المشروعات الزراعية لتقوية الاقتصاد العُماني
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
محمد بن أنور البلوشي
أحد الأماكن التي قضيت فيها طفولتي هي الرميس، وهي منطقة تبعد 15 كيلومترًا عن بركاء وتشتهر بحديقة النسيم. بين الحين والآخر، أزور هذا المكان لاستعادة طفولتي الضائعة. لكن هذه المرة أثارت زيارتي تفكيري كاقتصادي، ودفعتني لكتابة بعض السطور.
على الرغم من أن السوق صغير جدًا، إلا أنه في المساء يعج بالحشود، ويبدو السوق فعالاً وكفؤًا.
أنزلت زوجتي ووالدتي في بيت قريب لأحد الأقارب، ثم توجهت إلى السوق. على يميني، رأيت متاجر بقالة صغيرة ومحلات إلكترونيات. وعلى يساري، كان هناك ملعب كرة القدم الذي كنت ألعب فيه خلال سنوات مُراهقتي.
تجربة زيارة السوق أعادت لي ذكريات طفولتي، حيث تخيلت نفسي وأنا أذهب إلى متجر البقالة عندما كنت طفلًا لشراء البقالة. نعم، أستطيع أيضًا أن أتذكر محل الحلاقة الذي كنت أقص فيه شعري بأربعمائة بيسة.
وأمام عيني، كان هناك المسجد الذي كنت أذهب إليه، تذكرت دروس المدرسة حين كان المكان هادئًا بعد الصلاة.
"كم سعر الشمام؟"، سألت الرجل العماني الذي كان يبيع الشمام من شاحنته البيضاء. "ادفع لي ريالًا واحدًا وخذ ثماني قطع"، أجابني. على الرغم من عمره، كان يبدو شخصًا نشيطًا يستمتع بما يفعله. اشتريت منه ثماني قطع مقابل ريال واحد.
"هل يمكنني تصويرك؟"، سألته. "تصويري!"، ضحك بتعجب. "ماذا ستفعل بصورتي؟"، سألني. "من الجيد أن يعلم العالم أنَّ هناك من هم في سنك ما زالوا نشيطين ويعملون كالشباب، وقد يحفز ذلك الآخرين لاتباعك"، أقنعته ثم التقطت صورته. "دعني أبدو جيدًا في الصورة"، قال الرجل.
"لدي مزرعة في بركاء وأزرع هذه الفواكه، ثم أبيعها هنا في الليل"، أجابني عندما سألته عن نشاطه. "كم تكسب يوميًا؟"، سألته. "بصراحة، لا أكسب الكثير، لكنني أستطيع إطعام عائلتي وأنا راضٍ. "في بعض الأيام أكسب عشرة ريالات، وفي أيام أخرى أكثر أو أقل"، قال الرجل.
بدلاً من أن أسأله عن اسمه في بداية الحديث، سألته في النهاية. "ما اسمك؟"، سألته. "أنا أسمي سعيد "، أجابني بوجه مبتسم، الوجه الذي جعلني مليئًا بالطاقة والسعادة.
الرميس هي إحدى المناطق التي توجد فيها عشرات المزارع. ينبغي تعزيز الأعمال الزراعية في السوق وتطوير المؤسسات المالية لدعم هذه الأعمال. غالبًا ما تقدم البنوك التجارية خدمات "جمع الأموال" في هذا السوق.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحديات المنهج التعليمي العُماني.. ما بين الواقع والتطلعات!
د. سالم بن محمد عمر العجيلي **
لا يخفى على أحد إنجازات التعليم في سلطنة عُمان، والتي ما تزال في تطوُّر وتقدم تصاعدي، وينبغي أن نشير أنه منذ نعومة أظفارنا ونحن نرى التطور الهائل في هذا المجال؛ فمن تحت ظل الشجرة إلى حيث المدارس الفارهة الحديثة الحالية على مستوى السلطنة بشكل عام، ونحن نشهد ونشيد بهذا التسارع المستمر وفق رؤى وثوابت نموذجية.
ومع هذه الطفرة والتسارع كان لا بد أن تكون هناك خطوات يجب مراعاتها ومراجعتها متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، وهنا يجب أن نسلط الضوء إلى جانب واحد من هذا التطور وهو المنهج الدراسي التعليمي لدينا. ورغم الارتقاء الكبير في هذا المجال وتوسع وتعاظم قدرات هذا المنهج الدراسي، إلّا أن الواقع الدراسي الحالي على الأغلب لم يراع العوامل النفسية والبيئية والحياتية المحيطة بنا، والظروف المتقلبة وإمكانات الزمان والمكان في وقتنا هذا؛ حيث إن قدرات الطالب العُماني يجب دراستها والنظر فيها بتمعن، فلربما أن الطالب يملك مقومات كبيرة للتطور والاستيعاب كون أن البيئة العُمانية مساعدة على ذلك، ولكننا نعلم كذلك أن البيئة المحيطة بالفرد تؤثر فيه ويؤثر هو فيها، وهذا مربط الفرس.
هل نحن بحاجه لطالب يحفظ ويلزم بواجبات يومية مضاعفة؟ أم نحن بحاجة إلى الفهم وترسيخ المعلومة؟ الحفظ جيد، لكنه مع مرور الأيام يفقد الإنسان الكم الكثير من هذه المعلومات وتطوى إلى طي النسيان، عدا كتاب الله المنزل القرآن الكريم الذي قد تكفل الله به وحفظه جلت قدرته، بينما بالفهم والفطنة تثبت المعلومة بلا شك. والوضع الحالي يقول إن الطالب يجب أن يحفظ ويتم تزويده أحيانًا كذلك بواجبات يومية مكثفة ومعقدة تفوق وتتعدى قدراته ومستواه، لتعقد المنهج الواقعي للطلاب بالسلطنة الذي تطور ولكنه لم يراع المستوى النفسي الملموس لهذا الطالب وإمكانياته؛ فالمستوى تطور، لكنه في مستوى متقدم وأعلى من الإمكانيات والقدرات الحقيقية لهذا الطالب في كل مرحلة دراسية، وهذا ما جعل أغلب الأسر مضطرة ما بين خيارين، أن الوالدين وخصوصا الأم هي من تقوم بحل هذه الواجبات بدلًا عنه، أو من كان مُقتدرًا فبإمكانه تلقي دروس خصوصية مراعاة لوضعه الذي يواجهه.
وقد كان لنا في تجربة فترة جائحة كورونا البائسة عِبرة في كيفية تطوير التعليم وآلياته والاستفادة من التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد؛ حيث كان الأجدر بنا أن نستثمر ونستمر على هذا المنوال في خط متصاعد مراعاةً للظروف الراهنة وللتقدم الحديث والاستدامة ودمج التعليم الحديث بالتعليم الحالي، وعن الحفظ والفهم كان يجب أن نتوجه لأسلوب الفهم الذي يتعاظم بقدرة ومستوى الذكاء للطالب؛ فالقراءة التصويرية التي تقوم على المشاهدة بالعين المجردة بمشاهد أو بصور قد تثبت المعلومة بصورة كبيره، فالكائن البشري يتطور أسرع كلما شاهد ورأى بأم عينه وخصوصًا مع التكنولوجيا الحديثة وتقنيات التواصل الاجتماعي الجديدة، بعكس الحفظ الذي قد يندثر بتوالي الأيام ولا يدوم.
ففي الدول المتطورة في التعليم مثل المملكة المتحدة، نرى في معظم مناهجهم التعليمية بما فيها تعلم اللغة الإنجليزية، يعتمدون كثيرًا على المشاهدة المرئية عبر التلفاز أو الفيديوهات أو غيرها من تقنيات ووسائل حديثة، والاستعانة أحيانًا بالاستماع والقراءة والإنصات؛ ما يعمل على تطور هذا الطالب بسرعة فائقة والارتقاء به إلى مراتب ومستويات أخرى؛ كونها تعتمد على المشاهدة والفهم والاستيعاب.
وهناك أفضل الدول المتقدمة في ممارسة التعليم المتطور وعلى رأسها فنلندا، التي لم تتبع الكثير من المبادئ العالمية لإصلاح التعليم، فلا توجد اختبارات قياسية مُوحَّدة أو عمليات تفتيش على المدارس؛ فنظام التعليم يعتمد على المساءلة الذكية، وتتميز بتوفير تعليم شامل ومتكامل يُركِّز على تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداع لدى الطلاب. وتُستخدم الممارسات والتقنيات الحديثة في التعليم التي منها الشاشات الذكية في مدارسها بدلًا من التقليدية، ويستخدم الطلاب الأجهزة اللوحية الإلكترونية بها والتقليل من كم الواجبات المنزلية عليهم، وغير ذلك من أسلوب تعليمي حديث مشوق جعلها تتربع في صفوة الدول المتقدمة في هذا المجال في العالم.
وهناك أيضًا سنغافورة التي تقدمت وأصبحت من الدول الرائدة في مجال التعليم، ومثالًا يحتذى به؛ حيث تتميز بنظام تعليم متطور يُركِّز على تطوير مهارات العلوم والتكنولوجيا والرياضيات وجودة المدارس والمعلمين والمناهج.
ونحن هنا في عُمان بحاجة إلى مثل هذه الآليات والممارسات والإمكانيات المتطورة للنهوض بالتعليم لدينا؛ فنحن وطن النهضة ونحن مدرسة للأجيال ونحن نهضة متجددة، نسعى بكل قوة للتصدر والتفوق والاهتمام بتنمية كل ما هو جديد ومفيد للنهوض بهذا المجتمع وهذا المواطن وصولًا به لتحقيق السعادة وجودة الحياة له. وبكل تأكيد إن الجهات المعنية بالتعليم لدينا سعت وتسعى للتطور، وقد حصدت أعلى الشهادات والاعترافات الدولية لعل من أبرزها شهادة الآيزو العالمية التي لا تُمنح إلّا لمن حقق التفوق في أنظمة الآيزو العالمية ووصلت مستوى جودة الخدمات به لمرحلة الريادة والرفاهية. ولكن هناك بعض اللمسات كالبلسم التي إن تم ضبطها لأضافت للتعليم رونقًا ووسامًا خالصًا، مع الاهتمام النوعي بالجانب النفسي والبيئي والظرفي للطلبة وعدم الإغفال عنه في مجتمعنا؛ فهذا هو الواقع، وصولًا للتطلعات والمأمول لدرجة أقل ما نصفها بالكمال وهي النقطة الصعبة البعيدة التي يحلم بها الجميع.
إنَّنا على ثقة ويقين بقدرة مؤشرات التعليم لدينا بالوصول إلى بر الأمان، وإلى ذلك المستوى من الرقي والازدهار في عُمان المجد وعُمان المستقبل، ولن ننسى ما حيينا تلك المقولة الرنانة التي ترددت على ذهن كل عُماني "سنُعلِّم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة".
** خبير الجودة والتميز المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي