هكذا يسعى نتانياهو إلى إنقاذ نفسه وانتخاب ترامب وهزيمة هاريس
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
لو أن الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس بحاجة إلى أي تذكرة بأن بنيامين نتانياهو ليس صديقا لهما، وليس صديقا لأمريكا، والأشد خزيا أنه ليس صديقا للرهائن الإسرائيليين في غزة، فيكفيهما «اغتيال» حماس لـ6 أنفس إسرائيلية بينما يماطل نتانياهو في المفاوضات، وذلك لأن له مصلحة واحدة هي نجاته السياسية القريبة، حتى لو تقوضت نجاة إسرائيل على المدى البعيد.
لا تستبعدي لوهلة يا سيدتي نائبة الرئيس أن هذا سوف يفضي به إلى القيام بأمور خلال الشهرين القادمين يمكن أن تلحق ضررا جسيما بفرصك الانتخابية وأن تقوي من فرص ترامب. فتحسبي لهذا.
في الوقت نفسه، أرجوك يا سيادة الرئيس، أرجوك أخبرني أن نتانياهو لم يخدعك ولم يتلاعب بك. لقد أجريتَ محادثات متكررة معه، وأتبعتها جميعا بنبوءاتك المتفائلة بقرب التوصل إلى وقف إطلاق للنار في غزة، وأتبعها هو جميعا بقوله أشياء أخرى لأتباعه.
لقد كان نتانياهو من الأسباب التي دعتني إلى صوغ قاعدة بشأن الكتابة الصحفية عن الشرق الأوسط هي أن المسؤولين في واشنطن يصْدقون سرا ويكذبون علنا، وأن المسؤولين في الشرق الأوسط يكذبون سرا ويصْدقون علنا. فإياكم والثقة فيما يقولونه، وبالذات نتانياهو، في السر. وأنصتوا فقط لما يقولونه علنا لشعوبهم وبلغاتهم.
في محادثاته الهاتفية، يهمس نتانياهو لقادة أمريكا باللغة الإنجليزية بأنه مهتم بوقف إطلاق النار وإبرام صفقة رهائن ويدرس المقدمات الضرورية لما أسميه (مبدأ بايدن). لكنه فور أن يضع سماعة الهاتف، يقول بالعبرية لقاعدته الجماهيرية أمورا تناقض صراحة مبدأ بايدن لأنها تهدد مبدأ بيبي.
فماذا يكون مبدأ بايدن، وماذا يكون مبدأ بيبي، ولماذا هما مهمان؟
لقد أقامت واشنطن مجموعة مثيرة للإعجاب من التحالفات الإقليمية مع شركاء يمتدون من اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى الهند والخليج العربي صعودا إلى الناتو في أوروبا. وهي تحالفات أمنية واقتصادية هدفها مناهضة روسيا في أوروبا واحتواء الصين في المحيط الهادئ وعزل إيران في الشرق الأوسط.
ومن المؤسف أن حجر الزاوية في هذه التحالفات ـ يربط آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا ـ كان يتمثل في تحالف دفاعي مقترح مع المملكة العربية السعودية. كان مفتاح إجازة الكونجرس لهذه الصفقة هو موافقة المملكة العربية السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وكان مفتاح حمل السعوديين على القيام بذلك هو موافقة نتانياهو على مناقشة ـ محض مناقشة ـ إمكانية حل الدولتين مع الفلسطينيين يوما ما.
ومنذ أن بدأت حرب غزة في أكتوبر الماضي، حاول فريق بايدن في حكمة أن يدمج مبدأ بايدن مع وقف إطلاق النار في غزة وصفقة الرهائن، من خلال تأكيد المزايا المهمة لكل من إسرائيل وأمريكا: فقد يؤدي ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن ومنح الجيش الإسرائيلي العامل والاحتياطي المنهكين راحة هم في أمسّ الحاجة إليها، وذلك لأن من شأن وقف إطلاق النار في غزة أن يؤدي بصورة شبه مؤكدة إلى إرغام حزب الله على وقف القصف من لبنان أيضا. وفي حالة موافقة إسرائيل بعد ذلك على بدء محادثات مع السلطة الفلسطينية حول حل الدولتين، فسوف تمهد طريق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ـ وهذا مغنم استراتيجي هائل لإسرائيل ـ وتخلق ظروفا مهيأة لأن ترسل الإمارات العربية المتحدة والمغرب ومصر قوات حفظ سلام إلى غزة بالمشاركة مع سلطة فلسطينية محدّثة، فلا تحتاج إسرائيل إلى احتلال دائم هناك وتحل محل حماس حكومة فلسطينية معتدلة شرعية، وهذا كابوس بالنسبة لحماس.
كان بايدن يقول لنتانياهو إن بوسع إسرائيل في خطوة واحدة أن تجد شركاء عربا دائمين في طريق مضمون للخروج من غزة وأن تجد حلفاء عربا في تحالف إقليمي تحتاج إليه لمناهضة تحالف إيران الإقليمي المؤلف من حماس وحزب الله والحوثيين والميلشيات العراقية. فرأي بايدن هو أنه يجب النظر إلى أمن إسرائيل اليوم في سياق أكبر كثيرا من محض هوية من يجري الدوريات الأمنية على حدود غزة.
لكن مبدأ بايدن تصادم مباشرة مع مبدأ بيبي الذي يتركز على القيام بكل ما في الإمكان لاجتناب أي عملية سياسية مع الفلسطينيين قد تستوجب تنازلات في أرض الضفة الغربية فيحطم ذلك تحالف نتانياهو السياسي مع اليمين المتطرف في إسرائيل.
وصولا إلى هذه الغاية، ظل بيبي حريصا لسنين على أن يبقى الفلسطينيون منقسمين عاجزين عن الاصطفاف في موقف موحد. وحرص على أن تبقى حماس كيانَ حكمٍ قادرا في غزة من خلال أمور كثيرة منها الترتيب لإرسال قطر ما تتجاوز قيمته مليار دولار من المساعدات الإنسانية والوقود والرواتب الحكومية إلى حماس في الفترة من 2012 إلى 2018. وفي الوقت نفسه، فعل نتانياهو كل ما في وسعه لينتزع قدرات السلطة الفلسطينية ويهينها هي ورئيسها محمود عباس الذي اعترف بإسرائيل وتبنى عملية أوسلو للسلام وشارك أجهزة الأمن الإسرائيلية في محاولة الحفاظ على السلام في الضفة الغربية على مدى قرابة ثلاثة عقود.
وازداد مبدأ نجاة نتانياهو أهمية بعد أن وجِّهت إليه في عام 2019 اتهامات الاحتيال والرشوة وخيانة الثقة. ولا بد من بقائه الآن في السلطة ليبقى خارج السجن في حال إدانته. (ويا قيادات أمريكا، ألا يذكركم هذا بشيء مألوف؟)
ولذلك عندما فاز نتانياهو وأعيد انتخابه بهامش شديد الضآلة في 2022، كان مستعدا لمرافقة أسوأ السيئين في عالم السياسة الإسرائيلية لتشكيل ائتلاف حاكم من شأنه أن يبقيه في السلطة. وإنني أتكلم هنا عن جماعة من المتطرفين اليهود المتشددين وصفهم رئيس سابق للموساد بأنهم «عنصريون بغضاء» هم أسوأ كثيرا حتى من عصابات كوكلوكس.
وافق أولئك العنصريون على السماح بأن يكون نتانياهو رئيسا للوزراء طالما حافظ على سيطرة عسكرية إسرائيلية دائمة في الضفة الغربية، ثم في غزة أيضا بعد السابع من أكتوبر. وقالوا لبيبي فعليا إنه لو وافق على صفقة بايدن بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية ـ أو وافق على وقف فوري لإطلاق النار في مقابل رجوع الرهائن الإسرائيليين وإطلاق سراح سجناء فلسطينيين من السجون الإسرائيلية ـ فإنهم سوف يهدمون حكومته. لأن من شأن هذه الأمور أن تكون مقدمات لتنفيذ مبدأ بايدن والتنازل المحتمل ذات يوم عن أراضٍ في الضفة الغربية.
فهم نتانياهو الرسالة. وأعلن أنه سوف ينهي حرب غزة بعد أن تحقق إسرائيل «النصر الكامل»، لكنه لم يحدد بدقة ما يعنيه ذلك ومن سيحكم غزة في غداته. ومن خلال تحديد مثل هذا الهدف مستحيل المنال في غزة ـ فالجيش الإسرائيلي يحتل الضفة الغربية منذ سبعة وخمسين عاما دون أن يحقق «نصرا كاملا» على ميلشيات حماس هناك مثلما يتبين من المصادمات اليومية ـ يكون بيبي قد رتب الأمور بحيث لا يستطيع غيره أن يقرر متى تكون نهاية الحرب في غزة.
ولن يحدث هذا إلا في الموعد الملائم لاحتياجاته هو من أجل النجاة السياسية. ومؤكد أن ذلك لن يكون اليوم.
يوم الاثنين، أعلن نتانياهو أنه مستعد للتضحية بأي وقف لإطلاق النار مع حماس ورجوع للرهائن لو أن هذا يعني استسلام إسرائيل لطلب حماس بإجلاء إسرائيل عن مواقعها العسكرية في ممر فيلادلفيا البالغ طوله 8.7 ميل بطول الحدود بين غزة ومصر، وهو الممر الذي طالما استعملته حماس لتهريب الأسلحة، ولم ير الجيش الإسرائيلي برغم ذلك أنه مهم بالقدر الكافي ليبرر احتلاله طوال الأشهر السبعة الأولى من عمر الحرب.
دأب الجنرالات الإسرائيليون على إخبار نتانياهو بأن هناك الكثير من الوسائل الفعالة البديلة للسيطرة على الممر الآن وأن دعم القوات الإسرائيلية البعيدة هناك سوف يكون صعبا وخطرا. وإن بوسعهم إعادة السيطرة عليه في أي وقت يلزم فيه ذلك. كما أن البقاء هناك يتسبب فعلا في مشكلات ضخمة مع المصريين أيضا.
ولا فائدة، فقد أعلن نتانياهو على الملأ يوم الاثنين أن الممر «مركزي، وهو الذي يحدد مستقبلنا كله».
وذلك كله زيف. ومثلما أوضح مراسل هآرتس العسكري عاموس هاريل فإن ما يجري بحق هو أن حلفاء بيبي في اليمين المتطرف يحلمون بإعادة استيطان غزة، بينما يقوم «نتانياهو في المقام الأساسي، وتحت غطاء المصالح الأمنية، بحماية وضعه السياسي. فهو يقاتل من أجل سلامة ائتلافه الحاكم، الذي قد يتصدع في حال الموافقة على اتفاق».
ولذلك تردد أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت ـ وهو الشحص الوحيد في مجلس وزراء نتانياهو الذي يتسم بالأمانة والشجاعة ـ قد قال لرئيس الوزراء ومتملقيه اليمينيين إن تصويتهم يوم الخميس «لإعلاء أولوية ممر فيلادلفيا على أرواح الرهائن إنما هو عار أخلاقي».
والآن نرجع إلى الانتخابات الأمريكية.
يعلم نتانياهو بوضوح أنه يضع هاريس في مأزق. ففي حاله استمراره في حرب غزة إلى حين «النصر الكامل»، مع مزيد من الضحايا من المدنيين، سوف يرغم هاريس إما على انتقاده علنا وخسارة أصوات اليهود أو إمساك لسانها وخسارة أصوات الأمريكيين العرب والمسلمين في ولاية ميشيجن المحورية. وبما أن المرجح أنه سوف يصعب على هاريس أن تقوم بأي من الأمرين، فإنها سوف تبدو ضعيفة في نظر كل من الأمريكيين اليهود والعرب.
بناء على عملي الصحفي وجميع سنوات متابعتي لنتانياهو، لن يدهشني قيامه بالتصعيد الفعلي في غزة في ما بين الآن ويوم التصويت ليزيد من صعوبة الوضع على الديمقراطيين المرشحين للمنصب. (وزعيم حماس يحيى السنوار يرغب أيضا في أن تستمر الحرب لأنها تمزق إسرائيل وتعزل أمريكا في المنطقة).
قد يفعل نتانياهو هذا لأنه في ما أعتقد يريد أن يفوز ترامب ويريد أن يقدر على أن يقول لترامب إنه ساعده في الفوز. ونتانياهو يعلم أن كثيرا من الجيل الصاعد من الديمقراطيين معادون لإسرائيل، أو على الأقل لإسرائيل التي ينشئها.
ثم إنني لن أندهش في حال فوز ترامب إذا ما أعلن بيبي أن «النصر الكامل» قد تحقق في غزة، ويوافق على وقف ما لإطلاق النار ليستعيد الرهائن الباقين على قيد الحياة، مع بضع كلمات عن دولة فلسطينية في المدى البعيد، والمستقبل النائي، للحصول على صفقة تطبيع سعودية إسرائيلية ويطلب من شركائه اليمنيين المتطرفين المجانين أن يرحلوا بينما يدير هو إعادة انتخابه بمعزل عنهم. وستكون حملته المرجحة قائمة على قوله إنني حققت النصر الكامل في غزة، وفي وجود ترامب، صغت بداية تاريخية بين السعودية وإسرائيل.
يفوز نتانياهو. يفوز ترامب. تخسر إسرائيل. تظل غزة مضطرمة بالطبع. إذ تظل القوات الإسرائيلية محتلة لها. ويزداد نبذ دولة إسرائيل أكثر من ذي قبل، مع رحيل المزيد والمزيد من الإسرائيليين الموهوبين للعمل بالخارج، ولكن بيبي يحظى بولاية أخرى، وهذا هو المهم.
(في حال فوز هاريس، يعلم بيبي أنه سوف يحتاج فقط إلى طرقعة أصابعه فتسارع جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في واشنطن ـ أي الإيباك ـ والجمهوريون في الكونجرس إلى حمايته من أي رد فعل سلبي).
ثم إنني أتوقع تماما، في يوم ما قادم، أن يكرِّم نتانياهو «الرئيس جو بايدن فهو الصديق العزيز على مدى سنوات»، بمستوطنة جديدة تقام في غزة وتسمى بالعبرية «جيفات يوسف» وبالإنجليزية «Joe’s Hill» [أي تلَّ جو].
توماس فريدمان كاتب مقال في الشأن الخارجي في نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إطلاق النار فی الضفة الغربیة النصر الکامل لإطلاق النار مبدأ بایدن وقف إطلاق فی غزة فی حال
إقرأ أيضاً:
نتانياهو: إسرائيل تراقب التطورات في سوريا
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، اليوم الأحد، إن إسرائيل تراقب التطورات في سوريا عن كثب.
وأضاف: "نراقب الأحداث في سوريا باستمرار. نحن مصممون على الدفاع عن مصالح إسرائيل الحيوية، والحفاظ على إنجازات الحرب"، وذلك خلال زيارته لمجندين جدد في الجيش في قاعدة بوسط إسرائيل.وتوغل مقاتلون من المعارضة في مدينة حلب السورية شرقي محافظة إدلب، مساء يوم الجمعة، ما أجبر الجيش على إعادة الانتشار.
لأول مرة منذ 2011..حلب تخرج بالكامل عن سيطرة الحكومة في سوريا - موقع 24خرجت حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، بالكامل عن سيطرة الحكومة السورية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع، بعد سيطرة الجماعات المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها على كل الأحياء التي كانت تنتشر فيها قوات النظام. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن حصيلة الهجوم الخاطف، الذي شنته فصائل معارضة الأربعاء في شمال سوريا، ارتفعت إلى 412 قتيلاً على الأقل، بينهم 61 مدنياً.
وأوضح المرصد أن الهجوم أسفر عن 214 قتيلا في صفوف الفصائل، و137 قتيلا في صفوف قوات الجيش السوري، و61 قتيلاً مدنياً، بينهم 17 سقطوا الأحد.