عادل حمودة يكتب: إطلاق «الكراكيب» العقلية
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
كل شىء فى حياتنا هو قرض مؤقت من الطبيعة
على طريقة الحكايات والخرافات.. سمح الرجل الوقور لزوجته الشابة أن تفتح كل غرف البيت.. ما عدا غرفة واحدة.. يضع فيها تذكاراته الشخصية.. ما تبقى من أقلامه الرصاص التى استخدمها من أول يوم فى الحضانة إلى آخر يوم فى الجامعة.. الهدايا التى تلقاها فى أعياد ميلاده.
وفى البداية شعرت الزوجة أن الرجل الناجح الذى تزوجته هو شخص عاطفى سيرتبط بها بجنون.. على الأقل كما يرتبط بأشيائه الصغيرة.. العتيقة.. ما جرى كان عكس ما توقعت.. فقد تبددت طاقة الزوج العاطفية فى تلك الكراكيب.. ولم يكن نصيب الزوجة من مشاعره أكثر من نصيب منفاخ الدراجة التى لم يعد يركبها.. أو نصيب أسطوانة مشروخة لم يعد يسمعها.
إن اقتناء الكثير من الكراكيب يعكس فى كثير من الأحيان شعورا بالوحدة والخوف من الاحتياج للحب والألفة.. ويستهلك كل طاقة المشاعر العميقة التى نحتاجها للتعبير عما فى أعماقنا.. فلا يتبقى منها ما نمنحه لغيرنا.. ليكون كل ما بيننا جافا.. خشنا.. ولو سألت غالبية المطلقات عن سر الفشل فى حياتهن.. ستكون الإجابة: إن ضرتها التى انتصرت عليها كانت كراكيب أدمنها زوجها ولم يستطع التخلص منها.. بل احتفظ بها على حساب زوجته.
والكراكيب حسب تعريف كارين كينج ستون فى كتابها عبودية الكراكيب هى مجموعة الأشياء المسببة للفوضى والزحمة التى لا نستعملها وتستهلك مساحة كبيرة من حياتنا وطاقة أكبر من قوتنا الداخلية.. وفى الكتاب نفسه الذى ترجمته مروة هاشم ونشرته شرقيات فإن الاحتفاظ بالكراكيب يعكس عيوبا نفسية لا نصارح بها أنفسنا.. فهى تفضح تمسكنا بالماضى.. وخوفنا من المستقبل.. فالكراكيب أشياء قديمة فقدت صلاحيتها.. كما أنها تفضح نوعا من الأنانية.. فهى أشياء لا نحتاجها ويمكن أن يحتاجها غيرنا.. وبرغم ذلك نتمسك بها.. كذلك فإنها تكشف إحساسا بعدم الأمان.. وحب التملك.. والبخل.. والبحث عن مكانة اجتماعية مفقودة بامتلاك الأشياء نفسها التى يمتلكها المعارف والأقارب.
انظر حولك ستجد كميات هائلة من الكراكيب المحبوسة فى بيتك ومكتبك وسيارتك التى تحتاج إلى إطلاق سراحها وسراحك أنت أيضا.. فأنت فى الحقيقة لا تمتلك هذه الأشياء.. وإنما هى التى تمتلكك..!! إن الحياة فى حالة تغير مستمر.. وعليك أن تستمتع بالأشياء التى تأتى بها.. استخدمها الاستخدام الأمثل.. وعندما يحين أجلها.. تخل عنها دون تردد.. حررها.. فأن تمتلك شيئا لا يعنى الاحتفاظ به إلى الأبد.. أنك لست سوى حارس مؤقت لأشياء كثيرة تمر بحياتك.
إن كل شىء تمتلكه هو طاقة مؤقتة.. ربما تعتقد أنك تمتلك بيتك أو سيارتك أو رصيدك فى البنك.. هذه خرافة شائعة.. والحقيقة أنك لا تمتلك حتى الجسد الذى تسكن فيه.. كل شىء فى حياتنا هو قرض مؤقت من الطبيعة.. عليها أن تسترده فى الوقت المناسب كى تقوم بتعديله وتشكيله من جديد فى أشكال مختلفة بدونك.. إن جسدك ليس سوى تمثال مؤقت تتجسد فيه روحك.. والجسد متغير.. والروح الذى تسكنه أيضا.. فلماذا تنمو أنت وتبقى الكراكيب من حولك على ما هى عليه تذكرك بمرحلة مختلفة تجاوزتها وابتعدت عنها؟.
وما لم تقله كارين ستون إن أخطر من كراكيب الأشياء.. كراكيب الأفكار.. إن عقولنا مخزن نحتفظ به بتصورات بالية وخاطئة للحياة.. ولا نريد أن نتخلص منها.. لا نريد أن نغسلها.. وتركنا العنكبوت يفرض خيوطه عليها.. والحشرات الزاحفة تسيطر عليها.. إن الخوف من النكد بعد الضحك فكرة خاطئة تفسد علينا بهجة اللحظة.. وتصور أن تجديد غرفة مكتب المسئول سيخرجه منها ويأتى بمسئول جديد ليحتلها.. يحطم رغبتنا فى التغيير.. والقول بأن الحليب فى ثدى الأم يجف فور دخول عاقر عليها هو جرح لمشاعر امرأة لا ذنب لها..
والفتاوى الخاطئة فى الدين والجنس التى نتوارثها كما هى دون فحص ومراجعة يكرس أوضاعا اجتماعية ونفسية تضعنا فى قوالب من جبس لا نملك الشجاعة لكسرها.
حاول أن تقوم بعملية غسيل لمخك قبل أن يفعلها غيرك.. جرب أن تزيل بقع الزيت التى جمعت الغبار على عقلك.. ستحرر تفكيرك من طاقة محبوسة فى تلك البقع.. ستغير حياتك بسرعة مذهلة.. ستشعر بأنك شخص مناسب للوقت الذى تعيشه.. ستعود من ذلك الزمن السحيق البعيد الذى تحتفظ بكراكيبه.. ستسترد رشاقتك النفسية.. والذهنية.. ستشتعل بالحركة.. بالرغبة فى القفز إلى أعلى.. ستخرج من جلدك.
ولو نظرت حولك.. ستجد أشخاصا لا يختلفون عن الكراكيب.. يستهلكون مساحة كبيرة من حياتك.. ويضيعون وقتك.. ويهدرون طاقتك.. لا يضيفون لك معرفة.. ولا قيمة.. وفى وقت الشدة يتخلون عنك.. وربما تحتفظ بهم مثل الجرمافون القديم على أمل أن تستفيد منه ولو مرة.. أو على أمل إصلاحه.. أو طبقا لقاعدة شهيرة خاطئة.. قاعدة أن ما نعرفه أفضل مما لا نعرفه.. وأن ما نخسره أفضل مما نكسبه.. وأن المركب التى تذهب أفضل من المركب التى تأتى.. إنها الكراكيب السحيقة غير المرئية الأكثر خطورة من الأشياء القديمة التى نضعها فى البيوت والمخازن.
إن المعانى هى قلب المبانى.. والوجه النفسى لها.. فالكراكيب فى مكتبك تسبب الخسارة المالية.. كما حدث لمحام ترك بعض المرايا المكسورة خلفه.. وقد أصابته الدهشة عندما فوجئ بعد التخلص منها بأيام قليلة بعملاء كبار يطرقون بابه.. والكراكيب فى غرفة نومك تدمر علاقاتك العاطفية والجنسية.. إن وجود دولاب الأحذية فى غرفة نومك يصرفك عما هو أمتع من إحصاء عدد الصنادل التى تمتلكها بل إن وجود التليفزيون فى غرفة النوم هو فى حد ذاته نوع من الكراكيب الموجودة فى المكان غير المناسب.. إن النصيحة الأولى فى مكاتب التوفيق بين الأزواج فى جميع أنحاء الدنيا.. هى انقلوا التليفزيون بعيدا عن غرفة النوم حتى لا يكون عازلا وعزولا.
وربما ستصاب بالدهشة لو قست المساحة التى تحتلها الكراكيب فى بيتك.. ستجد أنها فى كل مكان تقريبا.. فى البدروم.. والسطح.. ودرج مكتبك.. وعلى موائد السفرة والمطبخ وحجرات الصالون.. ووراء الأبواب والممرات.. والمطبخ والحمام.. وحجرات الجلوس والمعيشة.. وتحت الأسرة.. وفوق الدواليب.. وداخل خزانة الملابس.. والسيارات.. وأكثر من ذلك هناك حجرات خاصة للكراكيب.. وهناك كراكيب محمولة.. كراكيب الحقائب التى نحملها معنا فى كل مكان.
وأخطر أنواع الكراكيب.. كراكيب المجموعات.. إن هناك امرأة فى جنوب أيرلندا تحتفظ بأكثر من ألفى قطعة زينة على شكل ضفدعة.. وفى لندن حصل طفل على خنزير من البلاستيك وسرعان ما أعجب به فراح يقلده ويرسمه على كل مكان حتى هرب أصدقاؤه منه.. ونجحت سيدة فى التوصل إلى أكثر من مائة شكل للبط.. لقد كانت تعانى من الوحدة.. ولم تتزوج أبدا.. وكانت النصيحة أن تتخلص من صور وأشكال البط الكثيرة الموجودة فى بيتها.. وسرعان ما وجدت الرجل المناسب.
لا تكن مجنونا بجمع الأشياء دون أن تدرك السبب.. فتش عن سر رغبتك الشديدة فى جمع شكل حيوان معين.. فربما كنت تبحث عن صفة ما تعجبك فى هذا الحيوان.. جرأة الأسد.. شهامة الفيل.. وفاء الكلب.. براءة الزرافة.. مثلا.. قد يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تكتشف ذلك وتصبح قادرا على التخلى عن هذه الرغبة.
وأصعب أنواع الكراكيب.. التذكارات العاطفية.. كروت الزفاف وأعياد الميلاد ورأس السنة.. كذلك المذكرات الشخصية.. والخطابات الغرامية.. ورسومات أطفالنا الذين كبروا وتزوجوا وأنجبوا الآن.. لايمكن أن تمزق أو تحرق أو تكنس هذه التذكارات.. لكن.. عليك فقط أن تحتفظ بأفضلها..
أما الصور.. فالنصيحة المناسبة هى أن لا تحتفظ إلا بصور المناسبات السعيدة.. تخلص من صور المناسبات العصيبة.. إن ذلك سيوجد مساحة لشىء جديد وأفضل فى حياتك.
لكن.. رغم ذلك.. كله لا بد أن أعترف بأن باب النجار مخلع.. فأنا مستعد أن أتخلص من كل الكراكيب المادية والذهنية والبشرية والعقلية.. لكننى.. لا أستطيع أن أفعل ذلك مع الكتب.. وهى ليست مشكلتى وحدي.. وإنما مشكلة من يطلق عليهم أصحاب العقول المتفتحة.. فكيف يعالجون مشكلتهم؟.. الإجابة تستحق الانتظار.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الكاتب الصحفي عادل حمودة
إقرأ أيضاً:
انفجار محول كهرباء يحول مزغونه إلى جحيم ورئيس شركة الكهرباء يرفض صرف 100 متر كابلات
ثمنية اعوام مرت دون عمل اي صيانة تذكر لمحول الكهرباء الملاصق لمنزلى بقرية مزغونة بالبدرشين ، رغم مناشدتنا المستمره لرؤساء الشبكه بالبدرشين، والذين يتغيرون بمعدلات سريعه، وكلما سمع احدهم شكواى من ضرورة صيانة المحول او نقله بعيدا عن منزلى يضع العراقيل ويطالبنى بمقايسه ظالمه بعشرات الآلاف من الجنيهات ، وتوفير قطعة ارض بديله للقطعه التى استولت عليها الشركه دون استذان ، ووقتها لم تتخيل ان الخدمه العامه التى نقدمها للشركه ستتحول الى كابوس يبتلعنا دون رحمه.
منذ حوالى اسبوعين هرع الاهالى الى صوت كلب يعوى ويتلوى بطريقه غريبه، بجوار لوحة التوزيع التابعه للمحول والتى وضعتها الشركة ايضا على حائط منزلى ، واتضح الامر ان الكلب تعرض لماس كهربائي بسبب مياه مسكوبه بالقرب من نقطة شرطة مزغونه ، واجتمع الاهالى لتخليص الكلب من هذا المصير المؤلم عن طريق قطع من الأخشاب ، وقمنا بعمل نوبات حراسه انا واسرتى لتحذير اطفال المدارس الذين يلعبون حافيين الاقدام ولم يدم الامر كثيرا حتى فوجئت بانفجار ضخم في المحول الملاصق لمنزلى تبعته ادخنه وانفطع التيار وقام الاهالى معى بالقاء الاتربه والرمال حتى هدات ، بعد ساعات حضر الفنيون لفتح باب المحول فلم يفلحوا بسبب الأتربة المحيطه بالمحول الذى لم تجرى له صيانه طوال 8 سنوات ، وبعد استخدام الفؤس والعتلات الحديدية تم فتحه وتغيير المحول بالكامل فاحسسنا بالأهمية كمواطنين لنا حقوق لدى شركة كهرباء جنوب القاهرة تساوى الواجبات التى نتكبدها فى الفواتير الشهريه ، وتقدمنا بالشكر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لرئيس مجلس إدارة الشركه الذى احس بهول الازمه عندما رأى حالة المحول وملاصقته لمنزلى فوعدنى بنقل المحول الى قطعة ارض اخرى وبناء غرفه على نفقتى وستتحمل الشركه تكاليف مهمات النقل واكد لى تليفونيا تعاطفه مع حالة اسرتى التى لاتنام فشرحت له صعوبة تدبير قطعة ارض فى ظل غلاء الاراضى وارتفاع أسعار البناء ورغم ذلك تقدمت بطلب الى ادارة كهرباء البدرشين بهذا الشان يوم السبت الموافق 11/9 الماضي وفى مساء يوم الاثنين الموافق 11/11 كان موعدنا مع جحيم لم تره القريه من قبل ، بعد ان انفجر المحول الجديد الذين قاموا بتركيبه منذ ايام قليلة.
ولكن هذه المره لم تنطفىء النيران وينقطع الكهرباء كالعاده ، ولمحت نيران تنبعث من داخل دولاب الكشك الذى لم يتغير منذ 40 عاما ، فاجريت عدة اتصالات بالفنيين بالبدرشين لقطع الكهرباء عن كامل المنطقه وماهى الا لحظات ووجدنا السنة النيران ترتفع الى عدة امتار لتلتهم الشجرة الضخمه التى تزيد عن عمر المحول والتى تتشعب اغصانها الى بلكونة منزلى ، وهنا بدأ صراخ جميع افراد اسرتى وهرولنا جميعا الى حديقة المنزل ونسينا ابنتى النائمه داخل المنزل والتى خرجت بعد غابت عن الوعى من هول الصدمه ، ظلت معركتنا مع اخماد هذا الحريق حتى لايمتد الى المنزل او نقطة الشرطه ساعه ونصف بسبب تعثر سيارة المطافىء القادمه من البدرشين بسبب سوء حالة طريق مصر اسيوط الزراعى ولم نملك اى وسيلة لاطفاء السنة اللهب الا بالصعود لسطح المنزل وكسر خزان المياه وإلقائها فوق المحول واستغاث الشباب بمن يمتلك طفاية حريق بسيارته او منزله وتم تفريغ محتويات 10 طفايات دون جدوى والنيران بدات في التهام السقف الخشبي للغرفه الملاصقه للمحول وتصدى لها الشباب حتى لاتقترب من المنزل واستطاعوا اخمادها بالأتربة والرمال ، ولم يحسم هذا الامر إلا شهامة صاحب شونه لمواد البناء يمتلك لودر قام بتعبئته بالرمال ليخترق النيران ويسكب الرمال داخل فوهة المحول التى ذابت من السنة اللهب وتلقيت اتصال من رئيس مجلس ادارة شركة جنوب القاهره المهندس طارق عبدالشافي ليقدم لى الاعتذار ويعدنى بمحول جديد واقتراح اى مكان لنقل المحول اليه بعيدا عن الكتله السكنيه فهانت المصيبه علينا واحسسننا ان الشركة شعرت بمصابنا والكابوس المحيط بنا ، وجاءت سيارة المطافىء بعد اخمادد لتقوم بتبريد الأشجار وجدران المحول والمنزل فى وجود مايقرب من 500 شاب لم يتوقفوا لحظه على مدار ساعتين لاخماد النيران.
واقترح الاهالى مكانا مناسبا ملكا للدوله وملاصقا لمحول اخر بعيدا عن الكتله السكنيه حتى لا تتكرر الماساه، وفوجئنا برد الشركه الصادم باننا لن نتحمل تكاليف النقل ألا لمسافة 10 امتار والتى على اثرها يتم نقل المحول من جوار منزلى الى امامه وعلى بحجة ارتفاع نفقة نقل المحول مسافة مائة متر وعلى اسرتى ان تخضع لخيارين كلاهما مر فقمت بتحرير المحضر رقم 6172 ادارى البدرشين بتاربخ 11/12 وارفاقه بالمحضر 9 احوال الذى حرره معاون مباحث البدرشين عبدالرحمن كامل وتم سماع اقوالنا بالنيابة لانصافنا من تبريرات الشركه ، بان قطعة الارض التى يضعون فيها المحول اصبحت ملكا للشركه بوضع اليد ، وان وضع هذين الخيارين امامى نابعه من كرم اخلاقهم ، فى نفس الوقت الذى تناسوا فيها جريمة الترويع والخوف والهروب من المنازل وتغاضوا عن التحقيق في انفجار محول الكهرباء الذى لم يمر على تركيبه سوى ايام قليله ، ولم نسمع سوى ان السبب هو عيب صناعه من الفنيين ليفلتوا من العقاب ، كما انهم تناسوا مصير ثلاثة اسر تعيش بالمنزل وكادت النيران تفتك بهم لولا لطف الله عز وجل ووقوع الانفجار في الثامنه مساء وليس الواحده ليلا.
أطالب د. محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة التحقيق في هذا الانفجار ، ونقل هذا المحول خارج الكتله السكنيه ، وتذكير رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء جنوب القاهرة بأن حياة المواطنين وأمنهم اهم من مليارات الشركه التى تحصلها من جيوبنا كما أوجه الشكر لاهالى القريه الذين ضربوا اروع الامثله فى الشهامه والفداء بعد ان جنبوا المنطقه من حريق مروع.