بوابة الوفد:
2024-09-15@20:35:55 GMT

الصعود لأسفل

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

ماريا، حَبّة البازلاء اليافعة التي نضجت قبل أيام وتكوّر جسدها متخلّصًا من خسفات الغضاضة. تقرَّر لها أن تبدأ أخيرًا رحلة العمل، فدُفنت في أرض صالحة السُّمعة، وأُهيل عليها التراب وتندّى. شعرت بروح الطفولة التي ما زالت تسيطر على أجزاء من كينونتها، أنها أصبحت وحيدةً وحدة مدقعة، وأن كل ما حدث لها بين يوم وليلة، يُشبه في الحقيقة رحلة وأد لا رحلة عمل.

لكن، كأي حَبِّةٍ شابة أخرى، أمِلَت الاعتياد.

     حلاوة الإنجاز التي حصلت عليها بعد الأسبوع الأول تحت الطين، وقد تفتّقت مؤخرتها مُنبئةً بنتوءٍ جنيني بدأ يشق طريقه نحو الأسفل، تلك الحلاوة، وإن كانت بحجم جذر جنيني، أشعرتها بأن الرحلة تستحق وأن المرام قد يكون لها أنيسٌ فيه. أدّى ذلك بطبيعة الحال إلى مزيد من الصبر والعمل المخلص، حتى تتسنى لها تلك الغاية. 

     ومع تكرار ما حدث من عدة جهات في جسدها وحصلت على جذور بُنيّة جميلة ناتئة من جنباتها، لم يمضِ كثيرُ الوقت حتى اطّلَعت على مساوئ هذا المجتمع الطيني.

     انتبهت، كأول ملاحظة ناضجة، إلى أن مَن يُشرِّع لها قوانين سيرها بجذورها، ليست إرادتها الحُرة المحضة، وإنما حبّات التراب وكُتل الطين المجاورة، وطريقة ترتيبها وكثافة تكدُّسها، وشدة واتجاه ضغطها من جهة إلى جهة. وما ينجم عن ذلك هو جِذر يستقطعُهُ عددٌ هائل من الكَسرات والثنيات والعُقد، فيما يتوافق مع تلك التشريعات. 

     "بأي حق؟". 

     تساءلت الحبّةُ في أسى، وعاودتها المخاوف الأولى المتعلقة برحلة الوأد لا رحلة العمل. 

     "هذا المجتمع يُفسد أي فرحة! مَن هم ليُشرِّعوا لي حياتي؟ أليس من حق كل كائن تحت هذه الأرض أن يختار طريقًا لنفسه يسلكها؟".

     كثير من الأسئلة راودتها في مطلع شبابها، راودت كثيرات من الحبّات نجحن في التخلص منها، وشق الأمل بين الأسى. لكن في الحقيقة، ماريا حبة بازلاء مختلفة، لم تكن تنظر عادةً إلى قصص النجاح وحسب، وترى أن ما حظيت به -أي تلك القصص- من تلميع ورواج، مردُّه في الأصل أن صاحبات تلك القصص هن اللاتي نجوْنَ من الموت، ومن ثم خرجن إلى النور. في مقابل ذلك، من يدري! كم حبة بازلاء ماتت أو انتحرت في سبيل الحصول على حريتها، وحق تشريع قوانينها لنفسها؟

      إنها أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الحياة المقيدة، أو طرح كل أمل في رؤية النور.

     امتنعت عن شرب الماء ومصّ الغذاء، عرفت طريقها إلى التبتُّل والزُّهد في الدنيا التي ظنت مآلها الموت السريع، والدفن فيه موضعها دون دمعة واحدة تُذرف من أجلها. 

     غير أن أثناء هذا الصيام، وبعد تنحّي الرغبات الخبيثة التي أكثرها شرًا هو كبرياء الطفولة، صفا تفكيرُها واعتدل، رأت أن التحايل على الحياة ليس يأسًا ولا ميوعة، بل إن التحايل في بعض الأوقات هو القيمة البقائية ذاتها! لا بُد، إن لم يكن بمقدورها أن تُشرِّع لنفسها قوانينها (كإرادة جمعية غبية، فلتعتبر!)، أن تحتال على هذه القوانين، وتكسرها من حين إلى حين في الخفاء، ما دام بمقدورها أن تفعل دون أن تأذي نفسها. ولو أن الأذية واردة واردة، وهذا ما تعلمته كأول طريق للنضال في سوق عمل لا يحترم إرادتها. فيما كان الغضب والشتيمة، أحيانًا، مُسكّنها المُرضِي نحو العدول عن اليأس. 

     "عيشٌ مخاتل أو غاضب، أفضل من لا شيء!" 

     قالت لنفسها.

     عادت إلى العمل وملؤها نشاط جديد، ضاعفت حصّتها من الماء والعناصر الغذائية اللازمة لاستمرار نضالها في أكمل صورة. إلا أن الحياة لا ترحم. في يوم تالٍ، بعد وجبة غنية، استطالت جذور ماريا أكثر فأكثر حتى استوقفها جسمٌ هائل الصلابة، عرفت فيما بعد أنه حائط خرساني. 

     ماذا تفعل؟ ترددت في أذهانها عدد لا حصر له من الأطروحات، بعضها يخضع لطريقة تفكيرها التي تدربت عليها، بعضها الآخر يائس لا فكاك من الموت في إثره.

     "التحايل!" 

     قالت بصوت خشيت أن يسمعه غريب. 

     ومضت ماريا تخطط وتنفّذ في الأيام والليالي التالية فكرتها في التحايل على التشريعات التي تحول دون راحتها. كانت النتيجة التي يُنظر إليها بزهو وتعجب من قبل جميع الكائنات، أنها أحاطت -بقدرة مضاعفة على التغذية والتنقيب عن الماء- ذلك الحائط الخرساني، الذي اتضح فيما بعد أنه أساس لمنزل حديث، من جميع جهاته بجذورها وجذوعها البُنية المعروقة المتكسّرة والتي زادت سماكتها مع الوقت إذ خزّنت تحت بشرتها مزيدًا من الماء والمعادن، فضربت في الأرض ضربات قوية ثابتة، تزحف فوق الثرى وتُزحزح حبات التراب الدقيقة وتشق الكبيرة، حتى تلطّخت عروقها بهذا التراب وأصبح سمةً أساسية لوجودها. أصبحت هُويّة.

     كوّنت مع مرور الوقت شبكةً متينة من جذور البازلاء حول تلك الخرسانة. وإذا حدث في أحد الأيام وأتوا على أنقاض هذه البناية الحديثة، لتعجبوا من المنظر، وحمدوا الله أن تلك الكثافة النباتية المتشابكة، لم تزعزع أساس المبنى الذي دأبوا في الحفر رأسيًّا من أجل تثبيته!

     وما إن رسّخت الحبةُ دعائمها في أرجاء التربة، اقتربت من سطحها أكثر فأكثر. حتى جاء هذا اليوم وتفتّق أخرُ مسام جسدها لأعلى، لتتلاشى الجُثة القديمة نهائيًّا، وتخرج إلى الضوء ساقًا أخضر تعجبُ لزهوِهِ العيون الناظرة.

 

فارس محفوظ

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ماريا ا رحلة عمل

إقرأ أيضاً:

اكتشاف محيط من المياه أسفل القشرة الأرضية

اكتشف العلماء مخزونًا هائلاً من المياه على عمق 400 ميل تحت الأرض محفوظًا في صخرة تُعرف باسم "رينجووديت".

وبحسب صحيفة "اندبيندنت" البريطانية، اكتشف العلماء في السابق أن الماء مخزن داخل صخور الوشاح في حالة تشبه الإسفنج، وهي ليست سائلة أو صلبة أو غازية، بل هي حالة رابعة.

ونشر العلماء ورقة علمية بعنوان "ذوبان الجفاف في الجزء العلوي من الوشاح السفلي" أوضحت النتائج، إذ قال عالم الجيوفيزياء ستيف جاكوبسن في ذلك الوقت: "يشبه الرنجووديت الإسفنجة التي تمتص الماء، وهناك شيء خاص للغاية في البنية البلورية للرنجووديت يسمح له بجذب الهيدروجين وحبس الماء".

 

وأضاف جاكوبسن، الذي كان جزءًا من الفريق الذي يقف وراء هذا الاكتشاف، "يمكن أن يحتوي هذا المعدن على كمية كبيرة من الماء في ظل ظروف الوشاح العميق".

 

وأردف: "أعتقد أننا نرى أخيرًا أدلة على وجود دورة مياه على مستوى الأرض بالكامل، وهو ما قد يساعد في تفسير الكمية الهائلة من المياه السائلة على سطح كوكبنا الصالح للسكن. وكان العلماء يبحثون عن هذه المياه العميقة المفقودة لعقود من الزمن".

وتوصل العلماء إلى هذه النتائج في ذلك الوقت بعد دراسة الزلازل واكتشاف أن أجهزة قياس الزلازل كانت تلتقط موجات الصدمة تحت سطح الأرض.

 

ومن خلال ذلك، تمكنوا من التأكد من أن الماء كان محصورًا في الصخرة المعروفة باسم رينجووديت.

 

إذا كانت الصخرة تحتوي على 1% فقط من الماء، فهذا يعني أن هناك ثلاثة أضعاف كمية الماء تحت سطح الأرض مما هو موجود في المحيطات على السطح، ولكن هذا ليس الاكتشاف المهم الوحيد الذي توصل إليه العلماء مؤخراً، حيث اكتشف باحثون نظاماً بيئياً جديداً تماماً أثناء تقليب قشرة بركانية بمساعدة روبوت تحت الماء، وهو ما يثبت أن الطبيعة لا تزال تخفي الكثير من الأسرار التي يتعين على العلماء اكتشافها.

مقالات مشابهة

  • هل سامسونج جالاكسي زد فولد 6 مقاوم للماء؟
  • طريقة عمل العجوة من البلح.. حافظي على صحة أولادك
  • ارتفاع جديد في أسعار الذهب: المعدن الأصفر يواصل الصعود محليًا وعالميًا
  • اكتشاف محيط من المياه أسفل القشرة الأرضية
  • أهمية شرب الماء لصحة الجسم
  • أسعار النفط تواصل موجة الصعود وبرنت يتخطى 72 دولارا للبرميل
  • أسعار النفط تواصل الصعود في ختام أسبوع متقلب
  • بوصلة النفط تتجه نحو الصعود.. برنت يتجاوز الـ72 دولاراً
  • أسعار النفط تواصل موجة الصعود في ختام أسبوع متقلب
  • أسعار النفط تواصل موجة الصعود و تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية