بوابة الوفد:
2024-12-23@03:16:17 GMT

المشهد الأخير

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

لافتة الطريق تشير لاقتراب فخ المدينة، كمن يقترب من مشروع نسفِه بالألغام. هل سيُقدم الزمن على مثل تلك الخطوة؟ 

كانت تسليتي بالطريق نابضة باللاشيء، اللاشيء أغرب الكائنات التي تلتصق بجلدك، بحياتك، بتفاصيلك ليجعلها هشّة، ويبقى أكثر وقاحة حين تهرب منه ولا تجد وسيلة نافعة للخلاص.

 

القيادة ليلًا تدفع بأمي للشفقة عليّ:

"ينفطر قلبي عليك وأنت تسافر ليلاً!"

 

كنتُ قد تركت بحوزتها رزمة نقود تكفي مصاريف يدها، إذا طلبت شيئًا من البقالة أو احتياجات طارئة.

"يومان على الأكثر يا أمي وسأرجع، ها.. انتبهي جيدًا لنفسك". الأدوية وضعتُها بعناية جوارها على الكومدينو، مرفق بها ورقة مواعيدها، رقم هاتف جارتنا في الدور الرابع.. أخبرها بلطف: 

"من فضلك خالتي أزهار، أترك أمي أمانة في عنقك ليومين و....." 

تفهم الباقي بإشارة من رأسها وابتسامة على فمها ذي الشفتين الجافتين بفعل طقس العمر.

 

كنتُ قلقًا عليها بشيء لا يحمّلني خيبة أمل في العودة إليها وقد فارقت الحياة، أو قطعتْ يدها بسكين المطبخ، لا أعرف، بالطبع، كيف تحصلت عليها وقد خبأتُها في درج بمكتبي! أو تكون قد تحركت إلى الشرفة وأدارت مقبضها المغلق بصعوبة وحين أطلت إلى الكآبة الحاصلة في الخارج غلبها ثقل جسدها وانزلقت كحبة بطاطس إلى طاسة القليّة.

 

اعتادتْ، أمي، أن تجهز فطورها بنفسها، رغم حركتها البطيئة بقدمين مقوسين، وميل جذعها يمينًا ويسارًا كما لو يترنح عود ذرة في مقابلة لفحة هواء قوية تهبّ من كل اتجاه. تتحرك منتشية لرغبتها في الإحساس بالحياة، الإحساس بالقدرة على المراوغة، مراوغة الموت بالطبع.. وأنه ليس بوسعه غير تقطيعها إربًا قبلما ينزع روحها من الداخل، حتى ذلك الوقت هي تتنفس، تتكلم، تصب لعناتها على أبي الذي سلم نفسه للموت وتركها، تقرأ الجرائد كما اعتادت لأربعين سنة، تتبرج في ساعتين أو ثلاث –تبرج شكلي يُشعرها براحة نفسية لوجود وجه ما رغم خطوط تجاعيده- ترى أنها شخصية أخرى وهي تنظر في المرآة، شخصية قادرة على أداء دورها في أحد مشاهد الفن السابع، بمثالية تستحق عليها أرفع الجوائز. 

"أنا تركت التمثيل بمزاجي، أتفهم ذلك؟! لم أعد أستوعب منغصاته، والأجيال الجديدة دخيلة عليه، أجيال بلا موهبة حقيقية، تتصنع كما لو أنها دمى يحركها أحدهم من خلف ستار. وكان يجب أن أتنحى." 

تقول دومًا أنها اختارت الظل في غرفة داخلية، بعيدًا عن الأضواء والشهرة، حتى تربيني كما ينبغي.

 

"بعد وفاة والدك في حرب العراق كان من المهم أن أقف جوارك -رجلي الوحيد- وليس عليّ أن أفقدك أنت الآخر" 

.

إذاعة الأغاني تبث فقرة مطولة عن عبدالحليم حافظ، "الكروان البائس"، لم أشعر يومًا بامتنان للاستماع إليه، عدلتُ من مزاجي لإذاعة أخرى.. كانت لديها ذائقة أرقى، فيروز المرابطة على تخوم الشجن تناجي ذكرياتها مع "شادي".. 

وبينما كنت أتصفح الرسائل الخاصة بعملاء الشركة، جاءني اتصال من رقم غير مسجل بقائمة هاتفي، كان صوته لا يشي أن أحدًا يعرفني أو أعرفه، صوته آلي رتيب منحنى 30 ثانية لأعرف منه سبب اتصاله ورغبته في سرعة وجودي بالمستشفى التي ترقد فيها أمي. 

لم تكن لحظة عادية في حياتي، شلّ عقلي عن التفكير، بفعل أطنان من الأسئلة جثمت فوق رأسي. "كيف حدث ذلك؟ ماذا فعلتْ؟" تصورتُ للحظة، انفجارًا لجهاز كهربائي في المطبخ، أو تزلفت قدمها فسقطت بجسدها على البلاط وانقطعت أنفاسها.

لا تنقطع الأسئلة عن اللهاث في صدري حتى وصلتُ إلى صالة الاستقبال بالمستشفى، وأنا في حالة مزرية من الأسى والإعياء الشديد.

أخبروني سريعًا بما جرى وأنها الآن تخضع لعملية عاجلة، لا أحد يضمن نجاحها بنسبة كبيرة.

حينها دار رأسي في فراغ دامس، تحطمت معنوياتي تمامًا.. جرجرتُ قدميَّ بصعوبة، وددتُ إطلالة عليها، ربما الأخيرة، من خلف الباب، بعيدًا عن أن أُحدث في قلبي شرخًا أكبر؛ لكني شعرتُ أن هناك هوّة أقف بعتبتها، وإحدى الممرضات تناولني ورقةً صغيرة، بدت الكلمات فيها متشحةً بالسواد، وليست سوى تسريب دموي من شريان قُطع للتو:

[ابني العزيز..

ليس لدي الأطباء حجة لبقاء أنبوب الأوكسجين على فمي، 

الهدف السامي أن ينزعوا الروح من بين ضلوعي بشياكة، بأكثر خطط الإجرام الطبي محبةً ورحمةً بكائن ينتظر دوره الأخير في تمثيلية الحياة. 

ممتنة لمن يحمل إليك رسالتي، أقدر له جهده في العثور عليك، وأن يطلب إليك مغفرةَ ما أقدمتُ عليه، لعلك تستريح من جثة تعيش بحماقة لا تنتهي!]

 

 محمد حسني عليوة، مصر -شاعر وكاتب

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المشهد الأخير لافتة الطريق تلك الخطوة

إقرأ أيضاً:

بعد تحديث سامسونج الأخير.. مشكلة تواجه مستخدمي هواتف Galaxy

قدم تحديث سامسونج الأخير One UI 6.1، عدة مزايا لهواتف Galaxy S22، إلا أنه تسبّب أيضا في مشكلات خطيرة لبعض المستخدمين. 

وبعد تثبيت هذا التحديث، الذي أطلق في سبتمبر 2024، بدأ العديد من مالكي Galaxy S22 بالإبلاغ عن تعطل هواتفهم أو مواجهتها لمشكلات في عملية التشغيل مثل التجميد أو التلعثم، وفقا لما ذكره موقع “sammobile”.

ما هي ميزة Now Bar في هواتف سامسونج؟.. فيديوتسريبات حصرية تكشف تصميم وألوان هواتف سامسونج Galaxy S25مشكلة تواجه مستخدمي هواتف Galaxy بسبب تحديث سامسونج One UI 6.1

أفاد المستخدمون بأن هواتفهم تتجمد بشكل مفاجئ وتعيد التشغيل عدة مرات يوميا، وتشير هذه الشكاوى- التي نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات سامسونج الرسمية- إلى أن السبب المحتمل هو خلل في اللوحات الأم، وفقا لما ورد عن مراكز الخدمة المعتمدة.

ومع مرور أكثر من عام على صدور Galaxy S22، نجد أن معظم الأجهزة التي تعاني من هذه المشاكل هي خارج الضمان، مما يترك المستخدمين مضطرين لتحمل تكاليف الإصلاح على الرغم من أن سبب المشكلة قد يكون مرتبطا بالتحديث الأخير.

ولم تكن هذه المرة هي الأولى التي تواجه فيها سلسلة Galaxy S22 مثل هذه المشاكل، إذ عانت الأجهزة من مشكلات مشابهة عند إصدار التحديث في وقت سابق من العام، مما اضطر سامسونج لسحب التحديث وإصدار نسخة محسنة بعد فترة قصيرة.

وإذا استمرت المشكلات في الظهور، بات من الضروري أن تصدر سامسونج بيانا رسميا بهذا الشأن، وتقدم تعويضا لمستخدميها عبر استبدال اللوحات الأم مجانا في المراكز المعتمدة.

مشكلة تواجه مستخدمي هواتف Galaxy بسبب تحديث سامسونج One UI 6.1

ويشار إلى أن تحديث سامسونج One UI 6.1 يجلب بعض التغييرات المرئية المذهلة لهواتف Galaxy، خاصة فيما يتعلق بشاشة القفل وAlways On Display، وخلفية شاشة القفل والأدوات الذكية تشق طريقها إلى Always On Display.

وفي الوقت نفسه، تركز واجهة One UI 6.1 بشكل كبير على ميزات الذكاء الاصطناعي، وتعد سلسلة Galaxy S24 هي الأولى في حملة سامسونج لتجربة Galaxy AI.

وتتضمن وظيفة الذكاء الاصطناعي من سامسونج ميزات مثل: دائرة للبحث، الترجمة المباشرة في المكالمات الهاتفية، مساعدة الدردشة مدعومة بالذكاء الاصطناعي وLLM، التدقيق إملائي ونحوي قوي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، وغيرها.

مقالات مشابهة

  • داليا عبد الرحيم: الفصائل المسلحة لاعب رئيسي في المشهد السوري
  • في اشارة إلى الحزب الديمقراطي.. الجعيدي: “المتأسلمون” أشد ضرراً من العلمانيين في المشهد السياسي
  • هل يستمر المشهد الاقليمي بالتعقيد؟
  • من هي أبرز الشخصيات التي تدير المشهد في سوريا الجديدة؟.. وزراء ومحافظون
  • مقتل المئات..سيناريوهات تزيد تعقيد المشهد السوداني
  • اللافي: أثريّنا المشهد الإعلامي في ليبيا بمنتدى أيام طرابلس
  • «كان بيروح بدري خوفا من زوجته».. وحيد سيف يحكي عن براءة قلب محمود المليجي
  • بعد تحديث سامسونج الأخير.. مشكلة تواجه مستخدمي هواتف Galaxy
  • ممثلة «سوريا الديمقراطية»: الشعب بحاجة إلى نظام جديد يضمن التشاركية
  • سيف الحكمة .. عرض يعلي صوت الطبول ليقدم أربعة حكم صينية