بوابة الوفد:
2024-09-15@20:43:58 GMT

المشهد الأخير

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

لافتة الطريق تشير لاقتراب فخ المدينة، كمن يقترب من مشروع نسفِه بالألغام. هل سيُقدم الزمن على مثل تلك الخطوة؟ 

كانت تسليتي بالطريق نابضة باللاشيء، اللاشيء أغرب الكائنات التي تلتصق بجلدك، بحياتك، بتفاصيلك ليجعلها هشّة، ويبقى أكثر وقاحة حين تهرب منه ولا تجد وسيلة نافعة للخلاص.

 

القيادة ليلًا تدفع بأمي للشفقة عليّ:

"ينفطر قلبي عليك وأنت تسافر ليلاً!"

 

كنتُ قد تركت بحوزتها رزمة نقود تكفي مصاريف يدها، إذا طلبت شيئًا من البقالة أو احتياجات طارئة.

"يومان على الأكثر يا أمي وسأرجع، ها.. انتبهي جيدًا لنفسك". الأدوية وضعتُها بعناية جوارها على الكومدينو، مرفق بها ورقة مواعيدها، رقم هاتف جارتنا في الدور الرابع.. أخبرها بلطف: 

"من فضلك خالتي أزهار، أترك أمي أمانة في عنقك ليومين و....." 

تفهم الباقي بإشارة من رأسها وابتسامة على فمها ذي الشفتين الجافتين بفعل طقس العمر.

 

كنتُ قلقًا عليها بشيء لا يحمّلني خيبة أمل في العودة إليها وقد فارقت الحياة، أو قطعتْ يدها بسكين المطبخ، لا أعرف، بالطبع، كيف تحصلت عليها وقد خبأتُها في درج بمكتبي! أو تكون قد تحركت إلى الشرفة وأدارت مقبضها المغلق بصعوبة وحين أطلت إلى الكآبة الحاصلة في الخارج غلبها ثقل جسدها وانزلقت كحبة بطاطس إلى طاسة القليّة.

 

اعتادتْ، أمي، أن تجهز فطورها بنفسها، رغم حركتها البطيئة بقدمين مقوسين، وميل جذعها يمينًا ويسارًا كما لو يترنح عود ذرة في مقابلة لفحة هواء قوية تهبّ من كل اتجاه. تتحرك منتشية لرغبتها في الإحساس بالحياة، الإحساس بالقدرة على المراوغة، مراوغة الموت بالطبع.. وأنه ليس بوسعه غير تقطيعها إربًا قبلما ينزع روحها من الداخل، حتى ذلك الوقت هي تتنفس، تتكلم، تصب لعناتها على أبي الذي سلم نفسه للموت وتركها، تقرأ الجرائد كما اعتادت لأربعين سنة، تتبرج في ساعتين أو ثلاث –تبرج شكلي يُشعرها براحة نفسية لوجود وجه ما رغم خطوط تجاعيده- ترى أنها شخصية أخرى وهي تنظر في المرآة، شخصية قادرة على أداء دورها في أحد مشاهد الفن السابع، بمثالية تستحق عليها أرفع الجوائز. 

"أنا تركت التمثيل بمزاجي، أتفهم ذلك؟! لم أعد أستوعب منغصاته، والأجيال الجديدة دخيلة عليه، أجيال بلا موهبة حقيقية، تتصنع كما لو أنها دمى يحركها أحدهم من خلف ستار. وكان يجب أن أتنحى." 

تقول دومًا أنها اختارت الظل في غرفة داخلية، بعيدًا عن الأضواء والشهرة، حتى تربيني كما ينبغي.

 

"بعد وفاة والدك في حرب العراق كان من المهم أن أقف جوارك -رجلي الوحيد- وليس عليّ أن أفقدك أنت الآخر" 

.

إذاعة الأغاني تبث فقرة مطولة عن عبدالحليم حافظ، "الكروان البائس"، لم أشعر يومًا بامتنان للاستماع إليه، عدلتُ من مزاجي لإذاعة أخرى.. كانت لديها ذائقة أرقى، فيروز المرابطة على تخوم الشجن تناجي ذكرياتها مع "شادي".. 

وبينما كنت أتصفح الرسائل الخاصة بعملاء الشركة، جاءني اتصال من رقم غير مسجل بقائمة هاتفي، كان صوته لا يشي أن أحدًا يعرفني أو أعرفه، صوته آلي رتيب منحنى 30 ثانية لأعرف منه سبب اتصاله ورغبته في سرعة وجودي بالمستشفى التي ترقد فيها أمي. 

لم تكن لحظة عادية في حياتي، شلّ عقلي عن التفكير، بفعل أطنان من الأسئلة جثمت فوق رأسي. "كيف حدث ذلك؟ ماذا فعلتْ؟" تصورتُ للحظة، انفجارًا لجهاز كهربائي في المطبخ، أو تزلفت قدمها فسقطت بجسدها على البلاط وانقطعت أنفاسها.

لا تنقطع الأسئلة عن اللهاث في صدري حتى وصلتُ إلى صالة الاستقبال بالمستشفى، وأنا في حالة مزرية من الأسى والإعياء الشديد.

أخبروني سريعًا بما جرى وأنها الآن تخضع لعملية عاجلة، لا أحد يضمن نجاحها بنسبة كبيرة.

حينها دار رأسي في فراغ دامس، تحطمت معنوياتي تمامًا.. جرجرتُ قدميَّ بصعوبة، وددتُ إطلالة عليها، ربما الأخيرة، من خلف الباب، بعيدًا عن أن أُحدث في قلبي شرخًا أكبر؛ لكني شعرتُ أن هناك هوّة أقف بعتبتها، وإحدى الممرضات تناولني ورقةً صغيرة، بدت الكلمات فيها متشحةً بالسواد، وليست سوى تسريب دموي من شريان قُطع للتو:

[ابني العزيز..

ليس لدي الأطباء حجة لبقاء أنبوب الأوكسجين على فمي، 

الهدف السامي أن ينزعوا الروح من بين ضلوعي بشياكة، بأكثر خطط الإجرام الطبي محبةً ورحمةً بكائن ينتظر دوره الأخير في تمثيلية الحياة. 

ممتنة لمن يحمل إليك رسالتي، أقدر له جهده في العثور عليك، وأن يطلب إليك مغفرةَ ما أقدمتُ عليه، لعلك تستريح من جثة تعيش بحماقة لا تنتهي!]

 

 محمد حسني عليوة، مصر -شاعر وكاتب

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المشهد الأخير لافتة الطريق تلك الخطوة

إقرأ أيضاً:

الأخير هذا العام.. خسوف جزئي مرتقب للقمر

يستعد محبو الفضاء والفلك لخسوف جزئي للقمر لدى ظهور القمر العملاق، سيكون المشهد مرئياً في سماء صافية  في عدة أمكان حول العالم.

وأكد معهد البحوث الفلكية في مصر أن العالم سيشهد خسوفا قمريا يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024، يظهر في بعض مناطق العالم، مثل الأمريكتين وأجزاء من القارة القطبية الجنوبية وغرب المحيط الهندي والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا والمحيط الأطلسي وشرق بولينيزيا.

وتكون مدة فترة الخسوف الجزئي فقط منذ بدابة دخول القمر منطقة ظل الأرض إلى خروجه منها من الجهة المقابلة ستكون ساعة و3 دقائق.

ويعد هذا الخسوف القمري الثاني والأخير هذا العام بعد خسوف طفيف في شهر مارس، ويحدث الخسوف الجزئي للقمر عندما تمر الأرض بين الشمس والقمر، مما يلقي بظل يظلم شريحة من القمر ويبدو كأنه يأخذ «قضمة» منه.

ونظراً لأن القمر سيقترب من الأرض أكثر من المعتاد، فسوف يبدو أكبر قليلاً في السماء. وقالت فاليري رابسون، عالمة الفلك بجامعة ولاية نيويورك في أونيونتا: “يتم حجب قليل من ضوء الشمس، لذا سيكون القمر باهتاً قليلا”.

ولا توجد حاجة لحماية خاصة للعين لمشاهدة خسوف القمر. ويمكن للمشاهدين التحديق في القمر بالعين المجردة أو اختيار المناظير والتلسكوبات لإلقاء نظرة أقرب

ووفقاً لوكالة «ناسا»، تصطف الأرض والقمر والشمس لإنتاج كسوف شمسي أو قمري في أي وقت من 4 إلى 7 مرات في السنة. وفي شهر أبريل الماضي، أدى كسوف كلي للشمس إلى إغراق مدن في الظلام بأميركا الشمالية.

ولمشهد قمري أكثر لفتاً للانتباه، يمكن لمراقبي ومحبي تتبع حركة القمر، ضبط تقويماتهم على 13 مارس المقبل، حيث يتوقع أن يخسف ظل الأرض القمر تماماً، وسوف يتحول إلى اللون الأحمر بسبب قطع ضالة من ضوء الشمس تتسرب عبر الغلاف الجوي للأرض.

مقالات مشابهة

  • الأخير هذا العام.. خسوف جزئي مرتقب للقمر
  • الانتخابات الرئاسية بين الشارع التونسي وقيس سعيد
  • اكتمال تحضيرات المشهد المحمدي في العاصمة صنعاء استعداداً لأعظم احتفاء على وجه الأرض
  • وفاة الفنانة ناهد رشدي: وداعًا لنجمة "لن أعيش في جلباب أبي"
  • رحيل الفنانة ناهد رشدي وذكريات "فرح سنية" من مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي"
  • ما شروط عمل الأجانب في مصر بعد قرار الحكومة الأخير؟.. القانون يجيب
  • العالم يودّع إريكسون إلى مثواه الأخير
  • مشاهد كيزانية
  • الأحرار يؤكد مرة أخرى قيادته المشهد السياسي والحزبي بتبوأ مرشحيه الصدارة في الإنتخابات البرلمانية الجزئية
  • الأوراق الملغاة تتصدر المشهد في الانتخابات التشريعية الجزئية في الرباط