حرب باردة” في العلاقات الروسية الإيرانية في ظل التناقض الأيديولوجي بينهما
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
سبتمبر 4, 2024آخر تحديث: سبتمبر 4, 2024
الدكتور مختار فاتح بي ديلي
باحث في الشأن التركي وأوراسيا
تدخل العلاقات الإيرانية – الروسية مرحلة استراتيجية جديدة، كنتيجة للأزمة الأوكرانية، حيث تتعاظم الشواهد على مضي طرفيها في تخطي المحاذير والحواجز التي كانت تكبح جماح هذه العلاقة، وتقف بها عند حدود الممكن والمتاح دوليا، وفقا لحسابات المصالح وديناميات القوة بين كبار اللاعبين الدوليين.
لا تنفصل العلاقات الروسية الإيرانية عن السياق العام للعلاقات الدولية بوصفها تتحدد من خلال مجموعة من المحددات التي تتراوح ما بين الداخلية والخارجية، إلا أن المصالح وتفاعلات القوى بأبعادها المختلفة تظل هي المحدد الأهم لهذه العلاقات.وقد شهدت السنوات التي أعقبت الثورة الإيرانية عام 1979م تفاعلات وتحولات في مسار العلاقات بين الجانبين؛نتيجة محصلة التفاعل بين الجوانب الأيديولوجية والاعتبارات الجيواستراتيجية فضلا عن دور النسق الدولي والترتيبات الإقليمية في ديناميكيات هذه العلاقات بين (روسيا، وإيران) حيث تحتل إحداهما (روسيا) مكانة متميزة في خريطة العلاقات الدولية، في حين تكتسب الأخرى دوزا متصاعدًا في السياق الإقليمي المحيط بها بأبعاده المختلفة، سواء بمنطقة الشرق الأوسط، أو بظهيرها الخلفي في المحيط الآسيوي، وهو ما يعني أن استقراء الجزئيات المكونة للمشهد الكلي لهذه العلاقات يمكنه أن يؤدي إلى فهم أشمل للمسار العام لها.
فالجانبان وعلى الرغم من التباين الأيديولوجي إلا أن الملاحظ على مستوى العلاقات بينهم أنها تكتسب درجة من القوة؛ مما يثير التساؤل حول الخلفية العامة لهذا المستوى في العلاقات على الرغم من التباين الأيديولوجي بينهم؛ فإيران – وهي الدولة التي تنطلق على أساس رؤية أيديولوجية – تحيا في ظل ما يعرف بولاية الفقيه، في حين نجد روسيا قد انطلقت تاريخيا على مدار القرن العشرين في إطار أيديولوجيا شيوعية تناصب الدين العداء بشكل أو بآخر، وحتى أنه بعد التحول الذي شهده الاتحاد السوفيتي في اتجاه الانهيار، إلا أن وريثتها (روسيا الاتحادية) لم تتغير كثيرا عن المسار العلماني الذي يرى تقييد دور الدين في الحياة العامة بكافة مناحيها، وهنا ندرك حجم التباين الأيديولوجي بين اثنين من القوى العالمية والإقليمية، إلا أن اعتبارات المصالح المتشعبة والمتغيرة تجعل مسار العلاقات بينهما يتجه نحو التعاون في الكثير من الملفات الحساسة والهامة في العلاقات الدولية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الجيوستراتيجية بأسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين، أو في الدائرة الشرق أوسطية بما يثير التساؤل حول الاعتبارات المسيطرة على هذه العلاقات.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الروسية الإيرانية تضرب بجذورها في عمق التاريخ بين البلدين، ولاسيما إلى عصر الامبراطورية الأخمينية، والتي ارتبطت بعلاقات مع السكيثيين، لكن على الرغم من هذا فإن العلاقات الرسمية بين البلدين تعود إلى عصر الامبراطورية الروسية التي تزامنت مع الدولة الصفوية (إيران)، حيث خاضت روسيا القيصرية عددًا من الحروب ضد الصفويين، حيث قامت باحتلال أراض تابعة للصفويين، إلا أن حقبة الحرب الباردة، وخلال حقبة الاتحاد السوفييتي لم تستقر العلاقات بين الجانبين بشكل جيد، حيث كان شاه إيران معارضًا للشيوعية؛ فقام بممارسات قمعية ضدها، أما خلال الفترة التي أعقبت الثورة الإيرانية فقد تحسنت العلاقة بين البلدين بعد الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي ، واستيلاء آية الله الخميني على الحكم في إيران وسقوط الاتحاد السوفيتي اتجهت موسكو و طهران نحو تعزيز العلاقات الثنائية انطلاقا من التشابه الهيكلي فيما بينهما، الأمر الذي أسهم في تحقيق درجة متقدمة من التقارب الذي وصل إلى المستوى الاستراتيجي، حيث تعددت جوانب هذا التقارب على المستوى الاقتصادي التجاري والدبلوماسي … إلخ.
ولكن العلاقات الروسية – الإيرانية ساءت بشكل ملحوظ نحو ما يشبه أجواء الحرب الباردة، فلم تقتصر مصادر الصراع على الموارد أو الحدود كما هو الحال تاريخيا، بقدر ما يمتد لأبعاد أيديولوجية، فضلا عن الصراعات على النفوذ، وهو ما نجد صداه في السلوك الروسي والإيراني بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في الازمة السورية ومشكلة جزيرة القرم والظهور بدور المناوئ للنفوذ الغربي، وبعبارة أخرى فرغم الإطار العام للعلاقات الروسية – الإيرانية الذي يكتسي بطابع التقارب المصلحي الاستراتيجي، إلا أن العلاقات بين الطرفين تمر بشكل مستمر بمراحل من التجاذب والتنافر حول العديد من القضايا، فهي تمثيل حقيقي لمقولة: لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، بل مصالح دوما.
ومع بداية الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا، أدت لحرف نظرها ولو بشكل جزيئ عن منطقة القوقاز والشرق الاوسط التي ظلت تقليديا ضمن مجال تأثير موسكو. ومن الناحية التقليدية، كانت روسيا تسيطر على منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث لم تهرب جمهورياته من السيطرة الروسية المباشرة. ولا تزال روسيا تعد دول القوقاز وآسيا الوسطى بأنها “الخارج القريب” لها. وتحتفظ بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة معها. وتتمتع روسيا بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مع دول آسيا الوسطى، ولديها قواعد عسكرية في أرمينيا وجورجيا وقازخستان وقيرغيرستان وطاجيكستان.
أن هناك إشارات عن تراجع في التفوق الروسي في هذه البلدان، وبدأت جورجيا وأرمينيا وطاجيكستان بتنويع علاقاتها الخارجية، بسبب مخاوفها من العدوان الروسي ضد أوكرانيا. وعززت جورجيا علاقاتها مع الصين والدول الأوروبية. وتحركت أرمينيا قريبا من إيران وأذربيجان نحو تركيا. وعملت إيران على مشاريع شق الطرق في جورجيا وأرمينيا، في محاولة لبناء علاقات قوية مع موانئ جورجيا على البحر الأسود. كما عززت كل من أرمينيا وجورجيا علاقاتهما مع السعودية.
بدأت كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمنستان بالتركيز على المشاريع غير الروسية، وخاصة منظمة الدول التركية بقيادة تركيا. ومع تآكل التفوق الروسي في القوقاز وآسيا الوسطى، بدأت ايران بتعزيز العلاقات مع الدول في قلب أوراسيا وبالاخص مع أرمينيا وجورجيا. حيث تشعر طهران بالقلق من دعم موسكو لفتح ممر زانجيزور. وليس من قبيل الصدفة أن يجتمع السيد مجتبى داميرشيلو، رئيس الدائرة الأوراسية بوزارة الخارجية الإيرانية، مع السفير الروسي في طهران أليكسي ديدوف، إن طهران تعارض تغيير الحدود المعترف بها دوليا وأي نوع من التغيير الجيوسياسي. يشار إلى أن الأطراف ناقشت الاجتماع المرتقب واجتماع وزراء خارجية إيران وروسيا وأذربيجان بصيغة “3+3” أي أن طهران تنظر إلى ممر زانغازور باعتباره «خطاً أحمر» مرة أخرى.
تظل إعادة ترتيب الجيوسياسية الكبرى ليست مهمة سهلة. ولقد دفع الحذر من التأثير الإيراني في آسيا الوسطى، إسرائيل إلى زيادة نشاطاتها في المنطقة. وتتمتع إيران بحضور اقتصادي راسخ في آسيا الوسطى، ففي ظل ابتعادها عن المنافذ البحرية، تعتمد دول آسيا الوسطى على ميناء بندر عباس الإيراني على الخليج لتوصيل نفطها إلى الخارج. ومع ذلك، فإن دول آسيا الوسطى حذرة من مخططات طهران الإقليمية، وخاصة رعايتها للجماعات الإسلامية المتطرفة. وفي الواقع، فإن احتجاج طهران لموسكو يمنحها سبباً للقول إن هذا «الخط الأحمر» مرسوم ليس فقط لباكو، بل أيضاً لجميع القوى المهتمة بفتح الممر. وتعرف طهران جيداً أن فتح ممر زانغازور لن يغير من خصوصية أراضي أرمينيا المعترف بها دولياً. أي أن بيان 10 تشرين الثاني/نوفمبر يذكر أيضًا بوجود حرية حركة مواطني البلدين دون عوائق بين الاطراف.
البوابة الرئيسية لإيران إلى السوق الأوروبية تقع بالضبط في أرمينيا. وتتمتع طهران بإمكانية الوصول إلى جورجيا عبر زانغازور، ومن هنا إلى موانئ باطومي في جورجيا ومنها إلى السوق الأوروبية. بسبب الاتفاقيات بين إيران وأرمينيا، تنخفض الرسوم الجمركية بين البلدين. حتى هناك بعض المنتجات الايرالنية تعبر دون رسوم جمركية الى ارمينيا ودون التحقق من نوعيتها . وهذه هي نقطة التحول الرئيسية في تجارة المخدرات وعبورها الى السوق العالمية.
وبعد حرب بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا والتي دامت مدة الـ 44 يومًا، حيث حررت أذربيجان أراضيها من الاحتلال الارميني وبذلك حُرمت شراكة إيران وأرمينيا في المنطقة التي كانت محتلة من زراعة نبات الحشيش،وتجارة المخدرات. الآن هذه الشراكة بدات تفقد قيمتها الاستراتجية في ضياع طريق التصدير الرئيسي للمخدرات نحو العالم.
وتعرف طهران أن روسيا ستكون هي المسيطرة على المواقع والمعابر إذا تم فتح ممر زانغازور الاستراتجي. ولن تعترف روسيا بالاتفاقيات والامتيازات الموقعة بين أرمينيا وإيران. على الأقل هذه هي المشكلة الرئيسية لإيران. إن مناقشة هذه القضايا بين مكتب داميرشيلو وأليكسي ديدوف ليست استثناءً. ولا يزال اقتراح الكرملين للأطراف بعقد اجتماع بصيغة “3+3” واجتماع لوزراء خارجية إيران وروسيا وأذربيجان قائما. وروسيا تعرف قلق إيران وتقترح مثل هذا اللقاءات لتفادي المشاكل المتعلقة بين البلدين. يمكن لهذا الاجتماع أيضًا تحديد وضع ممر زانغازور. أي أنه إذا تم أخذ مصالح الأطراف بعين الاعتبار، فيمكن فتح الممر.
لذا تسعى كلا الدولتين إلى إيجاد نوع من التعاون بشكل ينعكس إيجابيا على الاستقرار السياسي في المنطقة من أجل إبعاد القوى الإقليمية والدولية عن هذه المنطقة الحيوية من العالم؛ لذا فإن المصالح الإيرانية التقت في ظل المتغيرات الدولية الجديدة مع المصالح الروسية في التعاون والتنسيق في هذا المجال، وتسعى روسيا الاتحادية إلى إيجاد محور مناهض لتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية التي استغلت حلف الناتو للتوجه إلى المنطقة.
ويبدو من مجمل السياسات والمواقف الإيرانية أن طهران ترغب في الحفاظ على وحدانية قرارها الاستراتيجي، ولكن هذا الحرص الإيراني لا يمنع من حصول تعاون وتنسيق في العلاقات الاستراتيجية (الإيرانية – الروسية)، ولا تختلف طبيعة العلاقات التي تقيمها إيران مع الدول الإقليمية ومع القوى الدولية عن طبيعة العلاقات القائمة مع روسيا، وتحاول إيران توظيف هذه العلاقات مع روسيا من أجل بناء منظوماتها العسكرية، وخدمة سياساتها الإقليمية، وحماية مصالحها الدولية، ولا يغيب عن بال المسؤولين الإيرانيين إثارة بعض الهواجس حول طموحات روسيا في سوريا على المدى البعيد، والتي قد تتعارض مع الرؤية الإيرانية المستقبلية لجعل سوريا جبهة جديدة ضد إسرائيل. وتخامر (طهران) شكوك حول صدقية (موسكو) في دعم بقاء الرئيس الأسد في السلطة، وإمكانية أن تقايض (موسكو) حكم الأسد لقاء تفاهمات تجريها مع الدول الغربية من أجل حل المسائل العالقة مثل أوكرانيا، والدرع الصاروخية. لكن تبقى الشكوك الإيرانية مسلطة على إمكانية حدوث تقارب روسي مع الدول الغربية على حسابها من دون أي أساس أو دليل على إمكانية حدوث تطور كهذا في المستقبل المنظور. لا يمكن ربط الخصومة الحاصلة بين موسكو والغرب في أوكرانيا أو في مجموعة مسائل خلافية أخرى، بل يأتي موقف بوتين تجاه الغرب نتيجة معاناة طويلة من طريقة تعامل الغرب مع روسيا منذ انتهاء الحرب الباردة إلى العام 2015م، إن برودة العلاقات الروسية – الغربية هي باقية، ولا يمكن إصلاحها إلا بمبادرة غربية تقضي بإجراء تعديلات عميقة في سياسة الغرب الخارجية تجاه روسيا. ولا أمل في الأفق القريب بحدوث ذلك.
في النهاية نجد أن المسألة الرئيسية في القوقاز هي عدم قدرة روسيا على اتخاذ قرار نهائي بشأن افتتاح مسارات للنقل والتواصل لربط أذربيجان بنخجوان، في اتفاقية السلام بين أذربيجان وأرمينيا حيث ينص الاتفاقية بإعطاء ممر زانغازور لأذربيجان. في هذه الأثناء، اتخذت روسيا موقفاً غامضاً، إذ ما زلنا نجهل السياسة والأهداف التي تتبعها موسكو بالضبط، وهذا تماماً ما يأرق إيران، فموسكو الان بحاجة ماسة إلى ممر زانغازور للالتفاف على العقوبات الغربية،هذه من جهة ومن جهة أخرى موسكو تريد إرضاء جميع الأطراف الفاعلة في صراع القوقاز (أذربيجان وتركيا وأرمينيا وإيران) وهو أمر سبّب في تقليص قدرة إيران على المناورة. أي أن روسيا منخرطة في نوع من التردد يندرج في رغبتها في إرضاء الأرمن وعدم إزعاج حليفها التركي وألا تشعر إيران بالتهديد.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: العلاقات الروسیة العلاقات بین هذه العلاقات فی العلاقات بین البلدین آسیا الوسطى مع الدول إلا أن
إقرأ أيضاً:
ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
الجزائر– حملت زيارة نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى الجزائر دلالات عدة عن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة مع ظهور مؤشرات توتر غير معلن خلال الأشهر الماضية على خلفية وجود قوات فاغنر الروسية ونشاطها في مالي.
ووصف بوغدانوف علاقات بلاده بالجزائر بالجيدة وعلى مستوى إستراتيجي، مؤكدا أن اللقاء الذي جمعه رفقة نائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ووزير الخارجية أحمد عطاف، لم يناقش فقط العلاقات الثنائية بل الأحوال في المنطقة ومنطقة الساحل إلى جانب تبادل الرؤى والنصائح، مشيرا إلى استعداد روسيا لمواصلة اللقاءات والتعاون مع الجزائر بما في ذلك النقاش السياسي.
وتأتي زيارة المسؤول الروسي إلى الجزائر بالتزامن مع تقارير إعلامية حول سحب روسيا عتاد عسكري متطور من قواعدها في سوريا ونقله إلى ليبيا بعد أيام من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وعقب تجديد الجزائر دعوتها بمجلس الأمن إلى انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة الذين يفاقم وجودهم حدة التوترات ويهدد سيادة ليبيا.
الجانبان الجزائري والروسي ناقشا العلاقات الثنائية وعددا من الملفات الإقليمية والدولية (الخارجية الجزائرية) تنشيط بعد فتوريقول أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية محمد عمرون إن زيارة ممثل الرئيس الروسي إلى الجزائر تُعد "مهمة" إذا ما وضعت في سياقها الإقليمي والدولي الذي يشهد عدة تطورات، منها سقوط نظام الأسد، والأوضاع في غزة، والحرب الأوكرانية الروسية المتواصلة، إلى جانب الوضع المتأزم في منطقة الساحل الأفريقي.
ويؤكد عمرون، في حديثه للجزيرة نت، أن الزيارة تعد مهمة أيضا بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين كونها اتسمت بالفتور الأشهر الماضية لاعتبارات عديدة، من بينها وجود قوات فاغنر الروسية في شمال مالي.
وتطرق إلى العلاقات التاريخية التقليدية بين الجزائر وروسيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية، مما يجعل روسيا "بحاجة إلى التشاور مع شركائها الموثوقين مثل الجزائر بخصوص التطورات في سوريا، وهو ما سيرفع حالة البرودة والفتور عن العلاقات الجزائرية الروسية".
إعلانواعتبر أن انعقاد الدورة الرابعة للجنة المشتركة الجزائرية الروسية فرصة لترميم الثقة بين الجانبين بعد فترة من الفتور، والتباحث حول واقع منطقة الساحل، ورفع التنسيق والتشاور وتبادل الرؤى في ما يتعلق بمجمل الملفات.
رسائل وتوضيحاتوأشار أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية إلى أن ممثل الرئيس الروسي قد حمل دون شك مجموعة من الرسائل من الرئيس بوتين إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تضاف إلى قضايا التعاون وكيفية تقريب وجهات النظر، وتتعلق بتقديم تفسيرات وتوضيحات من الجانب الروسي، خصوصًا فيما يتعلق بمنطقة الساحل، والاستماع للرؤية الجزائرية في هذا السياق.
وبخصوص إذا ما حملت هذه الزيارة تطمينات للجزائر، يقول إن الجزائر أثبتت عدة مرات أنها قادرة على حماية أمنها القومي بنفسها، مما يجعل مسألة التطمينات الروسية فيها نوع من المبالغة.
وأشار إلى أن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُستبعد من ترتيبات منطقة الساحل لاعتبارات كثيرة، كما أن الرؤية الجزائرية القائمة على ضرورة الحوار والتعاون، ورفض التدخلات العسكرية، ورفض اللجوء إلى القوة لحل الأزمات، تعتبر في كثير من الأحيان رؤية صائبة، مما يجعل روسيا مطالبة بالتنسيق بشكل أكبر مع الجزائر.
من جانبه، توقع الخبير في القضايا الجيوسياسية والأمنية وقضايا الهجرة، حسان قاسمي، أن يكون ملف فاغنر قد طوي نهائيا بعد ردود الفعل القوية للطرف الجزائري على نشاط القوات الروسية في مالي، مؤكدا أن روسيا بلد حليف للجزائر، ولو كان هناك عدم توافق في بعض الأحداث التي تطورت على حدود الجزائر.
قواعد روسية بليبياواعتبر قاسمي، في حديثه للجزيرة نت، أن الأخبار المتداول لوسائل إعلام غربية حول نقل القواعد العسكرية الروسية بسوريا إلى ليبيا هي محاولات مغرضة لنقل الصراع إلى ليبيا، لعدم وجود لتهديد مباشر للقواعد العسكرية الروسية في سوريا، مع إمكانية تطور الصراعات الجيوسياسية في المستقبل.
إعلانومع ذلك، اعتبر أن نقل روسيا المحتمل لقواعدها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لا يمكن أن تشكل تهديدا لأمن الجزائر كونها ليست عدوا لها، مما يفرض التنسيق والتشاور مع الجزائر بالموضوع إلى جانب الأطراف الأخرى على غرار السلطة الليبية ومصر.
وقال الخبير حسان قاسمي إن التطورات التي حدث في مالي مع وجود قوات فاغنر الروسية هناك لا يمكن أن تتكرر في ليبيا.
ويرى المحلل السياسي علي ربيج أن موقف الجزائر واضح جدًا فيما يخص القواعد العسكرية في منطقة الساحل أو في منطقة المغرب العربي بشكل عام، كونها رفضت أن تكون هناك قواعد عسكرية على ترابها، أو في ليبيا أو تونس أو مالي، لتأثير مثل هذه التجارب على أمن البلدان بتحولها لمدخل مباشر للانتشار العسكري للقوات الأجنبية.
ويقول ربيج، في حديثه مع الجزيرة نت، إن موقف الجزائر ثابت فيما يتعلق بالقواعد العسكرية، مما قد يجعله أحد النقاط الخلافية بينها وبين روسيا، التي ربما ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، معتبرا أن هذا قد يزيد التوتر بين الجزائر وروسيا، وبين أي دولة أخرى تريد إقامة قواعد عسكرية في المنطقة.
بالنسبة للرسائل التي قد يحملها الطرف الروسي بالنسبة للجزائر في القضية الليبية، اعتبر أنها لن تخرج عن محاولة إقناع الجزائر لتغيير موقفها، فروسيا لا يمكنها التنازل عن وجودها في ليبيا.
وأشار إلى أن الجزائر ستبقى صامدة ومتمسكة بموقفها كونها تؤمن بنظرية واحدة، وهي أنه "لا يمكن الخروج من الأزمة الليبية إلا عن طريق جلوس الأخوة الليبيين معًا، والليبيين فقط، لإجراء حوار ومفاوضات وتقديم تنازلات فيما بينهم من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى إجراء انتخابات دون تدخل أجنبي".