برز مصطلح «المقاومة» في الفترة الأخيرة مجددًا بسبب حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين الأبرياء، الذين كان ذنبهم الوحيد وجودهم في الزمان والبقعة الجغرافية الحالية، فلا سبيل إلى الحياة إلا بالمقاومة أو الهجرة؛ ولأن الخيار الأخير يُعدُّ هدفًا للاحتلال أصلًا، فإن بالإمكان اعتباره موتًا آخر، لا يقل عن الموت الحقيقي.
فأما المصطلح، فإني لم أجد في المراجع التي عدت إليها بحثًا في جذوره -وهذا بطبيعة الحال قد يكون راجعًا إلى أني لم أهتدِ إلى المراجع الصحيحة بعد- ولكنني أحسب أنه ظهر مع الحركات الاستعمارية في المناطق المختلفة من العالم، بحيث تكون المقاومة -كما أفهمها- كل فعل يؤدي إلى الخلاص من المُستعمِر عسكريًا، وثقافيًا، واقتصاديًا حتى. أما تطوره، فإن المقاومة الأولى كانت بوسائل بدائية في مقابل ما يملكه المُستعمِر من تطور يتيح له فرض قيوده ووجوده على المُستعمَر، إلى أن تصبح تكلفة الاستعمار أعلى من وجوده، وهنا ينتهي الاستعمار.
أما تغيُّره، فإن المصطلحات تحدد الكيفية التي نتعامل بها مع الأشياء والناس والحياة ككل، لذلك كان لزامًا على مَن يملك القوة أن يتحكم بسيرورة المصطلحات وصوابيتها؛ فيغدو الفعل الذي يفعله شخص ما أو عدة أشخاص «فعل مقاومة» أو «فعل تخريب وفوضى» بناءً على توافق تلك الأفعال مع من يمسك بزمام الأمور وينتفع منها، سواء كان من جِنس المُستعمِر أو من المُستَعمَرين.
بحثت في معاجم اللغة وقواميسها، كلسان العرب، والقاموس المحيط، وجمهرة اللغة لابن دريد، علِّي أجد شيئًا مشابهًا لما نعرفه عن المصطلح اليوم، وذلك بدافع الفضول والاكتشاف. فلم أجد شيئًا إلا في «اللسان»، وذلك في ثلاثة مواضع في مادة «قَوَمَ». الأول منها في تفسير كلمة «قَامَ»، ووجدت ابن منظور يورد بيتًا لكعب بن زهير، ولا أحسب معنى لهذا البيت أحسن موضعًا من المعنى الذي نعرفه اليوم عن المقاومة، وهو قوله:
«فَهُمْ صَرفُوكم، حينَ جُرْتُمْ عنِ الهُدَى
بأَسْيافِهِمْ حَتَّى اسْتَقَمْتُمْ عَلَى القِيَمْ»
فالمقاومة أصلها السلاح والدفاع، وإجبار المعتدي الجائر على وقف عدوانه. والثاني حيث يقول: «..وقاومه في المصارعة وغيرها وتَقاوَمُوا في الحرب، أيْ قامَ بعضهم لبعض». والثالث في قوله: «..ويقال ما زلت أقاوم فلانًا في هذا الأمر، أيْ أُنازِلُهُ».
ولكن ما أهمية المقاومة؟ وهل المقاومة فعل في الحرب فحسب أم أنها طريقة للحياة؟
إن أحسن من يعرف معنى المقاومة هم الفقراء والقاطنون في الأماكن الصعبة الوعرة أولًا، ومن يتعرض للاحتلال أو الاستعمار أو الحرب ثانيًا. فأما الفئة الأولى، فإنها تقاوم الفقر والمرض والبيئة القاسية الصعبة بشتى الطرق والوسائل، متمسكةً بالحياة ورمقها. ولذلك نجد القادمين من هذه الخلفية الاقتصادية-الاجتماعية أو البيئة الجغرافية أصبر على الحياة وشظفها، وأكثر تطلعًا واجتهادًا لبلوغ «برِّ الأمان»، كما تفهمه هاتان الفئتان، لا كما نُعرِّفُ برَّ الأمان. وأما الثانية، فإنها تكتسب هذه القدرة والطاقة بعد مشقة ومكابدة، وذلك لأن الاحتلال أو الاستعمار أو الحرب أمر حادثٌ لم يُسبق بشيء شبيه له أو نظير في تلك البقعة الجغرافية.
لأجل هذا كله، يجب أن نحتفي بالمقاومة وندرس معانيها ونبثها في نفوس النشء لما تحمله من مكامن الضعف أو مواطن القوة لمستقبل الأمة. فالشباب الذي يدرك معنى المقاومة يدرك معنى الوطن بالضرورة؛ فلا يغدو الوطن بقعةً جغرافية حالها كحال أية بقعة جغرافية في هذا العالم الشاسع، بل هو كيان وهوية يُفدى بالأرواح والأموال.
ومتى ما غفل المسؤولون عمّا تفعله وسائل التواصل من تمييع للهوية الوطنية الحقة التي تتجاوز الشعارات الرنانة والأغاني الحماسية، وتتمثل واقعًا يبذل فيه المرء أقصى ما يملك لرفعة هذا الوطن، فإننا سنجني بذور ذلك الإهمال أو التغافل عاجلًا أم آجلًا. والسبيل إلى إصلاح الوضع قائم بالاستعانة بالمفكرين العمانيين والمثقفين في تقييم الوضع وتقديم الحلول الحقيقية الجذرية وتكوين صورة ثابتة عن الوطن، وقد يكون السبيل الأول لحل أية مشكلة هو الحديث بلا مواربة عن تلك المشكلة وتعريتها ثم علاجها العلاج الناجع. أما التغافل عن المشكلات، فهو كمن يعلم بوجود جرو الضبع في بيته، ويأمن ذلك الجرو زمنًا، ويعوّل على ضعفه وبراءته، حتى إذا قوي واشتد عوده وبرز مخلبه، وكشّر عن نابه؛ صرخ ولات حين مندم:
«ومن يصنع المعروفَ في غير أهله
يلاقي الذي لاقى مجيرُ أمِّ عامرِ».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تهديد اسرائيل للعراق وانعكاساته
23 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة: حيدر سلمان
لنكن واضحين في ضوء التهديدات الاسرائيلية للعراق ماذا سيحدث بعدها:
1️⃣ العراق هو الأكثر التزاما بالقوانين الدولية.
2️⃣ فصائل المقاومة العراقية التي تضرب اسرائيل بين هلامية لايعرف من اين تضرب والاغلب من سوريا ولييت مرئية والحكومة لطالما اعلنت مطاردتها وعزلها.
3️⃣ منظومة الحكم العراقي نعم هواها مع المقاومة، لكنها اختارت القتال السياسي ضد هيجان اسرائيل المحتلة، عبر المنظومات الدولية من امم متحدة وجامعة عربية ومنظمة عمل اسلامي.. واشقاء عرب وغير عرب…الخ.
4️⃣ العراق الان هو الاكثر علاقات ودية مع كل دول المنطقة والمنظومة العربية والاسلامية والغربية والشرقية وضربه سيجعل اسرائيل في وضع انعزال اسوء مما عليه الان
5️⃣ في حالة تعرض العراق لضربات ستدفع منظومة الحكم فيه لتغيير مواقفها من فيتو التسليح العالي من الولايات المتحدة لتغير تعاطيها مع واقعها الدفاعي بالذهاب للتسليح العالي والنوعي والمادة 51 من ميثاق الامم المتحدة تتيح لاي دولة الدفاع عن نفسها ضد الهجمات من دول اخرى.
6️⃣ كثير ممن كان يتعاطى مع العراق بنفور او عدائية سيغير موقفه وستجد اسرائيل عزلة اكثر مما هي فيه الان.
7️⃣ سنجد احباء شامل وكامل لصور تاريخية وكيف غزا نبوخذنصر يهودا والسامرة والكل يعرف انعكاسات التاريخ على الحاضر في تغيير مجريات الاحداث ولن تبقى وسيلة مرئية او صوتية الا وستعيد شواهد ذاك الزمن.
8️⃣ الموقف الشعبي المساند الى فلسطين ولبنان سيكون اكثر حدية وجدية وسنجد رغبة عارمة لفئة اكبر وتتنامى لدى العراقيين وغير العراقيين للذهاب ضمن فصائل المقاومة بل ربما يزداد عددها وعديدها.
9️⃣ وهو الاهم، علاقة العراق بالولايات المتحدة وتواجد جيوشها ومصالحها ستكون تحت ضغط حكومي وشعبي لعدم قدرتهم على وضع حد لبلطجة اسرائيل بالمنطقة.
???? على ضوء النقطة الاخيرة، فان العراق سيدفع به مجبراً للتقرب للمنظومة الشرقية ماليا واقتصاديا خاصة مع تنامي عدد وتعداد دول بريكس وهذا الامر على الولايات المتحدة ادراكه جيدا مع ذهاب الامارات والسعودية لتلك المنظومة قبل العراق مع العلم انهم في حالة حلف مع الولايات المتحدة، التي اصبحت تدفع بأقرب حلفائها للنفور منها بسبب سياسة تفضيلها لاسرائيل على مصالحها بارتباطها بمن يفترض بهم حلفائها.
اعتقد اني هنا اجملت تماما ماذا سيحدث بعد تعرض العراق لضربات اسرائيلية والاكيد انها ان حدثت فلن تكون دون وجود ضوء امريكي اخضر.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts