لجريدة عمان:
2024-09-15@20:31:11 GMT

(قمر 14) في غزة.. الطوفان الآخر

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

(قمر 14) في غزة.. الطوفان الآخر

يتواصل طوفان الكتابة في غزة جنبًا إلى جنب مع طوفان الموت، ياه.. كم هي مدينة غريبة هذه الغزة! فكل يوم تقريبًا يموت في مدرسة مجاورة مليئة بالنازحين أو في حي من أحياء غزة العشرات، من النساء والأطفال والرجال، وكل يوم تقريبًا تولد قصيدة وتهبط على الأرض قصة قصيرة، ومؤخرا من شهرين تقريبًا، بدأ المئات من شابات وشبان غزة موهوبين كانوا أم غير موهوبين يكتبون يومياتهم ونصوصهم وتفاصيل واقعهم بلغة شعرية و قصصية لافتة، وصادقة جدا وعفوية، وينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي.

(ليس نحن من يكتب هذا الأدب)، قال لي مرة صديقي الشاعر الشاب أدهم العقاد: إنها غرابة هذه المدينة، نحن مجرد وسطاء بين هذه الغرابة وبين القراء، تمر الغرابة في أجسامنا، وأذهاننا، تجلس قليلا لترتاح ثم تخرج إلى القارئ طازجة محيرة مؤلمة، مجنونة، لكنها صافية مثل ضحكة نهر صغير، مضيفًا: (نتفاجأ نحن باندهاش القراء وشكرهم لنا، وحين نوضح لهم أن غزة هي التي تكتب غرابتها من خلال حساسيتنا، يبتسمون، وكأنهم يقولون، هذا تواضع المبدع الغزي).

على يد الموت يتعلم الغزيون كثيرا من الأشياء الجديدة، منها دروس كتابة القصص والأشعار، لا تتوقعوا أنهم يحتاجون إلى الخيال، فأهم شيء موجود في غزة ومجانا دون تكاليف أو فواتير، وقبل الماء والكهرباء هو الخيال، فما يحدث في غزة يحلق مثل نسر شاب على أعلى قمم الخيال الإنساني، الخيال فائض في غزة، يمشي في الشوارع عارضا معروضاته دون مقابل، فمثلا من كان يستطيع تخيل مشهد شاب يمشي في الأحياء المدمرة وبين الأنقاض، حاملا على ظهره كيسا فيه رأس أخيه الشهيد، وهو يبحث الآن بهدوء واتزان عن باقي أعضاء جسده؛ ليعيد لأخيه اكتماله، وحين ينجح في ذلك بعد أيام، تطلق الأم زغرودة فرح، ويأتي الجيران سعداء ليهنئوها على لم شمل أعضاء جسد الابن، وقد نزل الشهيد إلى قبره مكتملا مثل عريس. بلاد الخيال المعمم غزة حتى صار الخيال هناك يستغرب من نفسه، أمعقول ما يحدث؟ يبدو أني جننت، هكذا يهمس الخيال في أذن الخيال حين يهم بالغرق في النوم.

لم تتخيل الشابة الغزية أصيل سلامة التي لم تتجاوز العشرين أن يصدر لها كتاب من حيفا في عز المذبحة، هي أيضا لا تعرف متى ستلمس غلاف الكتاب، فالمسافة بين حيفا وغزة ليست بعيدة لكنها مدججة بالنار والموت، أصالة من الشابات اللواتي تفاجأن بالقلم يجري أمامهن، يخط القصص ويرسم المشاهد، ويلتقط المفارقات، وهي أيضا محظوظة فقد قرأ لها الكاتب القصصي الكبير محمود شقير نصوصها على الفيسبوك فأعجب بها أيما إعجاب، وتبنى موهبتها. أصيل من مدينة رفح أصلا، ونازحة إلى خان يونس، طلبنا منها أن تحدثنا عن سياق وظروف صدور هذا الكتاب هذه إجابتها: "بدأ الكتاب بمنشورات أدبية أكتبها على الفيسبوك، شعرت أنها أثارت إعجاب المتابعين وقد لاحظت زيادة عددهم، وتلقيت منهم رسائل إعجاب، وكان من ضمن هؤلاء المتابعين جدو الكاتب المقدسي محمود شقير، وشعرت من خلال تشجيعه الدائم أن ما أكتبه له قيمة لم أكن أعرفها وهكذا شجعني أيضا على نشر هذه القصص في كتاب، وتعهد بنشره، وهذا ما حصل، الكتاب (قمر 14) صدر في حيفا قبل أسابيع فقط، ولم أصدق نفسي أني صرت صاحبة كتاب يصدر في أغلى المدن، وفي ذروة مذبحة صهيونية ما زالت مستمرة".

في كتاب (قمر 14) هناك أكثر من 30 قصة قصيرة جدا، في كل قصة ثمة تكثيف موفق للحدث، وتقطير مؤثر للمشاعر، بعض هذه القصص القصيرة جاءت على شكل رسائل إلى (جدو محمود) نلاحظ في الكتاب اللغة الشفافة المتأملة، ورغم بساطتها إلا أنها نقلت ما يحدث بأسلوب جذاب وحيوي، وصادق، وطفولي.

ويخبرنا الكاتب الشهير محمود شقير عن قصة تشجيعه واكتشافه لموهبة أصيل: جاء الأمر صدفة، فتاة شابة اسمها أصيل سلامة، تكتب على رأس صفحتها في الفيسبوك: أهلا بكم في عام أصيل. شعرت بأن من تكتب جملة كهذه لا بد من أن لديها رؤية ما. تابعت صفحتها لبعض الوقت، لأحظت أنها تكتب تعليقات فيها سخريات ظريفة ونقد لبعض الظواهر. لاحظت كذلك حبها للأطفال، ثم عرفت من خلال صفحتها أن هؤلاء الذين تحبهم هم أبناء شقيقتها. وحين قرأت بعض يومياتها وجدت لديها موهبة تمكنها من دخول عالم الكتابة. شجعتها فتشجعت وكتبت كتابين عن الحرب، وكان لصديقي الناشر صالح عباسي فضل كبير حين تبنى إصدار كتابها الأول: قمر 14 وقصص أخرى، وكان للأستاذة رناد القبج فضل كبير حين تبنت إصدار كتابها الثاني: أصيل والأطفال الخمسة..

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

جرمين عامر تكتب: الإنفلونسر.. إسفنجة المعرفة

هو ذاك الشخص الذى يعرف كل شىء عن كل شىء، ويكيبيديا متحركة، يعيش فى عالم موازٍ من الورق والكلمات، يتمتع بمهارة «الإسفنجة» فى امتصاص الحبر والكلمات ليُخرج لنا مزيجاً من المعرفة والعلم والحكمة، ويؤثر على جموع المتابعين عبر منصات السوشيال ميديا.

يطلقون عليه بالإنجليزية: «دودة كتب»، وبالإندونيسية «برغوث كتب»، وبالرومانية والإسبانية والبرتغالية «فأر المكتبة»، وبالألمانية «جرذ قارئ»، وبالفرنسية «شارب الحبر»، وبالدنماركية «حصان قراءة».

القراءة عنده مزاج مثل قهوة الصباح، يراجع الكتب وينشر المعرفة ويحفز المتابعين على القراءة والمناقشات الفكرية، ويحرص على الأمانة العلمية، فيذكر مصادر المعلومات.

زعموا أن المواطن العربى لا يقرأ، فجاء تقرير المؤشر العالمى للإنجاز الثقافى NOP World Culture Score Index الصادر عن شركة Statista الألمانية المتخصصة فى بيانات السوق والمستهلكين بالاشتراك مع صحيفة إندبندنت البريطانية 2021، ليؤكد بطلان هذه الادعاءات، لتحتل مصر المركز الخامس بمعدل قراءة بلغ 7:30 ساعة أسبوعياً، بينما جاءت السعودية فى المرتبة الـ11 بمعدل بلغ 6:46 ساعة أسبوعياً.

سبقت مصر والسعودية فى مؤشرات قراءة الشعوب كل من الهند فى المركز الأول وتايلاند فى المركز الثانى والصين فى المركز الثالث، فى حين جاءت الولايات المتحدة فى المركز الـ23 بمعدل 5:42 ساعة أسبوعياً.

مفاجأة مدهشة ومفرحة أكدتها زيادة عدد أعضاء نادى القراء المحترفين، وهى رابطة على فيس بوك تضم 150 ألف عضو، 80% منهم تتراوح أعمارهم ما بين 18 - 35 عاماً، وتجمع الرابطة بين جميع الأطراف القائمة على عملية القراءة بداية من الكاتب مروراً بالناشر ووصولاً للقارئ. وفى السبع سنوات الأخيرة، ظهر فى مصر عدد من الإنفلونسر «إسفنجة المعرفة»، اختاروا لأنفسهم مجال تلخيص الكتب، شاركوا قراءاتهم مع متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعى، ومن أشهرهم أحمد الغندور صاحب بلوجات «الدحيح».

عُرف أحمد الغندور أو «الدحيح» بمحتوى متميز وأسلوب يمزج بين المعرفة والعلم يقدمهما بروحه المرحة، يستخدم تقنية عرض الأفكار والمعلومات السريعة حتى يجذب المتابعين ويحافظ على يقظة ذهنهم، وأحياناً كثيرة يلجأ إلى أسلوب السرد القصصى والمشاهد التمثيلية القصيرة واستخدام الملابس والإضاءة حتى يقرّب الصورة أكثر وأكثر لذهن المتابعين.

كذلك الكاتب الصحفى عمر طاهر الذى يقوم بعرض وتلخيص الكتب بأسلوبه الساحر، وله عدد من البلوجات على السوشيال ميديا تحمل اسمه، ينتقد الكثير من الموروثات الثقافية فى المجتمع المصرى، ويعتمد على أسلوب السرد القصصى وعقد المقارنات.

ولأن الثقافة والمعرفة ينبوع لا ينضب، تشجع عدد من منصات السوشيال ميديا للدخول فى مجال تلخيص الكتب والتحفيز على القراءة ونشر المعرفة، فظهرت منصات مثل «كتبى» و«اقرأ معى» تعلن عن بداية مرحلة أكثر تطوراً. تسمح للإنفلونسر «إسفنجة المعرفة» بتقديم محتوى ومراجعات للكتب فى مجالات أكثر تخصصاً، مثل، صفحة «بيريف فرغيف» Brief X Rghif التى تخصصت فى تناول كتب التنمية البشرية وعلاقات العمل ونشر ثقافة العمل الجماعى.

وعلى رأى المثل الشعبى: «كل شيخ وله طريقة» تنوعت أساليب الإنفلونسر «إسفنجة المعرفة» فى مجال تلخيص الكتب واختيار مناهج العرض وتحديد الجمهور والشريحة العمرية المستهدفة استناداً على أرقام ومؤشرات المتابعين، فالبعض ركز على القضايا والأفكار الأساسية للكتب وعرضها بطريقة مبسطة وسهلة الفهم، فى حين يتبع آخرون من الإنفلونسر «إسفنجة المعرفة» أسلوب العرض والتلخيص المفصَّل للكتاب، ليعطى القارئ فكرة تفصيلية عن فصول الكتاب المختلفة وكأنه يقرأه بنفسه، ولكن بشكل موجز، وأحياناً يقوم «إسفنجة المعرفة» بتحليل أو نقد للكتب مع إضافة تعليق يتضمن رأيه الشخصى فيجعل تجربة العرض والمراجعة أكثر فاعلية بينه وبين المتابعين.

وتربَّع أسلوب السرد القصصى على قائمة تعددية أساليب عرض المحتوى للإنفلونسر «إسفنجة المعرفة» فيقوم المؤثر بتلخيص الكتب وعرضها بطريقة سردية تشبه القصة، ليشد انتباه الجمهور ويجعل الملخص أكثر متعة للمتابعين.

ولأننا نعيش عصر الصورة والفيديوهات كوسيلة أساسية للتواصل والتعبير عن الأفكار، وجد الإنفلونسر «إسفنجة المعرفة» فى مجال التلخيص البصرى، والإنفوجرافيك، والفيديوجراف، كذا البودكاست، ملعباً جديداً، يقدم من خلاله محتوى أكثر ديناميكية وجاذبية، بغرض الوصول إلى نوعية الجمهور الذى يفضل الاستماع أو المشاهدة بدلاً من القراءة، والأمثلة عديدة، منهم حسام هيكل، وأيضاً بودكاست «كتب خارجية» لعمر شمس الدين.

* عضو اتحاد الإعلاميين العرب

مقالات مشابهة

  • أغلى مكان في العالم.. تقرير يشرح بالتفصيل التضخّم الخارج عن الخيال في غزة
  •  إيمان الشعراوي تكتب: دور الإعلام لدعم جهود الدمج
  • "حماس" تشيد بالهجوم الحوثيين على إسرائيل وتعتبره "رد طبيعي على العدوان وحق أصيل للمقاومة"
  • الكتاب الفلسطيني لأول مرة في معرض بغداد الدولي
  • شجار بين سائقي حافلة وسيارة في هاتاي: سائق يهاجم الآخر بسكين
  • قصة قصيرة: إثنان والعربة
  • جرمين عامر تكتب: الإنفلونسر.. إسفنجة المعرفة
  • ‏الجيش الإسرائيلي: رصد صاروخين أطلقا من شمال قطاع غزة تم اعتراض واحد منهما وسقط الآخر في المنطقة البحرية
  • الديمقراطية..الرأي الآخر!
  • الطوفان اليماني في مناسبة مولد النور محمد