نبي الإسلام لمحمد حميد الله الحيدرآبادي يرى النور بالعربية أخيرا
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
صدرت حديثا الترجمة العربية لكتاب "نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلّم.. حياته وآثاره" (Le Prophète de l’Islam: Sa vie, son oeuvre) لعلامة شبه القارة الهندية محمد حميد الله الحيدرآبادي (1326 هـ ـ 1423 هـ/1908م ـ 2002م)، وجاءت في مجلدين صدرا بعد أكثر من 4 عقود من النسخة الأصلية التي ألفها بالفرنسية.
محمد حميد الله، المولود في حيدر آباد بجنوب الهند، أحد أساطين الفكر الإسلامي المعاصر، ودوحة شامخة انتقلت أسرتها القديمة من الحجاز إلى البصرة، واستقر بها المقام في جنوب الهند هربا من البطش والاستبداد.
نشأ في بيئة علمية، فبزّ أقرانه وتألق في مجالات عديدة، فهو الحاصل على دكتوراه في الفلسفة كما حصل على درجتي الدكتوراه في السيرة النبوية من جامعتين مختلفتين إحداهما من جامعة باريس والأخرى من جامعة توبنجن بألمانيا، ومن نهمه المعرفي إتقانه أكثر من 20 لغة، منها العربية والأوردية والفارسية والتركية واللاتينية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والروسية والبولونية والدانماركية والسويدية والفنلندية، وكان من آخر ما تعلم من اللغات اللغة التايلندية التي درسها بعدما تجاوز عمره الـ80.
وكان من المكثرين في التأليف والتحقيق، على أن الإكثار لم يؤثر على الإبداع والفرادة، فله عشرات المؤلفات من أشهرها ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية وقد قدم لها بمقدمة وافية وبديعة في علوم القرآن الكريم، وله كتاب "التعريف بالإسلام"، ألّفه بالفرنسية، وصدرت له طبعات عدة، ونقل إلى 23 لغة عالمية، وكتاب "ست رسائل دبلوماسية لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم" الذي صدر أيضا بالفرنسية.
النسخة الفرنسية لكتاب "نبي الإسلام: حياته وآثاره" لمحمد حميد الله (الجزيرة) وثائق العهد النبوي السياسيةوله تحقيقات كثيرة، منها ما يتصل بموضوع الكتاب الذي نتناوله وهو تحقيقه لسيرة ابن إسحاق، ومن تآليفه في مجال السيرة النبويّة وما يتصل بها كتابه البديع والنوعيّ في مجاله "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة" وقد ألّفه بالعربيّة، وكذا كتاب "نظام التربية والتعليم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم" وكتاب "ميادين الحرب في العصر النبوي"، على أن أجلّ مؤلفاته في السيرة النبويّة هو "نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلّم.. حياته وآثاره" (Le Prophète de l’Islam: Sa vie, son oeuvre)، وهو كتابنا الذي نحتفي باستعراضه في زاويتنا هذه.
فبعد أكثر من 40 سنة على صدوره بالفرنسية وطباعته عدة طبعات كانت آخرها سنة 1989م، رأى الكتاب طريقه إلى العربيّة قبل أسابيع معدودة بإصدار منتدى العلاقات العربيّة والدوليّة في الدوحة، وترجمة الأكاديمي المغربي الدكتور عبد الواحد العَلمي الذي يقول في مقدمته لترجمة الكتاب:
"أمّا هذا الكتاب الذي بين أيدينا فهو عجيب في بابه، قلّما تجود أقلام الباحثين بمثله، فلا يضاهيه في استقصائه مصادر السّيرة والرجوع إلى ما كتب عنها قديما وحديثا، والدخول في حوار نقدي مع الباحثين فيها القدماء والمعاصرين إلّا كتب قليلة، والتآليف في السيرة عند علّامتنا لم تأت من فراغ ولم يكن تأليفا من أجل التأليف، بل جاء تتويجا لمعاشرة علميّة لمصادرها، ومصاحبة روحيّة لما كتب فيها، وإنجازات تحقيقيّة معتبرة لبعض وثائقها، فجاء الكتاب ثمرة خبرة تكونت من كلّ ذلك"
إنّ ترجمة هذا الكتاب تمثّل بعثا جديدا لروح حميد الله العلميّة واستحضارا لحياته الفكرية وهو الذي فارق الحياة في 17 ديسمبر/كانون الأول 2002 عن 94 عاما.
وقبل الولوج في العناوين التفصيليّة للكتاب، فإن أهم ما أضافه الكتاب على استعراضه تفاصيل أحداث السيرة النبويّة بطريقة تجمع بين تحقيق الأقدمين ولغة المعاصرين هو رصد ما انبثق من تعاليم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله من مؤسسات إداريّة وسياسية واقتصاديّة، سواء كان ذلك خلال حياته أم بعد وفاته صلى الله عليه وسلّم، فقد توقّف المؤلف مليا عند التّعاليم الأخلاقية والاجتماعية وما أثمرته هذه التّعاليم من مؤسسات وقفية وتعاونية في المجتمع المسلم.
كما فصّل المؤلف القول في التوجيهات النبوية المتعلقة بطلب العلم، والتي أثمرت ابتداء استقرار العلم في المجتمع المسلم بوصفه قيمة راسخة وصولا إلى ازدهار بعض الحقول العلميّة والمعرفيّة، وقد رصد المؤلف بعض هذه الحقول كتطور علم الطب والفلك والصناعة العسكرية والأرصاد الجوية والملاحة البحرية والبحوث والتقنيات الزراعيّة بوصفها ثمرة من ثمرات السيرة النبوية.
حوار نقديوتميّز الكتاب بالحوار النقدي مع الباحثين الأقدمين والمعاصرين في السيرة النبويّة، ومن ذلك الاستفاضة في ردّ أقوال المستشرقين الذين خبر المؤلف أفكارهم ولغاتهم وبواعثهم كما لم يخبرها غيره.
والكتاب ليس سرديا لأحداث السيرة النبويّة، بل تضمن تحليلات واستنباطات وتأويلات في كثير من مواضعه، ومما تجدر ملاحظته أن هذه الاستنباطات والتأويلات هي ابنة السياق الزمني والظرف السياسي والاجتماعي الذي ألف فيها حميد الله كتابه، وقد جرت مياه كثيرة في أودية الزمن والسياسة والمجتمع من ذلك الوقت إلى يومنا هذا فلا بدّ عند التعامل مع بعض هذه التأويلات والاستنباطات استحضار هذه الملحوظة.
يبدأ محمد حميد الله كتابه بمقدمة يجيب فيها عن سؤال "لماذا دراسة حياة نبي الإسلام؟" ثمّ ينتقل في المقدمة نفسها إلى تفصيل القول في "المواد والمصادر الأولى" مستعرضا ومقيّما أهم المصادر التي يتم الاعتماد عليها في السيرة النبويّة، ليبدأ بعد ذلك خوض غمار سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مبتدئا بالحديث عن "الوسط والظروف" مستعرضا أوضاع البلاد بين يدي ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، الصين، والهند وتركستان ومنغوليا والإمبراطورية البيزنطية وفارس والحبشة، ثم ينتقل بعد ذلك للحديث عن "اختيار مركز" مستعرضا الأسباب لاختيار مركز القيادة لأي رسالة إصلاحية، ثم يفصل القول في "اختيار مكة مركزا" ويشرع بعد ذلك في الحديث عن "اختيار محمد -صلى الله عليه وسلم- للرسالة الإلهيّة الأسمى" مبحرا في الحديث عن "أسلاف النبيّ صلى الله عليه وسلّم".
ثمّ يستعرض في عناوين متتالية البداية مع ولادة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ونشأته وزواجه ومجريات ما بين ولادته وبعثته -صلى الله عليه وسلم- ليتوقف عند "يقظة الضمير الديني" مبينا تفاصيل متعلقة بحوادث أسهمت في هذه اليقظة قبيل بعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة.
وينتقل المؤلف بعد ذلك للحديث عن "الرسالة" مستعرضا تفاصيل بدئها ثم تبليغها وما ترتب عليها من مجابهة، ليفصل القول بعد ذلك بالهجرة إلى الحبشة وما تبعها من الحصار الذي يعبر عنه بوصف "الإقصاء الاجتماعي" ثم طرح عنوان "البحث عن منفى" وبعد ذلك بسط القول التفصيلي والتحليلي في "المعراج والمعجزات" وما تبع ذلك من انفراجات في مسار الدعوة متحدثا عن "انتشار الإسلام في المدينة"، وقبل الحديث عن "الهجرة إلى المدينة" يفصل القول في "نشاط النساء في الإسلام قبل الهجرة" مستعرضا أهمّ أعلام النساء في الفترة المكيّة ودورهن في مواجهة التحديات التي صاحبت البعثة النبوية والدعوة إلى الدين الجديد.
وبعد الهجرة يشرع المؤلف في الحديث عن "تنظيم الجماعة" و"تكوين أول دولة إسلاميّة" ليبدأ بعد ذلك فصلا عريضا تحليليا عن "الحياة السّياسية الدينيّة" مستعرضا "العلاقات مع قريش" وما تخلّلها من مواجهات عسكريّة وغزوات نبويّة، ثم ينتقل إلى استعراض "العلاقات مع الحبشة" وما فيها من تفصيل العلاقات في مكة وما جرى من المراسلات النبويّة عقب الهجرة وطبيعة العلاقات الممتدة مع الحبشة، ثم يأتي الحديث عن "العلاقات مع مصر" ويتبعه الحديث عن "العلاقات مع الإمبراطوريّة الرومانيّة" وكل ذلك بتفصيل إخباري واستفاضة تحليلية وافية ليكون بعدها الحديث عن "العلاقات مع الفرس" وتفصيل خاص عن "العلاقات مع المستعمرات الفارسيّة" لا سيما تلك التي تقوم في الجزيرة العربيّة.
وفي هذا السياق يستعرض المؤلف "قبائل شبه الجزيرة العربيّة" محللا الأحداث المتعلقة بتعامل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع كل قبيلة منها، ثمّ ينتقل المؤلف للحديث عن "العلاقات مع اليهود" مفصلا القول في مسيرة العلاقات مع اليهود وتطوراتها منذ بداية البعثة، ولم يقتصر القول على اليهود في المدينة بل استعرض اليهود في عموم الجزيرة العربيّة والعلاقات معهم، وبعدها جاء الحديث التفصيليّ عن "العلاقات مع النصارى" مستعرضا قبائل النصارى والعلاقة معهم، وباسطا الحديث في "المسيح والنصرانيّة في القرآن الكريم".
الآثار النبوية
وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى فصل جديد وهو الفصل الختامي في الكتاب ويحمل عنوان "الآثار"، يسترسل فيه بالحديث عن آثار السيرة النبويّة مبتدئا بالحديث عن "المحافظة على سنة النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وتعاليمه" ثمّ يبسط القول التفصيلي والتحليلي في "التعاليم الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم" ثم ينتقل للحديث عن "التعليم والتربية" ومن بعدها يأتي القول المفصل في "العلوم وازدهارها".
ومن الآثار المهمة التي يسترسل المؤلف في الحديث عنها استعراض وتحليل "التصوّر الأولي للدولة عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم"، لينتقل بعد ذلك للحديث عن "تصور الدولة في العصر الإسلامي" مستعرضا التصور القرآني للدولة والمسار التاريخي لها في القرآن الكريم، وما تنطوي عليه الدولة من مسائل السلطات والسيادة وغير ذلك.
ثم يتناول المؤلف ويشرح آثار "الوظيفة العموميّة والتوظيف" ولا ينسى المؤلف أن يجعل تفصيلا واسعا للحديث عن "النظام الاقتصادي" ليستعرض فيه أسواق الجزيرة العربيّة، ثم يبيّن إسهام الإسلام في تطوير الاقتصاد، ومداخيل الدولة ونفقاتها، وما يتعلق بإدارة النفقات والزكاة وغيرها، ثمّ يشرع في الحديث عن "النظام العسكري" موضحا القول في العمل العسكري بوصفه نظاما رسخه النبي -صلى الله عليه وسلم- في عموم أعماله العسكرية وغزواته، ويشمل ذلك حديثا عن "الراية واللواء".
ويتحدث بعد ذلك عن "النظام الدبلوماسي والقنصلي" مفصلا القول في الدبلوماسيّة قبل الإسلام، ثم العصر الإسلامي وسفارات المسلمين، والعمل القنصلي والأرشيف، ثم ينتقل المؤلف لتفصيل القول في "المبادئ الأساسيّة في سياسة النبيّ صلى الله عليه وسلّم" مستعرضا 15 مبدأ للسياسة النبويّة، ومعلقا على كلّ مبدأ من هذا المبادئ استشهادا وتبيينا.
وينتقل المؤلف للحديث عن "الحياة الاجتماعيّة في ذلك العصر" متحدثا عن الولادات والاحتفال بها، والمساكن والحجاب، ويفصّل القول في "الحياة الشخصيّة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم، رئيس الدولة"
ويصل المؤلف إلى "الخاتمة" متحدثا عن وداع النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- للحياة الدنيا، والمرض والموت، ثم يختم الكتاب بالحديث عن "الدفن ومشكلة الخلافة".
كتاب "نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم.. سيرته وآثاره" الذي يقع في 830 صفحة، يعد من الكتب النوعيّة في تناول السيرة النبويّة من حيث الشكل والمضمون، ولئن كان الكتاب قد تأخر عقودا حتى ظهر بالعربيّة، فإن ظهوره اليوم يمثل رافدا بالغ الأهميّة لمكتبة السيرة النبويّة للباحثين المتخصصين وعامة القراء على حد سواء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات صلى الله علیه وسل م صلى الله علیه وسلم الجزیرة العربی ة فی السیرة النبوی السیرة النبوی ة محمد حمید الله القرآن الکریم فی الحدیث عن العلاقات مع بالحدیث عن للحدیث عن القول فی بعد ذلک
إقرأ أيضاً:
انتبه.. 5 أفعال في الليل حذر منها النبي ويقع فيها كثيرون قبل النوم
ينبغي الحذر من أفعال في الليل نهى عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، لأنه دائمًا ما يرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح وينهانا عن كل ما فيه شر وبلاء، فنجد كثير من النصوص النبوية الشريفة تحوي وصايا وتحذير ونهي عن جملة أفعال في الليل شائعة ، يستهين بها البعض فيما يغفل عنها آخرون ، فإن كنا لا نكترث بالوصايا بدرجة ما ، فهذا لا ينبغي أن يكون حالنا مع التحذيرات من أفعال في الليل قد تفتح علينا بوابة الجحيم .
دعاء النوم في رجب.. 4 آيات قرآنية تجلب الرزق سريعا بالصباحدعاء قبل النوم في رجب.. 11 كلمة تكفر ذنوبا بعدد أيام الدنيا كلهاأفعال في الليلوردت عدة تحذيرات نبوية من ارتكاب عدة أفعال في الليل ، فيما ورد عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ » رواه البخاري (3280) - واللفظ له - ومسلم (2012)، و جاء في لفظ للبخاري (5624) : « أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ».
وجاء أنه نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم عن عدة أفعال في الليل للسلامة من إيذاء الشيطان ، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه فلا يقدر على كشف إناء ولا حل سقاء ، ولا فتح باب ، ولا إيذاء صبي وغيره ، إذا وجدت هذه الأسباب . وهذا كما جاء في الحديث الصحيح : إن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال [ ص: 161 ] الشيطان : لا مبيت " أي : لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء ، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله : " اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا " كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان ، وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة .
ونجد أنه في الليل علَّم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه كيف يَتجنَّبون أذى الشَّيطانِ، وما يضُرُّهم في دُنياهم وآخرتِهم، فجاءتِ النَّصائحُ النَّبويةُ لتكونَ بمَنزلةِ قَوانينِ السَّلامةِ للمُحافَظةِ على مَصالحِ المسلمينَ، وهذه الأفعال هي : (عدم فتح الأبواب والنوافذ ، ترك الطعام مكشوفا ، عدم إطفاء الأنوار ، خروج الصبيان) ، فقد أمَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بإغلاقِ الأبوابِ، وذِكرِ اسمِ الله عند إغلاقِها؛ لأنَّ الشَّيطانَ لا يَفتَحُ بابًا مُغلقًا؛ فإنَّ اللهَ لم يُعطِه القوَّةَ على ذلك، وإنْ كان أعطاهُ القدرةَ والقوَّةَ على غيرِ ذلك مِن الأمورِ، وأمَرَ أيضًا بإيكاءِ القِرَبِ، وهو شَدُّ رُؤوسِها بالرِّباطِ، وأمَرَ بتَخْميرِ الآنيةِ، وهو تَغطيتُها ولو بوضْعِ عُودٍ أو عصًا على عرْضِها، مع ذِكْرِ اللهِ عند فِعلِ هذه الأشياءِ، وأمَرَ بإطفاءِ المصابيحِ مع ذِكرِ اللهِ عند إطفائِها؛ وفي الحديثِ: أخْذُ الحَيطةِ والحذَرُ مِن كلِّ ما يضُرُّ.
سنن النبي في الليلوردت سنن النبي في الليل ، عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، حيث داوم عليها في الليل عند النوم، بل وأوصانا بها لما لها من فضل عظيم، حثنا على اغتنامه، ومنها:
• النوم على وضوء: فقد قـال النبي -صلى الله عليه وسلم- للبراء بن عازب رضي الله عنه : "إذا أتيت مضجعك ، فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن... الحديث" [ متفق عليه:6311-6882] أي أن يكون على طهارة ، الحديث ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ ) .
• أن ينفض الفراش ( إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه … فإنه لا يعلم ما خلفه بعده … ) رواه البخاري ومسلم .
• النوم على الشق الأيمن …( ثم اضطجع على شقك الأيمن … ) رواه البخاري ومسلم.
• وأن يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ( كـان إذا رقـد وضع يده اليمنى تحت خـده ) رواه أبو داود .
• قراءة سورة ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، ومن ثمرتها : ( أنها براءة من الشرك ) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ وصححه الألباني .
• يجمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات )، رواه البخاري .
• قراءة آية الكرسي « اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» رواه البخاري .
• قراءة آخر آيتين من سورة البقرة ، من قوله تعالى « آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ».
• التكبير والتسبيح عند المنام : فعن علي رضي الله عنه ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال حين طلبت منه فاطمة -رضي الله عنها- خادمًا: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما ، أو أخذتما مضاجعكما ، فكبرا أربعًا وثلاثين ، وسبحا ثلاثًا وثلاثين ، واحمدا ثلاثًا وثلاثين. فهذا خير لكما من خادم" [متفق عليه: 6318 – 6915].
• ترديد أدعية النوم.
• الدعاء حين الاستيقاظ أثناء النوم : فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا ، استُجيب له ، فإنْ توضأ وصلى قُبِلت صلاته" [ رواه البخاري: 1154].
• الدعاء عند الاستيقاظ من النوم بالدعاء الوارد : "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا ، وإليه النشور" [ رواه البخاري من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : 6312 ] .
ورد دعاء قبل النوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هناك خمسة وثلاثون كلمة من دعاء قبل النوم يغفر الذنوب إذا ما رددها المُسلم وهو موقن بها، فمات من يومه، دخل الجنة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ »، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِىَ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ » .
وورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه أوصى بالمداومة والحرص على دعاء قبل النوم ، كما رود عَن أَبي سَعيدٍ رضي الله عنه عَن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قالَ حِينَ يَأْوِي إِلى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ الله العظيم الّذِي لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيّ القَيّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ غَفَرَ الله لَهُ ذُنُوبَهُ وإنْ كَانَتَ مِثْلَ زَبَدِ البحْرِ، وإِنْ كانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشّجَرِ، وإِنْ كَانَتْ عَدَدِ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أيّامِ الدّنْيَا»، رواه الترمذي حديثٌ حَسَنٌ.
وورد في شرح الحديث بجامع الترمذي، أن قول النبي: «أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم» صفة لله أو مدحًا، وقوله «وأتوب إليه» أي أطلب المغفرة وأريد التوبة فكأنه قال اللهم اغفر لي ووفقني للتوبة، دعاء قبل النوم يمحو الذنوب ، كما جاء أن قوله –صلى الله عليه وسلم-«وإن كانت مثل زبد البحر» أي ولو كانت ذنوبه في الكثرة مثل الزبد محركة ما يعلو الماء وغيره من الرغوة، والمراد من قوله «وإن كانت عدد رمل عالج» هو موضع بالبادية فيه رمل كثير، دعاء قبل النوم يمحو الذنوب ، ففي هذا الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة في مغفرة ذنوب بهذا الذكر ثلاث مرات وإن كانت بالغة إلى هذا الحد الذي لا يحيط به عدد وفضل الله واسع.، ومن دعاء قبل النوم يمحو الذنوب فقد ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وهي: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً مِنْكَ وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لا مَنْجَى مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وِبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ».
دعاء النومورد دعاء النوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، أنه كان يردد عدة أدعية قبل النوم ودخول الفراش، تسمى أذكار النوم ، ومنها:
1- «بِاسْمِكَ رَبِّـي وَضَعْـتُ جَنْـبي، وَبِكَ أَرْفَعُـه، فَإِن أَمْسَـكْتَ نَفْسـي فارْحَـمْها ، وَإِنْ أَرْسَلْتَـها فاحْفَظْـها بِمـا تَحْفَـظُ بِه عِبـادَكَ الصّـالِحـين». (مرة واحدة) .
2-«اللّهُـمَّ إِنَّـكَ خَلَـقْتَ نَفْسـي وَأَنْـتَ تَوَفّـاهـا لَكَ ممَـاتـها وَمَحْـياها، إِنْ أَحْيَيْـتَها فاحْفَظْـها، وَإِنْ أَمَتَّـها فَاغْفِـرْ لَـها. اللّهُـمَّ إِنَّـي أَسْـأَلُـكَ العـافِـيَة». (مرة واحدة) .
3-«اللّهُـمَّ قِنـي عَذابَـكَ يَـوْمَ تَبْـعَثُ عِبـادَك». (مرة واحدة).
4-«الـحَمْدُ للهِ الَّذي أَطْـعَمَنا وَسَقـانا، وَكَفـانا، وَآوانا، فَكَـمْ مِمَّـنْ لا كـافِيَ لَـهُ وَلا مُـؤْوي». (مرة واحدة) .
5-«اللّهُـمَّ أَسْـلَمْتُ نَفْـسي إِلَـيْكَ، وَفَوَّضْـتُ أَمْـري إِلَـيْكَ، وَوَجَّـهْتُ وَجْـهي إِلَـيْكَ، وَأَلْـجَـاْتُ ظَهـري إِلَـيْكَ، رَغْبَـةً وَرَهْـبَةً إِلَـيْكَ، لا مَلْجَـأَ وَلا مَنْـجـا مِنْـكَ إِلاّ إِلَـيْكَ، آمَنْـتُ بِكِتـابِكَ الّـذي أَنْزَلْـتَ وَبِنَبِـيِّـكَ الّـذي أَرْسَلْـت». (مرة واحدة) .
6-سُبْحَانَ اللَّهِ (33 مرة) .
7-الْحَمْدُ لِلَّهِ (33 مرة) .
8-اللَّهُ أَكْبَرُ (34 مرة) .
9-«يجمع كفيه ثم ينفث فيهما والقراءة فيهما: {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} ومسح ما استطاع من الجسد يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسده».
10-سورة البقرة: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ». [البقرة 285 - 286]فضلها: من قرأ آيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه.
11-آية الكرسي: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ «اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ». [البقرة 255]فضلها: أجير من الجن حتى يصبح.