عن مبادرات القراءة المنفرة
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
بحكم عملي في الكتابة الإبداعية، أطّلع على الكثير من الإعلانات. وأنا لا أرى أي تعارض في انشغالي بها، وحماسي لها من جهة، وكوني مهتمة بمواضيع الثقافة من جهة أخرى. إنها تشترك مع الكتابة في أشياء كثيرة: الحذق، الحساسية، الظرافة، و(الكلمة التي دابت، وجزمة نعلها دابت)؛ لفرط ما استُخدمت- الإبداع.
وبقدر ما يُنعشني إعلان جيد، يستفزني السيئ منها، خصوصا إذا كان تلقيه إيجابيًا.
ولأن ما يُقال حول التسويق بالكلام (Word of mouth) بخصوص أنه إذا ما كُنت راضيًا خدمة ما فأنت تُخبر ما معدله 17 شخصًا، وإن لم تكن راضيا فإنك تُخبر ما معدله 24 شخصا، فسأحدثكم اليوم أيها القراء الأعزاء جميعًا عن إعلان بغضته من كل قلبي.
قامت كینوكونیا الشرق الأوسط العام الفائت بمبادرة باسم «تظن ألا وقت لديك للقراءة؟» تهدف -كما لك أن تخمن- لتشجيع القراءة. المبادرة التي فازت بجائزة إيفي Effie (نسخة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) الساعية لتسليط الضوء على أكثر تجارب التسويق نجاحًا. فكرة مبادرة كینوكونیا هي تسخير بيانات استخدام الهاتف والحاسوب (Screen time) وتقدير عدد الكتب التي يُمكنك أن تنهيها لو أنك استثمرت وقتك ذاك في القراءة بدل تصفح الشبكات الاجتماعية. تترجم هذه المبادرة مجموع الفترة الزمنية التي قضيتها في تصفح الفيسبوك، تويتر، يوتيوب، إلى كتب. مثلا، تعرض عليك إحصائيات مثل: في الوقت الذي قضيته على فيسبوك، كان بإمكانك أن تقرأ 5 كتب.
والآن ما هو المبغض لهذا الحد في هذه المبادرة؟
كل الشبكات الاجتماعية سوء: ثمة فكرة شائعة مفادها أن الشبكات الاجتماعية مضيعة وقت. أتساءل أين عسانا نذهب لمعرفة الأخبار في بلدان لا يقوم فيها الإعلام الرسمي بدوره الأول: الإعلام. في بلدان لا تؤخذ فيها لا اهتمامات الشعب، ولا الموضوعات الطارئة في الحسبان، وتفضل أن تُغرقه بأخبار بلا معنى. ميزة الشبكات أنها تُمثل ضغطًا يجبر الدول التي تُفضل الصمت على الخروج بتصريح رسمي أخيرًا؛ لأن الخبر يكون قد انتشر لدرجة لا تمكنها من التهرّب بعد.
خيار أن تكون عليها أو لا تكون: بالإضافة لقيمتها الاجتماعية، الشبكات الاجتماعية أساسية لحياتنا المهنية. عبرها تروج لنفسك وعملك، وهو عبء إما أن تتحمله، أو تقبل أن تذهب منك فرص المشاركات، ومد جسور التواصل، فالشبكات هي المكان الأول للتشبيك، وللتعرف على المشروعات الجديدة. فأنت إن لم تكن عليها، فليس لك وجود.
التغذي على العار: لإثبات نجاح الحملة، صار القائمون عليها يفخرون بتغريدات من نوع: «مُذهل. جعلني أُمسك رأسي من شدة الخزي». مع التشديد على أنها وردت كتغريدة، وليس اقتباسًا في كتاب، والقائمون على الحملة أعادوا مشاركتها أيضًا على صفحاتهم ولم يطبعوها.
اللعب على وتر عادات الناس الأكثر نجاحًا: لم يفت الحملة أن تلقي الضوء على القراء المنجزين، الذين يُعدون أنموذج النجاح (وما يُقصد بهذا عادة هو الثراء والشهرة). فتُخبرنا أن مارك (وهم يقصدون زوكربيرغ) يقرأ كتابًا كل أسبوعين. بيل (جيتس) يقرأ 50 كتاباً في العام. والإعلامية الخطيرة أوبرا (وينفري) ساعة في اليوم - أتساءل أين يذهب ما تقرأه! هؤلاء، والذين هم رمزٌ لانعدام الأخلاقية، يُصبحون مثالًا وقدوة. شكرًا جزيلًا. إن كان هذا ما تفعله المعرفة، فنحن لا نريدها.
على عكس هذا، ما تُخبرني به القراءة أن المشاكل التي يحاول بيل إصلاحها عبر مؤسسة جيتس الخيرية، هو مساهم أساسي في صنعها: استدامة عدم المساواة، ومضاعفة الهوة في الأجور بين التنفيذيين والعمال ذوي الدخل المتدني؛ تضارب المصالح، وتقديم الدعم الخيري لشركات ثرية بالأساس خدمة لمصالحه؛ دور التكنولوجيا في التغير المناخي؛ وباختصار نمط الحياة الذي يعتز به، ويدعو له، والذي يبقيه في قمة الهرم. أوبرا هي التمثيل النموذجي لثقافة الإعلام القائم على الإثارة المستقاة من المعاناة البشرية. أوبرا الرائدة في تحويل المآسي إلى سلعة استهلاكية، التي تدعو للتشافي عبر سرد القصص الأكثر ألمًا، لأكبر عدد من الناس. أما مارك فلا أدري «شو أقول، وشو أخلي». باختصار، الرجل الأكثر تأثيرًا، والذي يستغل تأثيره لمضاعفة ربحه، حتى وإن عنى هذا الترويج لأشخاص مثل ترامب، ومساعدتهم لاعتلاء السلطة.
نوف السعيدية كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشبکات الاجتماعیة
إقرأ أيضاً:
رواية محيرة تستحق القراءة
كلام الناس
نورالدين مدني
هذه الرواية حيرتني لأنها مشحونة بالأحداث التاريخية والمواقف والمشاعر والعلاقات العاطفية والتساؤلات الفلسفية حول المصير والمسؤولية والخيارات والصدف.
إنها زواية "مرافيْ السراب" تأليف عباس علي عبود حكى فيها كيف تبخرت الأحلام وسط دربكة الواقع في السودان وهو يتناول جانباً من الطحين الدموي في مدينة توريت نتيجة للحرب الأهلية التي دارت بين الحكومة المركزية ومقاتلين من جنوب السودان.
كما سجل الراوي في الرواية مشاهد حية من وقائع إعدام شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه بعد محاكمة غير عادلة قال حينها أنه غير مستعد للتعامل مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، كما رصد مشهد الطائرة المروحية التي حملت جثمان الشهيد إلى مكان مجهول بينما ابتسامته تضيء نبراساً للناس أجمعين.
تناولت الرواية أيضاً أحداث الضعين وكيف ان الحكومة قتلت المواطنين وهي المسؤولة عن ذلك وتساءل الراوي كيف تحقق الحرب العدالة؟! وأضاف قائلاً يجب تبديل الحكومة بأخرى تعامل الجميع بعدل.
يستمر الحوار القلق : قطعوا شجر الغابة وباعوها .. بلد ضهبانة وحكومة غبيانة، والحل شنو؟
-انا غايتو بعد الجامعة مسافر
والبلد؟
بلد منو ؟!!
يحكي الراوي عن مشهد من مشاهد الكشات التي كانت تلاحق الشباب في الشوارع وتقودهم عنوة لمحرقة الحرب في الجنوب.
لكن أحكي لكم تفاصيل العلاقات العاطفية والمغامرات النسوية التي خاض فيها طارق عبد المجيد داخل السودان وخارجه وحيرته التي سيطرت عليه بعد أن قرر الزواج في البلد.
في جلسة مع مهاجرين من بلدان مختلفة اجتمعوا يتفاكرون قال طارق عبد المجيد عدت إلى بلدتي الصغيرة لكنني لم امكث بها سوى أيام قليلة ليس خوفاً من السلطة المتحكمة بالقوة ولكن .... وأشار إلى قلبه وقال بصوت جريح : الحيرة تكمن هنا وكان لابد من الرحيل.
بعد نقاش طويل اتفقوا على القول : نحن نبحث عن حياة أفضل أوطاننا حرمتنا من الخبز والحرية
استمروا يتجادلون رغم علمهم بأن هناك أسئلة لا ينتظرون إجابة عليها وأخرى بلا إجابة وثالثة عصية على الفهم والإدراك .. دندن طارق عبد المجيد بصوت خافت مصلوباً على أسنة اليأس.
ألم اقل لكم إنها رواية محيرة، لكنها تستحق القراءة وتدبر مخرجاتها.