديث عن "الدفن ومشكلة الخلافة".
كتاب "نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم.. سيرته وآثاره" الذي يقع في 830 صفحة، يعد من الكتب النوعيّة في تناول السيرة النبويّة من حيث الشكل والمضمون، ولئن كان الكتاب قد تأخر عقودا حتى ظهر بالعربيّة، فإن ظهوره اليوم يمثل رافدا بالغ الأهميّة لمكتبة السيرة النبويّة للباحثين المتخصصين وعامة القراء على حد سواء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات صلى الله علیه وسل م صلى الله علیه وسلم الجزیرة العربی ة فی السیرة النبوی السیرة النبوی ة محمد حمید الله القرآن الکریم فی الحدیث عن العلاقات مع بالحدیث عن للحدیث عن القول فی بعد ذلک
إقرأ أيضاً:
ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان؟.. 12 عملا إلى الفجر
لا شك أن ينبغي الآن معرفة ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان ؟ للعمل به لاغتنام ليلة النصف من شعبان 2025 ، ففضلها العظيم ينبغي أن يكون أكثر ما نتسابق عليه ، وهو ما يجعلنا نبحث عن ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان ؟، لاغتنامها ، التزامًا بوصايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن لم يكن طمعًا في خيرات ونفحات ليلة النصف من شعبان .
وقد كثرت في ليلة النصف من شعبان النصوص الشريفة بالكتاب العزيز والسنة النبوية، والتي ترشدنا إلى الطريقة المُثلى ومن بينها ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان وكذلك الصحابة الكرام -رضي الله تعالى عنهم- لاغتنام فضل هذه الليلة العظيم ، والذي لا يمكن تجاهلها حيث إن معرفة ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان ؟ قد تفتح أوسع بوابات الفرج والمغفرة والرحمة والخيرات .
ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبانقال الشيخ عويضة عثمان، مدير الفتوى الشفوية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، إنه ينبغي في هذه الليلة ترك ثلاثة أفعال الوقوع فيها سهل، لكنها تحرم العبد من مغفرة الله سبحانه وتعالى في ليلة النصف من شعبان ، وهي: « الحقد، والمشاحنة، والخصام».
وأضاف «عثمان» في إجابته عنن سؤال : ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان ؟، أنه ينبغي علينا في ليلة النصف من شعبان ترك الحقد ، والمشاحنة، والخصام، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كان قد بين أن الله سبحانه وتعالى يغفر للناس في تلك الليلة إلا المشاحن الذي خاصم أخاه أو أخته، أو قطع الرحم.
وتابع: فينبغي ترك هذه الأفعال في مثل هذه الأيام المباركة، كما ينبغي أن نترك الحقد عن قلوبنا ونصلح ذات بيننا ونسأل الله تعالى في تلك الليالي المباركة أن يُصلح لنا الأحوال ويهدينا إلى الصواب.
واستشهد بما جاء في ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان
أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خلقة إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشَاحِنٍ». ماذا كان يفعل رسول الله في ليلة النصف من شعبان ، فقد ورد عن عَائِشَةَ –رضي الله تعالى عنها- ، قَالَتْ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ، فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا رَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ ، وَفَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ، قَالَ : « يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ ! أَظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ خَاسَ بِكِ ؟» ، قُلْتُ : لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنَّنِي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ، فَقَالَ: « أَتَدْرِينَ أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ ؟»، قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: «هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُم».
وأفادت دار الإفتاء المصرية، في مسألة ماذا كان يفعل النبي في ليلة النصف من شعبان ، بأنه ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «يُعْجِبُنِي أَنْ يُفَرِّغَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي أَرْبَعِ لَيَالٍ: لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ الأَضْحَى، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ».
ليلة النصف من شعبان 2025ونوهت الإفتاء المصرية، بأنها الليلة - ليلة الجمعة - ، وبدأت ليلة النصف من شعبان 2025 الليلة من مغرب اليوم الخميس الموافق الرابع عشر من شعبان 1446هـ، والثالث عشر من فبراير 2025 م ومنذ أربع ساعات، فيما تنتهي ليلة النصف من شعبان 2025 فجر يوم غد الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان لعام 1446هجريًا، والرابع عشر من شهر فبراير لعام 2025 ميلاديًا، أي بعد أقل من سبع ساعات.
الاحتفال بليلة النصف من شعبانورد أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة مباركة، أرشدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى فضلها العظيم وكيفية الاحتفال بليلة النصف من شعبان من خلال الأعمال الصالحة ، وجاء الاستغفار من أفضل الأعمال التي ينبغي أن القيام بها لإحياء ليلة النصف من شعبان ، حيث إن الله تعالى يطلع فيها إلى عباده، ويغفر الله عز وجل فيها للمستغفرين ويرحم الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه وجوده لمن يطلبون عفوه ورحمته.
جاء فيه أنه يكون كذلك بتلاوة القرآن والذكر والتذكير والزكاة ؛ والأمر بالمعروف، والنّهي عن المُنكَر، وما نحوه من العمل الصالح من الصدقات وإطعام الطعام؛ فهي ليلة لها مكانة عند الله تبارك وتعالى فيما ورد عن أم المؤمنين عَائِشَةَ –رضي الله تعالى عنها - قالت: «فَقَدْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً فَخَرَجْتُ فإذا هو بِالْبَقِيعِ فقال: أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ الله عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ إني ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فقال: إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ من عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ»، وهذا فيه دلالة على العدد الكبير الذي ينعم بعفو الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة، وقد خص شعر غنم كلب لأنه لم يكن في العرب أكثر غنما منهم.
وأبان الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أنه لا بأس بـ الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالذكر وقراءة القرآن والدعاء وما نحوها من الأعمال الصالحة ؛ فإن ذلك داخلٌ في الأمر بإحياء هذه الليلة كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا...؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجه.
ليلة النصف من شعبان فضلهاورد عن ليلة النصف من شعبان فضلها حيث إن ليلة النصف من شعبان لها أهميّة تفوق بها باقي ليالي الشّهر، بل حتّى تفوق أهميّتها العديد من ليالي الأشهُر الأخرى، حتّى إنَّ بعض العلماء قد جعل فضل ليلة النصف من شعبان لها من الأهميّة ما يوازي ليلة القدر.
وقد ورد في ليلة النصف من شعبان فضلها وأهميّتها العديد من الأحاديث النبويّة التي تُشير إلى استِحباب قيام ليلها وصيام نهارها، والمداومة فيها على الأوراد، والأذكار، وقراءة القرآن، والقيام بالأعمال الحسنة، مثل: الصّدقة، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المُنكَر، وغير ذلك من الأمور.
وردت بعض الأحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان تُثبِت أنّ لها فضلًا عن سائر الليالي، بل إنَّ بعض العلماء جعلوا فضل ليلة النّصف من شعبان له أفضليَّةً عاليةً، فقال بعضهم: إنّ قول الله تعالى: «إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»، كان يُقصَد به ليلة النّصف من شعبان، لا ليلة القدر، ففي ليلة النّصف من شعبان يُقدِّر الله -سبحانه وتعالى- جميع ما سيحصل للعباد في السّنة اللاحقة من أرزاق أو مصائب، ثمّ يُقدّم الله ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء بأمره عزَّ وجلّ، كما أن الدعاء فيها مستجاب.
وجاء من الأحاديث التي يُؤخَذ بها في فضل ليلة النّصف من شعبان من الأحاديث التي ذكرت فضل ليلة النّصف من شعبان بسندٍ يصحُّ الاحتجاج به ما يأتي: ما رُوِي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِرُ لجميع خلْقِه إلا لمشركٍ، أو مُشاحِنٍ).
و رُوِي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قام رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- من اللَّيلِ يُصلِّي، فأطال السُّجودَ حتَّى ظننتُ أنَّه قد قُبِض، فلمَّا رأيتُ ذلك قُمتُ حتَّى حرَّكتُ إبهامَه فتحرَّك فرجعتُ، فلمَّا رفع إليَّ رأسَه من السُّجودِ وفرغ من صلاتِه، قال: يا عائشةُ -أو يا حُميراءُ- أظننتِ أنَّ النَّبيَّ قد خاس بك؟ قلتُ: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، ولكنَّني ظننتُ أنَّك قُبِضْتَ لطولِ سجودِك، فقال: أتدرين أيُّ ليلةٍ هذه؟ قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: هذه ليلةُ النِّصفِ من شعبانَ، إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- يطَّلِعُ على عبادِه في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ، فيغفِرُ للمُستغفِرين، ويرحمُ المُسترحِمين، ويؤخِّرُ أهلَ الحقدِ كما هُم).
اسرار ليلة النصف من شعبانجاء أن الله سبحانه وتعالى كرم نبيه – صلى الله عليه وسلم - في ليلة النصف من شعبان، بأن طيب خاطره بتحويل القبلة، لتقر عينه، فقلبه معلق بمكة، أي أن من أسرار ليلة النصف من شعبان أن فيها طيب الله تعالى خاطر النبي –صلى الله عليه وسلم- وحب مكة كان كلمة السر.
وجاء أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام جاء لتقر عين الرسول – صلى الله عليه وسلم - فقلبه معلق بمكة، يمتلئ شوقًا وحنينا إليها، إذ هي أحب البلاد إليه، وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينة المنورة، التي شرفت بمقامه –صلى الله عليه وسلم- الشريف، فخرج من بين ظهرانيهم، ووقف على مشارف مكة المكرمة، قائلا: «والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (رواه الترمذي).
وورد أنه صلى الله عليه وسلم ظل متعلقًا بمكة المكرمة بعد أن استقر بالمدينة المنورة، فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام، فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة، ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.
وورد أن في كل مرة حدث تحويل للقبلة، كانت الحكمة مختلفة، حيث تحولت القبلة مرتين، أولهما من الكعبة إلى المسجد الأقصى، والثانية إلى المسجد الحرام، كما أن تحويل القبلة في البداية من الكعبة إلى المسجد الأقصى كان لحكمة تربوية، وهي العمل على تقوية إيمان المؤمنين، وتنقية النفوس وتطهير قلوبهم مما علق بها من شوائب الجاهلية، وأمثل لقوله تعالى:«وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ»، وكذلك ليظهر من يتبع الرسول اتباعًا صادقًا عن اقتناع وتسليم، ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها.
وجاء فيه أن صدور الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام -التحويل الثاني- بعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة، ليس إلا تأكيدًا للرابطة الوثيقة بين المسجدين، فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، قد قطع فيها مسافة زمانية قصرت أو طالت، إلا أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام كان رحلة تعبدية، الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات، فلا مسافة بين الخالق والمخلوق، مستدلًا بقوله تعالى:«وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ».
ورد أن ليلة الخامس عشر من الشهر الهجري شعبان تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في مكة المكرمة، حيث إن بعض المؤرخين ذكر أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كان في الخامس عشر من شعبان، في السنة الثانية للهجرة، ويوافق نوفمبر 623م، وهناك قولًا آخر بأن تحويل القبلة كان في منتصف شهر رجب.
و ورد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سمى شهر شعبان، بأنه «شهره»، لأن فيه ارضاه الله سبحانه وتعالى، وطيب خاطره بتحويل القبلة واستجاب لهواه، فقد ورد أن السيدة عائشة أم المؤمنين -رضى الله عنها - قالت: « والله يا رسول الله ما أرى ربك إلا يُسارع لك في هواك»، والبلاغة في قوله تعالى: « قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا »، إنما تشير إلى مكانة النبي العظيمة عند الله، فمجرد إرادته وحركة جسده - صلى الله عليه وسلم - ودون دعاء استجاب له بتحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان، و لهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن شهر شعبان: « شعبان شهري»، كما نزلت في هذا الشهر أيضًا آية الصلاة والسلام على النبي، كما قال الإمام بن أبي الصيف اليمني.
وجاء منها أيضًا أن ليلة النصف من شعبان ورد لها ما يقرب من ثلاثة عشر اسمًا، تدل على أحداثها، وهي : وهي: «ليلة البراءة، ليلة الدعاء، ليلة القِسمة، ليلة الإجابة، الليلة المباركة، ليلة الشفاعة، ليلة الغفران والعتق من النيران» ، وتسمى أيضًا ليلة التكفير وليلة الحياة وليلة الشفاعة، وليلة المغفرة وليلة العتق، وليلة القسمة والتقدير.
مناسبة ليلة النصف من شعبانورد أن ليلة الخامس عشر من الشهر الهجري شعبان تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في مكة المكرمة، حيث إن بعض المؤرخين ذكر أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كان في الخامس عشر من شعبان، في السنة الثانية للهجرة، ويوافق نوفمبر 623م، وهناك قولًا آخر بأن تحويل القبلة كان في منتصف شهر رجب.
جاء أن الله سبحانه وتعالى كرم نبيه – صلى الله عليه وسلم - في ليلة النصف من شعبان، بأن طيب خاطره بتحويل القبلة، لتقر عينه، فقلبه معلق بمكة، أي أن فيها طيب الله تعالى خاطر النبي –صلى الله عليه وسلم- وحب مكة كان كلمة السر.
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم ظل متعلقًا بمكة المكرمة بعد أن استقر بالمدينة المنورة، فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام، فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة، ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.
ورد أنه لا بأس بالاحتفال في ليلة النصف من شعبان بالقرآن والذكر وتذكير؛ وما نحوه من العمل الصالح من الصدقات وإطعام الطعام ؛ فإن ذلك داخلٌ في الأمر بإحياء هذه الليلة، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا...؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجة.