لا عزاء لضحايا الحروب العبثية والفرص المهدرة
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
بقلم: حسن أبو زينب عمر
على مدار أسبوع كامل طغى مشهدان مصدرهما السودان على كل وسائل الميديا المحلية تاركان كل أجهزة الاعلام المسموع والمقروء تلهث للحاق بهما. بل ان المشهد الثاني كان مؤهلا بأن تتسابق عليها وكالات وصحف وتلفزيونات العالم لاكتمال كل عناصر الاثارة والتشويق فيه لولا ان ولادته كانت في بلدة هامشية منسية في خاصرة الشرق لا نعرف ان كانت مصنفة قرية كبيرة أو مدينة صغيرة فطارت فرصة السبق الصحفي عن أجهزة العالم.
(2)
المشهد الأول سجل باسم امرأة (قوز هندي) التي أسمعت البرهان رئيس مجلس السيادة كلمات استغاثة وهي حاسرة الرأس لم يكن (معتصم السودان) جاهزا للرد عليها من هول المفاجأة والمباغتة ووجع الإحساس. لا أدرى مصيرها الآن هل حققت معها أجهزة الأمن أم تركتها وشأنها. المشهد الثاني لطبيب مستشفى (طوكر) وهو يخوض بيديه العاريتين أمواج السيول العارمة للوصول الى مرضاه الذين غمرت مياه الفيضانات مأواهم في مشهد من الوفاء والأمانة لم له مثيلا في زماننا هذا. لا أدري هل وجدهم على قيد الحياة أم جرفتهم المياه فأصبحوا أثرا بعد عين.
(3)
لكن الخبر الذي أوقفني وأوقف كل سكان العاصمة الإدارية بورتسودان هو خبر ضجت به الأسافير وسبح فوق غيمه من السعادة الآلاف من أصحاب المسغبة والحرمان .. الخبر كان قبل شهرين تقريبا وكان يتحدث حديث الواثق عن دولة خليجية أبدت استعدادها للدخول في استثمارات واسعة في شرق السودان لهدوئه وسلامه النسبي ..رأس الرمح في الاستثمار الزراعي كان في مدينة طوكر المشهورة بمنتجاتها الزراعية العضوية organic وكان التركيز فيه على فاكهة (الفراولة) التي أكدت الأبحاث الزراعية عن ملائمة المناخ والتربة على نجاحها .المياه أيضا كانت ضمن أولويات المستثمر الخليجي وهو التركيز الى الحل النهائي لأزمة مياه بورتسودان وربما كل الشرق بمد أنبوب من المياه من النيل ..في مجال تطوير أداء الميناء كانت خطة المستثمر توفير كل المعينات من الرافعات وتوسيع المواعين بإدخال أحدث تكنولوجيا الصادر والوارد .
(4)
على صعيد التعليم فقد ركز المستثمر على جامعة البحر الأحمر التي توقفت عمليات تشييد مقرها في قرية كليناييب (5 كيلومترات جنوب بورتسودان ) لضيق ذات اليد لتكون مأوى للكلاب الضالة والهوام وعوامل التعرية جعلتها على مرمى حجر من آثار سواكن ..الخطة هنا انتشال الجامعة من وهدتها بتوفير كل المعامل والمكتبات ومراكز البحث والكوادر المتخصصة .. ولكن آه ثم آه فسرعان ما انتهت كل هذه الطموحات المشروعة الى لا شيء فما كل ما يتمناه المرأ يدركه فقد تحول الحلم الى كابوس لنستيقظ على واقعنا المرير الذي نعيشه بنفي السفارة الخليجية الخبر جملة وتفصيلا .
(5)
واقعة الحلم الأخضر والنفي الأسود يفتح على مصراعيه جدوى الاستثمار في السودان ويترك علامة استفهام حائرة حتى قبل أن تتلبد سمائنا بالصراعات السياسية العبثية حول أسباب فشل الاستثمار رغم الموارد الزراعية والحيوانية والمعدنية المهولة والمتنوعة التي حباها الله بلادنا يواكبه أيضا فشلنا الذريع الفاضح في استغلال الموقع الاستراتيجي النادر للسودان وقربه من أكثر أسواق العالم استهلاكا.
(6)
اذا تحدثنا عن طوكر المستهدفة بعيدا عن مشاريع الاستثمار العملاقة في الجزيرة والشمالية والقضارف فهي أرض بكر معظم أراضيها بور لقلة الإمكانيات ومنتجاتها الزراعية عضوية وهي المطلوبة في الأسواق العالمية فضلا عم موقعها الجغرافي المميز فهي على فركة كعب من أسواق الخليج على بعد 500 كيلومتر فقط .. جرت العادة أنه بعد الحصاد وفي نهاية الموسم الزراعي تواجه منتجاتها الزراعية من خضر وفاكهة عالية الجودة أزمة تسويق فهي تفيض عن الاحتياجات الفعلية لمدينة بورتسودان فيبدأ المزارعون ركضهم العشوائي نحو الأسواق البعيدة في الخرطوم للخروج بأقل خسائر.
(7)
ستصاب بخيبة أمل كبرى اذا كنت مثلي تبحث عن السودان في أسواق الخليج فالفلفل الأخضر والشطة والبصل الأخضر والبامية والكرمب المعروضة في (فترينات) البيع اللامعة في الأسواق قادمة من سريلانكا والهند وسيرتفع ضغطك اذا علمت ان بلدا مثل الشقيقة السعودية يستورد الدجاج اللاحم من البرازيل ولكن اللافت هنا ان العملية لا تتم عبر الشحن الجوي كما يعتقد الكثيرين بل لجأت البرازيل الى بديل أشبه بالخيال العلمي وهو الشحن البحري ولأن المسافة طويلة تقدر بعشرة آلاف كيلومتر تقطعها السفينة في شهرين فان الشحنة في بداية الرحلة هي بيض يتم وضعه داخل السفينة وفي الطريق يتم تعريضه لدرجة حرارة معينة داخل فقاسات معدة سلفا حتى يتحول الى كتاكيت يتم تغذيتها حتى تشب عن الطوق وتنمو لتصبح دجاجة كاملة الدسم على مشارف السعودية فيتم ذبحها وتنظيفها وشحنها داخل كراتين مكتوب عليها منتج برازيلي product of brazil .
(8)
المشهد هنا لعالم يمتلك إرادة ويؤمن بتطوير الذات والارتقاء بإنسانه الى سماوات ليست لها سقوف ولكن الأمر يختلف عندنا تماما فهو النقيض وهو الاتجاه المعاكس ..وأقولها ويعترف بها الجميع أننا فشلنا في قضية الاستثمار وفشلنا في توظيف موقعنا الاستراتيجي وسمعنا ما تشيب له رؤوس الأجنة في أرحام النساء من فساد وذمم منحطة وسلوكيات قذرة دفعت الكثير من المستثمرين يحمدون الله أنهم هربوا أحياء بجلودهم بعد أن أحاطت بهم ذئاب الاستلام (تحت التربيزة) كشرط لتطبيق الاتفاقيات ..أحد هؤلاء أصدر شريطا مسجلا لم يكتفي فيه بتوجيه أصابع الفساد الى مسئولي الاستثمار في السودان بل ذهب بانهم مرضى بداء الحسد والعياذ بالله .
(9)
نحن اخصائيون في اهدار الفرص حينما تأتينا على طبق من الذهب ..قبل شهرين من اندلاع الحرب اللعينة التي دفنت وتحت أعماق سحيقة من الأرض مقولة (السودان سلة غذاء العالم) رأيت في التلفاز رجلا قيل انه رئيس اتحاد نقابة المزارعين في حالة مزرية يشكو الى طوب الأرض ويستنجد بالبرهان بالتدخل السريع لإنقاذ الآلاف من المزارعين من السجن والسبب و يا لغرابة الأسباب انهم عاجزون عن دفع سلفيات البنوك بعد أن تدهورت أسعار البصل لضخامة الإنتاج ..الذي يلفت النظر هنا أن الطفرة الإنتاجية هنا جاءت مواكبة لقرار دولة خليجية بإلغاء عقد استيراد بصل من مصر مما جعل السوق مكشوفا أمام التاجر السوداني لتوظيفه لصالحه ولكن كل ذلك تحطم على صخرة الفساد واللامبالاة واللا تخطيط فطارت الفرصة وذهبت أدراج الرياح توسلات رئيس النقابة .
(10)
رغم توفر عناصر الإنتاج من أرض خصبة ومياه وفيرة ومناخ ملائم متنوع وثروات حيوانية وغابية ومعدنية فالإشكالية تكمن هنا في عقلية أجهزة التشريع والتنفيذ مع ضعف الرقابة ..الشاهد ان دولة مثل سنغافورة عديمة الموارد وكان يجمعها اتحاد مع ماليزيا ولكن الأخيرة طردتها لفقرها ولكن وبعكس كل التوقعات أصبحت الدولة التي لا تتجاوز مساحتها (عشر) مساحة امارة دبي الأكثر نجاحا في تاريخ البشرية خلال مدة وجيزة من عمر الدول ...يكشف (لي كوان يو) مؤسس الدولة عن الخلطة السرية فيقول ان رهاننا على أسس نهضتنا لم يكن على الموارد الطبيعية ولكن على العنصر البشري والحوكمة والشفافية وتطوير قدرات الانسان الذي يجر عجلات التنمية .
مدخل للمغادرة
بعد التحاقي بجريدة الصحافة عقب التخرج من الجامعة كلفني رئيس التحرير وقتها الراحل محمد الحسن أحمد ذات مرة اجراء حوار مع مدير منظمة الزراعة والأغذية (الفاو) ..سألته ماهي المساعدات التي تقدمها المنظمة للسودان فأجاب الدراسات والبحوث والتوصيات ثم صمت برهة وقال لي لديكم منطقة اسمها جبل مرة تنتج برتقال أبوصرة ووالله اذا قطعت برتقالة في راحة كفك فانك لن تستطيع استعادة استقامة راحة الكف بسبب تركيز السكر الناتج من العصير ..لكن للأسف تستوردون البرتقال من بلدي لبنان . فما حيلتنا اذن مع القائد (المظفر) محمد نور المشهور بمستر نو MR NO وجاره (الكومنادور) الحلو الذي لم يجد اعتراضا على نظم الحكم سوى الغاء البسملة وتغيير الاجازة من الجمعة الى الأربعاء. ولكن رغم اختلاف الرؤى بين الاثنين فان الذي يجمع بينهما هو رفض الأنظمة المدنية والعسكرية.
oabuzinap@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
شات بيت الصيني وإعادة تعريف الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي
في ظل احتدام سباق التسلح التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، يبرز الذكاء الاصطناعي كجبهة مركزية لتحقيق الهيمنة على المستوى الدولي، ولم يعد تحقيق التفوق في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مجرد ترف قومي، بل محددا جوهريا في سياق التنافس الإستراتيجي بين الدول العظمى لرسم حدود مكانتها في النظام الدولي.
ويظهر جليا أن الصين استثمرت بشكل مفرط في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها العسكرية، معتمدةً على الابتكارات المحلية جنبا إلى جنب مع تكييف وتطويع التقنيات الغربية وذلك في سبيل تسريع عملية اللحاق الإستراتيجية مع الغرب والتي تعد البوصلة القومية لبكين في الوقت الراهن.
ومن بين آخر المنجزات الصينية في هذا السياق، ما تم الكشف عنه من تطوير العلماء الصينيين لنموذج "شات بيت" (ChatBIT)، وهو نظام ذكاء اصطناعي للاستخدامات العسكرية مبني على نموذج "لاما 2" مفتوح المصدر الذي طورته شركة ميتا (Meta).
شات بيتيمثل هذا المشروع مثالا حيويا على كيفية دمج الذكاء الاصطناعي المتقدم ضمن الإستراتيجيات الدفاعية، مما يعيد تشكيل ملامح الحروب الحديثة ويمهد الطريق لإعادة تعريف ميزان التفوق التكنولوجي والأمني التقليدي.
وفي الحقيقة، تعكس حالة "شات بيت" تحولا نوعيًا في الديناميكيات العسكرية، فإتاحة النماذج مفتوحة المصدر أصبحت تُمكّن الدول ذات الموارد المحدودة نسبيًا من تحقيق تفوق عملياتي في مجالات معينة.
إعلانفمن خلال تكييف نموذج "لاما 2" ليناسب الاحتياجات العسكرية، أظهر الباحثون الصينيون الإمكانات الكبيرة لهذه المصادر، مما أثار نقاشات واسعة حول الاعتبارات الأخلاقية والتداعيات الأمنية والإستراتيجية لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري في حال انتهجت دول أخرى المسار ذاته، وأصبحت هذه النماذج ميدانا للتنافس العسكري والإستراتيجي.
في واشطن، كانت أصداء هذا الكشف التكنولوجي الصيني مزيجا من الانزعاج، والترقب والقلق. فالولايات المتحدة التي تعد رائدة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عالميا تستشعر الضغط الممارس عليها من قبل الصين.
وتسير الصين بخطوات متسارعة وثابتة وغير قلقة لتحقيق التفوق التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي وذلك لقناعة قومية متأصلة بأن مصير الحروب في المستقبل سوف يكون رهينا لتطور الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا يشير الكتاب الأبيض الصادر عام 2019 بعنوان "الدفاع الوطني الصيني لعصر جديد" إلى أن الحروب الحديثة تتجه بشكل متزايد نحو مجالات أكثر ارتباطا بالأنظمة الإعلامية والذكاء الاصطناعي، مما يتطلب تحقيق تقدم كبير في أتمتة العمليات، وتطوير نظم المعلومات، وتعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي.
"شات بيت" هو نظام ذكاء اصطناعي للاستخدامات العسكرية مبني على نموذج "لاما 2" (شترستوك)وبالعود إلى نموذج "شات بيت" فقد تم تطويره بواسطة باحثين تابعين للجيش الصيني، معتمدين على نموذج "لاما 2" المفتوح المصدر الذي طورته شركة ميتا لكسر احتكار شركتي غوغل وأوبن إيه آي (Open AI) للنماذج الكبيرة.
ويأتي تطوير "شات بيت" من أجل تلبية احتياجات عسكرية محددة تشمل معالجة كميات ضخمة من البيانات بدقة عالية، والاستجابة للاستفسارات المعقدة في البيئات العملياتية.
بعبارة أخرى، صمم هذا النموذج لتوفير حلول فعالة للتحديات المعقدة التي تواجهها القوات المسلحة، بما في ذلك تحليل البيانات الاستخباراتية متعددة المصادر، وتقديم التوصيات التكتيكية، ودعم العمليات المشتركة التي تتطلب مستوى عاليا من التنسيق والدقة.
إعلانيُظهر "شات بيت" قدرة الصين على تكييف التقنيات التجارية المفتوحة المصدر بما يتماشى مع أولوياتها الإستراتيجية، مما أتاح لها التفوق على نماذج منافسة مثل "فيكونيا-13 بي" (Vicuna-13B)، لا سيما في المهام الاستخباراتية والعملياتية ذات الطابع العسكري.
كما أن نتائج "شات بيت" لامست حاجز الـ90% فيما يتعلق بدقة الإجابات مقارنة مع نموذج "جي بي تي-4 أو" (GPT-4o) بالرغم من الفرق الكبير بينهما من حيث قوة معالجة التوكين.
ويمتاز نموذج لاما 2 الذي اعتمد عليه "شات بيت" بسعة 13 مليار توكين فقط في مقابل نموذج "جي بي تي-4 أو" بـ405 مليارات توكين.
نتائج "شات بيت" لامست حاجز الـ90% فيما يتعلق بدقة الإجابات مقارنة مع نموذج "جي بي تي-4 أو" (شترستوك) الاستخدامات العسكرية لنموذج "شات بيت"على مدار آلاف السنين، كانت السمة الرئيسية الملتصقة بالحروب هي الضبابية، فالتعامل مع ضبابية الحرب كان ومازال عاملا حاسما في كسب المعارك وبالتالي حسم نتيجة المعركة.
وتتعلق ضبابية الحرب بداية بمعرفة نوايا الخصم، ومن ثم تحركاته، وخططه العسكرية، وأخيرا الإدراك الظرفي لمجريات المعارك في ساحات القتال.
اليوم يجري تطويع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتغلب على ضبابية الحرب من خلال رصد نوايا العدو، والتنبؤ بتحركاته بشكل مسبق، وتوفير إدارة ذكية للمعارك تحافظ على الوعي الظرفي، وتقليص الوقت اللازم في معادلة رصد الهدف ومن ثم تحييده والتي تسمى اختصارا بحلقة أودا (OODA).
بناء على المعلومات المتوفرة عن نموذج "شات بيت"، يمكن تلخيص دوره في العمل العسكري في النقاط التالية:
اتخاذ القرارات بسرعة ودقة: يُعزز "شات بيت" وعي القادة بساحة المعركة من خلال تقديم تحليل فوري ودقيق للبيانات، مما يساعد في تخطيط المهام بشكل مستقل ودعم القرارات التشغيلية تحت ظروف معقدة. دمج المعلومات من مصادر متعددة: يدعم النموذج دمج وتحليل البيانات من مجموعة واسعة من المصادر مثل الأقمار الصناعية، والاستخبارات السيبرانية، وشبكات الاتصالات، مما يوفر رؤية شاملة للعمليات العسكرية المشتركة. دعم العمليات المشتركة: يُمكن النموذج من تحسين التنسيق بين الأنظمة المختلفة في العمليات المشتركة (Multi-domain Operations)، بما يتماشى مع "دليل العمليات المشتركة لجيش التحرير الشعبي"، الذي دخل مرحلة التطبيق التجريبي في عام 2020. الاستخدام النفسي والإعلامي: يُستخدم "شات بيت" لإجراء عمليات التأثير الإستراتيجي من خلال إنتاج محتوى يعزز الروايات المؤثرة ويُضعف معنويات الخصوم، بالإضافة إلى تبسيط استخراج وتحليل البيانات لدعم الاستخبارات. التنبؤ الأمني وتحليل البيانات: يُسهم النموذج في تحسين الوعي الأمني عبر تحليل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وتسجيلات كاميرات المراقبة وسجلات الجرائم، مما يُتيح اتخاذ قرارات استباقية أكثر رشدا. الحرب الإلكترونية: يدعم "شات بيت" إستراتيجيات التشويش الدفاعية والهجومية. فقد أظهرت التجارب الصينية تحسينا في كفاءة التشويش الإلكتروني من خلال استخدام هذا النموذج بنسبة تتراوح بين 25-31%. الحوار العسكري والاستخبارات المفتوحة: صُمم "شات بيت" ليكون أداة فعّالة للحوار العسكري وجمع المعلومات الاستخباراتية المفتوحة، مما يجعله نموذجا محوريا في دعم تحليل المواقف والعمليات العسكرية. شات بيت يسهم في تحسين الوعي الأمني عبر تحليل منشورات وسائل التواصل وتسجيلات كاميرات المراقبة (شترستوك)ولكن وعلى الرغم من الإمكانات الكبيرة التي أظهرها "شات بيت"، فإنه يعاني من بعض القيود ويواجه بعض التحديات التي تؤثر على فعاليته في السياقات العسكرية المتقدمة:
إعلان أولا، يعتمد "شات بيت" بشكل كبير على البيانات المفتوحة المصدر، مما يحد من قدرته على التعامل مع السيناريوهات التي تتطلب معلومات سرية أو مصنفة عسكريا.هذا الاعتماد على البيانات المتاحة بشكل علني قد يقلل من كفاءته في العمليات التي تتطلب مستوى عاليا من الخصوصية والأمان، ويطرح تساؤلات حول مدى دقته.
ثانيا، قد يكون "شات بيت" عرضة لهجمات سيبرانية أو محاولات تلاعب من قبل الخصوم أو ما يسمى بـ"الهجوم العدائي" (Adversarial Attacks) بما في ذلك استغلال نقاط الضعف لنشر معلومات مضللة أو تشويش على خصائص استجابة النموذج.وتعتبر هذه الثغرات جزءًا من التحديات الأوسع التي تواجه الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات العسكرية، حيث يسعى الخصوم بشكل مستمر لإيجاد واستغلال نقاط الضعف التكنولوجية لتعطيل، وخداع أو حتى إضعاف الأنظمة الذكية.
ويتطلب التعامل مع هذه التحديات تطوير إستراتيجيات متقدمة للأمن السيبراني وتعزيز قدرة النموذج على التعامل مع محاولات التلاعب والمعلومات الزائفة، وهذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى عملية أمننة خاصة به تنقله من مستوى أداة لتعزيز الأمن إلى مادة تحتاج إلى تأمين بحد ذاتها.
وإلى جانب التحديات التقنية، يثير "شات بيت" قضايا أخلاقية حاسمة تتعلق بالاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، فالطبيعة المزدوجة لتقنيات الذكاء الاصطناعي تجعلها قابلة للاستخدام في الأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء، مما يطرح تساؤلات حول كيفية منع إساءة استخدامها في عمليات قد تنتهك حقوق الإنسان أو تؤدي إلى تصعيد النزاعات المسلحة.
وفي هذا السياق، يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل على تطوير أطر حوكمة تتعامل مع هذه التحديات -وهنا قد يُشكك في قدرة المجتمع الدولي على القيام بذلك في المدى المنظور-، مع وضع ضوابط للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.
إعلانوحاليًا، هناك جهود متزايدة من قبل المنظمات الدولية لمناقشة وضع معايير تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، لكنها لا تزال في مراحلها الأولية وتفتقر إلى توافق دولي واضح.
وربما يعد التوافق الأخير بين الولايات المتحدة والصين فيما يتعلق بتجنيب استخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة النووية مؤشرا إيجابيا على جدية القوى العظمى في تحقيق توافق دولي حول الذكاء الاصطناعي العسكري ولكنه لا يكفي.
مستقبل تقنيات شات بوت العسكريةمن المتوقع أن تشهد تقنيات "شات بيت" والنماذج المشابهة تطورات كبيرة خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، مما سيعزز من دورها في العمليات العسكرية بشكل كبير.
ويُرجح أن تتطور هذه النماذج لتصبح أنظمة أكثر استقلالية، قادرة ليس فقط على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، ولكن أيضًا على التنبؤ بتحركات الخصوم بدقة غير مسبوقة بفضل تقنيات التعلم الآلي المتقدمة كالتعلم العميق وغيرها.
كما أن دمجها مع تقنيات ناشئة مثل الحوسبة الكمية، وتكنولوجيا النانو، والميتافيرس يمكن أن يُحدث قفزة نوعية في سرعة المعالجة ودقة اتخاذ القرارات، مما يسمح باستجابات أسرع في سيناريوهات المعارك الديناميكية خصوصا في ظل تشابك المجالات العسكرية الخمس: البرية، والبحرية، والجوية، والسيبرانية، والفضائية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير نماذج ذكاء اصطناعي خفيفة الوزن مخصصة للحوسبة الطرفية (Edge Computing) سيتيح استخدامها في البيئات ذات الموارد المحدودة، مثل العمليات الميدانية الأمامية أو مهام الاستطلاع في المناطق النائية.
كما ستعزز قدرات معالجة اللغة الطبيعية المتطورة (NLP) من كفاءة هذه النماذج في التعامل مع المهام الاستخباراتية متعددة اللغات، مما يزيل الحواجز اللغوية في العمليات المشتركة بين الدول.
في الختام، فإن التطورات المتعلقة بـ"شات بيت" وغيرها من النماذج الشبيهة تدفع بالمجتمع الدولي إلى مواجهة تحديات جديدة في سياق تنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي، خاصة مع استمرار الصين في توسيع حدود الابتكار لتعزيز تفوقها الإستراتيجي. ولذلك، تظهر حاجة ماسة إلى تطوير سياسات دولية تحكم الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي، وتطوير معايير لآليات الشفافية والمساءلة.
إعلانويعكس تطوير "شات بيت" في النهاية القدرة على تطويع التكنولوجيا الحديثة لتلبية احتياجات إستراتيجية، مما يجعله حجر زاوية في فهم ديناميكيات سباق التسلح التكنولوجي المستمر بين القوى العالمية الكبرى لا سيما الصين والولايات المتحدة.