جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-05@02:03:13 GMT

الأصالة.. واستدامة السُلطة الرابعة

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

الأصالة.. واستدامة السُلطة الرابعة

 

فاطمة الحارثية

 

عرفناها بالسُلطة الرابعة، سلطة تربط بين التنفيذية والتشريعية والقضائية، اعتمد عليها النَّاس ومازالوا في مُعظم نواحي حياتهم، إن لم يكن كلها، ولأهميتها لا بُد أن يكون لها رؤية وأهداف وإستراتيجيات ترتكز على حوكمة حيَّة، إنْ لم تستطع الدول السيطرة على المحور الأساسي في منظومة الإعلام لن تستقر الحياة ولن يطيب لهم العيش؛ والواقع أكبر برهان على ذلك، ولجوء العديد من الدول، إلى حجب بعض وسائل الإعلام وهي أداة فاعلة للسلطة الرابعة، أكبر برهان على مدى التأثير في استقرار الأمم والمجتمعات.

نمتلك الكفاءات، نمتلك الشغف ولدينا الإمكانيات، فأين التحدي؟ ربما لأنَّ الكلمة التي تصنع المحتوى لم تُعطَ حقها في الحفظ والتوجيه، وربما اندمجت أدوات الإعلام، مع مختلف البرامج دون أن يكون للإعلام بذاته هيئة واضحة، أو بيانا لسبل التحكم والتوجيه الذي يحافظ على مغزى ووقع الكلمة وأثرها، لنتفق أن لا ضرر يأتي من الأدوات ولكن المحتوى هو الأساس، والأسلوب هو الدفة وما يجذب المتلقي/ الزبون؛ يُجمع الكثير من المعنيين أن علينا أن نواكب رغبة المتلقي/ الزبون، مثلًا: ماذا يجذب الزبون/ القارئ؟ ماذا يُريد أن يقرأ؟ وكيف؟ والكثير من المغالطات، التي أرى أنها تزيد من انحدار الواقع والإضرار بالمجتمع. نحن الآن نقارب الثمانية مليارات نسمة، فكم قارئ نحتاج لنرفع الاستثمارات في هذا المجال، ليست بالحسبة الصعبة، وتحتاج فقط إلى استراتيجيات مبنية على اتساق طويل الأمد، والاستثمار الأمثل للوسائل الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي. والاختلاف هو الحل الحقيقي بعيدا عن نظريات التغيير أو المواكبة، مع النظرة الإيجابية نحو أدوات الإعلام العصرية فهي ليست العدو، فهي قائمة على حاجة أساسية وهي "استدامة جودة المحتوى" وبدونه تنتهي هذه الأدوات وتندثر، وبدون محتوى حقيقي لا تعظيم لأوجه الاستثمار، وبدون فائدة جاذبة من المحتوى يعزف الفكر قبل الزبون، إذًا الكل مرتبط بكل، فلنتعامل مع المشكلة وليس الأعراض.

كم استبيان ترصده مؤسسات وشركات الإعلام حتى تصنع قرارًا؟ كم سيناريو تصوغ من ثنايا الاستشراف حتى تصنع دراسة جدوى؟ كم مُقارنة معيارية تتدارسها هذه المؤسسات قبل أن تنشر؟ نعم إن العالم في سباق مع الزمن وتواتر بالكاد نلحق بالركب، والمرونة والتنوع من أهم الحلول لضمان تحقيق الأهداف والاستراتيجيات الإعلامية، وأيضًا الاستثمار خارج نطاقنا المحدود بحكم التعداد السكاني الضعيف، خاصة مع التباين الهائل للغة؛ حيث إنَّ أكثر من نصف عدد سكاننا من غير الناطقين بالعربية، وهل الحل وسائل أجنبية، ربما لا، وربما كاستثمار خارجي في مساحات أكبر، يغذي ويضمن استدامة الداخل حلا قد يُنظر إليه. لن تنقطع الحلول ولن نعجز على استدامة الإعلام إذا امتلكنا الإصرار وحكمة الفكر.

هل نحتاج إلى أن نُعيد بناء منظومة الإعلام القائمة ومن ثمَّ برمجته وتجزئته مرة أخرى؟ ونعطي كل ذي اختصاص اختصاصه، حتى نستطيع أن نُعزِّز العائد الفكري والاستثماري منه؟ مثلًا إعلام الطفل، الإعلام البرلماني، الإعلام الإبداعي، الإعلام الاقتصادي، الإعلام البيئي وغيره من المحاور التي تستقطب وتحقق الاستدامة على الصعيد الداخلي والخارجي، ولن أقول إن الأدوات التي يستخدمها النَّاس حاليًا تأتي بعكس ما نرغب، في الضفة المقابلة، لنُعيد شغف القراءة لدى الطفل، سواء القراءة الورقية أو الإلكترونية، ونؤسس لهم رؤية تحقق الاستراتيجيات والأهداف الإعلامية طويلة المدى.

التأثير الذي يصنع البصمة ليمتد الأثر ويتجذر، يكمن في جودة المحتوى، الاستثمارات الذكية التي تعتبر المال وسيلة لغاية نبيلة مثل حفظ سلامة فكر الكلمة، وحوكمة السلطة الرابعة "الإعلام"، برؤية ومعايير واستراتيجيات، أكثر تعظيما لعوائده ومردوده الجوهري والمادي، الاستقطاب وحلول مبتكرة تعزز بيئة المتلقي والقبول بعيدا عن محاولة الصعود على حساب الارتقاء ووجوب عدم استخدام التحفيز السلبي.

وإن طال!

كل صفقة تقوم على كلمة، كل سلطة نفاذها يقوم على الكلمة، كل قرار يُبلغ في كلمة، كل حرب قامت على كلمة، السلام كلمة، الحب كلمة، الجهد كلمة ومجموعة الكلمات محتوى يصنع المستحيل، لنستثمر الكلمة لتبقى أصيلة وتدوم لنا ولمن بعدنا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مسقط.. توازن معماري يجمع بين الأصالة والحداثة

جسّدت مسقط بموقعها الجغرافي الفريد على بحر عُمان، نقطة التقاء تاريخية للعديد من الحضارات والثقافات، وكانت ولا تزال واحدة من أبرز وأقدم المدن العربية التي تمتاز بتوازنها العمراني، الذي أسهم في الحفاظ على طبيعتها وجمالها الطبيعي في مشهد لافت يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومن خلال سياستها العمرانية المدروسة وتشريعاتها المحكمة، نجحت مسقط في تحقيق عمق هندسي متوازن، حافظ على توازن مظهر تمدد بنيتها المعمارية أفقيًا ورأسيًا، لتصبح امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا مستدامًا. وفي هذا الاستطلاع، نتعمق في هندسة مسقط المعمارية وسر تناغمها بين الحداثة والتراث الثقافي.

رؤية متكاملة

قالت شريفة بنت سعود الرحبية، مهندسة تخطيط بقسم إعداد المخططات التفصيلية بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني: تمثل مسقط نموذجًا فريدًا لمدينة تجمع بين الإرث التاريخي العريق والرؤية الطموحة للمستقبل، ولقد استطاعت تحقيق التوازن بين التطور العمراني والحفاظ على الطابع التراثي، ومع تسارع وتيرة التطور العمراني، برزت الحاجة إلى تحقيق توازن دقيق بين تحديث البنية الأساسية والحفاظ على الهوية الثقافية، وفي هذا الإطار، تؤدي وزارة الإسكان والتخطيط العمراني دورًا رئيسيًا في صياغة سياسات تنموية مستدامة تضمن تناغم التطور مع الخصوصية التراثية لمسقط.

مطرح.. أنموذج للتوازن العمراني

وأوضحت الرحبية أن منطقة مطرح تُعد إحدى أقدم وأهم المناطق في مسقط، حيث تتميز بتاريخها الغني وموقعها الحيوي المطل على الميناء، واستجابة لضرورات التطوير، أطلقت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني مشروع التجديد الحضري بمطرح، الذي يهدف إلى إحياء المنطقة وتعزيز جاذبيتها مع الحفاظ على طابعها المعماري المتميز، ويرتكز المشروع على نهج شامل يجمع بين إعادة تأهيل المباني التراثية وتطوير المرافق العامة، بما يضمن تحسين جودة الحياة للسكان وتعزيز الجاذبية السياحية والاستثمارية.

وأضافت: يتم ذلك من خلال ترميم وإعادة تأهيل المباني التاريخية للحفاظ على هويتها المعمارية وضمان استدامتها للأجيال القادمة، ودمج التصاميم الحديثة مع الطابع التراثي بما يعزز التناغم البصري بين الماضي والحاضر، وتحسين البنية الأساسية والمرافق العامة لتوفير بيئة حضرية متطورة دون المساس بالقيم التاريخية للمنطقة.

وأكدت الرحبية أن مشروع تجديد مطرح يُجسد التزام سلطنة عُمان بالحفاظ على هويتها الثقافية، مع المضي قدمًا في مسيرة التحديث والتطوير، وقالت: من خلال هذا النهج المتوازن، تعزز مسقط مكانتها كمدينة تحتضن ماضيها العريق وتستشرف مستقبلًا واعدًا، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في التخطيط العمراني المستدام.

هوية ثقافية فريدة

من جانبه، قال المهندس وضاح بن غالب بن سالم الراشدي، معماري ومخطط حضري: لقد شكلت السياسات والمعايير التخطيطية العمرانية التي انتهجتها مسقط أساس التوازن العمراني، مما خلق توازنًا عميقًا بين المباني الحديثة والطابع التراثي، وكان لهذا التوازن أثر واضح في التجانس بين النسيج العمراني التقليدي ومتطلبات واحتياجات التطور العمراني الحديث؛ فالعمران الحديث لم يأتِ لينقض التراث القديم، بل جاء متجانسًا معه بطابع عماني فريد وتمازج معه ليولد نسيجًا معماريًا بهوية ثقافية راسخة.

وأشار الراشدي إلى أن ولاية مطرح تتميز بنسيج عمراني كثيف حافظ على الهوية المعمارية القديمة برسوخ وثبات، وقال: منذ انطلاق النهضة الحديثة، ساد التناغم بين العمران القديم والحديث بما يلبي احتياجات المجتمع، ولقد راعى الانسجام العمراني الازدهار الاقتصادي والنمو المجتمعي واحتياجات المستقبل، وارتبط معمار مسقط الحديث بالنسيج المعماري الثقافي والتاريخي الذي راعى خصوصية المكان وحافظ على أنماط الحياة التي يعيشها أهل البلد.

وقالت بِهان بنت حمد بن سالم الراسبية، مصممة معمارية ومخططة حضرية: في قلب الخليج العربي، تقف العاصمة العُمانية مسقط شامخة بين ماضٍ أصيل ومستقبلٍ طموح، لقد نجحت في الحفاظ على روحها القديمة وطابعها التراثي، وتمكنت من تحقيق التوازن المثالي بينها وبين تطورها العمراني الحديث بفضل رؤية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار تاريخها العميق واحتياجاتها المستقبلية.

وأضافت: لم يكن الحفاظ على هوية مسقط العمرانية مجرد صدفة، بل جاء نتيجة قرارات واعية وتشريعات مدروسة هدفت إلى صون طابعها المميز، فقد وُضعت قوانين تخطيطية تُحدد ارتفاعات المباني، وتُلزم باستخدام ألوان وخامات تتناغم مع البيئة المحلية، مما يحافظ على التناسق البصري بين العمارة الحديثة والتقليدية.

وأشارت الراسبية إلى أن المشاريع المعمارية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة تُعد من الركائز الأساسية في مسعى تطوير المدينة، وقالت: من خلال إنشاء قرى تراثية وأسواق تقليدية مطورة، يمكن إظهار الجمال التاريخي للمدينة مع تعزيز جاذبيتها كوجهة سياحية، وهذا النوع من المشاريع لا يعزز السياحة فحسب، بل يعيد إحياء الثقافة العمانية، مما يسهم في جذب الاستثمارات.

مشاريع مبتكرة

واختتمت الراسبية حديثها قائلة: مع تقدم مسقط نحو مرحلة جديدة من التطور العمراني، تبرز أهمية الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص لضمان تنفيذ مشاريع مبتكرة تحقق توازنًا بين الحفاظ على التقاليد وتحقيق التقدم المعماري، ومع الالتزام بالهوية التراثية والتخطيط المستدام، ستظل مسقط نموذجًا حيًا على كيفية دمج الحداثة مع الأصالة، مما يجعلها وجهة متميزة على خارطة السياحة العالمية.

رؤية شبابية للمستقبل

من جهته، قال عبدالله بن إبراهيم بن عيسى الراشدي، طالب عمارة وتخطيط حضري بالجامعة الألمانية في سلطنة عُمان: إن النمط المعماري الحديث في مسقط لم يتغرب كثيرًا، بل استمد قوته من العمارة العمانية الأصيلة، واستوحت النهضة العمرانية الحديثة معمارها من التراث والثقافة العمانية السائدة، وهذا الأمر شكّل حالة من التوازن بين التطور العمراني الحديث والحفاظ على الطابع التراثي والهوية المعمارية العمانية في البناء.

وأضاف: ابتعدت مسقط عن ناطحات السحاب التي غالبًا ما تظهر في عواصم الدول، فبقيت محافظة على طابعها بسنّ سياسات تحدد ارتفاع المباني بما يتوافق مع سياسة خصوصية البيئة والإنسان، وحققت السياسة العمرانية لمسقط الكثير من التوازن واستمدت بعض عناصرها من مرحلة الانفتاح المعماري وأهمية مواكبة التطور السياحي والاستثماري.

مقالات مشابهة

  • مسقط.. توازن معماري يجمع بين الأصالة والحداثة
  • الفرقة الرابعة.. الإمبراطورية التي نهبت اقتصاد سوريا
  • المغرب يصبح الزبون الرئيسي للغاز الإسباني متجاوزا فرنسا والبرتغال
  • نائب: الرئيس السيسي أكد للعالم أهمية إعمار قطاع غزة واستدامة وقف إطلاق النار
  • من العدس إلى الطعمية.. أكلات الصوم الكبير بين الأصالة والتجديد
  • نائب وزير الخارجية يستعرض الجهود المصرية لضمان تثبيت واستدامة اتفاق وقف إطلاق النار بغزة
  • وزير الصحة يستقبل وفدا أوروبيا لبحث تعزيز التعاون واستدامة الجهود الإغاثية بغزة
  • مصر والبحرين تؤكدان ضرورة ضمان استدامة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • نائبة بالشيوخ: الحكومة أمام 3 مسارات لضمان استدامة الطاقة وتخفيف الضغط على شبكة الكهرباء
  • الشيوخ يناقش خطة استدامة الطاقة الكهربائية وزيادة مساهمة الطاقة النظيفة