السودان بين نهري النيل وشاري.. أو في سيرة “السودان والسودان الغربي”– 1- 3

محمد بدوي

(1)

أشار صديقي محمد بشارة بإيماءة من رأسه إلى الإضاءة المنبعثة من الجانب الأيمن، نحو الشط الآخر لنهر شاري ثم قال يا “خي” ديك “ترا”، كسري “ديك تتشاف، ولا جوه الكميرون” في إشارة الى كسري التي تتراءى مصابيح إضاءتها من داخل حدود دولة الكاميرون، كانت الأضواء المنبعثة من الشوارع والمحال قد بددت حلول الظلام، جاء حديثنا في توقيت عقب دقائق لم تتعد السابعة مساءً، كانت الشوارع قد تخلصت من زحام الطرقات حال القيادة نحو وسط مدينة إنجمينا العاصمة التشادية، كنا قد فرغنا من تناول وجبة العشاء في أحد المحال الشعبية والتي اختارها، علماً أن المسافة بين إنجمينا وبوثري يفصلها النهر كما هو الحال بين مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم، امدرمان والخرطوم بحري) على الفور عادت الذاكرة إلى صديق اخر وهو محمد آدم الملقب بـ”كمبود” والتي تعني ثمار العرديب في طورها الطري قبل النضوج، تقابلنا في مدينة الجنينة بغرب دارفور حينما اذنت الثورة بذلك في 2021، غادر “كمبود” السودان إلى تشاد عقب تمكنه في مايو 2024 من المغادرة سالماً عقب اندلاع الحرب في الجنينة، نقل الي بؤس الحال عبر حديثه الهاتفي من هول ما رأى من أهوال الحرب فقرر المغادرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ففعلها قبل ثلاثة أشهر، “كمبود” أحد الشباب الثوار في ديسمبر المجيد 2018 والفاعلين في المشهد الثقافي بالجنينة، كان عقب تخرجه من الجامعة انخرط في التجارة الحدودية بين السودان وغرب أفريقيا، لم ينسه ذلك اهتمامه بالثقافة والإطلاع والمثابرة على تطوير نفسه، فقد كان ملماً حينها بالعربية والعربية التشادية ولغة الايرنقا، سافر في 2021 إلى دولة كينيا ليمكث عاماً لتعلم الإنجليزية، نظم تجارته بأن جعلها مشروعات يشاركه فيها أفراد أسرته وشقيقه وخاله ليتفرغ للدراسة، عاد من نيروبي العاصمة الكينية إلى مدينة الجنينة فداهمته كما داهمت السودان وأصدقائه المحبين حرب ابريل 2032.

كنت قد اتصلت عليه مطمئناً فأخبرني بأنه بخير رغم قسوة الحال في مدينته الجنينة، وأنه تمكن من إخراج البضائع من المخازن لتعبر الحدود التي لا تتعدي 28 كيلو متراً بين الجنينة ومعبر ادري الحدودي مع تشاد، استرسلنا في الأنس فاخبرني بأنه متواجد في دولة  الكاميرون، واصل الحديث لادرك بأن اصل تجارته هو التمر الذي يزرع في شمال السودان ويقوم بتصديرها عبر الحدود إلى الكاميرون عابرة دولة تشاد، وفي رحلة الإياب يعود محملاً بالبن إلى سوق الجنينة، لاحظ اندهاشي فقال معقباً “إن المشتركات بين الشعوب قديمة وراسخة بما يجعل اللغات المشتركة عاملا حاسما في نجاح التجارة الحدودية بينها”.

(2)

التفت إلي صديقي محمد بشارة وهو يقود بنا السيارة برفقة ارنولد، قائلا “يبدو أن ترسيم الحدود هو الذي أسهم في تقسيم المجموعات السكانية في أفريقيا”، أجبت بالإيجاب، ودون مقدمات كأنه كان في انتظار إفراغ دهشتي ليسألني من الفنان السوداني صديق أحمد وغيابه، ثم أضاف “لقد رحل جيل من الفنانين السودانيين والذين ساهموا في تشكيل ذائقتنا الفنية “فانتبهت إلى شاشة مشغل الموسيقي بالسيارة الذي كان يكشف عن المغنيين وأسماء الأغاني، فأخذت في تحريكه بعد الاستئذان، فكان محمد وردي على قائمة التشغيل تلاه سيد خليفة، مكارم بشير، زيدان إبراهيم،عبد الله البعيو، إضافة إلى الفنان السعودي محمد عبده، ابتسمت فقال بعربية تشادية لدنة وودودة كعزف كمان (دول بس المن القمنا نسمع ليهم).

(3)

في باحة الفندق الذي أقمنا فيه مع صديقي ارنولد، أوقف بشارة محرك السيارة، ودعناه لكنه أضاف مما أخذنا في التمهل عقب، نهر شاري ملاصق لهذا الفندق يمكنكم رؤية الكاميرون على الضفة الأخرى، قبل مغادرتنا في اليوم الثاني، كانت آخر لحظات مغادرتنا قد ختمناها قاصدين الجانب الشرقي للفندق، حيث فصل سياج من الحديد بين الفندق وضفة النهر، استأذنا أحد الشبان الذين كانوا يعملون في تهذيب الأشجار ورمي الأغصان بالخارج قرب ضفة النهر، السماح لنا بالعبور عبر الباب الذي يشرف عليه  للخروج إلى جانب النهر، كانت بوثري في الموعد على مرأى الضفة الأخرى، التقط لنا ذات الشاب من الذين كانوا يعيدون (تسريحة الأشجار والأزدهار) صور لنا وقد أمنا (قفانا) بوثري في حين ظلت أقدامنا تقف في تراب انجمينا، فأثار ذلك شغف ارنولد الذي تتبع مسار النهر على محرك البحث قوقل  ليجده عابراً من الشرق إلى الغرب التشادي، فاستغرقت في التفكير حول ارتباط ذلك ووادي باري الذي يعبر بمدينة الجنينة إلى تشاد وهو يتفرع حيناً في مناطق فرشنا، مره، وأم ليونه، وشتيت، وينحسر في مناطق أخرى عند مدخل مدينة ادري من ناحية الشرق، ومشهد الجبال والخضرة والإبل والماعز والخراف أعادتني الى حزام السافنا الغني الذي مثلته اشجار التبلدي بضخامتها حضورا بهيا وازى جفاف الحراز وادخاره الخضرة لما بعد الخريف فكانه قصد أن يتالق حين تجف الأشجار ليعيد للبيئة توازنها.

(4)

مدينة انجمينا العاصمة ِسير لتاريخ ظل قيد الشفاهية، أثار ذلك انتباهي فما إن التقطت أنفاسي هرعت متصلا باحد الاصدقاء خالد التجاني صالح ابو اليمن الذي لجا إليها من مدينة الفاشر عقب الحرب، كان لقاء سريعا لاداء واجب العزاء في فقيديه والده ووالدته لهما الرحمة، تركته وبيننا الوعد على اللقاء عقب عودتي من شرق البلاد خلال ايام، وقد كان ذلك، وجدته في حارة “مرجان دفق” أحد أحياء وسط المدينة، تسالمنا ثم سرنا خطوات من الشارع الرئيسي حيث المنزل الذي يبعد خطوات، كان منزل عمه وعمنا خليل على محمد نور الشهير “بخليل ديغول”، والذي ظل حتى رحيله (الف رحمة ونور) لما قارب “45” عاما، كثر السودانيين ومن سكان مدينة الفاشر لجأوا إلى مدن الجارة تشاد، او “السودان الغربي” في اليوم التالي بادرت بالاتصال بأسرة صديقي “يامن” الذي توزعت أسرته بسبب الحرب كغيرهم من السودانيين في انحاء عديدة منها إنجمينا، بينما استقر به الحال في الضفة الشرقية للقارة الافريقية ليس بعيداً من خط الاستواء، كانت الزيارة ايضا لاداء واجب عزاء ثان، التقيت والدة “يامن” معزيا في زوجها، عم ابراهيم الذي رحل بالقاهرة بعد أن ذهب إليها مستشفيا قبل الحرب ولم يتمكن من العودة للسودان، سألتني من جدتي لأمي ولاني كنت أعلم مسبقا بانها جدتها أيضا لم استغرب لكن كان حديثها موجها للمتواجدين من ابنائها للالمام بالعلاقة التي كانوا يرونها في سياق صداقتي بشقيقهم فقط، وقد هممت بالمغادرة اذا بها تناديني لالقي التحية على امرأة سودانية لجأت من الفاشر الى انجمينا عقب الحرب، انتظرتها ريثما نزلت من الطابق الأعلى، كانت هي من استضافت جدتي لأمي بأحد أحياء الفاشر جنوب عقب نزوح جدتي من منزلها بوسط المدينة عقب بدء الحرب واستهداف المدنيين، فهاهي صاحبة المنزل الآمن تلجأ إلى تشاد وجدتي إلى ليبيا وسنون عمرها تحتفي عافية ببلوغ المائة عام في 2024.

(5)

علاقة مدن دارفور بما فيها الفاشر الجوار الغربي والشمال روابطها الدم المشترك وتاريخها التجارة الحدودية والصوفية ونشاطها طرق الحج من الغرب نحو مكة التي كرمت باللقب فأكرمها السلطان علي دينار بالكساء محملا، فامتداد العلاقات بين الدول وجدانا لم ولن تسلبه الحدود بريقا أو ألقا، وأنا اتجول في احياء انجمينا جال بخاطري ما ظل يحكيه لنا العم والخال الراحل التجاني علي بدوي عن سنين عشقه لتشاد برفقة والده علي بدوي الذين ذهبوا إليها تجاراً عابرين للحدود من الفاشر التي كانت محطة تتوسط المسافة بين أسوان وانجمينا، كم ادهشتنا ترجمته للحوارات من الفرنسية في سياق الحكي، مرت السنون ويعود إلى الفاشر عمنا وخالنا سيد عبد الرحمن “سيد فرنسا” بصحبة والدته روضة بعد وفاة والده عبد الرحمن محمود زين العابدين بتشاد التي ذهب إليها ايضا تاجرا ومكث فيها حتى أسلم الروح بها، “سيد فرنسا” لقب ارتبط بتحدثه الفرنسية وإطلاق “السودان الغربي أو الفرنسي” على تشاد ولا سيما من قبل التجار، فاتني رغم حرصي لقاء احد أصدقاء الطفولة بالفاشر محمد بخيت الذي رجح الانتماء المشترك إلى تشاد ليقيم بها، فقد ترددت على مكان تواجده بالسوق الكبير في توقيت أبكر من حضوره المعتاد، الجايات بخيرا فالذاكرة لا تزال مشبعة بذكريات الدافوري بشارع نادي النهضة بحي كفوت بالفاشر، عذرا يا محمد فقد طال القصف نادي النهضة قبل ايام قلائل فهوت مبانيه، التي شيدت في زمن غابر بحفلات خيرية احياها كمال كيلا، وصلاح مصطفى وآخرين في تواقيت مختلفة من السبعينات.

(6)

مدينة ابشي في مقاطعة وداي، تستقبلك بعبق التاريخ، فهي سيرة ما ان تذكر والا تشير صفحات التاريخ الى المدن التاريخية القديمة من باماكو، ابشي، الفاشر، النهود، بربر، هيا وغيرها، يلفت انتباهك تخطيطها الذي جعل الشوارع في وساع الترحاب وأفراد المساحة للهواء العليل لينفذ إلى المساكن في يسر، وسط المدينة يحتضن التقاطع الرئيسي الذي يقود غربا عبر شارع الاسفلت إلى انجمينا العاصمة، وشرقها إلى مدينة ادري اما جنوبا في قوز بيضة، عبق العراقة وسام على صدر أبشي حتى اخمص قدمها، فالمباني القديمة التي ربما يجدر على اليونسكو الانتباه الى سجلها الاثري، ميدان كرة السلة والطائرة بالكنيسة الكاثوليكية مشغولة في الامسيات، وميادين كرة القدم الصغيرة تبدأ فعالياتها في الثامنة مساء عقب فريضة العشاء، أغنيات لمغنين سودانيين تصدح على أنغام الكيبورد في حفلات أعراس يحييها مغنيات ومغنين تشاديين، طقوس السيرة والزغاريد البهيجة، ميدان الحرية الذي يحاصره الباعة الجائلين او المستقرين على الرصيف، الركشات الصفراء اللون، الاحياء التي تشبه مبانيها كل مدن السودان مع خصوصيتها في نسق Arch الذي يربطها بباماكو فكانها تجسير يربط بين محمد وردي وسالف كيتا ومانو ديبانقو، ابشي احتفظت بحيويتها فظلت كثير من الامكنة كحال سودان ما قبل سبتمبر 1983، في المساء وعقب ميقات صلاة المغرب استقبلنا ببشر حاكم ابشي “بشر علي سليمان” في منزله بترحاب ونكهة الشاي الاخضر، جلسنا على بساط ملوكي على الارض، تجاذبنا الحديث في تقدير لما يربط البلدين من علائق، بصم على صدق الحديث حينما باغتني احد الشخصين المرافقين له ميمنة وميسرة بأنه سبق وأن تقابلنا أثناء زيارة عمل لي لسجن شالا الاتحادي بالفاشر في 2005، عدا ذلك ظل البوليس هو البوليس في غالب الأمكنة “إن وجدتموه نائما فأتركوه”.

الوسومأبشي أدري السودان الفاشر الكاميرون تشاد سجن شالا علي دينار فرنسا محمد بدوي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أبشي أدري السودان الفاشر الكاميرون تشاد علي دينار فرنسا محمد بدوي السودان الغربی إلى تشاد

إقرأ أيضاً:

بعد طائرة “يافا”.. ما الذي حمله الصاروخ اليمني الى قلب الكيان؟

يمانيون – متابعات
وصول الصاروخ اليمني الباليستي “الفرط صوتي”، لأول مرة إلى عمق كيان العدو في “يافا”، “تل أبيب”، في إطار المرحلة الخامسة من الاسناد اليمني لغزة، ومعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وترجمة لوعود متكررة بمواصلة الاسناد، ومواصلة التطوير، والتأكيد على حتمية الرد على العدوان “الإسرائيلي” على الحديدة، يصفع كيان العدو بمفاجأة جديدة، بعد مفاجأة طائرة “يافا”، لا تقل عنها أهمية، ولا تزيدها الا تأكيدًا وتثبيتًا لمعادلات التصعيد بالتصعيد.

جاء بيان القوات المسلحة اليمنية ليضع العملية النوعية في إطار الإسناد، متوعدًا كيان العدو، وداعيًا الى انتظار الرد على عدوانه على الحديدة، ليترك الباب مفتوحًا على عمليات أكثر ايلامًا للعدو، كما يبدو من تأكيدات القوات المسلحة، وخطابات السيد القائد عبدالملك الحوثي، وآخرها خطاب عشية الاحتفالات الشعبية الكبرى بالمولد النبوي الشريف، مساء السبت، والذي أكد فيه على محورية الجهاد في السيرة النبوية، وانه الحل الوحيد للامة لمواجهة اعدائها.

وحسب العميد سريع، فإن العملية لم تكن ردًا على عدوان الحديدة، كما قرأها الكثير من المراقبين، الا انها حملت الكثير من الرسائل والدلالات، وأهمها:

أولًا: التأكيد على الالتزام اليمني بإسناد غزة، في ظل الصمت الدولي والتخاذل العربي والإسلامي، واستمرار العدو “الإسرائيلي” في ارتكاب المجازر والمذابح بحق أهلنا في غزة، والتغول في الضفة، وضد الأقصى الشريف، والتهديد بتحويله الى “كنيس”، او الحديث عن سيناريوهات إحراقه وغيرها، مما لا يسمح بالسكوت من أمة الملياري مسلم، فاليمن قيادة وشعبًا وجيشًا ستقوم بواجبها وتكليفها الإلهي، كجزء من محور الاسناد الممتد من لبنان الى العراق وايران، وسوريا، والعمل من اجل التخلص وتجاوز العقبات التي تفرضها الجغرافيا.

ثانيًا: التركيز على “يافا”، “تل ابيب”، والتأكيد على انها لم تعد آمنة، بما تمثله من ثقل للعدو سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وتشكل ضغطًا على قيادته العسكرية والأمنية والسياسية، من اجل وقف العدوان الظالم والمتوحش على غزة، عبر التأكيد أنه كلما استمر العدوان كلما استمر تطور العمليات وتصاعدها كمًا ونوعًا، فكما كانت عملية طائرة “يافا”، وتبعتها اليوم عملية الباليستي المجنح، فإن على العدو أن يتوقع المزيد، ان لم يوقف عدوانه وصلفه، وعلى العدو ان يستحضر اغلاق ميناء “ام الرشراش”، “ايلات”، وهذا الضغط سيمثل دعمًا للمقاومة على طاولة المفاوضات، ويدفع واشنطن للبحث عن صيغة لانزال الكيان من شجرة محور صلاح الدين، والذهاب نحو صفقة مع المقاومة.

ثالثًا: تثبيت معادلات المرحلة الخامسة من التصعيد، بإبقاء “تل أبيب” في مهداف القوات المسلحة اليمنية، بعد ان كانت عملية الطائرة “يافا” فاتحة لهذه المرحلة، فإن صاروخ اليوم، هو تأكيد على ذات المسار، وفي نفس الوقت يجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه لتطورات قادمة، يمكن للمرحلة السادسة من التصعيد والاسناد اليمني لغزة، ان تحمل سلة جديدة من الخيارات ومروحة واسعة من الأهداف، وحزمة كبيرة من الوسائل العسكرية الضاغطة والرادعة.

رابعًا: التأكيد على فشل العدوان الأمريكي وتحالفاته الاصلية ممثلة بما يسمى “تحالف الازدهار” الأمريكي البريطاني، والثانوية ممثلة بـ”تحالف اسبيدس الأوروبي”، فأكثر من 700 غارة أمريكية وبريطانية على اليمن طول عشرة اشهر، حسب الإحصائية التي قدمها السيد عبدالملك الحوثي في خطابه امس، الا أنها لم ولن تمنع اليمن من مواصلة ضرب عمق العدو وتطوير قدراته العسكرية تقنيًا وتكتيكيًا، بما يعني ان الخيار الوحيد امام واشنطن لن يكون في التصعيد العسكري، ولا المزيد من الحصار الاقتصادي، بل في خيار وحيد واوحد، هو وقف العدوان على غزة.

خامسًا: عندما تتم هذه العملية بصاروخ جديد، لم يستخدم من قبل، فهو دليل على مدى التطور المتسارع، والعمل الحثيث لدائرة التصنيع الحربي في القوات اليمنية، والجدية من اجل تجاوز كل المعوقات، حيث اشار السيد القائد عبد الملك الحوثي في اكثر من خطاب له، الى ان الدوائر العسكرية والأبحاث تعمل من اجل تجاوزها، ويبدو انها قد تكللت اليوم بنجاح كبير، بوصول هذا الصاروخ الى هدفه في عمق الكيان، وقبله كانت الطائرة “يافا” المشابهة من هذا الناحية، ومن الواضح ان هناك تقنيات مناسبة تم استخدامها، الى جانب تكتيكات مدروسة بعناية، تنتج تناغمًا فعالاً بين التقنية والتكتيك، يربك ويفشل طبقات الدفاع والكشف والرصد المبكر، والرادارات والاقمار الصناعية، وان كانت خيبة الطائرة “يافا” على العدو تم تخريجها بخطأ بشري، فحتى اللحظة تؤكد التقارير في كيان العدو وجيشه ان هناك فشلاً صارخًا في رصد الصاروخ، وتعقبه.

سادسًا: اذا كانت هذه العملية لا تأتي في اطار الرد على عدوان الحديدة، فهي تحمل رسالة مفادها، ان صنعاء لا تزال ملتزمة برد قوي وحاسم، وسيكون اكثر تأثيرًا، وأشد ايلامًا للعدو، وعليه ان يتخيل كيف سيكون مثل تلك العملية والتي يمكن ان تكون عملية اليوم بوصول الصاروخ الفرط صوتي، وتجاوز الدفاعات الجوية متعددة الطبقات، وفشلها في التعامل معه ورصده بشكل مبكر، حسب تقارير صهيونية إعلامية، ستكون عملية اليوم مجرد بروفات للرد القادم، هكذا يقرأ بيان القوات المسلحة اليمنية.

سابعًا: إن القوات المسلحة اليمنية هي كما وصفها السيد القائد عبدالملك الحوثي في العروض العسكرية الكبرى وعد الآخرة، في العام 2022، عندما أكد على مواصلة العمل في بناء الجيش اليمني للوصول إلى مستوى الردع الكافي للأعداء وحماية البلد، والإسهام في دعم قضايا الأمة الإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقد اثبتت هذه الحقيقة والتوجه خلال “طوفان الأقصى”، بالمشاركة الفعلية والفعالة بمئات العمليات العسكرية لمنع الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، ومنع وصول السفن مهما كانت وجهتها، الى موانئ فلسطين المحتلة، في اطار تطور وتصاعد عمليات الاسناد وانتقالاتها من مرحلة الى مرحلة.

وأخيرًا، ترجمة عملية متجددة واضافية ومتطورة لحديث السيد القائد عبدالملك الحوثي بالأمس في استحضار السيرة النبوية الشريفة، وكيف كان الجهاد محورًا في تحركات النبي العظيم صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، وتأكيد السيد الحوثي على ان الجهاد هو الخيار الوحيد للامة لمواجهة اعدائها، وعندما شدد في خطابه على أهمية ذلك الخيار، جاءت الترجمة من القوات المسلحة، لتوصل رسالة الجدية للعدو، وتأكيد النصح للامة، مع تمرير رسالة هادئة، بأن هزيمة هذا العدو ممكنة، عندما تتحقق الارادة، وتعود الامة لدينها ونبيها وما جاء به، وعلى راسه الجهاد.
————————————————————————————
موقع العهد الاخباري

مقالات مشابهة

  • بعد طائرة “يافا”.. ما الذي حمله الصاروخ اليمني الى قلب الكيان؟
  • “حماد” يشكل لجنة طوارئ واستجابة سريعة لسبها ومدن الجنوب الغربي
  • طبيب سوداني يروي قصة مبادرة “إيواء وغذاء” التي تدعم الآلاف
  • شاهد بالفيديو.. إصطياد أكبر “سمكة” في تاريخ النيل الأبيض بالسودان وزنها 150 كيلو وطولها 2 متر
  • واشنطن تدعو “الدعم السريع” لوقف هجومها على مدينة الفاشر السودانية
  • واشنطن تدعو “الدعم السريع” لوقف الهجوم على مدينة الفاشر السودانية فوراً
  • الولايات المتحدة تدعو قوات الدعم السريع للوقف الفوري للهجمات على مدينة الفاشر
  • ‏المبعوث الأمريكي للسودان: قلقون من هجمات الدعم السريع على مدينة الفاشر
  • نهضتنا .. بكرة الجرح يبري … “في سيرة نادي النهضة بالفاشر”
  • نهضتنا.. بكرة الجرح يبري.. «في سيرة نادي النهضة بالفاشر»