لجريدة عمان:
2024-10-04@23:47:41 GMT

السلطان في كتاب الله

تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT

السلطان في كتاب الله

لو تأملنا كتاب الله وتتبعنا مصطلحاته لوجدنا أن بعض تلك المصطلحات تعطي دلالة واضحة وهي الدلالة الرئيسية التي تنبثق من خلالها معان مختلفة، ومن تلك المصطلحات كلمة "سلطان" فالمعنى العام والأغلب الذي أتت به في الكتاب العزيز هو معنى الحجة والبرهان، ولكن في بعض السياقات القرآنية أسبغت معاني ودلالات إضافية، على الرغم من احتفاظها بالدلالة الرئيسية التي تدل على معنى الحجة والبرهان.

فقد جاءت بعض آيات الكتاب العزيز موجهة للمشركين وورد معها مصطلح "سلطان"، فقال تعالى في سورة آل عمران: "سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ" فقد توعد الله الكافرين بالرعب جراء ما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، أي بما لم ينزل به حجة وبرهانا، وأكد الله هذا المعنى في سورة الأنعام بقوله: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" فالرسول الكريم يخاطب المشركين بقوله كيف أخاف ما أشركتم من الأصنام وغيرها مما تعبدون من دون الله، ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به حجة وبرهانا، فمن منا أحق بالأمن.

وقد وقع غضب الله على المشركين جراء عبادتهم للأصنام التي صنعوها وأطلقوا عليها الأسماء اتباعا لضلالات آبائهم، ولم ينزل الله بها من حجة ولا برهان، فقال تعالى في سورة الأعراف: "قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ"، وأكد الله هذا الخطاب في سورة يوسف بقوله: "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

وفي إطار ذكر المحرمات ذكر الكتاب العزيز في سورة الأعراف في قوله تعالى "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" أن الله حرم الفواحش الظاهر منها والباطن واختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى "ما ظهر منها وما بطن" فقال بعضهم أنه يقصد بما ظهر: هو طواف أهل الشرك بالبيت عراة، وما بطن يقصد به الزنى، وقال آخرون بأن ما ظهر منها يقصد به كل معصية تكون علانية، وما بطن هي المعاصي التي يعملها العاصي في الخفاء، ثم ذكر ربنا تبارك وتعالى من المحرمات هو الإشراك به ما لم ينزل به حجة وبرهانا، والتقول على الله بغير علم.

ولكن المتأمل في كتاب الله يجد أن الله عز وجل أطلق وصفا مركبا وهو "سلطان مبين" عندما ذكر قصة موسى عليه السلام فنجد ذلك في قوله تعالى في سورة النساء: " فقال تعالى في سورة هود: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ" وقال كذلك في سورة المؤمنون: "ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ" وقال أيضا في سورة غافر: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ"، وفي سورة الذاريات يقول ربنا تبارك وتعالى: "وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ"، وقد وصف الله عز وجل هذا المعاجز والحجج والبراهين التي آتاها موسى بأنها مبينة واضحة لا شك فيها ولا خلاف، فقد آتاه الله تسع معجزات واضحات عندما أرسله إلى فرعون وقومه، وقد تنوعت هذه المعجزات والبراهين واختلفت وهي: العصا التي يلقيها فتتحول إلى ثعبان، ويده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء على خلاف بشرة موسى عليه السلام السمراء، وانشقاق البحر له، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، إلا أن فرعون وقومه كفروا بها فأغرقهم الله عز وجل.

كما أن موسى عليه السلام في إرساله لبني إسرائيل جاء بمعجزات باهرات بينات رآها بنوا إسرائيل عيانا، إلا أن سوء مسلكهم وكفرهم وجحودهم جعلهم لا يؤمنون بها على الرغم من بيانها ووضوحها، ومن ذلك أن الله نتق الجبل ورفعه فوق رؤوسهم، وكذلك أنزل عليهم مائدة من السماء، وأحيا الله على يدي موسى الرجل الذي قتل بعد ما طلب منهم موسى عليه السلام أن يذبحوا بقرة ويضربوا بأجزاء منها الميت فرجع حيا، وكذلك بعثهم من بعد موتهم، وتضليل الغمام لهم، وغيرها من المعجزات التي رأوها بأعينهم.

ولكن لأجل تمادي بني إسرائيل في طلب المعجزات والبراهين والدلائل على نبوة موسى، فقد طلبوا منه أكثر من ذلك وهو أن يريهم الله جهرة، فقال تعالى في سورة النساء: "يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا"، وقد قال تعالى بأنه آتى موسى سلطانا مبينا أي معجزات وحجج واضحات. وقال تعالى في سورة القصص تأكيدا للمعجزات الواضحات: "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ.

كما استعمل القرآن الكريم لفظة السلطان في الصراع الأبدي بين الإنسان والشيطان منذ بدأ الخليقة، فبعد أن طرد الله إبليس من رحمته، وتوعد إبليس بأنه سوف يغوي بني آدم، فأجابه الله بأنه ليس له عليهم حجة مقنعة وبرهان حتى يتبعونه، وأما سلطانه فعلى الغاوين الذين يتبعونه فقال الله تعالى في سورة الحجر "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ" فالعباد المخلصون لله تعالى ليس للشيطان عليهم حجة وسبيل فقال تعالى في سورة الإسراء: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا".

وأكد الله هذه الحقيقة في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة النحل: " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ". وقال تعالى في سورة سبأ: " وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ" فالشيطان لم يقهرهم على الكفر وليس له قوة أو حجة عليهم، وإنما يقوم بالتزيين والوسوسة فقط.

وبين الله في كتابه ما سيكون يوم القيامة عندما يتبرأ إبليس من أتباعه من الإنس، موضحا لهم أنه ما كان له عليهم من حجة وقوة بل كانوا يستجيبون له لطغيانهم وكفرهم فقال تعالى في سورة الصافات: "وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ"، وأكد الله هذا الأمر بذكر الحوار الذي يكون بين إبليس وأتباعه من الكفار بعد أن قضي الأمر يوم القيامة فقال الله تعالى في سورة إبراهيم: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ب آی ات ن ا ن ا م وس ى س ل ط ان ا

إقرأ أيضاً:

تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة الرياض

المناطق_واس

أصدرت وزارة الداخلية، اليوم، بيانًا بشأن تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة الرياض، فيما يلي نصه:
قال الله تعالى: “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها”، وقال تعالى: “ولا تبغِ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين”، وقال تعالى: “والله لا يحب الفساد”, وقال تعالى: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم”.

أقدم / وزير بات خان نور باد شاه – باكستاني الجنسية – على تهريب مادة الهيروين المخدر إلى المملكة، وبفضل من الله تمكنت الجهات الأمنية من القبض على الجاني المذكور وأسفر التحقيق معه عن توجيه الاتهام إليه بارتكاب الجريمة، وبإحالته إلى المحكمة المختصة؛ صدر بحقه حكم يقضي بثبوت ما نسب إليه وقتله تعزيرًا، وأصبح الحكم نهائيًا بعد استئنافه ثم تأييده من المحكمة العليا، وصدر أمر ملكي بإنفاذ ما تقرر شرعًا.

أخبار قد تهمك السجل العقاري يعلن بدء تسجيل 239,348 قطعة عقارية في الرياض والمدينة المنورة والقصيم 29 سبتمبر 2024 - 2:03 مساءً الثلاثاء المقبل.. انطلاق ملتقى الذكاء الاصطناعي التوليدي في الصحة بالرياض 29 سبتمبر 2024 - 9:25 صباحًا

وقد تم تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بالجاني / وزير بات خان نور باد شاه – باكستاني الجنسية – يوم الخميس 30 / 3 / 1446هـ الموافق 3 / 10 / 2024م بمنطقة الرياض.

ووزارة الداخلية إذ تعلن ذلك لتؤكد للجميع حرص حكومة المملكة العربية السعودية على حماية أمن المواطن والمقيم من آفة المخدرات، وإيقاع أشد العقوبات المقررة نظامًا بحق مهربيها ومروجيها، لما تسببه من إزهاق للأرواح البريئة، وفساد جسيم في النشء والفرد والمجتمع، وانتهاك لحقوقهم، وهي تحذر في الوقت نفسه كل من يقدم على ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

مقالات مشابهة

  • متى يبدأ وينتهي قيام الليل.. دار الإفتاء توضح
  • معنى قيام الليل الوارد في أول سورة المزمل وآخرها
  • هل يجب قراءة سورة الكهف كل جمعة أم يكفي سماعها ؟
  • فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
  • سورتان من أفضل أعمال يوم الجمعة.. «من قرأهما غفر الله له ذنبه»
  • علاج الحزن والاكتئاب من آيات الله لرسوله
  • 4 أعضاء شريفة لرسول الله وصفها الله في القرآن الكريم
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة الرياض
  • لا تكن ظالمًا وممن يكيلون بمكيالين
  • مَن هو النبي الذي سبحت معه الطير والجبال؟.. كان له صوت جميل