صناعة سلام السودان هو التحالف من أجل الشعب، لا من أجل النخبة
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
زهير عثمان
عادة بناء تحالف وطني سياسي لوقف الحرب في السودان تتطلب نهجاً جديداً يختلف جذرياً عن النماذج السياسية السابقة التي غالباً ما تميزت بالصفوية والبعد عن تطلعات الشعب. فالحاجة الملحة اليوم هي إلى تحالف يقوم على أسس وطنية حقيقية، يكون فيه الهدف الأساسي هو إنقاذ السودان من شبح الحرب والتمزق الذي بات يهدد وجوده كدولة واحدة موحدة, وفي سياق الحديث عن إعادة بناء تحالف وطني سياسي لوقف الحرب في السودان، من المهم أن نؤكد على نقطة جوهرية وهي أننا، كسودانيين، فقدنا الثقة في الطبقة السياسية التقليدية.
لقد انتهى هذا العهد، ولم يعد هناك مجال لمن يسعون للسلطة فقط دون تقديم حلول عملية للأزمات التي تعصف بالبلاد. السودانيون اليوم بحاجة إلى قيادة جديدة، قيادة تنبثق من رحم المعاناة التي أفرزتها الحرب، قيادة تعرف حق المعرفة حجم التحديات التي تواجه السودان وتملك الإرادة السياسية والأخلاقية للتصدي لها. الحرب، على قسوتها، تخلق قادتها. هذه القيادات ليست بالضرورة من النخب التي تعودنا عليها، بل من صفوف الشعب، من أولئك الذين يواجهون المعاناة يومياً ويعلمون جيداً معنى الوحدة والعدالة والتضحية.
نحن نحتاج إلى قادة يفهمون أن السلطة ليست هدفاً في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة. لقد حان الوقت لإنهاء هيمنة النخب السياسية التقليدية والانتقال إلى عهد جديد يقوده أبناء هذا الشعب، ممن يؤمنون بوحدة السودان وحقه في العيش بسلام. فقط من خلال هذا التحول الجذري يمكن للسودان أن يخرج من دوامة الحرب والتقسيم ليخطو نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
أول وأهم خطوة في بناء هذا التحالف الوطني هي تجاوز النماذج التقليدية التي غالباً ما كانت تُبنى على تحالفات نخبوية تخدم مصالح ضيقة ولا تعبر عن التطلعات الحقيقية للمواطنين. النخب السياسية في السودان غالباً ما انشغلت بالحفاظ على مواقعها في السلطة أكثر من انشغالها بتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى. هذه التحالفات أظهرت محدودية قدرتها على التأثير في المشهد العام، حيث غابت الجماهير الفاعلة عنها، مما جعلها غير قادرة على مواجهة الأزمات التي تعصف بالبلاد.
. العودة إلى القاعدة الشعبية
يجب أن يكون التحالف الجديد ممثلاً حقيقياً لكل فئات الشعب السوداني، من مختلف الطبقات الاجتماعية والمناطق الجغرافية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم مؤتمرات شعبية في مختلف أنحاء البلاد، تشارك فيها مختلف القوى السياسية والمدنية، إلى جانب ممثلين عن الشباب والنساء والفئات المهمشة. يجب أن تستند هذه المؤتمرات إلى حوار مفتوح وشفاف حول القضايا الرئيسية التي تهم السودانيين، مع التركيز على إيجاد حلول عملية وفعالة لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار.
التركيز على التربية والتعليم
إعادة بناء السودان تبدأ من الإنسان السوداني نفسه. يجب أن يكون للتربية والتعليم دور أساسي في هذا التحالف. تطوير نظام تعليمي شامل يركز على بناء جيل جديد يحمل القيم الأخلاقية الأصيلة مع فهم عميق للعلوم الحديثة والتكنولوجيا، هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل مشرق للسودان. هذه الأجيال يجب أن تكون قادرة على حكم البلاد بفعالية وشفافية، مستندة إلى معايير أخلاقية قوية، ومتسلحة بالمعرفة العلمية.
مقاومة محاولات التفرقة
السودان اليوم يواجه تحديات خطيرة تهدد وحدته. يجب أن يكون التحالف الوطني الجديد قوياً في مقاومة أي محاولات لتقسيم البلاد، سواء كانت تلك المحاولات تأتي من الداخل أو الخارج. ينبغي توحيد الخطاب الوطني، وتعزيز فكرة الوحدة الوطنية كركيزة أساسية لأي تحرك سياسي. على السودانيين أن يدركوا أن قوتهم تكمن في وحدتهم، وأن أي مشروع لتقسيم البلاد لن يخدم سوى أعداء السودان.
قيادة من القاعدة لا من القمة
التحالف الوطني الذي يحتاجه السودان اليوم يجب أن ينبثق من القاعدة، وليس من قمة هرم السلطة. القيادة يجب أن تكون نتاجاً لإرادة شعبية حقيقية، وليس نتيجة لتوافقات نخبوية. هذه القيادة يجب أن تكون قادرة على الاستماع لمطالب الجماهير والتفاعل معها بشكل مباشر ومستمر. كما يجب أن تتحلى بالشفافية والنزاهة، وأن تكون مسؤولة أمام الشعب عن أي قرارات تتخذها.
استثمار في الموارد البشرية
بدلاً من التركيز فقط على الموارد الطبيعية مثل النفط، يجب أن يكون الإنسان السوداني نفسه هو محور الاهتمام. الاستثمار في تطوير المهارات والكفاءات البشرية هو المفتاح لتحويل السودان إلى دولة حديثة وقوية. يجب دعم المشاريع التي تهدف إلى تنمية المهارات وتوفير فرص عمل للشباب، وتعزيز دور المرأة في المجتمع، وضمان تعليم جيد للجميع.
البعد عن الخطاب التصادمي
يجب أن يتجنب التحالف الوطني الجديد الخطاب التصادمي والاستقطابي الذي يزيد من تعميق الانقسامات. بدلاً من ذلك، يجب أن يسعى إلى بناء جسور من الثقة بين مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية في السودان. هذا يتطلب تواصلاً مستمراً مع جميع الأطراف، ومحاولة فهم مخاوفهم وهواجسهم، والعمل على تقديم حلول ترضي الجميع.
العمل على أرض الواقع
وأخيراً، يجب أن يتحول هذا التحالف الوطني إلى قوة فاعلة على أرض الواقع. يجب أن يعمل على تقديم حلول ملموسة للأزمات التي يواجهها السودان، مثل تقديم مبادرات لوقف إطلاق النار، وتنظيم حملات لإعادة الإعمار، وتوفير الدعم للمتضررين من الحرب. فقط من خلال العمل الجاد والمستمر يمكن لهذا التحالف أن يكسب ثقة الشعب ويحقق الأهداف المرجوة.
يتطلب بناء تحالف وطني سياسي لوقف الحرب في السودان رؤية واضحة وشجاعة، قائمة على تمكين الشعب السوداني بكل فئاته، واستعادة دوره الفاعل في تقرير مصيره. إذا تم تحقيق ذلك، فإن السودان سيكون قادراً على تجاوز هذه المرحلة الصعبة والانتقال إلى مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التحالف الوطنی هذا التحالف یجب أن یکون فی السودان لوقف الحرب أن تکون من خلال
إقرأ أيضاً:
البرهان لـ «السيسي»: نشيد بمساندة مصر لجهود التهدئة في السودان
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، وذلك على هامش أعمال الدورة الثانية عشر للمؤتمر الحضري العالمي المنعقد بالقاهرة.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن اللقاء تضمن تأكيد قوة ورسوخ الروابط التاريخية التي تجمع البلدين الشقيقين على المستويين الرسمي والشعبي، وفي هذا الإطار حرص الرئيس على تأكيد استمرار الدعم المصري للسودان الشقيق على المستويات كافة، للخروج من الأزمة التي يمر بها، مشددا على الموقف المصري الثابت والساعي لوقف إطلاق النار وحقن دماء الأشقاء في السودان، ومستعرضاً الجهود المصرية على الساحتين الإقليمية والدولية الدافعة في هذا الاتجاه.
ومن جانبه ثمن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الدور المصري، مشيداً بالمساندة المصرية المخلصة لجهود التهدئة في السودان، وحرص مصر على الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان، ومؤكداً تقديره وكافة أبناء الشعب السوداني لاستضافة الشعب المصري لأشقائه السودانيين خلال الأزمة.
اقرأ أيضاًرئيس حزب الشعب الديمقراطي بالسودان.. يؤكد أهمية لقاء البرهان والرئيس السيسي في هذا التوقيت
الرئيس السيسي يؤكد لنظيره الفلسطيني دعم مصر قيادة وشعباً للقضية الفلسطينية
الرئيس السيسي: مصر أنشأت جيلا جديدا من المدن تتبنى معايير الاستدامة على رأسها العاصمة الإدارية الجديدة