الأمن الفكري لمواجهة الإلحاد والشذوذ والنسوية
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
علي بن سالم كفيتان
تشرفتُ بصفتي عضو بالجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، بدعوة كريمة من مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، لحضور محاضرة للدكتور سيف الهادي بعنوان "الأمن الفكري"، والتي أٌقيمت في مجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بصلالة، ولا أُخفيكم أنَّ العنوان شدّني كثيرًا؛ مما دفعني للحرص على الحضور.
حضرتُ رغم أنني مُقصر في كثير من الدعوات للندوات والملتقيات وورش العمل التي تهطل علينا كرذاذ الخريف في كل موسم ليقيني أنَّ معظمها يأتي تحت مظلة سياحة المؤتمرات؛ إذ بعد الجلسة الافتتاحية ومغادرة راعي المناسبة تبقى مجموعة متناثرة من مُنظِّمي المناسبة يُحدِّثون أنفسهم بما يعلمون ويرفعون توصيات لأنفسهم، وفي الغالب هي نسخة طبق الأصل من توصيات الأعوام الماضية التي لا يُنفَّذ منها شيء. لكن مثل هذه المحاضرة النوعية مختلفة باختلاف الجهة المنظمة وحرصها على مشاركة جهات ذات علاقة، وكذلك اختيار موضوع مُهم يلامس التحديات التي نواجهها في بلادنا كجزء من العالم تُؤثر فيه وتتأثر به. ولا شك أنَّ اختيار المحاضر كان مُوفّقًا؛ فالدكتور سيف الهادي رجل له أطروحاته الواقعية وحضوره اللافت على الساحة العُمانية؛ لذلك مرت 3 ساعات من الحديث والنقاش وكأنها بضع دقائق، لسلاسة الحديث وبراعة المحاضر وخصوبة الموضوع الذي تناول مفاهيم عميقة للحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي من الاجتياح الفكري المُنحرِف الذي يقوده الغرب ويروِّج له ويحميه بقوة الهيمنة العسكرية والأمنية ويُطبِّل له البُلهاء من أمتنا.
كانت توطئة الدكتور سيف رشيقة وناعمة لموضوع عميق وشائك، تحدث من خلالها عن أهمية تحصين المجتمع العُماني من الأفكار المُنحرفة التي تستهدف الدول الآمنة والمُستقرة، والتي نحمد الله أن بلادنا منها، وكم لامس حديث المحاضر وجدان الحضور عندما ذكر أنَّ هناك ما يربو على 4 وفود من عُمان ذهبت إلى النبي صلى الله وعليه وسلم ومنها وفد من ظفار وجميعها كانت تطلب من الرسول الكريم الدعاء لعُمان ولأهلها؛ مما يُدلِّل على أنَّ لهذا البلد وجودًا سياسيًا عريقًا؛ حيث خاطبه سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام ونصب مُلوكه على ترابه ودعا لأهله بدعوات عظيمة وامتدحهم وخصّهم عن غيرهم من الخلق، حين قال عليه أفضل الصلاة والسلام: "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك". إنَّنا أُمّة عظيمة وبلدة طيبة، وَجَبَ علينا حمايتها وصيانتها من الأفكار الخبيثة الضالة التي تُروِّج للخراب والدمار من خلال الصراعات المذهبية والمناطقية والإلحاد والشذوذ (المثلية الجنسية) والنسويّة، وغيرها من الأفكار الدخيلة على مجتمعنا التي تناولتها المحاضرة وأوصلتها للحضور بكل شفافية.
من الواضح أنَّ البضاعة التي يُروِّج لها الغرب لزعزعة الأمن الفكري للشعوب الإسلامية وفرض الأفعال المشينة والشاذة بالقوة، باتت صناعة جديدة يجب التحوط لها جيدًا، من خلال تقوية البناء الداخلي للمجتمع، وإصلاح التعليم، وإرساء القيم الدينية السمحة عبر منظومة المسجد، التي أشار لها المحاضر بإسهاب، وعرَّج على مثالٍ لإحدى الدول الإسلامية في شرق آسيا التي جعلت من المسجد منظومة متكاملة؛ فهو مكان للعبادة وفيه قاعات للتدريس الديني وحفظ القرآن الكريم والتثقيف الفكري، كما يحتوي المسجد على مرافق مُسانِدة كسكنٍ لطلبة العلوم الشرعية، وتتوافر به المكتبات ومساحات للعب الأطفال أثناء وجود آبائهم في هذا الصرح الديني الثقافي الشامل.
تمنيتُ أن تكون مثل هذه الأفكار الجميلة حاضرةً عند وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وأن تُعمَّم في كل ولاية؛ بدايةً من جامع واحد ليكون كمنارة دينية وفكرية ومشعل حضاري فيها يُعبِّر عن عودتنا إلى قيمنا ومبادئنا العظيمة، فبكاؤنا في الندوات والملتقيات لن يُجدي نفعًا إذا لم نعمل على أرض الواقع.
كما تمنيتُ أن نُعظِّم من إقامة مثل هذه المحاضرات في الجامعات والمدارس كنوعٍ من التوازن في مُقابل المعروض الهزيل من الأفكار المُغايِرة التي يُغذّى بها مجتمعنا بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فالسطحية النفعية باتتْ هي المُسيطرة اليوم مهما كانت التبعات الثقافية أو الدينية أو الفكرية، والكسب المادي أصبح هو الأولوية القصوى للجميع، بغض النظر عن مصدره؛ حيث أصبح الانسان في مجتمعاتنا ماديًا بحتًا، يُقيِّم نفسه ويُقيِّم غيره بما يكسب من مال فقط، وبات التعليم والقيم والدين في ذيل قائمة الأولويات. وهذا ما ترمي له المنظمات الدولية من خلال تدخُّلها في مناهج التعليم للدول وتحييد الدين والتقليل من أهمية القيم الإنسانية السوية.
كانت مداخلتي مع المُحاضِر حول أهمية إنشاء مركز دراسات للأمن الفكري في عُمان، في ظل هذه المُتغيِّرات الخطيرة؛ فوحدها مراكز الفكر هي التي تستطيع جسَّ نبض المجتمعات ودراسة التغيرات السلوكية فيها وتقديم الحلول الناجعة لولي الأمر.
حفظ الله بلادي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مركز المستقبل يصدر كتاب “تنظيم الإخوان المسلمين والعنف “الأفكار.. الانتشار.. الأنماط.. الممارسات”
أبوظبي الوطن:
أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، كتاباً جديداً، تحت عنوان “تنظيم الإخوان المسلمين والعنف: الأفكار.. الانتشار.. الأنماط.. الممارسات”، حيث يُفنِّد الكتاب الأبعاد المختلفة لارتباط الإخوان المسلمين بالتطرف والعنف والإرهاب، من خلال دراسة وتتبُع العديد من أفرع وتنظيمات الإخوان في الدول والمناطق المختلفة، منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر؛ ليؤكد على أن ممارسات العنف قديمة ومتأصلة لدى غالبية التنظيمات الإخوانية أو تلك التي تتبنى فكر ومنهج الإخوان، وعلى أن تنظيم الإخوان لم يكن أبداً معتدلاً منذ نشأته في مصر في سنة 1928، بل هو تنظيم شديد التطرُف، يُحرِّض على العنف، ويستخدمه بشكل مباشر وغير مباشر، وصولاً إلى تشكيل مجموعات وخلايا إرهابية، كما حدث في أعقاب سقوط المشروع الإخواني في المنطقة العربية في السنوات القليلة الماضية.
يُحلِّل الكتاب، في ستة فصول و415 صفحة، هذا الارتباط الإخواني بالعنف والتطرُف، من خلال التأصيل الفكري والسياق التاريخي للعنف عند التنظيم منذ التأسيس، وكيف تشكلَّت منذ هذا الوقت منظومات فكرية إخوانية، قادت لأن تُمارِسَ تنظيمات الإخوان أنماط العنف المتعددة بصورة دائمة، ولكن مع اختلاف الأساليب وفقاً لكل حالة؛ سواءً كان عنفاً فكرياً، أم عنفاً مجتمعياً، أم عنفاً سياسياً، وصولاً إلى تشكيل جماعات مُسلَّحة في بعض الدول، وإنشاء روابط مع التنظيمات الإرهابية الإقليمية والعالمية، مثل القاعدة وغيرها، أو ممارسة العنف بالوكالة، اعتماداً على دعم تنظيمات وميليشيات مختلفة.
يبدأ الكتاب بفصل تحت عنوان”التأسيس التاريخي والتأصيل الفكري للعنف عند الإخوان المسلمين”، والذي أعده عبد الجليل الشرنوبي، الباحث المتخصص في شؤون تنظيمات الإرهاب والتطرف، حيث يُشرِّح جذور العنف الإخواني من خلال دراسة أفكار المؤسِّس حسن البنا؛ ثم يتناول الأستاذ الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ومدير مكتبة الإسكندرية والخبير المتخصص في علم الاجتماع السياسي وعلم الاجتماع الديني، في الفصل الثاني، تحت عنوان: “آليات صناعة العنف عند جماعة الإخوان.. دراسة خاصة للحالة المصرية”، أشكال صناعة العنف، ووظائفه السياسية، والآليات المُستخدَمة فيه، من جانب تنظيم الإخوان في مصر، لأنها دولة المنشأ من جانب، ولأن كافة أنماط العنف المذكورة في هذا الفصل قد طبقَتْها غالبية أفرع التنظيم في دول أخرى عديدة من جانب آخر.
ويأتي الفصل الثالث تحت عنوان:”الممارسات العنيفة للإخوان المسلمين في دول المنطقة العربية”، وكتبه بالمشاركة خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والدكتورة “دلال محمود” أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة؛ حيث يتناول جذور العنف تاريخياً لدى تنظيمات الإخوان في الدول العربية، وماهية أنماط العنف المُستخدَمَة من قِبَلِها، ومدى الاعتماد عليها في فرض وجودهم السياسي، فضلاً عن حدود الارتباط بين استخدام الإخوان العنف المباشر وغير المباشر في السياقات العربية منذ التأسيس وحتى مرحلة ما بعد الثورات العربية في سنة 2011.
ولأن الحديث عن عنف الإخوان لا يدور بالطبع في المنطقة العربية فقط، يُناقِش الكتاب في الفصل الرابع “العنف والتطرف لدى تنظيمات الإخوان المسلمين في آسيا”، والذي أعده الدكتور إبراهيم غالي، مُحرِّر الكتاب، والمستشار الأكاديمي ورئيس برنامج دراسات آسيا بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، حيث يُقدِّم الفصل التأصيل الفكري للجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، ويتتبع دراسة حالات بعض الدول، وهي باكستان وبنجلاديش وأفغانستان وإندونيسيا وماليزيا.
وتحت عنوان “دور تنظيمات الإخوان المسلمين في نشر العنف والتطرف في إفريقيا”، يتناول الأستاذ الدكتور “حمدي عبد الرحمن حسن” أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في الإمارات العربية المتحدة، وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في الفصل الخامس، الملامح الرئيسية التي تُميِّز الدور السياسي والاجتماعي للإخوان المسلمين في قارة إفريقيا، من خلال دراسة حالة عنف الإخوان المسلمين في السودان عَبْرَ مراحلها المختلفة، ثم دراسة حالة القرن الإفريقي، بالتركيز على حركة الإصلاح في الصومال، علماً بأن السودان والصومال دولتان عربيتان، ولكن تم دراستهما في هذا الفصل نظراً لامتدادات تنظيمات الإخوان بهما في بعض دول القارة الإفريقية مثل تشاد وإريتريا. كما يناقش الفصل التنظيمات ذات التوجهات الإخوانية في نيجيريا، ودور بعضها في نشر العنف والتطرف.
أخيراً، يأتي الفصل السادس تحت عنوان: “الخطاب المُزدوَج.. العنف المُضمَر للإخوان المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”، وفيه يناقش الدكتور “سامي مروان مُبيّض” الأكاديمي والكاتب والمؤرخ السوري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة تاريخ دمشق، أبرز أنماط العنف الإخواني في أوروبا والولايات المتحدة، سواءً من حيث العنف الفكري المرتبط بـ”أسلمة” الغرب كجزءٍ من الجهاد الحضاري للإخوان، أو من خلال الخطاب المُزدوَج والمتناقِض لقيادات الإخوان بشأن الموقف من العنف والتطرف والإرهاب، مع تقديم بعض الأمثلة على العنف الحركي الذي تُمارِسه تنظيمات وكوادر إخوانية داخل أوروبا والولايات المتحدة، وأبرز الإجراءات والتحركات التي اتخذتها بعض الدول الغربية لمواجهة تطرُف التنظيمات التابعة للإخوان المسلمين ومحاولات تصنيفهم جماعةً إرهابية.