الجزيرة:
2024-09-15@23:43:22 GMT

ما بعد التعاون التركي المصري في الصومال

تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT

ما بعد التعاون التركي المصري في الصومال

عشرة آلاف جندي مصري يصلون الأراضي الصومالية، نصفهم سيكون تحت تصرف بعثة الاتحاد الأفريقي المعنية بحفظ الأمن والاستقرار "أميصوم"، فيما سيتمركز النصف الآخر قريبًا من الحدود الإثيوبية.
الانخراط المصري العسكري في المسألة الصومالية، يعدّ تطورًا بارزًا في السياسة الخارجية المصرية، حيث نأت القاهرة بنفسها عسكريًا منذ عقود، عن مناطق الصراع المشتعلة، إلا ما كان منه ضمن مشاركة أممية أو إقليمية.

فقد شهد هذا العام (2024) زيارتين للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للقاهرة، قادتا إلى توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين، اللذين تربطهما علاقات تاريخية قديمة، وتوقيع بروتوكول للتعاون العسكري.
الخطوة المصرية تزامنت مع تحركات تركية جيوستراتيجية في الصومال وفي المنطقة كلها بما في ذلك إثيوبيا، كما سيأتي ذكره.

إرسال القوات المصرية جاء في أعقاب بدء إثيوبيا الملء الخامس لسد النهضة في يوليو/تموز الماضي، والذي من المقرر أن ينتهي في سبتمبر/أيلول الجاري.

الملء الجديد الذي أضاف 23 مليار متر مكعب من الماء، إلى حوالي 41 مليار متر مكعب، تم احتجازها في المراحل السابقة، عمّق الخلافات بين أديس أبابا والقاهرة، ما دفع الأخيرة إلى إرسال رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي، أكدت فيها "رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي".

تثير هذه التطورات في القرن الأفريقي التساؤلات بشأن التعاون المصري التركي في الصومال، وإمكانية أن يكون نواة لتعاون بين البلدين في ملفات حساسة أخرى كالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والأزمة السودانية، والأوضاع في ليبيا.

التموضع التركي

قبل الحديث عن التعاون المصري التركي في الصومال، لا بدّ من التطرق إلى الوضع التركي المتميز في كل من الصومال وإثيوبيا.
فقد أولت تركيا منذ وقت مبكر تلك المنطقة الإستراتيجية مزيدًا من العناية والاهتمام، فاستخدمت إمكاناتها العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى قوتها الناعمة لبسط نفوذها، وتعظيم وجودها الحيوي والإستراتيجي.
أعادت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع الصومال في وقت مبكر من الألفية الحالية، وافتتحت أكبر سفارة لها في الخارج في مقديشو، كما أنشأت هناك أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد، وهي تستخدمها للتدريب وإعادة تأهيل الجيش الصومالي، وقوات الأمن، ومساعدة الصوماليين في مواجهة التنظيمات الإرهابية.

وتوجت تلك العلاقات بأكبر اتفاق دفاعي وأمني بين البلدين تم توقيعه العام الجاري، وهو يمكن القوات التركية من مدّ مظلة الحماية على الأراضي والمياه الصومالية، ومنح الشركات التركية تراخيص التنقيب عن الثروة المعدنية في المياه الاقتصادية للصومال.
قال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عن هذه الاتفاقية إنها "تهدف إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين البلدين. هذه القوة ستحمي سواحل الصومال ومياهه الإقليمية، وستستثمر في موارده البحرية لمدة عشر سنوات. هذه القوات المشتركة ستعمل فقط لمدة عشر سنوات، وبعد ذلك سيكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة".

على الجانب الآخر من الحدود، تحتفظ تركيا بعلاقات إستراتيجية مع إثيوبيا تضرب بجذورها إلى نحو 130 عامًا، وتربط بين البلدين في إطارها عدة اتفاقيات أمنية وعسكرية ومالية متنوعة.
قدمت أنقرة الدعم لأديس أبابا في صراعها ضد المتمردين في إقليم تيغراي، ما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد حينها للقول إن "إثيوبيا لن تنسى أبدًا التعاون الذي قدّمه شعب وحكومة تركيا في الأوقات الحرجة".

هذه العلاقات المتميزة لتركيا مع الغريمَين الصومال وإثيوبيا، مكّنت أنقرة من لعب دور الوسيط بينهما، حيث نجحت في لمّ شمل وزيري خارجية البلدين في جولتين للمفاوضات بشأن إنهاء التوتر، وحلّ الخلافات بين البلدين.

وإلى جانب هاتَين الدولتَين المهمتَين ترتبط تركيا أيضًا مع جيبوتي باتفاقيات عسكرية ومالية.

التعاون التركي المصري

وفي ضوء هذا النشاط المكثف لتركيا في منطقة القرن الأفريقي، فإنّ التحركات العسكرية المصرية هناك، لا بدّ أن تكون تمّت بتنسيق بين الدولتين؛ منعًا لتضارب المصالح بينهما، ولا سيما في وقت تشهد فيه علاقتهما صعودًا مطردًا، مع إعادة تفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي المشترك، وزيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنقرة للمرّة الأولى منذ توليه الرئاسة.

في ملفّ تعاون البلدين، يأتي ملف سد النهضة في مقدمة الأولويات، فمنذ وصول القوات المصرية، لم تتوقف التكهنات بشأن إمكانية تحول النزاع المصري الإثيوبي إلى صراع مسلح.
ساعد في ذلك التصريحات الإثيوبية، إذ حذّر بيان رسمي عن خارجيتها "قوى (لم يسمّها) تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهداف قصيرة الأجل، بأنها ستتحمل عواقب وخيمة".

لكن يبقى احتمال نشوب حرب مصرية إثيوبية انطلاقًا من الأراضي الصومالية أمرًا صعبًا، وذلك لأسباب سياسية ولوجيستية. والأهم أن سد النهضة صار واقعًا، يصعب تخيل سهولة تدميره في ظل مساهمة العديد من الدول في تمويله.

من هنا فإن التفاوض بشأن ضمان مصر حصتَها من المياه دون نقصان، يبقى الخيار الأكثر قبولًا ومعقولية، ويبدو أنّ القاهرة أرادت أن يتم ذلك تحت ضغط وجود بعض من قواتها قرب الحدود الإثيوبية.
وهنا تبرز أهمية الدور التركي في تقريب وجهات النظر بين البلدين، بما تملكه من علاقات مميزة معهما.

تتفق كلمة الدولتين، تركيا ومصر، أيضًا، فيما يتعلق بضرورة المحافظة على وحدة وسلامة أراضي الصومال، وعدم الاعتراف بأي محاولات انفصالية من جانب ما يعرف بـ "أرض الصومال" أو "صوماليلاند" التي أعلنت انفصالها في مايو/أيار 1991، ولم تحظَ باعتراف دولي، إلا أنها حظيت باعتراف إثيوبيا التي عينت فيها سفيرًا في أغسطس/آب الماضي.

لذا فإن الصومال ينتظر من الحليفين الكبيرين أن يقوما بدور فعال في التصدي للدعم الإثيوبي للانفصاليين، مقابل تأجير أديس أبابا لميناء بربرة من "أرض الصومال" لأغراض تجارية وعسكرية، وهي الخطوة التي  رفضتها القاهرة وأنقرة.

مستقبل التعاون المشترك

يعدّ نجاح التعاون التركي المصري في الصومال، نموذجًا أوليًا لما يمكن أن يكون عليه تعاون الدولتَين في العديد من ملفات المنطقة ذات الحساسية العالية.
في مقدمة هذه الملفات، العدوان الإسرائيلي المتواصل والمتصاعد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، الذي وصل إلى درجات غير مسبوقة من التوحّش. فالتنسيق بين الدولتين يجب أن يتجاوز الجانب الإنساني من إيصال مساعدات وغيره، إلى اتخاذ خطوات فعالة في اتجاه إيقاف الحرب، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة.

كما أنّ تفاقم الأوضاع في السودان جراء الصراع المسلح بين القوات الحكومية، وقوات الدعم السريع، يجب أن يحمل الدولتَين على العمل على إيقاف الحرب وإحلال السلام، سواء كان ذلك بجهود ثنائية، أو داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

وفي الملف الليبي حيث تتمتع الدولتان بنفوذ واضح، من الضروري التحرك صوب إنهاء الانقسام بين الشرق والغرب، وتوحيد الدولة تحت مظلة حكومة منتخبة.

وأخيرًا، فإن نجاح ذلك التعاون بين البلدين وتناميه سيسهم في إحلال الاستقرار في منطقة تعاني من الفوضى منذ أكثر من عقد من الزمان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بین البلدین فی الصومال

إقرأ أيضاً:

السفير المصري بكوريا الجنوبية يستقبل وفدًا من التعليم العالي وجامعة بني سويف التكنولوجية

استقبل السفير خالد عبد الرحمن، السفير المصري في كوريا الجنوبية، يوم ١٣ سبتمبر الجارى،  وفدا رسميا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وجامعة بني سويف التكنولوجية، وذلك في إطار زيارتهم للتعاون مع جامعة "كوريا تك" الكورية. هذا، وتأتي الزيارة ضمن برنامج لبناء القدرات في مجال التعليم الفني والصناعي، بهدف تعزيز الشراكة وتبادل الخبرات بين مصر وكوريا الجنوبية.

ضم الوفد عددا من المسؤولين الأكاديميين والخبراء من وزارة التعليم العالي وجامعة بني سويف، حيث تركزت الزيارة على تعزيز التعاون بين جامعة بني سويف التكنولوجية وجامعة "كوريا تك"، والتي تعتبر من الجامعات الرائدة في التعليم التكنولوجي والفني، حيث يهدف البرنامج إلى رفع كفاءة الكوادر المصرية والاستفادة من الخبرات الكورية في مجالات التعليم الفني والتقني.

وفي كلمته خلال اللقاء، أشاد السفير المصري بأهمية هذا التعاون، مشيرًا إلى أن الشراكة مع جامعة "كوريا تك" تأتي في إطار جهود مصر لتطوير التعليم الفني والصناعي بما يتماشى مع احتياجات السوق المحلي والدولي. وأكد علي أن هذه الشراكة ستساهم في تعزيز قدرات الطلاب والكوادر التعليمية المصرية من خلال الاطلاع على أحدث الممارسات والتقنيات في هذا المجال. كما أوضح رئيس جامعة بني سويف التكنولوجية أن التعاون مع جامعة "كوريا تك" يمثل فرصة مميزة للاستفادة من التجربة الكورية الرائدة في التعليم التكنولوجي، مشيرًا إلى أن البرنامج يتضمن جولات دراسية وورش عمل مكثفة لتبادل الخبرات بين الجانبين.

هذا، وقد وأعرب مسؤولو جامعة "كوريا تك" عن استعدادهم الكامل لدعم مصر في تطوير مناهج التعليم الفني وتقديم الخبرات والتدريب اللازم، مؤكدين أن هذا التعاون يعكس عمق العلاقات بين البلدين ويعزز من فرص تبادل المعرفة والتكنولوجيا.

تأتي هذه الزيارة ضمن إطار أوسع لتعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وكوريا الجنوبية، خاصة في مجالات التعليم والبحث العلمي، وتدعم رؤية مصر 2030 لتطوير التعليم وربطه بالابتكار واحتياجات الاقتصاد العالمي.

مقالات مشابهة

  • وزير الداخلية يبحث مع وزير الأمن والحماية المدنية بغينيا سبل تعزيز مسارات التعاون الأمني بين البلدين
  • وزير الداخلية ونظيره الغيني يبحثان تعزيز التعاون الأمني بين البلدين
  • السفير المصري بكوريا الجنوبية يستقبل وفدًا من التعليم العالي وجامعة بني سويف التكنولوجية
  • علي الفاتح يكتب: تداعيات التطبيع المصري التركي..!
  • الجامعة البريطانية توقع بروتوكول تعاون مع المجلس الوطني المصري للتنافسية
  • الجامعة البريطانية توقع بروتوكول مع المجلس الوطني المصري للتنافسية
  • عبدالله بن زايد ووزيرة خارجية ألمانيا يبحثان علاقات التعاون والشراكة بين البلدين
  • عبدالله بن زايد ووزيرة خارجية ألمانيا يبحثان هاتفيا علاقات التعاون والشراكة بين البلدين
  • وزير الخارجية التشادي يستقبل السفير المصري لتعزيز التعاون بين البلدين
  • أكذوبة التواجد العسكري المصري في الصومال