جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-29@23:55:35 GMT

التواصل المؤسسي وحفظ الهُوية الوطنية

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

التواصل المؤسسي وحفظ الهُوية الوطنية

 

سلطان بن محمد القاسمي

مع تسارع وتيرة التغيرات في العالم، أصبح الحفاظ على الهوية الوطنية مُهمة تتطلب استراتيجيات مدروسة ومستدامة؛ فالعولمة والتكنولوجيا تؤثران بشكل مباشر على القيم والثقافات المحلية؛ مما يزيد من أهمية التواصل المؤسسي في هذا المجال.

ومن هُنا، يبرز دور التواصل المؤسسي كوسيلة فعَّالة لحماية الهوية الوطنية وتعزيزها.

فهو لا يقتصر على الحفاظ على التراث الثقافي الذي يمثل جوهر المجتمع، بل يعمل أيضًا على ترسيخ هذه القيم في نفوس الأفراد.

إلى جانب ذلك، فإنه يسهم في تقوية الروابط بين الأفراد والدولة. ومن خلال الرسائل والإجراءات المؤسسية، يتم تحفيز الأفراد على الالتزام بقيمهم الوطنية، مما يعزز الشعور بالانتماء ويواجه التحديات التي تفرضها التحولات العالمية.

بدايةً، يُعرَّف التواصل المؤسسي بأنه مجموعة من الأنشطة والأساليب التي تستخدمها المؤسسات للتواصل مع جمهورها الداخلي والخارجي، بهدف بناء علاقات قوية وتعزيز صورة المؤسسة وقيمها. هذا التواصل لا يقتصر فقط على نقل المعلومات، بل يتضمن أيضًا نقل القيم والمبادئ التي تؤمن بها المؤسسة، بما في ذلك القيم الوطنية. أما الهوية الوطنية فهي تعبير شامل عن الانتماء المشترك للمواطنين تجاه وطنهم، وتتضمن مجموعة من القيم والمعتقدات والتقاليد والرموز التي تشكل أساس وجود المجتمع وتماسكه.

ولأن التواصل المؤسسي يؤدي دورًا أساسيًا في تشكيل الصورة الذهنية للمجتمع، فإنَّ المؤسسات التي تتبنى الحفاظ على الهوية الوطنية كجزء من رسالتها تساهم بشكل فعَّال في ترسيخ هذه الهوية وتعزيز الانتماء الوطني. من خلال قنواتها المختلفة، يمكن للمؤسسات أن تغرس القيم الوطنية في نفوس الأفراد عن طريق تسليط الضوء على الشخصيات التاريخية والرموز الثقافية، مما يساهم في الحفاظ على هذه الرموز حيَّة في الذاكرة الجماعية. علاوة على ذلك، تستطيع هذه المؤسسات تعزيز التكاتف المجتمعي والوحدة الوطنية، خاصة في أوقات الأزمات والتحديات.

إضافة إلى ذلك، يُعد الحفاظ على التراث الثقافي من المهام الأساسية التي يجب أن تضطلع بها المؤسسات؛ حيث إنَّ هذا التراث لا يُمثل الماضي فقط، بل يشكل الأساس الذي تقوم عليه الهوية الوطنية. هنا، يؤدي التواصل المؤسسي دورًا محوريًا في نقل هذا التراث للأجيال القادمة بطريقة تتناسب مع متطلبات العصر. لذلك، يُمكن للمؤسسات الثقافية والتعليمية توثيق هذا التراث ونشره عبر برامج تعليمية وورش عمل تُعرّف الأجيال الشابة بموروثهم الثقافي. وفي هذا الإطار، تستطيع المؤسسات الإعلامية أن تكون رائدة في إبراز جوانب التراث الثقافي المختلفة من خلال إنتاج محتوى جذاب يسلط الضوء على القصص الثقافية والتاريخية، مما يسهم في توعية المجتمع بأهمية هذا التراث وضرورة الحفاظ عليه.

علاوة على ذلك، يُحمّل العصر الرقمي المؤسسات مسؤولية كبيرة في كيفية التواصل مع الجمهور عبر الوسائل الحديثة. أصبح من الضروري على المؤسسات أن تتكيف مع الوسائل الحديثة للتواصل وأن تستفيد منها في تعزيز الهوية الوطنية. إن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم ما تتيحه من فرص للوصول إلى جمهور واسع، إلا أنها قد تشكل تحديًا في الحفاظ على الهوية بسبب الانفتاح الكبير على ثقافات وأفكار متعددة. ولكن المؤسسات يمكنها استخدام هذه الوسائل بفعالية لتعزيز الهوية الوطنية من خلال نشر محتوى يُبرز القيم الوطنية ويروج للتراث الثقافي بطرق مبتكرة وتفاعلية. بالتالي، يمكن للمؤسسات تنظيم حملات رقمية تهدف إلى إشراك الجمهور في الحفاظ على هذا التراث عبر مسابقات أو فعاليات تفاعلية، مما يزيد من ارتباط الأفراد بهويتهم الثقافية والوطنية.

وإضافة إلى ذلك، يجب ألّا نغفل أهمية التواصل الداخلي في المؤسسات، فهو لا يقل أهمية عن التواصل مع الجمهور الخارجي؛ فعندما تتبنى المؤسسات سياسات تواصل داخلي تركز على الهوية الوطنية، فإنها تعزز هذه القيم لدى موظفيها، مما ينعكس إيجابًا على التزامهم وأدائهم. من خلال برامج تدريبية وورش عمل داخلية، تستطيع المؤسسات غرس قيم التراث الثقافي والهوية الوطنية في بيئة العمل، مما يخلق مجتمعًا وظيفيًا يلتزم بهذه القيم ويعمل على نشرها. وعلى سبيل المثال، يمكن للمؤسسات الاحتفاء بالمناسبات الوطنية من خلال فعاليات داخلية تعزز الانتماء الوطني بين الموظفين، مما ينعكس بدوره على تفاعلهم مع المجتمع الخارجي.

ورغم كل هذه الأدوار المُهمة التي يمارسها التواصل المؤسسي، تبقى هناك تحديات كبيرة يجب مواجهتها. من أبرز هذه التحديات هو كيفية تحقيق التوازن بين الانفتاح على العالم الخارجي والحفاظ على الخصوصية الثقافية والوطنية. فالعولمة والانفتاح على الثقافات الأخرى أمر لا مفر منه، لكن يجب أن يتم ذلك بطريقة تحفظ الهوية الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب على المؤسسات الوصول إلى جميع فئات المجتمع، خاصة الشباب الذين قد يكونون أكثر تأثرًا بالثقافات الأجنبية. لذلك، ينبغي على المؤسسات تطوير استراتيجيات تواصل متجددة وديناميكية تستجيب لاحتياجات مختلف الفئات، وتعمل على ترسيخ الهوية الوطنية في وجدانهم.

إنَّ التواصل المؤسسي يظل ركيزة أساسية في الحفاظ على الهوية الوطنية والتراث الثقافي. وبالتالي، المؤسسات التي تدرك أهمية هذا الدور وتعمل بجدية على تعزيز القيم الوطنية في رسائلها وسياساتها، تسهم بشكل كبير في بناء مجتمع متماسك يحترم تراثه الثقافي ويعتز بهويته الوطنية. ولا يمكن تحقيق ذلك إلّا من خلال تبني استراتيجيات تواصل فعالة تهدف إلى إشراك كافة أفراد المجتمع في هذه المهمة النبيلة، ليظل الوطن متمسكًا بجذوره وقيمه مهما تغيرت الظروف.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

خبراء ومسؤولون يناقشون تعزيز الهوية الوطنية خلال ملتقى «مفكرو الإمارات»

ناقش الخبراء والمسؤولون في النسخة الثانية من ملتقى «مفكرو الإمارات» الذي عقد أمس، أهمية تعزيز الهوية الوطنية الإماراتية وسبل التعامل مع التحديات المستقبلية.
وتناول المشاركون دور الشباب في تحقيق رؤية الإمارات 2071، مؤكدين ضرورة دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مجالات التنمية المستدامة.
وشددوا على أهمية التعليم المستمر وتطوير المهارات لتلبية احتياجات سوق العمل مع الدعوة إلى تكاتف الجهود الوطنية لتحقيق أهداف مئوية الإمارات.
وأكد سهيل بن محمد المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية، خلال مشاركته في الجلسة الأولى بعنوان «إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031”، أن دولة الإمارات أصبحت وجهة رئيسية للشركات العالمية في مجال الطاقة المتجددة.
ولفت إلى أن الدولة تسعى إلى الاستثمار في مراكز بيانات ضخمة لدعم تطوير حلول نقل مستدامة، مشيرا إلى أن وزارة الطاقة والبنية التحتية تركز على تقليل استهلاك الطاقة المفرط وخفض الانبعاثات الكربونية باستخدام سيارات كهربائية، بهدف بناء مدن المستقبل النظيفة والمستدامة.
وأوضح أن الوزارة تستهدف أن تكون 50% من وسائل التنقل بحلول عام 2050 عديمة الانبعاثات.
وفي جلسة بعنوان»الهوية الإماراتية.. التوازن الوطني والعالمي«، أدارها الدكتور سلطان محمد النعيمي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، شدد الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس لجنة شؤون الدفاع والخارجية والداخلية في المجلس الوطني الاتحادي، على ضرورة تعزيز القيم المشتركة التي توحد المجتمعات، مثل العدالة والدين والتراث، مؤكداً أنها الأساس في بناء مجتمع متماسك.
وأوضح أن بعض التحديات التي تواجه المجتمعات قد تكون نتيجة لأجندات خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار.. وقال «إن هناك حاجة إلى تعزيز دور القدوات الوطنية في تشكيل الهوية الإماراتية».
وفي الجلسة نفسها، أكد معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، أن الهوية الوطنية الإماراتية هي بصمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، مشيراً إلى ضرورة تركيز المناهج الدراسية على الهوية الوطنية، والثقافة المحلية، وتاريخ الدولة، لتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الشباب، مما يعزز المساهمة في رفعة الوطن.
وأضاف أن الخدمة الوطنية أسهمت في إعداد جيل يتحلى بالمسؤولية تجاه وطنه، وقادر على مواجهة التحديات بروح وطنية صادقة.
وفي جلسة «الشباب.. التعليم المستمر وسوق العمل»، أدارها الدكتور سلطان محمد النعيمي، أكد عبد الرحمن العور، وزير الموارد البشرية والتوطين ووزير التعليم العالي والبحث العلمي بالإنابة، أن المسؤولية الأساسية للتعلم المستمر تقع على عاتق الفرد نفسه، وهو أمر يجب ترسيخه منذ المراحل المبكرة عبر جهود الأسرة والمدرسة.
وأوضح أن مؤسسات التعليم العالي يجب أن تتبنى نهجاً مرناً لمواكبة التغيرات، مشيرا إلى أن سوق العمل في دولة الإمارات شهد نمواً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بفضل السياسات الحكومية الداعمة لبيئة الأعمال.
كما تحدث الدكتور سلطان النيادي، وزير الدولة لشؤون الشباب، في الجلسة نفسها عن أهمية امتلاك الشباب ثلاث صفات رئيسية: المهارات الرقمية، والقدرات التحليلية والتفكير النقدي، بالإضافة إلى المهارات الاجتماعية مثل الذكاء العاطفي.
وأكد أن من أبرز التحديات التي تواجه الخريجين الجدد هي توافر الخبرة، مشيراً إلى ضرورة أن تركز جهات التوظيف على المهارات الشخصية بدلاً من عدد سنوات الخبرة.
وفي جلسة «شيخوخة المجتمع.. أين نحن الآن؟»، تحدث الدكتور مغير خميس الخييلي، رئيس دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، عن اهتمام صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بقضايا المجتمع. مشيراً إلى مشكلة انخفاض معدل الخصوبة التي تؤدي إلى شيخوخة المجتمع.
وأضاف أن دولة الإمارات طبقت الكثير من المبادرات لمواجهة هذه الظاهرة، مثل «نافس»، «مديم»، و«عُونية العرس»، التي تهدف إلى تشجيع الشباب على الزواج.
وأكد الدكتور سلطان محمد النعيمي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أن الحظ حالف الملتقى بأن يتزامن مع تغريدة لصاحب السموّ رئيس الدولة، بإعلانه عام 2025 «عام المجتمع».
وأشار إلى أن الملتقى يهدف إلى الخروج بأفكار وطنية خلاقة تسهم في إحداث أثر حقيقي في مجتمع الإمارات، وأضاف أنه يسعى إلى الإضاءة على الفكر الإماراتي عالمياً، وإبراز جهود الدولة في دعم الكفاءات الوطنية، ما يرسخ موقعها كمنارة فكرية إقليمية ودولية.
كما أكد أهمية دور الشباب في تحقيق رؤية الإمارات المستقبلية بإشراكهم في حوارات استراتيجية تساهم في صياغة حلول مبتكرة.

مقالات مشابهة

  • خبراء ومسؤولون يناقشون تعزيز الهوية الوطنية خلال ملتقى «مفكرو الإمارات»
  • ميرا الكعبي: «عام المجتمع» مبادرة استراتيجية ترسّخ القيم الوطنية
  • «سند السنع» تعزّز الهوية وتبرز القيم المجتمعية
  • بعد قليل.. الحكم على الفنانة منى فاروق بتهمة التعدي على القيم الأسرية
  • الوطنية للصحافة توافق على زيادة رأس مال مؤسسة أخبار اليوم
  • حزب المصريين: الرئيس السيسي يدرك دور المؤسسات الدستورية الأفريقية في الحفاظ على سيادة دولها
  • حفاظًا على الهوية.. السعودية تحدد قائمة بأسماء محظورة للأطفال
  • «ملتقى متحف زايد الوطني» يناقش دور المتحف في الحفاظ على التراث البحري
  • نواب يدينون تصريحات ترامب عن تهجير الفلسطينيين: تستهدف طمس الهوية الوطنية
  • تجديد بطاقة الهوية الوطنية إلكترونيًا عبر أبشر