بقلم : محمد بدوي

(1)
أشار صديقي محمد بشارة بإيماءة من رأسه إلي الإضاءة المنبعثة من الجانب الأيمن، نحو الشط الآخر لنهر شاري ثم قال يا " خي " ديك " ترا " ،كسري "ديك تتشاف، ولا جوه الكميرون" في اشارة الي بوثري التي تتراي مصابيح إضاءتها من داخل حدود دولة الكاميرون، كان الإضوء المنبعث من الشوارع والمحال قد بددت حلول الظلام، جاء حديثنا في توقيت عقب دقائق لم تتعد السابعة مساءاً، كانت الشوارع قد تخلصت من زحام الطرقات حال القيادة نحو وسط مدينة أنجمينا العاصمة التشادية، كنا قد فرغنا من تناول وجبة العشاء في احد المحال الشعبية والتي اختارها، علما المسافة بين انجمينا وبوثري يفصلها النهر كما هو الحال بين مدن الخرطوم الثلاث( الخرطوم، امدرمان والخرطوم بحري) على الفور عادت الذاكرة إلي صديق اخر وهو محمد آدم الملقب ب" كمبود" والتي تعني ثمار العرديب في طورها الطري قبل النضوج ، تقابلنا في مدينة الجنينة بغرب دارفور حينما اذنت الثورة بذلك في ٢٠٢١، غادر " كمبود" السودان إلي تشاد عقب تمكنه في مايو 2024 من المغادرة سالما عقب اندلاع الحرب في الجنينة، نقل الي بؤس الحال عبر حديثه الهاتفي من هول ما راي من أهوال الحرب فقرر المغادرة إلي الولايات المتحدة الأمريكية ففعلها قبل ثلاث أشهر، "كمبود" احد الشباب الثوار في ديسمبر المجيد2018 والفاعلين في المشهد الثقافي بالجنينة، كان عقب تخرجه من الجامعة انخرط في التجارة الحدودية بين السودان وغرب افريقيا، لم ينسه ذلك اهتمامه بالثقافة والاطلاع والمثابرة على تطوير نفسه، فقد كان ملما حينها بالعربية والعربية التشادية ولغة الايرنقا، سافر في 2021 إلي دولة كينيا ليمكث عاما لتعلم الانجليزية، نظم تجارته بأن جعلها مشروعات يشاركه فيها أفراد اسرته و شقيقه وخاله ليتفرغ للدراسة، عاد من نيروبي العاصمة الكينية إلي مدينة الجنينة فداهمته كما داهمت السودان واصدقائه المحبين حرب ابريل2032.


كنت قد اتصلت عليه مطمئنا فاخبرني بأنه بخير رغم قسوة الحال في مدينته الجنينة، وانه تمكن من إخراج البضائع من المخازن لتعبر الحدود التي لا تتعدي ٢٨ كيلو مترا بين الجنينة ومعبر ادري الحدودي مع تشاد، إسترسلنا في الانس فاخبرني بأنه متواجد في دولة الكاميرون، واصل الحديث لادرك بأن اصل تجارته هو التمر الذي يزرع في شمال السودان ويقوم بتصديرها عبر الحدود إلي الكاميرون عابرة دولة تشاد، وفي رحلة الاياب يعود محملا بالبن الي سوق الجنينة، لاحظ اندهاشي فقال معقبا "أن المشتركات بين الشعوب قديمة وراسخة بما يجعل اللغات المشتركة عاملا حاسما في نجاح التجارة الحدودية بينها"

(2)
التفت إلي صديقي محمد بشارة وهو يقود بنا السيارة برفقة ارنولد، قائلا "يبدو أن ترسيم الحدود هو الذي أسهم في تقسيم المجموعات السكانية في أفريقيا"، أجبت بالايجاب، و دون مقدمات كأنه كان في انتظار إفراغ دهشتي ليسالني من الفنان السوداني صديق احمد وغيابه، ثم أضاف "لقد رحل جيل من الفنانيين السودانيين و الذين ساهموا في تشكيل ذائقتنا الفنية " فانتبهت إلي شاشة مشغل الموسيقي بالسيارة الذي كان يكشف عن المغنيين وأسماء الاغاني، فأخذت في تحريكه بعد الاستئذان، فكان محمد وردي على قائمة التشغيل تلاه سيد خليفة، مكارم بشير، زيدان إبراهيم ،عبدالله البعيو، إضافة إلي الفنان السعودي محمد عبده، ابتسمت فقال بعربية تشادية لدنه وودودة كعزف كمان ( دول بس المن القمنا نسمع ليهم)

(3)
في باحة الفندق الذي اقمنا فيه مع صديقي ارنولد، أوقف بشارة محرك السيارة، ودعناه لكنه اضاف مما أخذنا في التمهل عقب، نهر شاري ملاصق لهذا الفندق يمكنكم رؤية الكاميرون على الضفة الاخري، قبل مغادرتنا في اليوم الثاني، كانت آخر لحظات مغادرتنا قد ختمناها قاصدين الجانب الشرقي للفندق، حيث فصل سياج من الحديد بين الفندق وضفة النهر، استئذنا احد الشبان الذين كانوا يعملون في تهذيب الاشجار ورمي الاغصان بالخارج قرب ضفة النهر، السماح لنا بالعبور عبر الباب الذي يشرف عليه للخروج إلي جانب النهر، كانت بوثري في الموعد على مرأي الضفة الاخري، إلتقط لنا ذات الشاب من الذين كانوا يعيدون (تسريحة الاشجار والازدهار) صور لنا وقد أمنا ( قفانا) بوثري في حين ظلت اقدامنا تقف في تراب انجمينا، فاثار ذلك شغف ارنولد الذي تتبع مسار النهر على محرك البحث قوقل ليجده عابرا من الشرق إلي الغرب التشادي، فاستغرغت في التفكير حول ارتباط ذلك ووادي باري الذي يعبر بمدينة الجنينة إلي تشاد وهو يتفرع حينا في مناطق فرشنا، مره ،وأم ليونه، وشتيت، وينحسر في مناطق أخري عند مدخل مدينة ادري من ناحية الشرق، ومشهد الجبال والخضرة والابل والماعز والخراف أعادتني الي حزام السافنا الغني الذي مثلته اشجار التبلدي بضخامتها حضورا بهيا وازي جفاف الحراز وادخاره الخضرة لما بعد الخريف فكانه قصد أن يتالق حين تجف الاشجار ليعيد للبيئة توازنها .

(4)
مدينة انجمينا العاصمة ِسير لتاريخ ظل قيد الشفاهية، آثار ذلك انتباهي فما إن التقطت أنفاسي هرعت متصلا باحد الاصدقاء خالد التجاني صالح ابواليمن الذي لجا إليها من مدينة الفاشر عقب الحرب، كان لقاء سريعا لاداء واجب العزاء في فقيديه والده ووالدته لهما الرحمة ، تركته وبيننا الوعد على اللقاء عقب عودتي من شرق البلاد خلال ايام ، وقد كان ذلك ، وجدته في حارة "مرجان دفق" أحد أحياء وسط المدينة، تسالمنا ثم سرنا خطوات من الشارع الرئيسي حيث المنزل الذي يبعد خطوات، كان منزل عمه وعمنا خليل على محمد نور الشهير " بخليل ديغول"، والذي ظل حتي رحيله (الف رحمة ونور) لما قارب "٤٥" عاما، كثر السودانيين و من سكان مدينة الفاشر لجوء إلي مدن الجارة تشاد ، او " السودان الغربي" في اليوم الثالي بادرت بالاتصال بأسرة صديقي "يامن " الذي توزعت اسرته بسبب الحرب كغيرهم من السودانيين في انحاء عديدة منها أنجمينا، بينما استقر به الحال في الضفة الشريقة للقارة الافريقية ليس بعيد من خط الاستواء، كانت الزيارة ايضا لاداء واجب عزاء ثان، التقيت والدة " يامن" معزيا في زوجها،عم ابراهيم الذي رحل بالقاهرة بعد أن ذهب إليها مستشفيا قبل الحرب ولم يتمكن من العودة للسودان، سالتني من جدتي لأمي ولاني كنت أعلم مسبقا بانها جدتها أيضا لم استغرب لكن كان حديثها موجها لابنائها المتواجدين من ابنائها للالمام بالعلاقة التي كانوا يرونها في سياق صداقتي بشقيهم فقط، وقد هممت بالمغادرة اذا بها تناديني لالقي التحية على امرأة سودانية لجأت من الفاشر الي انجمينا عقب الحرب ، انتظرتها ريثما نزلت من الطابق الأعلي، كانت هي من استضافت جدتي لأمي بأحد أحياء الفاشر جنوب عقب نزوح جدتي من منزلها بوسط المدينة عقب بدأ الحرب واستهداف المدنيين ، فهاهي صاحبة المنزل الأمن تلجأ إلي تشاد وجدتي إلي ليبيا وسنون عمرها تحتفي عافية ببلوغ المائة عام في 2024.

(5)
علاقة مدن دارفور بما فيها الفاشر الجوار الغربي والشمال روابطها الدم المشترك وتاريخها التجارة الحدودية والصوفية ونشاطها طرق الحج من الغرب نحو مكه التي كرمت باللقب فاكرمها السلطان على دينار بالكساء محملا، فامتداد العلاقات بين الدول وجدانا لم ولن تسلبه الحدود بريقا أو ألق، وأنا اتجول في احياء انجمينا جال بخاطري ما ظل يحيكه لنا العم والخال الراحل التجاني على بدوي عن سنين عشقه لتشاد برفقة والده على بدوي الذين ذهبوا إليها تجار عابرين للحدود من الفاشر التي كانت محطة تتوسط المسافة بين أسوان وانجمينا، كم ادهشتنا ترجمته للحوارات من الفرنسية في سياق الحكي، مرت السنون ويعود إلي الفاشر عمنا وخالنا سيد عبدالرحمن " سيد فرنسا " بصحبة والدته روضة بعد وفاة والده عبدالرحمن محمود زين العابدين بتشاد التي ذهب إليها ايضا تاجرا ومكث فيها حتي اسلم الروح بها، "سيد فرنسا " لقب ارتبط بتحدثه الفرنسية وإطلاق " السودان الغربي أوالفرنسي" على تشاد ولا سيما من قبل التجار، فاتني رغم حرصي لقاء احد أصدقاء الطفولة بالفاشر محمد بخيت الذي رجح الانتماء المشترك إلي تشاد ليقم بها، فقد ترددت على مكان تواجده بالسوق الكبير في توقيت أبكر من حضوره المعتاد، الجايات بخيرا فالذاكرة لا تزال مشبعة بذكريات الدافوري بشارع نادي النهضة بحي كفوت بالفاشر ، عذرا يا محمد فقد طال القصف نادي النهضة قبل ايام قلائل فهوت مبانية، التي شيدت في زمن غابر بحفلات خيرية احياءها كمال كيلا، وصلاح مصطفي واخرين في توقيت مختلفة من السبعينات.

(5)
مدينة ابشي في مقاطعة وداي، تستقبلك بعبق التاريخ، فهي سيرة ما ان تذكر والا تشير صفحات التاريخ الي المدن التاريخية القديمة من باماكو، ابشي ، الفاشر، النهود، بربر، هيا وغيرها، يلفت انتباهك تخطيطها الذي جعل الشوارع في وساع الترحاب وأفراد المساحة للهواء العليل لينفذ إلي المساكن في يسر ، وسط المدينة يحتضن التقاطع الرئيسي الذي يقود غربا عبر شارع الاسفلت إلي انجمينا العاصمة، وشرقها إلي مدينة ادري اما جنوبا في قوز بيضة، عبق العراقة وسام على صدر أبشي حتي اخمص قدمها، فالمبان القديمة التي ربما يجدر على اليونسكو الانتباه الي سجلها الاثري، ميدان كرة السلة والطائرة بالكنيسة الكاثلوكية مشغولة في الامسيات، ومياديين كرة القدم الصغيرة تبدأ فعالياتها في الثامنة مساء عقب فريضة العشاء، أغنيات لمغنيين سودانيين تصدح على أنغام الكيبورد في حفلات أعراس يحيها مغنيات ومغنيين تشاديين، طقوس السيرة والزغاريد البهيجة، ميدان الحرية الذي يحاصرة البائعة الجئليين او المستقرين على الرصيف، الركشات الصفراء اللون، الاحياء التي تشبه مبانيها كل مدن السودان مع خصويتها في نسق Arch الذي يربطها بباماكو فكانها تجسير يبرط بين محمد وردي وسالف كيتا ومانو ديبانقو ، ابشي احتفظت بحيويتها فظلت كثير من الامكنة كحال سودان ما قبل سبتمبر 1983، في المساء وعقب ميقيات صلاة المغرب استقبلنا ببشر حاكم ابشي " بشر على سليمان" في منزله بترحاب ونكهة الشاي الاخضر، جلسنا على بساط ملوكي على الارض، تجاذبنا الحديث في تقدير لما يربط البلدان من علائق، بصم على صدق الحديث حينما باغتني احد الشخصين المرافقين له ميمنة وميسرة بأنه سبق وأن تقابلنا أثناء زيارة عمل لي لسجن شالا الاتحادي بالفاشر في ٢٠٠٥، عدا ذلك ظل البوليس هو البوليس في غالب الامكنة "أن وجدتموه نائما فأتركوه."

badawi0050@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي

شعر المديح النبوى وقصائد المولودياتتناول أشهر الكتب لشخصية النبيالجماعة الشعبية والمولد النبوى.. ثقافة خاصة بالمصريين

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ/ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ/ الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ/ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ

هو خير الدنيا ومنقذها من ظلمات الجهل والضياع، وشفيع الأنام ومنقذهم من جحيم المآل...

سيد ولد آدم، الرحمة المهداة من رب العالمين، محمد بن عبدالله، خاتم الأنبياء واللبنة المكملة لبناء الله فى أرضه..

ولأنه أعظم من مُنيت به البشرية على مر التاريخ، بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء؛ لذا يزخر الأدب العربى عامة بسيرة وشخصية النبى محمد، مدحًا ووصفًا واحتفاء، نثرًا وشعرًا، فكتب عنه وفيه أشهر المفكرين والشعراء، منذ تجلى على الدنيا وحتى تقوم الساعة..

ففى كتابه «المدائح النبوية فى الأدب العربي» يذكر الدكتور زكى مبارك «أن المديح النبوي هو فن «من فنون الشعر التى أذاعها التصوف، فهى لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص»، وهو بذلك لا يشبه المدح العادى الذى قد يقترن كثيرًا بالتملق للسلاطين والأمراء، فهو مدح اختص به الرسول الكريم ويقوم فى الأساس على العشق المصطفوى والانغماس فيه.

* ظهور شعر المديح النبوي

ولم يظهر شعر المديح النبوى أثناء فترة الرسالة الشريفة، بل ظهر حتى قبل مولد الرسول وأثناء طفولته، فنرى أن جده عبد المطلب وعمه أبو طالب لهما قصائد شهيرة يمدحان فيها الرسول، إلا أن المديح النبوى لم يكتسب الصفة المتعارف عليها الآن إلا فى عصر النبوة المتأخر مع ظهور شعراء فطاحل وهم من الصحابة وعلى رأسهم ابن عم الرسول الإمام على بن أبى طالب وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وعبد الله بن رواحة. ثم سرعان ما اشتهر هذا النوع من الشعر متأخرًا مع شعراء المديح النبوي، وهم متأخرون، البوصيرى وابن الفارض والشريف الرضا وعبد الله الحموى وابن نباتة المصرى وأحمد شوقى.

* بانت سعاد

وتعد أشهر قصيدة مدح نظمت فى التاريخ الإسلامى بل وقيلت فى زمن النبوة وألقيت على سمع الرسول وأعجب بها، هى قصيدة «بانت سعاد» للصحابى والشاعر الكبير كعب بن زهير، وهو ابن زهير بن أبى سلمى صاحب المعلقة الشهيرة.

وألقيت القصيدة عام 8 هجريا على مسامع الرسول، وقد اشتهرت باسم البردة لأن النبى أعجب بها وخلع بردته وأعطاها لكعب بن زهير مكافأة له على هذه القصيدة. لكن قبل ذلك لم تنظم القصيدة أصلًا إلا فى سبيل النجاة من القتل، حيث إن كعبًا خرج هو وأخوه بُجَير إلى رسول الله حتى بلغا مكانا بين البصرة والمدينة المنورة فقال كعب لبُجَير «الْحَقِ الرجل (يعنى رسول الله) وأنا مقيم ها هنا، فانظر ما يقول لك. فقدِمَ بجير على رسول الله فسمع منه وأسلم، وبلغ ذلك كعبًا فقال:

مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّى بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتَ بِالْخَيْفِ هَلْ لَكَا

شَرِبْتَ مَعَ الْمَأْمُونِ كَأْسًا رَوِيَّةً فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا

وَخَالَفْتَ أَسْبَابَ الْهُدَى وَاتَّبَعْتَهُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكَا

عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بِآسِفٍ وَلَا قَائِلٍ إِمَّا عَثَرْتَ لَعًا لَكَا

وبعث بها إلى بجير، فكره أن يكتمها رسول الله، فأنشده إياها، ثم قال بجير لكعب:

مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِى الَّتِى تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهْيَ أَحْزَمُ

إِلَى اللهِ — لَا الْعُزَّى وَلَا اللَّاتِ — وَحْدَهُ فَتَنْجُو إِذَا كَانَ النَّجَاةُ وَتَسْلَمُ

لَدَى يَوْمِ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ

فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهْوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ وَدِينُ أَبِى سُلْمَى عَلَيَّ مُحَرَّمُ

فلما بلغ كعبًا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان فى حاضره من عدوِّه، فقالوا: هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدًّا قال قصيدته التى يمدح فيها الرسول، ثم خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل من جهينة، فغدا به إلى رسول الله حين صلى الصبح، فصلى معه، ثم أشار له إلى رسول الله فقال: «هذا رسول الله، قم إليه فاستأمنه». فقام حتى جلس إليه فوضع يده فى يده، وكان رسول الله لا يعرفه، فقال: «يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبًا مسلمًا، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟» فقال رسول الله: «نعم!» فقال: «أنا، يا رسول الله، كعب بن زهير!» ثم أنشده القصيدة التى يبدأ مطلعها بـ:

بانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِى الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ

ويقول بعد أبيات:

إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ

فِى عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَا أَسْلَمُوا زُولُوا

زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ

شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِى الْهَيْجَا سَرَابِيلُ

لَا يَفْرَحُونَ إِذَا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا

يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ

لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِى نُحُورِهِمُ وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ

* المولوديات:

وقد اتسعت دائرة الأدب، وأقبل أرباب الأقلام شعراء وكتابا على كتابة قصائد ذات طابع دينى أهمها: “المولوديات”: وهى قصائد فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، نذكر منها:

* “الدر المنظم فى المولد النبوى المعظم” للعزفي: كتاب مخطوط يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم: 8748 / الرباط.

* مولد نبوي” من تأليف أبى عمران موسى بن أبى على الزناتى الزمورى.

*  “تصليات نبوية” لمالك بن المرحل، وهى قصيدة واردة بتمامها عن المقرى فى كتابه “نفح الطيب”:4 / 450 – 453.

* “القطع المخمسة فى مدح النعال المقدسة” لمحمد ابن الفرج السبتى المتوفى سنة 757 هـ الموافق 1162 م، وهى مجموعة قطع من الطويل، خماسية الأبيات على حروف المعجم، ذكرها المقرى فى كتابه: “أزهار الرياض”: 3 / 228 – 237.

وظلت “المولوديات” أو “العيديات”، فنا شائعا ومرتعا خصبا لمعظم الشعراء، ومن أهم القصائد التى حظيت بالاهتمام الكبير من بعض العلماء وخاصة المغاربة منهم قصيدة “البردة” للبوصيري، وذلك بشرحها وتذييلها، وتقع البردة فى اثنين وثمانين ومائة بيت، فهى من القصائد الطوال، ومطلعها:

آمن تذكر جيران بذرى سلم/ مزجت دمعا جرى من مقلة بدم/ أم هبت الريح من تلقاء كاظمة/ وأومض البرق فى الظلمات من إضم/ فما لعينيك إن قلت اكففا همتا/ وما لقلبك إن قلت استفق يهم/ أيحسب الصب أن الحب منكتم/ ما بين منسجم منه ومضطرم.

وعلى نهجها كتب أحمد شوقى قصيدته الأشهر «نهج البردة»،  وقد استخدم فيها نفس القافية التى استخدمها البوصيري، وجاء مطلعها:

ريمٌ على القاع بين البان والعلمِ/ أحل سفك دمى فى الأشهر الحرمِ

* شخصية الرسول فى النثر العربي

وقد تبدت أيضا شخصية النبى فى النثر العربى الحديث جلية فى عدة أعمال أدبية، مثل: «عبقرية محمد» للعقاد و»فى منزل الوحي»، وحياة محمد» لمحمد حسين هيكل، و»محمد» لتوفيق الحكيم، «محمد» لمصطفى محمود، كما اهتم المسرح أيضا بسيرة وشخصية النبى من خلال عدة مسرحيات منها: «ميلاد النبي» لمحمد محمود زيتون، و»الطائف» لمحمد عبدالغنى حسن، وغيرها.

* المولد النبوى عند الجماعة الشعبية

ويمثل مولد النبى حدثا عظيما فى يقين الجماعة الشعبية، لذا فهى تحتفل به وتبتهج بقدومه بوصفه بركة وخيرا فتقيم الأذكار والمدائح، ويمكن رصد مجموعة من عناصر التراث والمأثور الشعبى التى ترتبط بهذه الذكرى العطرة، حيث تتجلى مظاهرها الشعبية فى مصر، فنجد فى الأدب الشعبي: المديح النبوى المتعلق بميلاده والمعجزات المتعلقة به، وتتنوع هذه الابداعات فى أشكال متعددة منها الموال والمربع والأغنية، كما تتراوح بين الأداء العامى والفصيح، والإنشاد الدينى ونصوص الذكر الصوفى.

ومن أمثلة إبداع الجماعة غناءها فى مولده قول:

وولدته أمينة أمينة تحت ضل التينة.. وسمته النبى محمد أبوعيون كحيلة، وولدته أمينة أمينة وقت الفجرية.. وسمته النبى محمد أبو عيون عسلية.

كما ينتشر سماع الحكايا القصصية الشعبية الخاصة بمعجزات الرسول خاصة فى بعض الاحتفالات التى يقيمها البعض بجوار أضرحة الأولياء أو فى الساحات ابتهاجا بمولد النبى أو كنوع من النذر الذى يقام سنويا، كما يحلو للبعض رسم الحوائط قبل الذهاب لعمرة المولد النبوي، وهناك بعض الحرف والمهن التى تعبر عن فرحة المصريين مثل صناعة الحلوى، كما يرتبط به مجموعة من العادات والتقاليد والمعتقدات والممارسات الشعبية، فالاحتفال بالمولد النبوى يمثل ثقافة خاصة بالمصريين، لا يشبهها أى احتفال فى أى بلد عربى آخر.

هكذا سيظل شهر ربيع الأول من كل عام بشرى سطوع الخير على العالمين، ونورا ينثر ضوءه فى النفوس...

(هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين).

 

مقالات مشابهة

  • الإمارات: لا حل عسكرياً للنزاع في السودان
  • وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي
  • الإمارات.. تعليق أنور قرقاش على الحرب في السودان وضرورة توقفها الآن يثير تفاعلا
  • أزمة السيادة الوطنية، الفيل الذي في الغرفة… (1)
  • واشنطن تدعو “الدعم السريع” لوقف هجومها على مدينة الفاشر السودانية
  • “دبي الاجتماعية 33″… عبقرية القيادة واحترافية التخطيط والتنفيذ
  • الإمارات تعلن عن مبادرة لدعم النساء المتضررات من الصراع في السودان
  • الإمارات تخصص 10.25 مليون دولار لدعم النساء المتضررات من الصراع في السودان
  • الإمارات تقدم 10 ملايين دولار للأمم المتحدة لدعم النساء المتضررات من النزاع في السودان
  • نهضتنا .. بكرة الجرح يبري … “في سيرة نادي النهضة بالفاشر”