زهير عثمان

عادة بناء تحالف وطني سياسي لوقف الحرب في السودان تتطلب نهجاً جديداً يختلف جذرياً عن النماذج السياسية السابقة التي غالباً ما تميزت بالصفوية والبعد عن تطلعات الشعب. فالحاجة الملحة اليوم هي إلى تحالف يقوم على أسس وطنية حقيقية، يكون فيه الهدف الأساسي هو إنقاذ السودان من شبح الحرب والتمزق الذي بات يهدد وجوده كدولة واحدة موحدة, وفي سياق الحديث عن إعادة بناء تحالف وطني سياسي لوقف الحرب في السودان، من المهم أن نؤكد على نقطة جوهرية وهي أننا، كسودانيين، فقدنا الثقة في الطبقة السياسية التقليدية.

لقد كفرنا بالساسة الذين طالما كانوا يسعون وراء السلطة والمناصب دون أن يكون لديهم رؤية حقيقية لمستقبل البلاد أو اهتمام بمصالح الشعب. الأحزاب التقليدية ببرامجها القديمة أثبتت فشلها في تلبية تطلعات السودانيين، بل وزادت من تعميق الأزمات من خلال صراعاتها الداخلية والسعي الدائم للمناصب على حساب المصلحة الوطنية.
لقد انتهى هذا العهد، ولم يعد هناك مجال لمن يسعون للسلطة فقط دون تقديم حلول عملية للأزمات التي تعصف بالبلاد. السودانيون اليوم بحاجة إلى قيادة جديدة، قيادة تنبثق من رحم المعاناة التي أفرزتها الحرب، قيادة تعرف حق المعرفة حجم التحديات التي تواجه السودان وتملك الإرادة السياسية والأخلاقية للتصدي لها. الحرب، على قسوتها، تخلق قادتها. هذه القيادات ليست بالضرورة من النخب التي تعودنا عليها، بل من صفوف الشعب، من أولئك الذين يواجهون المعاناة يومياً ويعلمون جيداً معنى الوحدة والعدالة والتضحية.
نحن نحتاج إلى قادة يفهمون أن السلطة ليست هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة. لقد حان الوقت لإنهاء هيمنة النخب السياسية التقليدية والانتقال إلى عهد جديد يقوده أبناء هذا الشعب، ممن يؤمنون بوحدة السودان وحقه في العيش بسلام. فقط من خلال هذا التحول الجذري يمكن للسودان أن يخرج من دوامة الحرب والتقسيم ليخطو نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
أول وأهم خطوة في بناء هذا التحالف الوطني هي تجاوز النماذج التقليدية التي غالباً ما كانت تُبنى على تحالفات نخبوية تخدم مصالح ضيقة ولا تعبر عن التطلعات الحقيقية للمواطنين. النخب السياسية في السودان غالباً ما انشغلت بالحفاظ على مواقعها في السلطة أكثر من انشغالها بتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى. هذه التحالفات أظهرت محدودية قدرتها على التأثير في المشهد العام، حيث غابت الجماهير الفاعلة عنها، مما جعلها غير قادرة على مواجهة الأزمات التي تعصف بالبلاد.
. العودة إلى القاعدة الشعبية
يجب أن يكون التحالف الجديد ممثلاً حقيقياً لكل فئات الشعب السوداني، من مختلف الطبقات الاجتماعية والمناطق الجغرافية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم مؤتمرات شعبية في مختلف أنحاء البلاد، تشارك فيها مختلف القوى السياسية والمدنية، إلى جانب ممثلين عن الشباب والنساء والفئات المهمشة. يجب أن تستند هذه المؤتمرات إلى حوار مفتوح وشفاف حول القضايا الرئيسية التي تهم السودانيين، مع التركيز على إيجاد حلول عملية وفعالة لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار.
التركيز على التربية والتعليم
إعادة بناء السودان تبدأ من الإنسان السوداني نفسه. يجب أن يكون للتربية والتعليم دور أساسي في هذا التحالف. تطوير نظام تعليمي شامل يركز على بناء جيل جديد يحمل القيم الأخلاقية الأصيلة مع فهم عميق للعلوم الحديثة والتكنولوجيا، هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل مشرق للسودان. هذه الأجيال يجب أن تكون قادرة على حكم البلاد بفعالية وشفافية، مستندة إلى معايير أخلاقية قوية، ومتسلحة بالمعرفة العلمية.
مقاومة محاولات التفرقة
السودان اليوم يواجه تحديات خطيرة تهدد وحدته. يجب أن يكون التحالف الوطني الجديد قوياً في مقاومة أي محاولات لتقسيم البلاد، سواء كانت تلك المحاولات تأتي من الداخل أو الخارج. ينبغي توحيد الخطاب الوطني، وتعزيز فكرة الوحدة الوطنية كركيزة أساسية لأي تحرك سياسي. على السودانيين أن يدركوا أن قوتهم تكمن في وحدتهم، وأن أي مشروع لتقسيم البلاد لن يخدم سوى أعداء السودان.
قيادة من القاعدة لا من القمة
التحالف الوطني الذي يحتاجه السودان اليوم يجب أن ينبثق من القاعدة، وليس من قمة هرم السلطة. القيادة يجب أن تكون نتاجاً لإرادة شعبية حقيقية، وليس نتيجة لتوافقات نخبوية. هذه القيادة يجب أن تكون قادرة على الاستماع لمطالب الجماهير والتفاعل معها بشكل مباشر ومستمر. كما يجب أن تتحلى بالشفافية والنزاهة، وأن تكون مسؤولة أمام الشعب عن أي قرارات تتخذها.
استثمار في الموارد البشرية
بدلاً من التركيز فقط على الموارد الطبيعية مثل النفط، يجب أن يكون الإنسان السوداني نفسه هو محور الاهتمام. الاستثمار في تطوير المهارات والكفاءات البشرية هو المفتاح لتحويل السودان إلى دولة حديثة وقوية. يجب دعم المشاريع التي تهدف إلى تنمية المهارات وتوفير فرص عمل للشباب، وتعزيز دور المرأة في المجتمع، وضمان تعليم جيد للجميع.
البعد عن الخطاب التصادمي
يجب أن يتجنب التحالف الوطني الجديد الخطاب التصادمي والاستقطابي الذي يزيد من تعميق الانقسامات. بدلاً من ذلك، يجب أن يسعى إلى بناء جسور من الثقة بين مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية في السودان. هذا يتطلب تواصلاً مستمراً مع جميع الأطراف، ومحاولة فهم مخاوفهم وهواجسهم، والعمل على تقديم حلول ترضي الجميع.
العمل على أرض الواقع
وأخيراً، يجب أن يتحول هذا التحالف الوطني إلى قوة فاعلة على أرض الواقع. يجب أن يعمل على تقديم حلول ملموسة للأزمات التي يواجهها السودان، مثل تقديم مبادرات لوقف إطلاق النار، وتنظيم حملات لإعادة الإعمار، وتوفير الدعم للمتضررين من الحرب. فقط من خلال العمل الجاد والمستمر يمكن لهذا التحالف أن يكسب ثقة الشعب ويحقق الأهداف المرجوة.
يتطلب بناء تحالف وطني سياسي لوقف الحرب في السودان رؤية واضحة وشجاعة، قائمة على تمكين الشعب السوداني بكل فئاته، واستعادة دوره الفاعل في تقرير مصيره. إذا تم تحقيق ذلك، فإن السودان سيكون قادراً على تجاوز هذه المرحلة الصعبة والانتقال إلى مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التحالف الوطنی هذا التحالف یجب أن یکون فی السودان لوقف الحرب أن تکون من خلال

إقرأ أيضاً:

قائد أنصار الله يتعهد بتصعيد أكبر بعد العملية النوعية التي استهدفت “تل أبيب”

الجديد برس:

جدد قائد حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، في كلمته بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، التأكيد على استمرار العمليات العسكرية اليمنية طالما استمر العدوان والحصار على غزة.

وقال الحوثي: “عملياتنا العسكرية مستمرة طالما استمر العدوان والحصار على غزة، وموقفنا ثابت حتى تطهير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ونحن نصعّد في كل مرحلة بالتنسيق مع إخواننا المجاهدين في فلسطين ومحور القدس والجهاد والمقاومة، ونتحرك لفعل ما هو أكثر، والقادم أعظم بإذن الله”.

وأضاف: “عملية اليوم، التي نفذتها القوة الصاروخية بصاروخ باليستي جديد بتقنية متطورة، تمكن من تجاوز واختراق كل أحزمة الحماية التي يحتمي بها العدو الإٍسرائيلي ويتمترس بها، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي المتعددة والمتنوعة، إضافة إلى المدى البعيد، حيث قطع مسافة تقدر بـ 2040 كيلومتراً في غضون 11 دقيقة ونصف، وذلك في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد ضد العدو الإسرائيلي ونصرةً للشعب الفلسطيني”.

وأشار الحوثي إلى أن “القوات المسلحة اليمنية تواصل عملياتها البحرية لاستهداف الحركة الملاحية المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وشركائه الأمريكيين والبريطانيين، وقد حققت نجاحات كبيرة وفي غاية التأثير”.

وأكد على “ثبات الشعب اليمني في موقفه الجهادي في حمل راية الإسلام، والوقوف في وجه الطاغوت والاستكبار”، مشدداً على مسؤولية المسلمين في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم الذي يعاني من جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني يومياً.

كما دعا الحوثي الأمة الإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها الدينية ونصرة الشعب الفلسطيني، مذكراً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن سمع منادياً ينادي يا للمسلمين ولم يجب، فليس من المسلمين”.

الحوثي في بداية كلمته، أثنى على الحضور الشعبي حباً لرسول الله في يوم مولده المبارك، مؤكداً أنه “لا مثيل له على الأرض”، مخاطباً جموع الشعب اليمني المليونية بالقول: “لقد أقمتم أكبر احتفال في الأرض لأعظم وأرقى إنسان، وفرحاً وابتهاجاً بنعمة الله وفضله ورحمته”.

وكانت قوات صنعاء قد أعلنت يوم الأحد عن تنفيذ عملية عسكرية نوعية استهدفت هدفاً عسكرياً إسرائيلياً في “تل أبيب” المحتلة، وذلك ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد.

وقال المتحدث باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، في بيان متلفز، إن “القوة الصاروخية اليمنية نفذت عملية عسكرية باستخدام صاروخ باليستي جديد فرط صوتي، والذي نجح في الوصول إلى هدفه بينما فشلت دفاعات العدو في اعتراضه”.

وأوضح سريع أن الصاروخ قطع مسافة تقدر بـ2040 كيلومتراً خلال 11 دقيقة ونصف، مما أثار حالة من الخوف والهلع بين الإسرائيليين، حيث اندفع أكثر من مليوني شخص إلى الملاجئ، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ العدو الإسرائيلي.

وأكد العميد سريع أن “هذه العملية تأتي ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد وتُظهر الجهود الكبيرة التي بذلها أبطال القوة الصاروخية في تطوير تكنولوجيا الصواريخ لتتجاوز جميع أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية والإسرائيلية”.

وشدد على أن “عوائق الجغرافيا والعدوان الأمريكي والبريطاني ومنظومات التجسس والرصد لن تمنع اليمن من تأدية واجبه الديني والإنساني في دعم الشعب الفلسطيني”.

وأضاف سريع أن “على العدو الإسرائيلي أن يتوقع المزيد من الضربات النوعية القادمة، ونحن على أعتاب الذكرى الأولى لعملية السابع من أكتوبر، منها الرد على عدوانه الإجرامي على مدينة الحديدة، ومواصلة عمليات الإسناد للشعب الفلسطيني المظلوم”.

مقالات مشابهة

  • قائد أنصار الله يتعهد بتصعيد أكبر بعد العملية النوعية التي استهدفت “تل أبيب”
  • الولايات المتحدة تؤكد دعمها لديمقراطية السودان وتندد بالقتال المستمر
  • التحالف الوطني يهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بمناسبة المولد النبوي الشريف
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ
  • السودان؛ الأسئلة المُحرَّمة!
  • التحول الديمقراطي – الأمل وعقبة إقصاء الإسلاميين في سياق المواطنة
  • ‏الشهري: الأهداف التي تلقاها النصر كانت من أخطاء في بناء الهجمة.. فيديو
  • وزير الخارجية السوري لـ «حقائق وأسرار»: 350 ألف مسلح دخلوا سوريا خلال فترة الحرب.. وداعش صناعة أمريكية «فيديو»
  • مفاوضات السلام في نيروبي: دعوات للتوصل إلى اتفاق سلام جديد أو تمديد الاتفاق في جنوب السودان
  • قوة الضعف