بوابة الوفد:
2024-12-25@13:45:12 GMT

الصعود لأسفل

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

ماريا، حَبّة البازلاء اليافعة التي نضجت قبل أيام وتكوّر جسدها متخلّصًا من خسفات الغضاضة. تقرَّر لها أن تبدأ أخيرًا رحلة العمل، فدُفنت في أرض صالحة السُّمعة، وأُهيل عليها التراب وتندّى. شعرت بروح الطفولة التي ما زالت تسيطر على أجزاء من كينونتها، أنها أصبحت وحيدةً وحدة مدقعة، وأن كل ما حدث لها بين يوم وليلة، يُشبه في الحقيقة رحلة وأد لا رحلة عمل.

لكن، كأي حَبِّةٍ شابة أخرى، أمِلَت الاعتياد.

     حلاوة الإنجاز التي حصلت عليها بعد الأسبوع الأول تحت الطين، وقد تفتّقت مؤخرتها مُنبئةً بنتوءٍ جنيني بدأ يشق طريقه نحو الأسفل، تلك الحلاوة، وإن كانت بحجم جذر جنيني، أشعرتها بأن الرحلة تستحق وأن المرام قد يكون لها أنيسٌ فيه. أدّى ذلك بطبيعة الحال إلى مزيد من الصبر والعمل المخلص، حتى تتسنى لها تلك الغاية. 

     ومع تكرار ما حدث من عدة جهات في جسدها وحصلت على جذور بُنيّة جميلة ناتئة من جنباتها، لم يمضِ كثيرُ الوقت حتى اطّلَعت على مساوئ هذا المجتمع الطيني.

     انتبهت، كأول ملاحظة ناضجة، إلى أن مَن يُشرِّع لها قوانين سيرها بجذورها، ليست إرادتها الحُرة المحضة، وإنما حبّات التراب وكُتل الطين المجاورة، وطريقة ترتيبها وكثافة تكدُّسها، وشدة واتجاه ضغطها من جهة إلى جهة. وما ينجم عن ذلك هو جِذر يستقطعُهُ عددٌ هائل من الكَسرات والثنيات والعُقد، فيما يتوافق مع تلك التشريعات. 

     "بأي حق؟". 

     تساءلت الحبّةُ في أسى، وعاودتها المخاوف الأولى المتعلقة برحلة الوأد لا رحلة العمل. 

     "هذا المجتمع يُفسد أي فرحة! مَن هم ليُشرِّعوا لي حياتي؟ أليس من حق كل كائن تحت هذه الأرض أن يختار طريقًا لنفسه يسلكها؟".

     كثير من الأسئلة راودتها في مطلع شبابها، راودت كثيرات من الحبّات نجحن في التخلص منها، وشق الأمل بين الأسى. لكن في الحقيقة، ماريا حبة بازلاء مختلفة، لم تكن تنظر عادةً إلى قصص النجاح وحسب، وترى أن ما حظيت به -أي تلك القصص- من تلميع ورواج، مردُّه في الأصل أن صاحبات تلك القصص هن اللاتي نجوْنَ من الموت، ومن ثم خرجن إلى النور. في مقابل ذلك، من يدري! كم حبة بازلاء ماتت أو انتحرت في سبيل الحصول على حريتها، وحق تشريع قوانينها لنفسها؟

      إنها أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الحياة المقيدة، أو طرح كل أمل في رؤية النور.

     امتنعت عن شرب الماء ومصّ الغذاء، عرفت طريقها إلى التبتُّل والزُّهد في الدنيا التي ظنت مآلها الموت السريع، والدفن فيه موضعها دون دمعة واحدة تُذرف من أجلها. 

     غير أن أثناء هذا الصيام، وبعد تنحّي الرغبات الخبيثة التي أكثرها شرًا هو كبرياء الطفولة، صفا تفكيرُها واعتدل، رأت أن التحايل على الحياة ليس يأسًا ولا ميوعة، بل إن التحايل في بعض الأوقات هو القيمة البقائية ذاتها! لا بُد، إن لم يكن بمقدورها أن تُشرِّع لنفسها قوانينها (كإرادة جمعية غبية، فلتعتبر!)، أن تحتال على هذه القوانين، وتكسرها من حين إلى حين في الخفاء، ما دام بمقدورها أن تفعل دون أن تأذي نفسها. ولو أن الأذية واردة واردة، وهذا ما تعلمته كأول طريق للنضال في سوق عمل لا يحترم إرادتها. فيما كان الغضب والشتيمة، أحيانًا، مُسكّنها المُرضِي نحو العدول عن اليأس. 

     "عيشٌ مخاتل أو غاضب، أفضل من لا شيء!" 

     قالت لنفسها.

     عادت إلى العمل وملؤها نشاط جديد، ضاعفت حصّتها من الماء والعناصر الغذائية اللازمة لاستمرار نضالها في أكمل صورة. إلا أن الحياة لا ترحم. في يوم تالٍ، بعد وجبة غنية، استطالت جذور ماريا أكثر فأكثر حتى استوقفها جسمٌ هائل الصلابة، عرفت فيما بعد أنه حائط خرساني. 

     ماذا تفعل؟ ترددت في أذهانها عدد لا حصر له من الأطروحات، بعضها يخضع لطريقة تفكيرها التي تدربت عليها، بعضها الآخر يائس لا فكاك من الموت في إثره.

     "التحايل!" 

     قالت بصوت خشيت أن يسمعه غريب. 

     ومضت ماريا تخطط وتنفّذ في الأيام والليالي التالية فكرتها في التحايل على التشريعات التي تحول دون راحتها. كانت النتيجة التي يُنظر إليها بزهو وتعجب من قبل جميع الكائنات، أنها أحاطت -بقدرة مضاعفة على التغذية والتنقيب عن الماء- ذلك الحائط الخرساني، الذي اتضح فيما بعد أنه أساس لمنزل حديث، من جميع جهاته بجذورها وجذوعها البُنية المعروقة المتكسّرة والتي زادت سماكتها مع الوقت إذ خزّنت تحت بشرتها مزيدًا من الماء والمعادن، فضربت في الأرض ضربات قوية ثابتة، تزحف فوق الثرى وتُزحزح حبات التراب الدقيقة وتشق الكبيرة، حتى تلطّخت عروقها بهذا التراب وأصبح سمةً أساسية لوجودها. أصبحت هُويّة.

     كوّنت مع مرور الوقت شبكةً متينة من جذور البازلاء حول تلك الخرسانة. وإذا حدث في أحد الأيام وأتوا على أنقاض هذه البناية الحديثة، لتعجبوا من المنظر، وحمدوا الله أن تلك الكثافة النباتية المتشابكة، لم تزعزع أساس المبنى الذي دأبوا في الحفر رأسيًّا من أجل تثبيته!

     وما إن رسّخت الحبةُ دعائمها في أرجاء التربة، اقتربت من سطحها أكثر فأكثر. حتى جاء هذا اليوم وتفتّق أخرُ مسام جسدها لأعلى، لتتلاشى الجُثة القديمة نهائيًّا، وتخرج إلى الضوء ساقًا أخضر تعجبُ لزهوِهِ العيون الناظرة.

 

فارس محفوظ

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ماريا ا رحلة عمل

إقرأ أيضاً:

احتباس السوائل في الجسم.. الأسباب وطرق العلاج

يعاني بعض الأشخاص من احتباس السوائل في الجسم، وذلك لأسباب مرضية أو أحد الأعراض الناتجة عن الإصابة بمشكلة صحية، ولذلك يرغب الكثير في معرفة أسباب وطرق علاج احتباس السوائل في الجسم.

احتباس السوائل في الجسم

وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها معرفة كل ما يخص احتباس السوائل في الجسم وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنا.

احتباس السوائل في الجسم ما هو احتباس السوائل في الجسم؟

يعد احتباس الماء أو السوائل، تورما ناتجا عن تراكم السوائل في أحد أجزاء الجسم، ويحدث عندما تكون هناك مشكلة في الدورة الدموية، الكلى أو الجهاز الليمفاوي، أو الغدد.

احتباس السوائل في الجسم أعراض احتباس السوائل في الجسم؟

أعراض احتباس السوائل في القدمين واليدين

- تورم.

- ألم في الأطراف.

- لمعان الجلد المنتفخ.

- عدم رجوع الجلد إلا بعد عدة ثوانِ عند الضغط عليه.

أعراض احتباس السوائل في الدماغ

- القيء.

- الصداع.

- عدم وضوح الرؤية.

- صعوبة التوازن.

احتباس السوائل في الجسم

أعراض احتباس السوائل في الرئة

- صعوبة في التنفس.

- ألم في الصدر.

- السعال.

- ضعف.

أعراض احتباس السوائل في البطن

- ألم في البطن.

- انتفاخ البطن بشكل كبير.

- إمساك نتيجة ضغط السوائل على الأمعاء.

- صعوبة التنفس نتيجة ضغط السوائل على الحجاب الحاجز والرئة.

احتباس السوائل في الجسم أسباب احتباس السوائل في الجسم

أسباب غير مرضية تؤدي لاحتباس الماء في الجسم:

- زيادة الوزن.

- سوء التغذية.

- الوقوف والجلوس لفترات طويلة.

- اضطراب الهرمونات المصاحب للدورة الشهرية.

- الحمل مع نمو الجنين وزيادة الوزن قد يتسبب الضغط الواقع على الساقين.

- تناول كثير من الصوديوم الملح للطعام، أو تناول الأطعمة المصنعة أو المشروبات الغازية.

- الآثار الجانبية لبعض أدوية علاجات الكيميائية، مضادات الاكتئاب، حبوب منع الحمل الهرمونية، مسكنات الألم، أدوية ضغط الدم.

احتباس السوائل في الجسم

مشكلات صحية تؤدي لاحتباس الماء في الجسم:

- فشل القلب

- تليف الكبد

- أمراض الرئة المزمنة.

- أمراض الكلى المزمنة

- مشكلات الغدة الدرقية.

- مشكلة في الجهاز الليمفاوي.

- تجلط الأوردة العميقة (DVT).

احتباس السوائل في الجسم علاج احتباس السوائل في الجسم

- ممارسة التمارين الرياضية، تساعد على تنشيط الدورة الدموية، وخروج السوائل الزائدة من الجسم.

- رفع الساقين لأعلى من مستوى القلب لتقليل التورم وتصريف السوائل الزائدة من الجسم.

- ارتداء الجوارب الضاغطة إذا كان احتباس السوائل في القدمين والساقين.

- مدرات البول تساعد الكلى على إزالة السوائل الزائدة من الجسم.

- تناول الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم والبوتاسيوم.

- اتباع نظام غذائي صحي منخفض الصوديوم.

- تدليك المناطق المتورمة في اتجاه القلب.

- تقليل تناول الكربوهيدرات المكررة.

- تناول كمية وفيرة من الماء.

- تُصرف السوائل من الجسم من تلقاء نفسها دون علاج، أما إذا كان السبب وراء احتباسها مشكلة مرضية، يركز الطبيب على علاج مشكلة سبب احتباس السوائل في الجسم.

اقرأ أيضاًيساعد على إنقاص الوزن وترطيب الجسم.. 5 فوائد مذهلة لتناول الخيار

بعد أزمة يمنى عياد.. طبيبة أمراض نساء تكشف تأثير الدورة الشهرية على زيادة الوزن

أفضل أدوية خشونة المفاصل والعظام.. 5 أدوية سريعة المفعول

مقالات مشابهة

  • قمة «تل مرعب» تنتظر «عشاق التحدي» في «ليوا الدولي»
  • احتباس السوائل في الجسم.. الأسباب وطرق العلاج
  • أسباب جفاف اليدين في الشتاء .. نصائح لا غنى عنها
  • بخطوات بسيطة.. طريقة عمل «حمص الشام» في المنزل
  • الأمير السعودي عبدالله بن مساعد يعلن بيع نادي شيفيلد يونايتد الإنجليزي
  • الإفتاء: إهدار الماء بالطرقات منهي عنه شرعًا
  • كيفيّة الغسل والضوء الصحيح من الجنابة
  • بثلاثية نظيفة.. بورنموث يدمر مانشستر يونايتد
  • إيفرتون يحرم تشيلسي من الصعود للصدارة
  • قصة «الجميلة النائمة» على قمة إيفرست.. ماذا حدث لها بعد رحلة الصعود؟