الجزيرة:
2024-09-15@23:55:40 GMT

لماذا تقلق ألمانيا من صعود اليمين المتطرف؟

تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT

لماذا تقلق ألمانيا من صعود اليمين المتطرف؟

شهدت ولايتا تورينغن وساكسونيا الألمانيتان، يوم الأحد الماضي، انتخابات تاريخية أحدثت هزة في المشهد السياسي الألماني والأوروبي بشكل عام، إذ حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) اليميني المتطرف مكاسب كبيرة في انتخابات الأقاليم، مما أثار ردود فعل متباينة بين السياسيين والمحللين والصحفيين داخل وخارج البلاد.

ففي ولاية تورينغن الواقعة شرق البلاد، حصد حزب البديل من أجل ألمانيا، 32.8% من الأصوات، متقدمًا بشكل كبير على الحزب المسيحي الديمقراطي الذي حصل على 23.6%، وحزب "دي لينكه" اليساري الذي حاز على 13.1%.

أما في ولاية ساكسونيا، فقد جاء البديل في المركز الثاني بنحو 30.6% من الأصوات بعد الاتحاد الديمقراطي بنسبة 31.9%، وبفارق كبير عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي -وهو حزب المستشار الألماني أولاف شولتس– الذي حصل على 6.1%.

ووصف الصحفي في مؤسسة دويتشه فيله "يوسف بوفيجلين" نتائج هذه الانتخابات بأنها "زلزال سياسي"؛ فعلى الرغم من تقدم الأحزاب اليمينية في نتائج الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسات ألمانية عديدة، فإنّ أحدًا لم يكن يتوقع أن يحصد حزب البديل من أجل ألمانيا هذه النتائج غير المسبوقة.

وتعكس هذه النتائج -التي تمثل صعودًا غير مسبوق لليمين المتطرف في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية- تحوّلًا كبيرًا في توجهات الناخبين الألمان، خاصة في الولايات الشرقية التي تعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية، كما أنها تثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والتعايش الاجتماعي في البلاد، بالإضافة إلى تأثيرها على سياسات الهجرة والاندماج.

ردود فعل داخل ألمانيا

عبّرت المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، عن قلقها العميق من هذه النتائج قائلة "هذه النتائج تمثل تحديًا كبيرًا لقيمنا الديمقراطية والتعددية، ويجب أن نعمل جميعًا على فهم أسباب هذا التحول، ومعالجتها من خلال سياسات تلبّي احتياجات المواطنين وتشجع على التماسك الاجتماعي".

والمعروف عن ميركل رفضها التعاون بين حزبها "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" وحزب "البديل من أجل ألمانيا"، وقد عبّرت عن ذلك في أكثر من مناسبة خلال فترة توليها منصب المستشارة وبعد خروجها من المنصب.

وفي السياق ذاته، أقرّ رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس بالهزيمة، وأكد على ضرورة إعادة تقييم إستراتيجيات الحزب قائلًا "علينا أن نتواصل بشكل أفضل مع المواطنين، ونستمع إلى مخاوفهم وتطلعاتهم. لا يمكننا تجاهل الرسالة التي أرسلها الناخبون من خلال هذه الانتخابات".

من ناحية ثانية، انتقدت وسائل إعلام ألمانية كثيرة تأخر ميرتس في التعليق على نتائج انتخابات تورينغن وساكسونيا، حيث لم يظهر إلا صباح يوم الاثنين في مقر الحزب في برلين، وقال "يجب على ائتلاف إشارة المرور -والمقصود هنا الائتلاف الحاكم المكون من الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي- أن يصحح سياسته بشكل جذري، خصوصًا في ملف الهجرة".

فريدريش ميرتس زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني يتحدث إلى وسائل الإعلام (غيتي)

ويشار إلى أنّ حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض قد غيّر من مواقفه في الآونة الأخيرة بهدف جذب الناخب الألماني وإعادة بناء شعبيته داخل المجتمع، من خلال تأييده دعم الحكومة الألمانية بشكل غير مسبوق لأوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وأيضا تأييده المطلق لإسرائيل في حربها على غزّة.

هذا بالإضافة إلى كثير من الوعود التي أطلقها الحزب لناخبيه، وعدم استبعاد ميرتس العمل مع الحزب اليميني المتطرف لتشكيل الحكومة، حال فوزه في الانتخابات البرلمانية على مستوى الولايات في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. إلا أنّ كل تلك التغييرات لم تشفع للحزب المسيحي الديمقراطي لدى دافعي الضرائب الألمان.

أمّا البديل من أجل ألمانيا، فقد عاش نشوة الفرح مساء الأحد، وأطلق عدد كبير من أعضائه تصريحات نارية فيما يخصّ رؤية الحزب لقيادة البلاد في الفترة المقبلة، إذ صرّح رئيس الحزب ألكسندر غاولاند -لموقع فرانكفورتر ألغيماينه- بأن هذه النتائج تعكس رغبة الشعب في تغيير جذري للسياسات الحالية".

ويضيف غاولاند "سئم الناخب الألماني من السياسات التقليدية التي فشلت في معالجة قضايا الهجرة والأمن والاقتصاد، نحن مستعدون لتحمل المسؤولية والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لألمانيا". كما صرّحت نائبة رئيس الحزب أليس فايدل بأنّ حزبها قادر على مواجهة ملف الهجرة غير النظامية، والعمل على تقييد تلك الهجرة مَهْما كلّف الثمن.

غاولاند: نتائج الانتخابات بفوز حزب البديل من أجل ألمانيا تعكس رغبة الشعب في تغيير جذري للسياسات الحالية (غيتي) تأثير النتائج على المهاجرين والأقليات

من جهة ثانية، فإن هذه النتائج تثير مخاوف جدية بين المجتمعات المهاجرة والأقليات في ألمانيا، فقد دعا حزب البديل في برامجه الانتخابية إلى تشديد سياسات الهجرة واللجوء، بالإضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية التقليدية، مما قد يؤدي إلى سياسات تمييزية وتزايد حالات العنصرية وكراهية الأجانب.

وفي هذا السياق، أعرب رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أيمن مزيّك عن قلقه البالغ قائلًا "هذه النتائج تمثل نكسة خطيرة لقيم التسامح والتعددية التي بنيت عليها ألمانيا الحديثة، ونخشى أن يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى تزايد الهجمات العنصرية وتقويض جهود الاندماج".

يُشار إلى أن دراسة رسمية أجراها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين "بامف" في العام 2021 بطلب من مؤتمر الإسلام في ألمانيا ووزارة الداخلية الاتحادية، خلصت إلى أنّ هناك ما يقرب من 5.3 إلى 5.6 ملايين مسلم -من ذوي الأصول المهاجرة- يعيشون في ألمانيا، وتشكّل هذه الانتخابات صدمةً كبيرة لهذه الجالية بسبب المخاوف من تغير السياسة الألمانية فيما لو نجحت الأحزاب اليمينية المتطرفة بالوصول إلى قيادة البلاد.

وأكثر ما يثير القلق بين أوساط المهاجرين هو التضييق عليهم، وتقييد ممارستهم شعائرهم الدينية ومناسباتهم الاجتماعية، بالإضافة إلى مخاوف من عرقلة قرارات تمديد الإقامة أو التجنيس أو حتى التمييز في سوق العمل، وعدم الحصول على ظروف عمل جيدة.

وفي هذا الإطار، تقول فرح المحمد، وهي مدرسة لغة عربية في إحدى المدارس الألمانية "سيكون لنتائج تلك الانتخابات تبعات سلبية علينا كمسلمين نعيش في ألمانيا، ربما يتم منع الحجاب في الدوائر الرسمية مثلًا، وهو أمر تم ذكره عشرات المرات من قبل السياسيين اليمنيين".

على الصعيد الدولي

أما دوليا، فأثارت النتائج ردود فعل واسعة، حيث أعرب العديد من القادة الأوروبيين عن قلقهم من تنامي الشعبوية واليمين المتطرف في قلب أوروبا، حيث علّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الأمر قائلا "استقرار ألمانيا ضروري لاستقرار أوروبا، ويجب أن نعمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة، ونمنع انتشار الأفكار المتطرفة التي تهدد قيمنا الديمقراطية".

بينما انتقدت صحيفة وول ستريت جورنال عمل أحزاب الائتلاف الحاكم وعلقت بأنه لا ينبغي لوم الناخبين على فقدانهم الصبر مع "الأحزاب الحكومية التقليدية غير الفعّالة.. سئم الناخبون من أولاف شولتس وائتلافه الذي لا يستطيع التحكم في الهجرة، ويتمسك بأهداف المناخ رغم الضرر الاقتصادي الواضح والمتزايد".

أمّا صحيفة لا ستامبا الإيطالية، فقد أبدت مخاوفها من انهيار الاتحاد الأوربي فيما لو تمكن اليمين المتطرف من قيادة ألمانيا مستقبلا "كيف يمكن، في ظل وجود فرنسا التي لا تزال تبحث عن حكومة، وألمانيا ذات الأغلبية المتصدعة، أن تُبرم الاتفاقيات التي كانت في الماضي تدفع السياسة الأوروبية نحو الكثير من التقدم؟".

من جانبها علّقت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية على تلك النتائج "تعكس النتائج الإحباط المتزايد في شرق ألمانيا من حكومة يربطها الكثيرون بالتضخم العالي والركود الاقتصادي وارتفاع تكاليف الطاقة والخلافات الداخلية المستمرة، لكنها تظهر أيضا أنّ الناخبين يتجهون بشكل متزايد بعيدا عن الوسط السياسي لصالح الأحزاب الشعبوية على الأطراف السياسية".

التداعيات المحتملة على المشهد السياسي الألماني

تشكل هذه النتائج تحديا كبيرا لتشكيل حكومات مستقرة في كل من تورينغن وساكسونيا، إذ ترفض الأحزاب التقليدية الدخول في تحالفات مع حزب البديل من أجل ألماينا، الأمر الذي من شأنه أن يُعقد المشهد ويزيد من احتمالية إجراء انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومات أقلية هشة.

بالإضافة إلى ذلك، قد تدفع هذه النتائج الأحزاب التقليدية إلى إعادة النظر في سياساتها وخطاباتها لتستعيد ثقة الناخبين، مما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في التوجهات السياسية والإستراتيجيات المستقبلية.

إذن فقد دق ناقوس الخطر بالنسبة لشولتس وائتلافه الحاكم، إذ تمتد تداعيات تلك الانتخابات إلى ما هو أبعد من حدود البلاد، بحسب الصحافة الألمانية.

لذلك، ستحتاج الأحزاب السياسية التقليدية والقادة السياسيون إلى استجابة حكيمة ومتوازنة للتعامل مع التحديات المقبلة، من خلال معالجة الأسباب الجذرية لعدم الرضا بين الناخبين وتعزيز قيم الديمقراطية والتعددية والتسامح، والعمل بشكل أكبر لإقناع دافعي الضرائب بالتصويت لهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات البدیل من أجل ألمانیا حزب البدیل من أجل الحزب الدیمقراطی بالإضافة إلى هذه النتائج فی ألمانیا من خلال

إقرأ أيضاً:

هل تُكرِّر دول الخليج الأخطاء الاستراتيجية لأوروبا؟

 

 

د. عبدالله باحجاج

انتهيتُ من كتابة بحثٍ عميقٍ لإحدى الدوريات الصحفية الخارجية المُتخصصة في الشأن الخليجي، حول تأثير صعود اليمين المُتطرف في أوروبا على دول مجلس التعاون الخليجي، لن نخوض في البحث فهو حصري لهذه الدورية، لكنني سأقف عند الأسباب التي تُنتِج اليمين المُتطرف كسيل جارف في القارة الأوروبية، ومقارنة هذه الأسباب بنظيرتها الخليجية؛ لأنني وجدتها متشابهة، وهذا ما يدفع بي إلى الكتابة عن الأسباب؛ للتحذير من تداعياتها المُقبلة خليجيًا مع التباين بين الدول الخليجية.

دافعية الكتابة وراؤها تتمثل في خشيتنا من إنتاج مثيلاتها في منطقتنا الخليجية، وهنا نطرح تساؤلًا منهجيًا لدواعٍ تحليلية مُجرَّدة، وهو:

الأسباب التي أنتجت ظاهرة اليمين المتطرف باللونين "السياسي والشعبوي" في أوروبا، هل بالضرورة ستُنتِج الظاهرة نفسها في الخليج؟

التساؤل سالف الذكر لم نطرحه في صيغة البحث عن الأسباب المشتركة بين الجانبين، وإنما انتقلت به فورًا إلى التداعيات مباشرة، وهذا يعني أنها واحدة، فهل هي كذلك في انعكاساتها الاجتماعية في الخليج؟ هذه القضية جديرة بالبحث بصراحة وشفافية موضوعية، ولن يتصدى لها إلّا أبناء الخليج الحريصون على ديمومة الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي لبلدانهم، وحصانتها من الاختراقات الإقليمية والعالمية، في حقبة يتصاعد فيها مفهوم حديث يُطلق عليه "التطرف العنيف" الذي يكون وراءه فردانية منعزلة "فرد" أو جماعات دون انتماءات فكرية أو سياسية، ويكون دافعها حالة احتقان نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وانعكاساتها القاسية على المجتمعات.

ويتزامن "التطرف العنيف" مع عودة إرهاب تنظيمات الجماعات الإرهابية المسلحة التي من خلال متابعتنا لها رصدنا معطيات تشير إلى قرب عودتها القوية، وبالذات تنظيم "القاعدة" مع محاولة تنظيم "داعش" إعادة إبراز وجوده من خلال عمليات صغيرة، وهو في طور إعادة بناء ذاته مُجدَّدًا بعد استهداف قواعده وكوادره في العراق وسوريا. هذا يضع أوروبا الآن في أخطر مرحلة في تاريخها المعاصر؛ حيث يتقاطع ما سبق ذكره مع صعود اليمين المتطرف، الذي برز نتيجة فقدان الثقة في الأحزاب الحاكمة الليبيرالية التي جنحت بنظام النيوليبيرالية إلى صناعة الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأوروبيين، وتحمليهم أعباءً ضريبية متعددة، وتزامن معها المساس بالهوية التي هي من النقاط الحُمر لليمين المتطرف.

وبذلك تتحقق كلمة الأديب الألماني جونتر جراس عن معضلة نشأة الاتحاد الأوروبي التي يراها في النزعة الاقتصادية التي أهملت الهوية الثقافية؛ حيث يقف الآن اليمين المتطرف الشعبوي ضدها "سياسيًا" عبر دعمه الأحزاب اليمينة المتطرفة التي اكتسحت الانتخابات في عدد من دول الاتحاد وفي البرلمان الأوروبي نفسه، لكنها لم تحقق الأغلبية، وكذلك "شعبويًا" من خلال الاحتجاجات والمظاهرات التي تتخللها أعمال عنف غير منظمة، وهذا تجسيد للمفهوم الجديد سالف الذكر وهو "التطرف العنيف".

ويبني اليمين تطرفه ضد المسلمين خاصة والأجانب عامة، وضد الليبيرالية التي يرى أنها تُحدِث تحولات عميقة سلبية في البنية الاجتماعية، كما إن دور الدولة فيها مجرد حارسة للمصالح والمنافع للشركات الكبرى، كما لدى اليمين تمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية، وميل كبير إلى المحافظة الدينية المسيحية. وتطرفه يُستوْعَب الآن في إطار اللعبة السياسية الديمقراطية، عبر امتصاص جنون حماسه في صناديق الانتخابات. لكن كيف إذا لم يجد في الخيار الديمقراطي غايته؛ سواءً من خلال عدم تمكن الأحزاب اليمينة التي تمثله على تحقيق الأغلبية لصناعة القرارات والتشريعات، أو أنها تفشل من خلال تكتلاتها الآيديولوجية في تحقيق الأجندات الشعبوية؟!

هنا يبرز لنا مفهوم "التطرف العنيف" الذي هو أكثر الاحتمالات ترجيحًا.

في المقابل، ما الوضع في المنطقة الخليجية؟

لا يخفى على الكل أنَّ بعض المفاصل الخليجية تسير في الخطأ الاستراتيجي الأوروبي نفسه؛ فهناك نزعة مالية طاغية مقابل عدم مراعاة الأبعاد الاجتماعية، وهناك انفتاح ديموغرافي وفكري على الخارج، قد يقلِب ثوابتها الصلبة، كالديموغرافيا والهوية وتماهي تعدُّدها الفكري، ولم تعد خافيةً مآلات هذه التحوُّلات على المجتمعات، فبرزت ظواهر كالبطالة والفقر وغزو ثقافات تمس الهوية؛ مما يجعلنا نقلق من تكرار التداعيات الأوروبية داخل المنطقة الخليجية. ذلك أن طبيعة المقارنة بينهما واضحة الآن، فبقدر ما بني اليمين الأوروبي تطرفه ضد المُسلمين والمهاجرين لأسباب الهوية والقلق على الوظائف وفقدان الأمن، قد يُنسخ ذلك داخل المنطقة الخليجية؛ لأنَّ التوجه هو ذاته، وقد تنتقل النزعة المتأصِّلة لليمين المتطرفة في أوروبا ضد الليبيرالية/ النيوليبيرالية إلى الخليج للأسباب ذاتها؛ حيث الضرائب الرأسية والفوقية، وغل دور الحكومات في الاقتصاد ودعم المجتمعات، وفتح السوق للرأسماليين متعددي الجنسيات.

ومن يعتقد أن هذه التحولات الخليجية ستتم دون أثمان سياسية وأمنية فهو يعيش حالة وعي منفصلة عن واقعها الوطني، وبمعزل عن سياقاتها التاريخية، ومجردة من الأخذ بإكراهات جيواستراتيجة، فضلًا عن حجم تحدياتها القديمة والجديدة التقليدية والاستثنائية. جاء الآن صعود اليمين المتطرف ومخاطره في أوروبا ليضع هذا الوعي أمامه نموذجًا للاستفادة منه، ومن لديه أمن واستقرار ومجتمع متجانس وبأفكار قيمية صلبة، لا بُد أن يدرس الأسباب التي يصعد عليها اليمين المتطرف في أوروبا، خاصة صعوده من أرحام التحولات الأوروبية المالية والاقتصادية بنسق النيوليبيرالية، وإهمالها الهوية الثقافية والآيديولوجية للشعوب؟ ودور فشل الأنظمة الليبيرالية الحاكمة في تحقيق التنمية والرفاهية للشعوب الاوروبية على صعود اليمين المتطرف؟

من الضرورة أن تخرج كل دولة خليجية من دراسة صعود اليمين المتطرف في أوروبا بخارطة شاملة للمخاطر، إذا ما استمرت الدول الخليجية على رهاناتها على النيوليبيرالية وفق النسخ الأوروبية التي يظهر بسببها اليمين المتطرف مرعبًا داخل بلدانها، وستأخذ التداعيات في الخليج أكثر حدية وتأثيرًا من نظيراتها الأوروبية؛ لأن في التجربة الأوروبية يُمتص خطر اليمين المتطرف من خلال اللعبة الديمقراطية، لكن إذا فشلت، وهذا وارد، فإنها ستدخل في أتون "التطرف العنيف" لحقبة من الزمن، في تزامن مع خطر التنظيمات الإرهابية المسلحة. على عكس المنطقة الخليجية التي تفتقر لوسائل الاحتواء الدائمة والمؤقتة، لذلك ليس هناك من خيار سوى إعادة الحسابات في الخيارات المالية والاقتصادية الراهنة، ومسار الانفتاح على الديموغرافيات والآيديولوجيات الأجنبية.

هذه رؤية عميقة نُقدِّمُها بشفافيتها الموضوعية؛ لأنَّ المنطقة الخليجية لم تتوغل في أعماق التحولات، ما عدا الجانب الديموغرافي الذي وصلت فيه الاختلالات السكانية إلى مستويات مُقلقة فعلًا، وهذا يعني أنَّ الاستدراك ما يزال في وقته الزمني.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • هل تُكرِّر دول الخليج الأخطاء الاستراتيجية لأوروبا؟
  • الديمقراطي الكوردستاني: ندعو لحملة انتخابية ديمقراطية ونرفض التسقيط السياسي
  • خلال اجتماع.. الأمن المصري يعتقل 3 من أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي
  • صعود أسعار الذهب في مصر: موجة جديدة من الارتفاعات اليوم 15 سبتمبر 2024
  • زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي تدعو لاجراء انتخابات برلمانية جديدة
  • اليمين الفرنسي المتطرف يطالب بحل البرلمان.. هذا ما نعرفه عن الأمر
  • اليمين الفرنسي المتطرف يطالب بحل البرلمان.. نخبرك القصة كاملة
  • ارتفاع أسعار الذهب في بغداد و اربيل بالتزامن مع صعود الدولار
  • لماذا اعتمر بايدن قبعة ترامب التي تروج لانتخابه؟
  • الأحرار يشيد بالنتائج التي حققها في الإنتخابات الجزئية الأخيرة