كتبت ندى عبد الرزاق في" الديار": مع دخول شهر ايلول، تتسارع التحضيرات والاستعدادات لاستحقاقات مهمة على مستوى العائلات، حيث يمثل هذا الشهر بداية العام الدراسي الجديد. لذلك، تضع هذه الفترة أولياء الامور أمام صعوبات كبيرة، لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الشديدة التي يعاني منها عدد كبير من الناس. من أبرز هذه التحديات ارتفاع تكاليف التعليم وإعداد المؤن الدراسية والغذائية، مما يزيد من الأعباء على العائلات بمصاريف لا تُرحم.


وفي هذا السياق، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين الى إدارة شؤونهم بين الأقساط المدرسية وشراء الكتب والقرطاسية، فضلا عن التعامل مع الارتفاع الكبير في الأسعار، خاصة في ظل التضخم المستمر الذي أثر في كافة جوانب الحياة اليومية. مما لا شك فيه، تعد اللوازم المدرسية من أهم الملفات التي تشغل بال الأهالي مع بداية العام الدراسي، وقد شهدت في الأعوام الأخيرة تصاعدا ملحوظا، سواء في القطاع الخاص أو في المؤسسات الرسمية.
انطلاقا من كل ما تقدم، تجد العائلات نفسها أمام قرارات محدودة، بين البحث عن بدائل تعليمية أقل تكلفة، أو التضحية ببعض الأساسيات لضمان تعليم أبنائها.
ومع الحديث عن العودة إلى المدارس، لا يمكن إغفال قضية الكتب والقرطاسية، التي اصبحت تشكل ثقلا إضافيا على الأهالي. ووفقا لمصادر تربوية "فقد شهدت الكتب المدرسية، بما في ذلك المقررات الدراسية والمواد التكميلية، زيادة ملحوظة، حيث تعتمد معظمها على مواد مستوردة أو طباعة بتكاليف مرتفعة. ومع ذلك لا يقتصر هذا الغلاء على الكتب فحسب، بل يمتد أيضا إلى القرطاسية، التي تتضمن الدفاتر والأقلام والحقائب، وغيرها من المستلزمات الأساسية". وقالت هذه المصادر لـ "الديار": "يعود هذا الهرج في الأسعار إلى الاعتماد على الواردات من الخارج، وتحجج التجار بزيادة كلفة الاستيراد، مما يؤدي الى ارتفاعها وينعكس بشكل مباشر على المستهلك".
وفي هذا السياق، أكد مصدر في وزارة التربية لـ "الديار" ان "ثمن الأدوات المدرسية مثل الزي المدرسي والرياضي وغيرها من الأغراض، أصبح من القضايا الشائكة التي تواجه الأهالي مع بداية كل عام دراسي. بعد أن كانت المدارس الخاصة تقدم خدمات تعليمية متميزة مقابل رسوم معقولة، نرى اليوم تضخما كبيرا في هذه الرسوم نتيجة الضغوط الاقتصادية، وزيادة تكاليف التشغيل، وسعي المدارس لتعويض النقص في التمويل من خلال زيادة الأعباء المالية على أولياء الامور. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، يضيف المصدر، بل طال المدارس الرسمية التي كانت تُعتبر ملاذًا للأسر ذات الدخل المحدود، ما جعل الكثيرين يعيدون النظر في خياراتهم التعليمية".
أما فيما يخص المستلزمات المدرسية، فقد قفزت أسعارها بشكل ملحوظ، مما جعل تجهيزها تحديا كبيرا للمواطنين. فقد صارت الكتب اليوم مكلفة ، والتي كان من الممكن سابقا تبادلها بين الطلاب أو شراؤها بأسعار معقولة. ينطبق الامر نفسه على القرطاسية، التي تعد من الاحتياجات الضرورية للتعلم، حيث تضاعفت أسعارها بدرجة كبيرة بسبب اعتماد السوق المحلي على المنتجات المستوردة. لذلك أجبر هذا الارتفاع شريحة واسعة من اللبنانيين على البحث عن عوض، مثل شراء مستلزمات أقل جودة أو محاولة إعادة استخدام ما تبقى من العام السابق.
وفي إطار متابعة أسعار الأدوات المدرسية، قامت "الديار" بجولة ميدانية على محال "السوبرماركات" الكبرى والمكتبات، حيث رصدت ارتفاعا ملحوظا في تسعيرة الأغراض. وتبين أن أسعار الحقائب المدرسية تبدأ من 69 دولارا، وهي قيمة يعجز قسم كبير من الأهالي عن توفيرها في ظل الأوضاع المالية الراهنة. في حين تراوح سعر بعض الدفاتر بين 5 و7 دولارات، مما يضع ضغطا إضافيا على الأسر التي تسعى الى تلبية جميع ضروريات أبنائها الدراسية.
وأوضح والد أحد الطلاب، وهو أكاديمي أيضا، لـ "الديار" ان "إدارة المدرسة حيث يتعلم أولاده أرسلت لائحة بأسماء الكتب دون ذكر الأسعار، لكنها اشارت الى أنها مقبولة وأن هناك كتبا مدعومة من المركز التربوي للبحوث والإنماء، لكن يجب شراؤها من خارج المدرسة". ولفت الى ان "اثمان الحقائب ذات النوعية الجيدة، تبدأ من 40 دولارا وتصل إلى 75 بناءً على جودتها، بينما توجد حقائب بسعر 15 دولارا، الا انها تتميز بجودة منخفضة وتفتقر الى بعض الخصائص. أما في ما يخص القرطاسية التي تباع داخل المدرس، فمن الطبيعي أن تكون تسعيرتها مرتفعة، على عكس المكتبات التي تبقى أسعارها مقبولة إلى حد ما".
في الخلاصة، لم تتوقف زيادة الأسعار على الحقائب والدفاتر فقط، بل شملت كل ما يتعلق بالعام الدراسي، وتفاوتت بدرجة ملحوظة حسب المرحلة الدراسية. ومع غياب الرقابة الفعالة على الأسواق، يتحكم التجار في الأسعار بشكل شبه كامل، مما يعمّق معاناة الأهل ويجعل تأمين المستلزمات الدراسية مهمة شاقة في هذه الموسم. يعكس هذا الواقع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتأثيرها المباشر في القطاعات الحيوية، مثل التعليم.

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

في 14 أيلول 1982...هكذا أنقذني من الموت

في مثل هذا اليوم قبل أثنين وأربعين سنة أنقذ حياتي. وله يعود الفضل، بعد ربّ العالمين، بأني لا أزال أتنفس حتى الساعة.
لأنني كنت أعتقد أن صداقة غير كل الصداقات كانت تجمعني به، مع ما يصاحبها من احترام ورهبة، كلفتني إدارة "الوكالة اللبنانية للأنباء"، ومنذ اليوم الأول لانتخابه رئيسًا للجمهورية، أن أرافقه في حلّه وترحاله؛ وكانت كثيرة. كأنه كان يدرك أن أيامه على الأرض ستكون قصيرة، ولذلك أراد أن يملأ كل ثانية مما تبقّى له من وقت حركة لا تستكين ولا تهدأ. كنت أقصد منزله الزوجي في الأشرفية صباح كل يوم لننطلق في جولاته على النواب، سواء الذين صوتوا له أو الذين لم يصوتوا. وكان يكّن لمن رفض التصويت له الاحترام نفسه الذي في قلبه لمن رأى فيه مشروعًا إنقاذيًا، ومن بينهم الرئيس كامل الأسعد والنائب عثمان الدنا.
ومن بين النواب الذين رفضوا النزول إلى المدرسة الحربية في الحازمية لتأمين نصاب جلسة الانتخاب النائب الدكتور ألبير مخيبر. وبعد انتخابه رئيسًا أصر بشير الجميل على أن تكون أولى زيارات الشكر لمخيبر في منزله في بيت مري. لا أزال أذكر تلك اللهفة وتلك الحفاوة، التي لاقاه بها "الحكيم". وما قاله له في تلك اللحظة لا تزال كلماته تصدح، وقد سبقني إلى تدوينها الوزير والنائب الصديق ملحم الرياشي، وكان من بين أكثر المقربين إلى النائب مخيبر. وعلى رغم أهمية الكلام الذي قاله الدكتور مخيبر للشيخ بشير، وفيه الكثير من الحكمة والفروسية، فإن ما قاله يومها الرئيس المنتخب للنائب المسيحي الوحيد في المنطقة الشرقية، الذي تجرأ ولم ينزل إلى المدرسة الحربية، ولكنه قال للوزير السابق المرحوم ميشال المر ما معناه إذا كان النصاب يحتاج إلى صوتي فأنا على استعداد لتأمينه، ولكني لن انتخب بشيرًا، أذهل جميع الحاضرين وكانوا كثرًا، وأتحفظ على ذكر الأسماء لئلا تخونني الذاكرة وأنسى ذكر من لا يجب أن يُنسى. قال له، وبشيء من الخجل؛ وكانت هذه سمة مميزة لدى بشير الجميل، الذي جمع بين قوة الشخصية وذاك الخجل، الذي جعله قريبًا أكثر من الناس: جيت يا حكيم حتى أشكرك لأنك بعدم تصويتك لي أعطيت صورة جلية عن الديمقراطية الحقيقية، وخليتني أشعر بأنو بعد في رجال بهيدا البلد بتقول رأيها بكل حرية وراحة ضمير من دون ما تحسب حساب لأي شي آخر. هيك عرفناك حكيم وهيك بدنا ياك تضّل. جيت اتشكرك لأنك بعدم تصويتك ألي عطيتني تدرس مش راح انساه طوال حياتي. وعندها قال له الدكتور مخيبر الكلام الذي ورد في كتاب "البير مخيبر" الصادر عن دار المشرق العام 2022.
وبالعودة إلى يوم 14 أيلول من العام 1982، وكالعادة رافقته في جولته؛ وكان له لقاء غداء مع راهبات دير الصليب، ومن بينهن شقيقته الأخت أرزة. بعد الغداء قال لي، وهي آخر كلمات سمعتها منه، "الله يقويك "دده". بكفّيك اليوم. روح ارتاح وبشوفك بكرا. أنا بعد الظهر ما عندي شي ورايح بس على اجتماع حزبي ببيت كتايب الأشرفية". ودعته وانصرفت إلى "تفريغ" كلمته، و"ترجمتها" من اللغة المحكية إلى اللغة العربية ومن ثم توزيعها. عدت إلى البيت على غير عادتي، فتفاجأت بي زوجتي أرليت وسألتني عن سبب عودتي باكرًا، فقلت لها إن ليس لدى الشيخ بشير أي نشاط غير اللقاء في بيت الكتائب. وما أن أسندت رأسي على المخدة، وكانت الساعة الرابعة وعشر دقائق، حتى سمعنا صوت انفجار، وكان منزلنا في حي البرجاوي في الأشرفية، فأفقت مذعورًا، وقلت لزوجتي "راح بشير". أسرعت إلى بيت الكتائب في الأشرفية، فوصلت إليه مشيًا على الأقدام بصعوبة. لم نـتأكد عن حقيقة استشهاده، لأنني رأيت يومها الصديقين عاطف زلاقط وايلي اندريا خارجين من تحت الركام مدممين، وكانا يجلسان بالقرب من بشير في اللقاءات الحزبية. قصدت مبنى جريدة "العمل" في الكرنتينا، حيث كنت أعمل أنا وأرليت. وكانت ساعات ثقيلة قضيناها بين الشك واليقين حتى جاءنا أستاذ جوزف أبو خليل وقال لنا بأنه تم التعرف على جثة "البشير" من محبسه السداسي الأضلع.
كان حلمًا وأنطفأ. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • بعد طائرة “يافا”.. ما الذي حمله الصاروخ اليمني الى قلب الكيان؟
  • عودة الهدوء لباب سبتة بعد “الليلة الموعودة” التي خلفت إعتقال أزيد من 500 مرشح للهجرة السرية
  • رابطة تجار السيارات تكشف أسباب عودة "الأوفر برايز" وارتفاع الأسعار
  • بسبب إرتفاع الأسعار.. الركود يضرب محلات بيع مستلزمات المدارس بالفيوم
  • زيارة الرئيس الإيراني للعراق ضيف ثقيل الظل
  • العام الدراسي الجديد يربك حسابات الأسر بكفر الشيخ.. والمواطنين "ما باليد حيلة"
  • رسائل تحرم هؤلاء من القرطاسية المدرسية
  • في 14 أيلول 1982...هكذا أنقذني من الموت
  • مسؤولات اللجان التنظيمية لـ “الثورة”: تحشيدات واسعة وتحضيرات غير مسبوقة لاستقبال ضيفات رسول الله
  • وصول الكتب الدراسية لمدارس محافظة الجيزة استعدادا للعام الجديد