أخبارنا المغربية ـــ ع. أبو الفتوح

كشف الصحافي الإيطالي فابريزيو رومانو، عن انتقال الدولي المغربي عز الدين أوناحي إلى فريق باناثينايكوس اليوناني.

وقال الخبير في انتقالات اللاعبين أن أوناحي وصل مساء اليوم الثلاثاء إلى أثينا من أجل الانضمام إلى باناثينايكوس.

وأضاف أن الدولي المغربي سينتقل إلى النادي اليوناني على سبيل الإعارة مقابل 500 ألف  يورو، بالإضافة إلى بند خيار شراء بقيمة 11 مليون يورو من مرسيليا.

ومن المرتقب أن يجري أوناحي الفحص الطبي الروتيني صباح يوم غد الأربعاء قصد إتمام إجراءات الانتقال، قبل أن يعود إلى معسكر المنتخب المغربي عبر طائرة خاصة. 

المصدر: أخبارنا

إقرأ أيضاً:

جحيم خلف القضبان

رولا إبراهيم: حرمونى من رضيعتى 10 أشهر وتعرضت لكل أنواع التعذيبسماح حجاوى: حبسونا فى زنازين أشبه بالقبور ومنعونا من الصلاةدنيا أشتيه: منعونا من مقابلة محامينا ورسائل الأهل كانت خير سلوى لناحنين المساعيد: الحرية لن تكون للأسرى فقط ولكنها ستشمل كل الوطن قريبًا

 

«أتبكى شبيهات الصخر؟ نعم، ففى ذمة الأسر قد يبكى الصخر، ولكنه لا ينكسر».. هكذا هو لسان حال الأسيرات الفلسطينيات، اللواتى نسجن حكايات صمودهن من رحم معاناتهن، فتمسكن بحرية يموت دونها الحر ولو مصلوباً على أعواد مشانق الاحتلال.

فى سجن الدامون، موت على قيد الحياة، وحياة على قيد الألم، حقوق منتزعة وكرامة تقتل ببطء؛ الأسوار تشهد على معارك خفية بين أجساد مقيدة وأرواح ثائرة، الزنازين مظلمة تفوح منها رائحة القهر، والجدران صماء تتلصص على آلام الأسيرات عسى ألا يفوتها مشهد تعذيب أو تنكيل؛ عزل انفرادى يمزق النفس، تحقيقات تستنزف الأرواح، وإهمال طبى يجعل المرض سلاحاً للترويض.. وسط كل هذا وقفت الأسيرات الفلسطينيات كأشجار زيتون شامخات، تضرب بجذورها فى الأرض، وتتحدى الرياح العاتية، كان الأسر شهادة نصرهن الأولى على محتل غاشم لم يدرك يوماً أن الأجساد قد تقيد، لكن الأرواح تبقى عصية على الأسر.

وبعد أن فتحت صفقة تبادل الأسرى الأخيرة أبواب الزنازين، عادت تلك البطلات يحملن فى أجسادهن وجع السجون، وفى أرواحهن قوة غلفها الاحتلال بوشاح الذل، واجهن السجان بكرامتهن، ووقفن على عتبات السجن يرددن: 

وللحرية الحمراء باب.. بكل يد مضرجة يدق

هذا الملف شهادة حية على وحشية الاحتلال بحق الأسيرات الفلسطينيات، يغوص فى تفاصيل تكشف لأول مرة، من حوارات حصرية نستعرض معاناة الأسيرات مع احتلال همجى وتفتيش قاس.

الأسيرة الفلسطينية المحررة رولا إبراهيم حسنين سردت لـ«الوفد» ملحمة الألم والمقاومة فى سجون الاحتلال قائلة: «تعرضت للاعتقال من منزلى فى بيت لحم، بتاريخ 19 مارس 2024، حيث اقتحم جنود الاحتلال بيتى بطريقة همجية وعنيفة، رغم أننى كنت أحتضن طفلتى الرضيعة «إيلياء» والتى شعرت بالخوف الشديد من هذا الهجوم الغاشم، تم تقييدى بكل قسوة وتكبيل يداى من غرفة النوم، فى مشهد لا يحتمل، ومنعت من توديع طفلتى المريضة وزوجى الدكتور شادى، قبل أن يتم اقتيادى قسراً إلى معسكرات التوقيف والتحقيق، ثم إلى سجن الدامون».

وأضافت: «اتهمونى بالتحريض بحكم عملى فى مهنة الصحافة منذ اثنى عشر عاماً، كانت ظروف اعتقالى مأساوية، خاص أننى أم مرضعة لطفلة رضيعة أبعدونى عنها قسرياً وهى تعانى من ظروف صحية صعبة، وقال لى أحد محققى المخابرات الإسرائيلية: «بوعدك أحرمك من بنتك سنة ونصف». ورغم تهديده كنت أؤمن بأن الحكم لله، وقد شاء أن يتم الإفراج عنى بعد عشرة أشهر، وكانت لحظات ما بعد الاعتقال قاسية؛ تعرضت خلالها لأبشع أنواع العذاب، بدءاً من التنقلات القسرية بين معسكرات جيش الاحتلال، مروراً بفترات التحقيق التى لا ترحم، وصولاً إلى التهديدات المستمرة، حتى السجون التى يتم فيها تجميع الأسرى الفلسطينيين، حيث تكاملت المعاناة فى بيئة قاسية».

كشفت الصحفية المحررة مظاهر القسوة داخل سجون الاحتلال قائلة: «كنا نواجه قمعاً جماعياً شديداً، وقمعاً فردياً بأساليب وحشية متنوعة. أتذكر أننا بذكرى السابع من أكتوبر، تعرضنا لاعتداءات عنيفة؛ سحلونا على الساحة وعصبوا عيوننا وكبلوا أيدينا وأرجلنا وأجلسونا ساعتين على أرجلنا وهددونا، ذلونا وسبونا بأفظع الشتائم، ناهيك عن عمليات التفتيش الليلية، فكانوا يقتحمون الزنازين بشكل مفاجئ ومرعب بطريقة مهينة، وصل الأمر إلى التفتيش العارى المتكرر وانتهاك خصوصياتنا، وكنا نحتسب كل هذا القهر عند الله».

وأكملت «رولا»: «تعاملت مع فكرة الاعتقال والوحدة كفرصة للخلوة مع الله، أعدت فيها تقييم كل شىء حولى، وتتبع الاحتلال معنا سياسة ممنهجة من التنكيل والتجهيل، كنا نعيش فى عزلة تامة عن العالم الخارجى، بعيدين عن أهلنا وأحبائنا، دون أى وسيلة للتواصل معهم. كنا محاطين بجدران سميكة تحجب عنا كل شيء، فى عالم غريب مجهول. سجون الاحتلال كانت مقابر للأحياء، حرمونا من أبسط حقوقنا فى العيش بكرامة، وأصعب مشاعر عشتها فى الأسر كانت تلك التى تزامنت مع قدوم عيد الفطر، أول عيد فى حياة ابنتى «إيلياء» وأنا بعيدة عنها، وكذلك ذكرى ميلادها الأولى. هذه التواريخ شكلت حالة قهر إضافية على، فكنت أضع وسادتى بين يدي كى أستشعر شيئاً من وجودها، حتى لا أشعر بالفقد الجسدى».

وأوضحت: «دعمتنى عائلتى خلال فترة الأسر، وعملوا جاهدين من أجل حريتى، ووكلوا عدداً من المحامين لمتابعة قضيتى أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، وكانت الأسيرات الجدد يخبروننى بأن فى الخارج أصوات حية ترفض ظلم الاحتلال وتطالب بالعدالة لنا، وأنا هناك مظاهرات خرجت فى باريس تطالب بحريتى، وأخرى فى الدول العربية، تتضامن مع قضيتى، كنت أشعر بفرحة غامرة وعميقة، تطمئننى بأننا لسنا منسيين فى غياهب السجون».

وأضافت «رولا»: «علمت بخبر الإفراج عنى قبل نصف ساعة فقط من تنفيذ القرار، حيث جاءت إدارة السجون وأخبرتنا بضرورة تجهيز أنفسنا وارتداء ملابسنا استعداداً للتحرر الذى كان حلماً بعيداً، وصل عددنا فى المعتقل لـ94 أسيرة، وعندما صدر قرار الإفراج عننا فى الصفقة، كنا 77 أسيرة، خرج 67 أسيرة، وتبقت 10 أسيرات، نأمل أن يتم الإفراج عنهن فى القريب العاجل، وأود أن أوجه لهن رسالة أمل وصبر: اصبرن وصابرن ورابطن، فأنتن صاحبات الحق، والحرية تليق بكن، وستكون قاب قوسين أو أدنى.. كنتن خير أسيرات، وأثبتن قوتكن فى وجه المعاناة».

وأشارت المناضلة المحررة: «لقد أعادت صفقة التبادل قضية الأسرى إلى الطاولة مجدداً، بعد فترة من التهميش نتيجة الحرب المدمرة التى تعرضت لها غزة. ورغم هذا، كانت مشاعرنا مليئة بالحماسة والأمل، وقلوبنا تخفق بشدة ونحن نرغب فى الحرية بكل جوارحنا، لأن الإنسان الحر لا يقبل إلا بالتحرر. نوجه تحية شكر وعرفان لكل من أسهم فى إنجاح الصفقة، وكل من كان له يد فى دعم قضيتنا. كما نخص بالتحية الشعب المصرى، الذى لطالما كان الشقيق الأكبر لغزة وفلسطين، ونأمل أن يستمر فى تقديم الدعم والمساندة لنا كما عهدناه دائماً».

ووجهت «رولا» رسالة للمجتمع الدولى قائلة: «الأسرى الفلسطينيون ليسوا مجرمين، فالنظرة السائدة تجاهنا غالباً ما تكون مشوهة، ويتهم الفلسطينى بالإرهاب ويقال إنه ارتكب أخطاء، بينما الحقيقة هى أننا نواجه احتلالاً ظالماً يسلب منا حقنا فى الحرية والحياة.. وأناشد العالم بأنه من الضرورى ألا يترك أى أسير فى سجون الاحتلال، فهم يعانون الويلات بطرق مرعبة ومؤلمة؛ نحن نتحدث اليوم عن أكثر من مليون أسير فلسطينى منذ نكبة 1948 وحتى يومنا هذا، ومع ذلك، لا تزال معاناتنا مستمرة، ففى عصر الإنترنت أصبح واقعنا معلناً للجميع، لكن هناك من يختار أن يرتدى النظارات السوداء».

واختتمت: «نأمل أن تعيش الشعوب العربية ضمن حياة كريمة، وأن تكون فلسطين هى بوصلتهم الدائمة، وأن يدعموا شعبها المكلوم بكل ما يملكون من قوة ووعى.. فالقضية الفلسطينية هى قضية كل عربى، وبالنسبة للفلسطينيين، ففلسطين هى حق أصيل لنا، ولا حق لأحد فى الأرض سوانا. ونحن نثق فى الوعى العربى ونراهن على وعى هذا الجيل الشاب الذى يمتلك من المعرفة والفكر ما يمكنه من أن يكون قوة فاعلة فى دعم القضية الفلسطينية، ويسهم فى إبقاء فلسطين حية فى الضمير العربى والعالمى، سأوثق تجربتى بكل تفاصيلها، لأننى أدرك أن ما مررت به يجب أن يسمع، وأن تروى قصص الأسرى لتبقى فى ذاكرة الأجيال القادمة».

 

اعتقال فى ذكرى الطوفان

تحررت من الأسر بجسد صامد وروح تقاوم، خبأت خلف ابتسامتها دمعة تأبى السقوط، ونغزة ألم وما زالت حتى اليوم تتجرع مرارته.. إنها الأسيرة المحررة سماح حجاوى من مدينة قلقيلية فلسطين.

روت سماح حجاوى لـ«الوفد» فصول الألم من داخل زنازين الاحتلال قائلة: «اعتقلونى من بيتى فجر يوم السابع من أكتوبر، كان هذا الاعتقال الثانى لى، وأحاطت به ظروف صعبة خصوصاً أنه كان يحمل (ذكرى الطوفان) سلبونى حريتى فى هذا اليوم عشت لحظات من القهر، أغمضوا عينى كرهاً وقيدوا يدى وقدمى بقوة. وبعد مرور فترة طويلة من المعاناة، تم تحريرى فى 19 يناير 2025 من خلال صفقة تبادل الأسرى، ونسميها نحن (صفقة وفاء الأحرار)، وللمرة الثانية يفرج عنى بفضل هذه الصفقات، بعد أن تم الإفراج عنى فى الصفقة الأولى بتاريخ 24 نوفمبر 2023. قبل الأسر كنت أعمل بمجال تصميم الجرافيك، وكانت حياتى هادئة عكر الاعتقال صفوها».

وكشفت: «كنت أخاف من الاعتقال ليلاً، ففى المرة الأولى اعتقلونى بالنهار، لكن عندما صرت تحت وطأة الواقع المفروض انكسر حاجز الخوف فى لحظتها، وتأثرت بشدة لفكرة البعد عن أهلى وأصدقائى وبيتى وحريتى التى قيدتها أسوار سجن الدامون. عندما خرجت بالصفقة الأولى، تركت السجن فى وضع سيئ، وعندما عدت إليه مجدداً، كان الوضع أسوأ بكثير؛ قمعات متواصلة، وممارسات غير إنسانية من تفتيشات ليلية بالغرف الساعة 4 فجراً، وطلوع بالمطر، أيام القمع كانوا يخرجوننا بالساحة مكبلين الأيدى للوراء ويجروننا على الأرض بعنف يضربوننا بكل قسوة ويسحلونا دون رحمة، يغمضون أعيننا بقوة ويجبروننا على الركوع على الأرض، ولم يكتفوا بذلك، بل كانوا يصوروننا ويسحبون حجاباتنا عنوة، ويرشوننا بالغاز، كانت هناك سياسة إهمال طبى متعمدة بحقنا، حيث عانيت من أزمة ربو حادة، ورغم حالتى الصعبة، تعاملوا معى بشكل قاس».

وواصلت: «كانوا يسحبون ملابس الأسيرات بشكل مهين، أما عن الطعام الذى يقدم لنا فقد كان ضئيلاً للغاية، كانت الحصص الغذائية عبارة عن سبع ملاعق أرز لكل أسيرة، وملعقة لبنة، وربع حبة بندورة، المياه مليئة بالصدأ والكلور. وبالنسبة الملابس، فلكل أسيرة بلوزة وبنطلون فقط، بالإضافة إلى لباس موحد يسمى «شاباص»، وكان محظورًا علينا ارتداء أى شىء آخر غيره. أما الغيارات الداخلية، فلم يكن هناك إلا غيار واحد فقط، فى حين لم يتوفر أى نوع من المنظفات الشخصية».

وتابعت: «تم اعتقالى على خلفية انتمائى لحركة حماس، التى صنفوها كتنظيم إرهابى، وحاكمونى بإجراءات إدارية ظالمة تضمنت أسوأ أنواع الأحكام. عشت أسبوعاً فى السجن الانفرادى، فى زنزانة ضيقة لا تتعدى متراً بمتر «قبر مضوى» الضوء أصفر قاتل يرهق العين. وفترة الفورة الوحيدة للتهوية كانت لا تتعدى الربع ساعة.. حرموا علي الصلاة، وإذا لاحظونى أصلى، كانوا يصرخون فى وجهى، ويطفئون النور، ويفتحون على المياه. حتى الدعاء على الأبواب ممنوع».

وأضافت: «كان المحامون متنفسنا الوحيد بعد أن حرمونا من التواصل مع عائلاتنا، فكانوا يحملون همومنا ويزوروننا للاطمئنان علينا، وينقلون أخبارنا إلى الخارج.. تلك اللحظات التى نتلقى فيها بعض الأنباء عن العالم الخارجى هى ما يجعلنا نشعر ببعض الإنسانية وسط العزلة القاتلة التى كنا نعيشها. كنا مقطوعين عن العالم بشكل تام، وعزلتنا كانت قاسية ولكننا كنا على يقين بأننا سننتصر فى النهاية، وسنعود وننتزع حريتنا مجدداً من يد السجان، أما عن علاقتى بالأسيرات، فكن عائلتى الثانية، فى غياب عائلتى الحقيقية، صنعنا من محنتنا منحة، كنا نساند بعضنا، نبنى معنوياتنا، ونشجع بعضنا على الصبر والتحمل. ورغم الظروف الصعبة، حاولنا أن نتعايش فى سجننا، حيث قضينا وقتنا فى حفظ القرآن الكريم، كنا نتشارك الألم والذكرى، ونحكى ونتذكر عائلاتنا ومدى حبنا واشتياقنا لهم».

وأشارت: «وصلنا خبر إعلان الهدنة بين الطرفين من أسيرة جديدة، كنا متوترين وحائرين بشأن ما سيحدث يوم الأحد، هل ستكون الهدنة أم بداية تنفيذ صفقة التبادل؟ كنا 10 أسيرات فى الغرفة تشابهنا فى مشاعر الترقب والانتظار، دعونا الله أن يكون هذا التوقيت هو لحظة الراحة لأهلنا فى غزة فهم أولى منا ومعاناتهم تفوق معاناتنا. وتم إبلاغى بقرار الإفراج عنى فى نفس اليوم، يوم الأحد 19 يناير، الساعة الثانية ظهراً، عندما بدأت الأسماء تنادى، وكنت أول من ورد اسمه فى القائمة. كانت مشاعرى متشابكة، بين توتر وخوف وفرح. وأفكارى مشوشة، تمنيت رؤية كل الأسيرات معى بالخارج. صحيح أننى أجرب شعور الحرية للمرة الثانية، لكنها هذه المرة مختلفة؛ شعرت وكأننى طير يحلق فى السماء، الناس لا ترى أجنحتى، وكيف يرونها وهم لم يروا السماء بسياج مثلما رأيتها أنا!».

واستدركت «حجاوى»: «قبل أن يسلمونا للصليب عاملونا بقسوة؛ سحلونا، ضربونا، عذبونا وقهرونا، وبسبب ذلك تعرضت للإصابة بكسر فى قدمى اليسرى وكدمات فى كل جسمى حتى وتر يدى لا يزال ملتهباً.. خرجنا فى هذه الصفقة على جثث الآلاف من الورود، خرجنا على شلال دم وبيوت مهدمة وأطراف مقطعة وأحلام محطمة.. خرجنا ونحن نعرف جيداً أن وراء كل لحظة حرية نعيشها اليوم، دفع ثمنها قرابة 65 ألف شهيد سقطوا فداء للوطن. ما كنا لنحلم بتلك اللحظة من دون تضحياتهم، ودمائهم التى سالت على أرضنا.. تركنا خلفنا أشبال الأمل وأسيرات من غزة والضفة الغربية، ومن القدس والداخل، أتذكر منهم أسماء شتات، وسوزان الأغا، وتسنيم عوده، وآية الخطيب، وشاتيلا أبو عياده، إن الذى أكرمنا بالحرية وفتح لنا باب الزنزانة، سيفتحه لكم أيضاً عاجلاً وليس آجلاً.. وأسأل الله أن يجمعنى بأخى الأسير تحت سماء واحدة.. أثق بأنه سيأتى يوم «تبييض السجون» وسنراها فارغة من أسرانا».

وأكملت: «بعد التحرر، أول شىء فعلته احتضنت أهلى والناس، وتذوقت طعم القهوة التى غابت عنى طويلاً. فخورة بذاتى رغم تعرضنا لشتى أنواع التعذيب والقمع والاضطهاد النفسى فى مواجهة المحتل، وأثبتنا بوعينا أن المرأة الفلسطينية والزهرات فى السجون هن خير مثال فى الصبر والنضال والمقاومة.. أما عن التحديات التى أوجهها بعد خروجى من الأسر فأكبر تحد أواجهه الآن هو مواجهة الحياة من جديد، والتغلب على الألم النفسى والجسدى الذى حملته معى من السجن. ورسالتى للمجتمع الدولى «ألا تنسوا الأسرى»، فالأسرى هم شرف الأمة وأملها وحلمها، وآمل أن تظل قضيتهم محفورة فى الذاكرة، وأدعو الشعوب العربية، خاصة مصر، أن تستمر فى دعمهم، فالأسير قضية، كانتينته قضية، سجنه قضية، عائلته قضية.. الأسرى هم أساس القضية».

اختتمت «المناضلة الحرة» حديثها قائلة: «مشوارنا لم ينته هنا، فالدرب أمامنا طويل وملىء بالتحديات.. إن هذه الصفقة لم تكن مجرد تبادل أسرى، بل كانت عهداً للحرية، عهد الدم والتضحيات بيننا وبين أخواتنا فى شق الوطن الذى لم يتوقفوا يوماً عن العطاء والكفاح حتى منحونا هذه اللحظة من الحرية. وإذا أردت أن أختصر كل هذه الحكايا فى عنوان مختصر، فأنا أراها بمثابة «زهرات فى الحرب»، وأنا واحدة من تلك الزهور التى نبتت وسط الصعاب، تنبت رغم الرياح العاتية، وتبقى شامخة رغم كل ما مررنا به».

 

قهر خلف القضبان

كان صراخها يقطع سكون ليالى الأسر، فقط تقول «وأماه» فتزحف آلامها عبر جدران السجون، وتتجدد آهاتها مع كل فجر.. إنها الأسيرة العشرينية المحررة «دنيا اشتيه» ابنة قرية سالم شرق نابلس.

كشفت دنيا اشتيه لـ«الوفد» صفحات القهر خلف القضبان ونقلت قصص الصمود والتعذيب فى سجون الاحتلال قائلة: «تنفست الحرية ضمن صفقة تبادل الأسرى بعد اعتقال دام 6 أشهر، كانت طريقة اعتقالى أقل قسوة من الطرق التى تعرضت لها باقى البنات اللاتى كن معى، كان الوضع هادئاً نسبياً، لم أعترضهم وحاولت تجنب أى تصعيد أثناء الاعتقال. كان كل همى أن أتخلص من هذا الموقف سريعاً وأخرج من المنزل بهدوء حتى لا تتأثر أمى وأهلى وبالأخص إخوتى الصغار، اتهمونى بالتحريض، ظروف الاعتقال كانت قاسية؛ انتظار طويل وجلسات تحقيق مرهقة. لم يكن هناك طعام أو شراب لوقت طويل، وكان وضع الزنزانة سيئاً حتى تم نقلى إلى السجن المركزى».

وأفصحت الأسيرة المحررة عن هويتها قائلة: «أنا طالبة جامعية فى العشرين من عمرى، أدرس أصول الدين فى كلية الشريعة بجامعة النجاح. أتمتع بحب عميق للتعلم وأطمح دائماً لأن أكون من المتفوقين والمتميزين فى دراستى. لكن السجن أثر على حياتى الدراسية، أفقدنى فصلاً دراسياً كاملاً، من المفترض أن أكون قد اقتربت من التخرج،. ورغم ذلك، أنتوى التسجيل فى الفصل الدراسى القادم، وسأبذل قصارى جهدى لتعويض ما فاتنى، وأستعيد تقدمى فى دراستى كما كنت دائماً».

حكت «دنيا» تفاصيل اللحظات الأولى بعد الاعتقال قائلة: «شعرت بصدمة شديدة، كنت فى حالة هدوء غريب غير مفهوم، فى الأيام الأولى، كل شىء معتم شعور بالوحدة صعب، وحنين للأهل والأصدقاء، كنت كنت طول الوقت تائهة وأفكارى ضائعة، مررت بفترات صعبة للغاية، من ضغوط نفسية شديدة وتدهور فى حالتى الصحية، كنت عاجزة عن تجاوز ما أعيشه. لكن مع مرور الوقت، حاولت التأقلم مع الوضع، كنت أعيش يومى بحلم صغير فى قلبي: أن غداً أفضل، وذلك الكابوس حتماً سينتهى».

وأكملت: «عانيت أنا والأسيرات من آلام شديدة فى العظام والظهر. فالحياة داخل السجن قاسية، الأرض الباردة، والغرف ضيقة للغاية، والنوم غير مريح، كنا 9 بنات، فى الزنزانة خلقنا أجواء من الأمل وسط الحصار القاسى. لم تكن هناك أى موارد حرفياً، ولكننا صنعنا من اللا شىء شيئاً، وأظهرنا أن الإرادة لا تحتاج إلى الكثير لتصنع النصر، كانت حياتنا تقتصر على الجلسات الفقهية والدينية والحوارات البسيطة التى تشعرنا بقيمة التواصل، وفى أوقات الفراغ كنا نحفظ القرآن، ونسمع على بعضنا البعض. كنا نخلق مساحة صغيرة من الإيجابية فى وسط هذا الظلام، ورغم كل هذا كنت أفتقد وجودى بجانب أخواتى وأهلى فى أعياد ميلادهم، تمنيت أن أعيش تلك اللحظات معهم».

وأضافت صاحبة الـ20 ربيعاً: «كان نادراً ما يزورنا المحامى، وبالأخص فى الفترة الأخيرة، فى حين أنهم كانوا الواسطة الوحيدة بينى وبين أهلى، فكانوا ينقلون لى رسائلهم الطيبة، يخبروننى أنهم فخورون بى، وأنهم راضون عنى وعن صمودى. كنت أعيش على دعمهم لى بالدعاء الدائم ونشر الأخبار عنى. كانوا يتابعون تطورات الوضع فى السجون بشكل مستمر، وأى أسيرة تخرج من السجن، كان أهلى يسألونها: «هل سمعتى عن دنيا.. كيف حالها؟»، كانوا دائماً حريصين على الاطمئنان علي وعلى بقية الأسيرات».

واستطردت الزهرة الفلسطينية الشابة: «لحظة الإفراج كانت مفاجئة بالنسبة لى، لم نكن نعلم بالغرفة أى شىء مسبق عنها، فالأخبار داخل الأسر كانت شبه معدومة، وعندما جاء اليوم الذى بدأوا فيه مناداة الأسماء لتخرج الأسيرات من الغرف، لم أتوقع أن يكون اسمى من بينهن. كانت مشاعرى متضاربة بين الصدمة والفرح، وتوتر وتخبط، خليط من الأحاسيس يصعب وصفه. كنت من يواجه الغرق فى بحر عميق، وفى اللحظة الأخيرة، تأتى يد لتنتشله من الهلاك، ومع ذلك، ما زال شعور الخوف يراودنى، ذلك الخوف من العودة إلى نفس المكان وتلك المعاناة حتى بعد التحرر، أصبحت أخاف على أى أسيرة أن تعيش فى تلك الزنازين التى عشنا فيها وكأننى حملت همومهن فى قلبى».

شهادات صادمة عن أهوال سجون كشفتها «دنيا» قائلة: «تعرضنا للشحط والتنكيل بكل أشكاله؛ عانينا من آلام نفسية وجسدية، الكلبشات تركت جروحاً فى أيدينا وعلمت على جلدنا، كانوا يعصبون أعيننا فى كل مرة ننتقل فيها من مكان لآخر، نسير فى عتمة تامة، وكأننا بعالم آخر، المعاملة بالداخل مهينة وغير آدمية؛ صراخ وتهديدات، تعسف وقسوة، كانوا يعاملوننا كأشياء لا قيمة لها. وكأننا مجرد أرقام فى آلة قمعية لا مكان فيها للكرامة، أتذكر فى شهر نوفمبر الماضى تعرضنا لقمع غير إنسانى، حيث أخرجونا إلى ساحة القسم الرئيسة، وقيدوا أيدينا وراء ظهورنا، وخفضوا رؤوسنا لأقصى درجة، غمضوا أعيننا وكتموا أنفاسنا، أجبرونا على الجلوس على ركبنا فى وضعية شديدة الإذلال، وتعرضنا لرش غاز خانق ومسيل للدموع، كان هناك شحط لبنتين، وتهديدات وصراخ متواصل، حتى فى يوم التبادل لم نسلم منهم، عانينا من الشحط والتنكيل، من جرنا بضراوة وضربنا بلا رحمة، وإجبارنا على الركوع على أرض قذرة مليئة بالحجارة. كان الموقف صعباً جداً أصعب حتى من أن يوصف، ولكن بفضل الله ورحمته تخطيناه».

وواصلت: «أكثر اللحظات قسوة كانت تلك التى يذكر فيها اسم أمى، فأمى بالنسبة لى خط أحمر لا يمكن تجاوزه، دائمًا ما أسترجع ذكرياتى معها وأردد الأناشيد، ومجرد ذكرها فى حديث غير لائق كفيل بأن يثير فى قلبى سيلاً من المشاعر لا أستطيع السيطرة عليه، ومنذ يوم تحررى ضمن الصفقة، وأنا لم أخرج من البيت، فكنت بحاجة إلى استعادة تلك الأحاسيس التى كنت أفتقدها، شعور الأمان فى بيئة تحتضننى بكل حب وحنان، بيت دافئ يملأه الطمأنينة، لا يمكن مقارنته بالسجن الذى كنت فيه».

واختتمت: «لقد علمتنى تجربة الأسر الكثير؛ علمتنى كيف أتمالك أعصابى وأحافظ على هدوئى فى أصعب الأوقات. جعلتنى أكثر وعياً بكيفية إدارة أفكارى، وأعطتنى القدرة على النظر للأمور من زاوية أكثر إيجابية. أصبحت أقل اهتماماً بالأمور التافهة التى كنت أغضب منها فى الماضى، ووجدت أن هناك ما هو أهم بكثير يجب أفكر فيه.. حاولت أن أكتب مذكراتى داخل السجن لأوثق كل ما مررت به، لكن غياب الأقلام والأوراق حال دون ذلك، فانحصرت الكلمات فى أعماق صدرى بلا وسيلة للتعبير عنها».

 

عذاب

«كانت تفاصيل أسرها نكبة أصابت قلبها وكبوة احتلت روحها ووجعاً عشش فى وجدانها، كلما تناستها طاردتها كظلها، وكأنها تذكرة بجرح الذى لا يشفى».. تلك هى المنشدة الفلسطينية «حنين المساعيد».

وفى أول حوار لها بعد تحريرها ضمن صفقة التبادل الأخيرة، كشفت الشابة الثلاثينية حنين المساعيد لـ«الوفد» عن معاناة لا تنسى خلف القضبان قائلة: «يمكننى وصف السجن بأنه كان معركة نفسية ومعنوية قاسية، ففترة اعتقالى التى امتدت لتسعة أشهر كانت بمثابة عذاب لا يطاق، ألم جسدى، وصراع داخلى وضغط نفسى، كانت الحياة فى غرفة العزل بمثابة سجن مضاعف، كنا لا نخرج إلا ساعة واحدة فى اليوم، والطعام كان بالكاد يكفى».

وأضافت: «كان هذا الاعتقال الثانى لى، حيث اعتقلتنى قوات الاحتلال بالقسوة من منزلى بمخيم عايدة فى بيت لحم، فرقونى عن أهلى حتى داخل السجن كان التواصل معهم أمراً مستحيلاً. لم أشعر باليأس فى الأسر ولو للحظة فرغم كل المعاناة كنت أؤمن بأن الله معنا، يساندنا ويقوينا فى كل دقيقة من تلك التجربة القاسية. كنا نحن الأسيرات نصبر بعضنا بعضاً على فصول الألم، ونذكر بعضنا أنها فترة وستنقضى».

وأكملت الأسيرة المحررة: «كانت فترة اعتقالى واحدة من أصعب الفترات التى مررت بها، ليس فقط على مستوى المعاناة الفردية، بل على مستوى معاناة جميع الأسيرات. ورغم قسوة الظروف، كانت كل واحدة مننا تحاول أن تجد مخرجاً ولو لحظياً من هذا العذاب، كنا ننشد بعض الأناشيد التى تبعث فينا الأمل. ورغم أننا كنا نعيش تحت أقسى الظروف، إلا أننا كنا نرفع أكفنا إلى الله بالدعاء، نتمنى الخلاص والفرج، وكان التقرب إلى الله فى تلك اللحظات هو القوة الوحيدة التى تساعدنا على تحمل كل شيء».

أنهت «حنين» حديثها قائلة: «بعد الأسر، كان احتضان أهلى لى ودعمهم المتواصل أكبر دليل على أن التضحية والنضال كان لهما قيمة عظيمة لديهم. كانوا فخورين بى أكثر مما توقعت، وكان ذلك بالنسبة لى أعظم انتصار. أؤمن بأن الحرية لن تكون مقتصرة على الأسرى فقط، بل ستكون قريباً لكل الوطن، لكل مدينة وقرية، وسنرى حريتنا قريباً–بإذن الله–لأن إرادتنا أقوى من كل قيود».

مقالات مشابهة

  • ابحث بمليار و300 مليون يورو.. أفضل لاعب بالعالم إلى الدوري السعودي
  • جحيم خلف القضبان
  • نيمار أسوأ صفقة بتاريخ الدوري السعودي.. هدف كلف الهلال 250 مليون يورو
  • 700 مليون يورو.. الدوري السعودي يخطط لضم فينيسيوس جونيور من ريال مدريد
  • ديو تامر حسني ورامي صبري يتصدّر ويحطّم الأرقام القياسية!
  • نهاية موسم الدولي المغربي شادي رياض بعد تعرضه لإصابة في الرباط الصليبي
  • الشارقة الإماراتي يتعاقد مع الدولي المغربي السابق عادل تعرابت
  • أخطاء تحكيمية مؤثرة تثير الجدل في الدوري المغربي
  • نيس يهزم مارسيليا بثنائية نظيفة في الدوري الفرنسي
  • تشكيل مارسيليا ونيس في الدوري الفرنسي .. ومحمد عبد المنعم على الدكة