لجريدة عمان:
2025-03-16@13:44:41 GMT

السلطان في كتاب الله

تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT

السلطان في كتاب الله

لو تأملنا كتاب الله وتتبعنا مصطلحاته لوجدنا أن بعض تلك المصطلحات تعطي دلالة واضحة وهي الدلالة الرئيسية التي تنبثق من خلالها معان مختلفة، ومن تلك المصطلحات كلمة "سلطان" فالمعنى العام والأغلب الذي أتت به في الكتاب العزيز هو معنى الحجة والبرهان، ولكن في بعض السياقات القرآنية أسبغت معاني ودلالات إضافية، على الرغم من احتفاظها بالدلالة الرئيسية التي تدل على معنى الحجة والبرهان.

فقد جاءت بعض آيات الكتاب العزيز موجهة للمشركين وورد معها مصطلح "سلطان"، فقال تعالى في سورة آل عمران: "سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ" فقد توعد الله الكافرين بالرعب جراء ما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، أي بما لم ينزل به حجة وبرهانا، وأكد الله هذا المعنى في سورة الأنعام بقوله: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" فالرسول الكريم يخاطب المشركين بقوله كيف أخاف ما أشركتم من الأصنام وغيرها مما تعبدون من دون الله، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به حجة وبرهانا، فمن منا أحق بالأمن.

وقد وقع غضب الله على المشركين جراء عبادتهم للأصنام التي صنعوها وأطلقوا عليها الأسماء اتباعا لضلالات آبائهم، ولم ينزل الله بها من حجة ولا برهان، فقال تعالى في سورة الأعراف: "قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ"، وأكد الله هذا الخطاب في سورة يوسف بقوله: "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

وفي إطار ذكر المحرمات ذكر الكتاب العزيز في سورة الأعراف في قوله تعالى "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" أن الله حرم الفواحش الظاهر منها والباطن واختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى "ما ظهر منها وما بطن" فقال بعضهم أنه يقصد بما ظهر: هو طواف أهل الشرك بالبيت عراة، وما بطن يقصد به الزنى، وقال آخرون بأن ما ظهر منها يقصد به كل معصية تكون علانية، وما بطن هي المعاصي التي يعملها العاصي في الخفاء، ثم ذكر ربنا تبارك وتعالى من المحرمات هو الإشراك به ما لم ينزل به حجة وبرهانا، والتقول على الله بغير علم.

ولكن المتأمل في كتاب الله يجد أن الله عز وجل أطلق وصفا مركبا وهو "سلطان مبين" عندما ذكر قصة موسى عليه السلام فنجد ذلك في قوله تعالى في سورة النساء: " فقال تعالى في سورة هود: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ" وقال كذلك في سورة المؤمنون: "ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ" وقال أيضا في سورة غافر: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ"، وفي سورة الذاريات يقول ربنا تبارك وتعالى: "وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ"، وقد وصف الله عز وجل هذا المعاجز والحجج والبراهين التي آتاها موسى بأنها مبينة واضحة لا شك فيها ولا خلاف، فقد آتاه الله تسع معجزات واضحات عندما أرسله إلى فرعون وقومه، وقد تنوعت هذه المعجزات والبراهين واختلفت وهي: العصا التي يلقيها فتتحول إلى ثعبان، ويده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء على خلاف بشرة موسى عليه السلام السمراء، وانشقاق البحر له، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، إلا أن فرعون وقومه كفروا بها فأغرقهم الله عز وجل.

كما أن موسى عليه السلام في إرساله لبني إسرائيل جاء بمعجزات باهرات بينات رآها بنوا إسرائيل عيانا، إلا أن سوء مسلكهم وكفرهم وجحودهم جعلهم لا يؤمنون بها على الرغم من بيانها ووضوحها، ومن ذلك أن الله نتق الجبل ورفعه فوق رؤوسهم، وكذلك أنزل عليهم مائدة من السماء، وأحيا الله على يدي موسى الرجل الذي قتل بعد ما طلب منهم موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة ويضربوا بأجزاء منها الميت فرجع حيا، وكذلك بعثهم من بعد موتهم، وتضليل الغمام لهم، وغيرها من المعجزات التي رأوها بأعينهم.

ولكن لأجل تمادي بني إسرائيل في طلب المعجزات والبراهين والدلائل على نبوة موسى، فقد طلبوا منه أكثر من ذلك وهو أن يريهم الله جهرة، فقال تعالى في سورة النساء: "يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا"، وقد قال تعالى بأنه آتى موسى سلطانا مبينا أي معجزات وحجج واضحات. وقال تعالى في سورة القصص تأكيدا للمعجزات الواضحات: "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ.

كما استعمل القرآن الكريم لفظة السلطان في الصراع الأبدي بين الإنسان والشيطان منذ بدأ الخليقة، فبعد أن طرد الله إبليس من رحمته، وتوعد إبليس بأنه سوف يغوي بني آدم، فأجابه الله بأنه ليس له عليهم حجة مقنعة وبرهان حتى يتبعونه، وأما سلطانه فعلى الغاوين الذين يتبعونه فقال الله تعالى في سورة الحجر "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ" فالعباد المخلصون لله تعالى ليس للشيطان عليهم حجة وسبيل فقال تعالى في سورة الإسراء: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا".

وأكد الله هذه الحقيقة في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة النحل: " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ". وقال تعالى في سورة سبأ: " وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ" فالشيطان لم يقهرهم على الكفر وليس له قوة أو حجة عليهم، وإنما يقوم بالتزيين والوسوسة فقط.

وبين الله في كتابه ما سيكون يوم القيامة عندما يتبرأ إبليس من أتباعه من الإنس، موضحا لهم أنه ما كان له عليهم من حجة وقوة بل كانوا يستجيبون له لطغيانهم وكفرهم فقال تعالى في سورة الصافات: "وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ"، وأكد الله هذا الأمر بذكر الحوار الذي يكون بين إبليس وأتباعه من الكفار بعد أن قضي الأمر يوم القيامة فقال الله تعالى في سورة إبراهيم: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ب آی ات ن ا ن ا م وس ى س ل ط ان ا

إقرأ أيضاً:

ليه ربنا خلقنا.. علي جمعة يجيب: علشان يكرمنا

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن الله تعالى خلقنا ليكرمنا ونعيش في صفاته وندعوه ونناجيه ونذكره ونشكره ولا نكفره.

معايير عالمية.. وزير الصحة يتفقد مجمع المعامل المركزية بمدينة بدرليه ربنا حطنا في اختبار وهو عارف نتيجته.. رد حاسم من الدكتور علي جمعةمحافظ الدقهلية يتابع أعمال إنشاء مجمع المصالح الحكومي بميت غمرالأوقاف: «أمك ثم أمك ثم أمك» موضوع خطبة الجمعة القادمةالتموين تعيد إحياء رابسو وسافو في مجمع صناعي عملاق بالعامريةهل تبقى روح الميت في بيته بعد الوفاة؟.. علي جمعة يوضح الحقيقةالاحتلال يستهدف تجمعا للفلسطينيين في الجانية غربي رام الله بالضفةموعد صرف مرتبات أبريل ومايو وحالات الجمع بين المعاش والراتب في القانونعلي جمعة يكشف كيفية شفاعة الرسول لنا يوم القيامةدعاء آخر ساعة من الجمعة الثانية في رمضان.. يفتح لك أبواب الرزقليه ربنا خلقنا؟

وأضاف علي جمعة، في برنامجه الرمضاني اليومي "نور الدين والدنيا"، أن العبادة تطمئن القلب وتسعد صاحبها، ومن يعيش بدون طاعة وعبادة فلا يشعر بالسعادة، والسعادة هنا سعادة الدارين دار الدنيا ودار الآخرة.

وتابع: فالله تعالى خلقنا من أجل مصلحتنا ومن أجل إكرامنا ومن أجل جريان صفاته علينا، فهو عظيم وقوي وقادر، وهو عفو وفي المقابل هو منتقم وجبار للذين يقتلون ويفسدون في الأرض ويدمرون البلاد والعباد ويهجرون الناس من ديارهم.

وأكد أن الله تعالى يرى كل هذا الشر الذي هو موجود في الأرض، وسبب هذا الشر هو أنه سيكون له الأثر يوم القيامة، فهذا الطفل الذي مات هو وعائلته ظلما في الدنيا فسيدخله الله الجنة يوم القيامة، فالله تعالى يبدل المحنة إلى المنحة.

ليه ربنا اختبرنا وهو عارف النتيجة

أجاب الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، على سؤال فتاة تقول فيه (ليه ربنا حطنا في اختبار وهو عارف نتيجته؟

وقال علي جمعة، في إجابته على السؤال، خلال برنامجه الرمضاني اليومي "نور الدين والدنيا"، إن الله تعالى خلقنا إكراما له، فالله له صفات من ضمنها الكريم والواسع والرحمن والرحيم، فله أكثر من 150 صفة في القرآن وأكثر من 164 صفة في السنة، وحينما نحذف المكرر من هذه الصفات تصبح أكثر من 240 صفة لله تعالى.

وتابع: أراد الله إكرامنا ويرحمنا، فخلق الملائكة وأمر الملائكة يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر، فالله أعطانا فرصة، فيأتي شخص لا تعجبه الصلاة أو التكليف أو أنه محرم عليه الكذب والقتل واغتصاب الأطفال، فكيف هذا وقد أسجد الله له الملائكة ووعده الله بالجنة.

وأكد أن الله خلقنا بهذه الصورة لنعبده ونعمر الدنيا ونزكي أنفسنا وندخل الجنة، ولذلك جعلها كلها جمال في جمال، فالقبر هو روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فالله كريم والإنسان يعبده وهو مشتاق إليه.

مقالات مشابهة

  • سورة تفتح خلايا مخك.. داوم عليها فى رمضان وسترى العجب
  • رمضان.. شهر البركة
  • ليه ربنا خلقنا.. علي جمعة يجيب: علشان يكرمنا
  • إمام مسجد السيدة زينب يتحدث عن سورة النحل وأهم مضامينها
  • لماذا سميت سورة النحل بسورة النعم؟.. إمام مسجد السيدة زينب يوضح
  • حكايات شهرزاد|| ويسألونك عن الزُهد (2)
  • أفكار مسابقات دينية جاهزة للأطفال والكبار
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • «إبراهيم الهدهد»: مخالفة أحكام الميراث فساد يؤدي إلى الهلاك «فيديو»