شكّلت وسائط الاتصال الحديثة طفرةً في أنماط التواصل ونقلةً نوعية في مجال الإعلام، مما انعكس على الحياة الإنسانية برمتها من خلال التقريب بين مختلف الشعوب والثقافات، ومدّ الجسور بين المجتمعات داخل الكوكب. وكان التحوّل الحاصل تعبيرًا عن ثورة ثقافية عارمة انهدمت معها أسوار وحواجز ليس فقط في عالم الاتصال والتواصل، بل في منحنيات الوعي والفكر أيضًا.

هذا ما دفع عددًا من الباحثين والمختصّين للتعبير بإعجاب كبير عن المساحات الجديدة لحرية التعبير والرأي التي انفتحت أمام شرائح واسعة ظلّ صوتها مهمّشًا ومبعدًا. لكن من جانب آخر، لا تنفكّ الوقائع تؤكد أن حرية التعبير في وسائط التواصل مجرد وهْم، وأن شبكات التواصل الاجتماعي في عمومها لا تنفصل عن نزعة الهيمنة، بل هي أداة من أدوات الضبط وإعادة صياغة التمثلات والآراء لتنساق مع خيارات مراكز القوّة والهيمنة على العالم.

وقد ظهر ذلك بوضوح في العدوان الحالي على غزة وفلسطين، والحرب الروسية الأوكرانية، كما جسّد اعتقال مؤسّس تليغرام في باريس – قبل أن يُفرج عنه بكفالة – مثالًا حيًّا لزيف حرية التعبير ورفض حياد مواقع التواصل الاجتماعي.

الانحياز لسرديات مراكز القوة

ظلت وسائط التواصل تحمل الكثير من الإغراء لما يمكن أن تتيحه من أفق للحرية في النقد والتعبير، إلى أن جاءت الأحداث الأخيرة في فلسطين والصّراع الدائر في أوكرانيا لتصبح أداة مباشرة في التضييق على الآراء المعبرة عنهما والتي تعبّر عن تضامنها مع الفلسطينيين ضد الإبادة الجماعية والتقتيل والتشريد، أو تلك التي ترفض الانسياق خلف السرديات السائدة في عددٍ من مناطق النزاع.

لكن آليات الرقابة قد اشتدت بكثافة على المناهضين للحرب، وبدل أن تكون هذه الوسائط فضاءات للتّضامن الإنساني الحر، وكشف الحقائق التي تدور وقائعها على الأرض، من أجل وضع حدّ للمأساة، تحوّلت إلى أداة ووعاء يعبّران عن رؤية وموقف واحد، وهو موقف لا ينفصل عن المواقف السياسية المنحازة لإسرائيل والسردية الإسرائيلية على حساب الحق الفلسطيني.

لم يقف الأمر عند حدود الانحياز وممارسة الرقابة على المنشورات، ما يعد انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير، سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي؛ إذ برز فيه توظيف السلطات الحكومية للمعلومات المتحصلة في التضييق على النشطاء والفاعلين، بل تجاوز ذلك إلى فرض رؤية بعينها في عددٍ من الدول، ورفض الحياد الذي مارسته بعض تلك الوسائط، كما حدث مع مالك تطبيق "تليغرام" من طرف السّلطات الفرنسية قبل أسبوع.

وعلى الرغم من إضفاء بُعد قانوني على الاحتجاز، فإن الأمر ينطوي على هواجس سياسية ترتبط بالخوف من الحياد الذي ينهجه التطبيق وسياسة الخصوصية التي تضمن حدًا أدنى من الحرية في التواصل بين مستخدميه، مما يسمح بسرديات وروايات معينة بالانتشار. وفي الآن ذاته، يمثل عدم ممارسة الرقابة الفجّة التي ينتهجها عدد من شركات الاتصال، قلقًا لأنساق سياسية بات هاجسها الرئيسي خاضعًا للبعد الأمني وآليات الضبط والإخضاع الناعم.

ثورة ثقافية مناهضة لحرية الرأي

لفهم الأدوار التي تضطلع بها وسائط التواصل في المنظومة الحديثة، ينبغي الوعي بأن الانخراط في الزمن الحديث لا يعني بالضرورة الالتزام بالمفاهيم والقيم المتداولة في الفضاء العمومي، وفي الأوساط الأكاديمية والثقافية.

فقد أبدع العقل الإنساني في صياغة النظريات حول المنطلقات المركزية التي شكلت وعاء الحداثة والتقدم، لكن تمثلات تلك الأسس والتطور الذي وقع في المجالات التقنية والبيروقراطية، أفرغت مضامينها الخطابية من الأثر العملي في الواقع الإنساني. ومن ثم فإن التقدم في التقنية ووسائط الاتصال لم يكن منذرًا بعصر وردي للحرية والمساواة ورقيًّا في مدارج الإنسانية، وإنما شكل هدرًا للحرية وتبديدًا لعذرية القيم والمبادئ التي انشغل بها فلاسفة التنوير، وكانت أملهم في تحقيق فردوس أرضي يخدم الإنسان ولا ينتهك حرمته.

أي أن الجهاز البيروقراطي مع الدولة الحديثة بقدر ما أسهم في التنظيم الاجتماعي وعقلنة ممارسة السلطة، فإنه في الآن ذاته قد فرض هيمنته على الإنسان والمجتمع، وانتهك خصوصيته وأفقده قدسيّته.

وبالمثل؛ كانت التقنية أداة في ممارسة الضّبط وتطويع الإنسان وانتهاك حرمة الطبيعة، مما وَلّد أزمة إنسانية كبرى، وجينات هذه الأزمة بنيوية ترتبط بالنموذج وأسسه المعرفيّة، وليست عرضية متعلّقة بممارسات بعينها.

أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مع الثورة الثقافية الراهنة ذات وظائف مزدوجة تخدم الدولة والسوق على السواء، مما يجعلها أداة لضبط وتحكم ناعم في اختيارات الإنسان

فالنموذج الحديث بطبيعته، وبالرغم من بعض إيجابياته، يحمل في ذاته عناصر تدمير للحياة الإنسانية، سواء بالوسائل الخشنة التي تستعمل في الحروب التقليدية، أو الناعمة، والتي من ضمنها وسائط التواصل والإعلام الخاضع لمركب الهيمنة الاقتصادي والسياسي والثقافي.

وفي طليعة هذا المركب الولايات المتحدة الأميركية والدول المرتبطة بها، أو الشّركات العابرة للحدود والتي يحكمها منطق السوق، وترتبط ارتباطًا عضويًّا بالاقتصاد والمصالح الأميركية، ولا تنفصل عن أدوات الهيمنة الثقافية السياسية والأمنية على العالم.

أي أن هذه الوسائط ليست جسور تواصل وحسب، وإنما هي من صميم شبكة تسيّج الإنسان والعالم، تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والأمنية. ومن ثم فإن جانبًا من الصراع مع الصين – وغيرها – هو صراع من أجل مستقبل الإنسان والهيمنة على العالم، ورسم خياراته في مناحي الوعي، والجغرافيا السياسية والثقافية والاقتصادية.

إذ إنه ما دام التحول قد حصل خارج عقال الأخلاق ومن منطلق الأخلاق الوضعية، فإنها لم تعد هناك محرمات أو خصوصية إنسانية أو مقدسات، ولن يكون هناك مجال لهذا الجانب في صراعات المستقبل التي تدور رحاها في المنظومة المعلوماتية.

كما أن الآدمي المكرم لم يعد يحمل أي معنى للتكريم في ظل صيرورة النسبية المطلقة، وإغراق العالم بالأشياء التي تغذي في الإنسان نزعة الاستهلاك وتجعله هدفًا للسوق. ووسائط الاتصال لها ارتباط وثيق بمراكز القوة، وإن كان لها دور فعّال بشكل معاكس في تعبئة الرأي العام، وكشف تناقضات النسق المهيمن، كما هو حال القضايا العادلة.

لقد كان هناك وعي فلسفي مبكّر بخطر وسائط الاتصال الحديثة قبل أن تظهر شبكات التواصل الاجتماعي، وقد اتجه هذا الوعي النقدي إلى الأسس التي انبنى عليها النموذج الحديث، من خلال التمييز بين العقل النقدي والعقل الأداتي.

الصراع بين الحرية والرقابة

إن وسائط الاتصال الجماهيري كما عند هربرت ماركيوز (ينظر كتابه: الإنسان ذو البعد الواحد) تعمل على ترسيخ العقل الأداتي.

ومن ثم فإن سيكولوجيا الجمهور وتوجيه الرأي العام من خلال المؤسسات والشركات الإعلامية الكبرى لا تقدم خدمة للعقل والفكر واستقلالية الإنسان وحريته، وإنما تجعله أداة بيد النظم والمؤسسات، أي في يد الدولة الحديثة ومؤسساتها بتمرير أيديولوجيا الدولة في مرحلة معينة، كون وسائط الاتصال الجماهيري تندرج ضمن أدوات الضبط وتوجيه الوعي، أي الوعي الأيديولوجي للدولة الحديثة، والتي تحتاج إلى أيديولوجية تمارس من خلالها التنشئة والتحكم في الوعي والتمثلات واختيارات الناس، بقدر حاجتها إلى أدوات الإكراه المادي تحت مقولة: "العنف المشروع".

لقد تطوّرت نظم الاتصال ووسائط التواصل في الأزمنة اللاحقة، إلى أن شهدنا ما أشرنا له سابقًا بالثورة الثقافية، وقد أسفر تطوّر شبكة المعلوميّات ووسائط الاتصال الشبكي عن تأثير ممتد على الاقتصاد والثقافة والسياسة.

فنحن لسنا أمام وسائط اتّصال تقرّب المسافات وتجسّر العلاقات، وتكشف الاختلالات وحسب، بل نحن كذلك أمام صناعة لوعي جديدٍ مسلوب الإرادة وفاقدٍ للحرية وخالٍ من الحسّ النقدي. فالوعي المراد إنتاجه ليس من اختيار الإنسان وإرادته الحرة، وإنما من صميم إستراتيجيات الهيمنة والتحكم في السرديات الخطابية السائدة، ومن ذلك ما يجري في نقاط الاشتباك من أجل العدالة والحرية والحقّ في فلسطين، وغيرها من بقاع الدنيا.

ختامًا:

لقد كانت وسائط الاتصال الجماهيري أداة أيديولوجية في يد الدولة توجّه الجمهور من خلالها باستخدام البروباغندا في أزمنة سابقة. وبفعل التطور التقني والثورة المعلوماتية وانعكاساتها على الحياة الإنسانية برمتها، مع التحولات التي عرفها الاقتصاد العالمي، والعلوم والمعارف، تجاوز دورها البعد الوظيفي، وأصبحت تُستخدم في خلق وضع جديد على مستوى الواقع الإنساني في أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية.

بل إنها أضحت تتحكم في تطلعات واختيارات الإنسان. وبصيغة أخرى، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مع الثورة الثقافية الراهنة ذات وظائف مزدوجة تخدم الدولة والسوق على السواء. ومن ثم، نجد طبيعة الصراع الدائر في الآونة الأخيرة حول مدى حيادية شركات الاتصال.

التقدم وما جلبه من وسائل التقنية ووسائط الاتصال لم يحقق بالضرورة وضعًا مثاليًا للحرية، وإنما يمكن القول إن التقدم في التقنية ووسائط الاتصال يواكبه تخلّف في مسار الحريات. بمعنى آخر، أصبحت هذه الشّبكات والوسائط أدوات ضبط وتحكم ناعم في اختيارات الإنسان، تساهم في تشكيل الوعي، وتوجيه الرأي العام بما يتماشى مع مصالح القوى المهيمنة على الساحة العالميّة، مما يؤكد أن وهْم حرية التعبير في شبكات التواصل الاجتماعي هو جزء من لعبة أكبر للتحكّم في الفكر والمجتمع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات شبکات التواصل الاجتماعی ة التی ومن ثم

إقرأ أيضاً:

المدرب علي الورقي: «لينكد إن» منصة مهنية جادة بعيدة عن ضوضاء التواصل الاجتماعي

 

الثورة/ هاشم السريحي

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، وتتداخل فيه العوالم الافتراضية بالواقعية، تبرز منصات التواصل المهني كبوابات حقيقية نحو فرص النمو والتطور، «لينكد إن»، تلك الشبكة العنكبوتية التي تجمع الملايين من المحترفين حول العالم، لم تعد مجرد سجل للسير الذاتية، بل أصبحت ساحة تفاعلية تزخر بالفرص الوظيفية والتعليمية والتواصلية.. في هذا اللقاء، يستعرض المدرب علي الورقي، مدرب تنمية قدرات إدارية ومؤسسية، رحلته الملهمة على هذه المنصة، ويكشف عن أسرار النجاح وأهمية الحضور المهني الفعال في عالم «LinkedIn» المتنامي، خاصة للمهنيين ورواد الأعمال في اليمن والعالم العربي. فما هي البدايات؟ وما هي أبرز النصائح لتحقيق أقصى استفادة من هذه المنصة؟ وإلى أي مدى يمكن لـ”لينكد إن” أن يغير مساراتنا المهنية؟

يسترجع المدرب علي الورقي بداياته على منصة “لينكد إن” قائلًا: “كانت انطلاقتي على «LinkedIn» مطلع العام 2013م، في وقت بدأت ألاحظ فيه أن معظم منصات التواصل الاجتماعي تغرق في محتوى غير هادف أو عابر، وقتها، لفتتني منصة “لينكد إن” بكونها مختلفة كليًا؛ فهي مخصصة للمجال المهني وتركّز على تطوير المهارات والمسارات الوظيفية من زوايا متعددة، وهو ما جذبني إليها”.

ويضيف الورقي: “عملية التسجيل كانت سهلة وبسيطة، لكن التصفح في البداية لم يكن كذلك؛ فالمنصة كانت جادة جدًا ومهنية، بعيدة عن التداولات اليومية المعتادة مثل رسائل “صباح الخير” أو “جمعة مباركة” أو النكات، بل خالية من كل ما هو سطحي أو غير نافع. وهذا ما جعلني أجد صعوبة في التفاعل معها في البداية، لكن مع الوقت، بدأت أتأقلم تدريجيًا حتى أصبحت “لينكد إن” جزءًا أساسيًا من يومي الرقمي، ومن أبرز النوافذ التي أطلّ منها على عالم الإنترنت، وتحديدًا على ما يعرف بمنصات الويب 2 (Web 2.0)  الخاصة بالتواصل الاجتماعي”.

التخصص والعمل المهني

ويقول المدرب علي الورقي، المصنّف ضمن قائمة أبرز المؤثرين اليمنيين على منصة «LinkedIn» : أعتبر نفسي اليوم من بين العشرين الأوائل من المؤثرين اليمنيين على “لينكد إن”، وقد تحقق هذا بفضل عوامل عدة، أبرزها تركيزي العميق على التخصصات المرتبطة بمساري الأكاديمي والمهني. منذ البداية، حرصت على متابعة الأشخاص والصفحات والمجموعات التي تنتمي إلى مجالاتي، سواء في دراستي الجامعية أو في عملي المهني، هذه الخطوة برأيي أساسية لأي مستخدم يرغب بتحقيق فائدة حقيقية من المنصة”.

ويتابع الورقي: “التخصص والتركيز هما مفتاح النجاح على “لينكد إن”. كثير من المستخدمين يقعون في فخ التشتت، فيتابعون محتوى لا يمت بصلة لمجالهم، ما يقلل من فرص الاستفادة والتأثير، أما أنا، فكنت حريصًا على مشاركة الفرص المناسبة، والتفاعل مع شبكتي المهنية، وتقديم محتوى يتماشى مع اهتماماتي وخبراتي”، ويضيف: “هذه الشبكة لم تكن مجرد منصة تواصل بالنسبة لي، بل بوابة حقيقية نحو العالم. فقد أتاحت لي فرصًا غير مسبوقة للمشاركة في مؤتمرات دولية مثّلت فيها اليمن في كل من الأردن، ومصر، والإمارات، وقطر، والسعودية، وكل ذلك تحقق لأنني تعاملت مع ملفي الشخصي بجدية واحتراف؛ حرصت على تعبئة كافة أقسامه بدقة، وبشكل زمني منظم، ما جعلني حاضرًا ومؤهلًا لأي فرصة”.

فرص مقترحة وأخطاء شائعة

ويشدد المدرب علي الورقي على أهمية الحضور المهني الفعّال على منصة “لينكد إن” بالنسبة للمهنيين وأصحاب الأعمال في اليمن والعالم العربي، مؤكدًا أن “من يتعامل مع ملفه الشخصي بجدية واحترافية سيكتشف حجم الفرص التي يمكن أن تفتح أمامه من خلال هذه المنصة”.

ويقول الورقي: “من الضروري تعبئة الملف الشخصي بشكل احترافي، مع التركيز على استخدام المصطلحات المرتبطة بالتخصصات المهنية والمهارات والخبرات، ويفضل أن يتم ذلك باللغة الإنجليزية، والسبب أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي في «LinkedIn» تستخدم هذه البيانات لاقتراح فرص وظيفية وتدريبية ومهنية تتناسب مع اهتماماتك وخبراتك”، مضيفاً: “عند تصفحك للمنصة، ستجد العديد من الفرص المقترحة لك، مثل الوظائف الشاغرة (Job Vacancies)، والعمل عن بعد (Remote Jobs)، والعمل الجزئي (Part-Time)، أو الدوام الكامل (Full-Time) كل ذلك يعتمد على مدى دقة معلوماتك، وتفاعلك مع المحتوى ذي الصلة، سواء من خلال الإعجاب أو التعليق أو المتابعة”.

ويحذر الورقي من بعض الأخطاء الشائعة التي يقع فيها المستخدمون الجدد، ومنها: “إهمال الملف الشخصي، أو استخدام مصطلحات غير دقيقة، أو عدم التركيز على التخصصات الفعلية، مما يؤدي إلى تشتت في المحتوى المقترح، وبالتالي ضياع فرص قيّمة”.

ويتابع: “شخصيًا، أحرص على متابعة وحضور العديد من الويبينارات الدولية التي تقام بشكل يومي على المنصة، بعضها ينظمه خبراء عالميون، أو مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، أو جامعات دولية مرموقة. هذه اللقاءات، التي قد تستغرق ما بين ساعة إلى ساعتين، تغذي المعرفة وتفتح آفاقًا جديدة للتطوير الذاتي والمهني”.

فروق جوهرية

ويؤكد المدرب علي الورقي أن منصة “لينكد إن” لا تقتصر فقط على البحث عن الوظائف، بل تُعد أيضًا مساحة فعالة لإبراز القدرات والخبرات المهنية بشكل يعزز من الثقة لدى الجهات والمؤسسات، ويضيف: “الحضور المهني المميز على «LinkedIn»، من خلال ملف شخصي احترافي، ومحتوى نوعي، وتفاعل مستمر، يمكن أن يجذب الجهات المعنية ويجعلها تبادر بالتواصل لطلب الاستشارات أو التعاون في مشاريع وأعمال متنوعة، دون الحاجة إلى انتظار إعلان وظيفة أو التقديم عليها. فالمصداقية والنشاط المتواصل على المنصة يبنيان ثقة حقيقية تدفع الجهات إلى استدعاء الشخص بناءً على حضوره وتأثيره”.

ويصف المدرب علي الورقي منصة “لينكد إن” بأنها الوجه المهني الحقيقي لعالم التواصل الرقمي، مشيرًا إلى أن الفرق بينها وبين باقي منصات التواصل الاجتماعي هو فرق جوهري في الهدف والمضمون وطبيعة التفاعل.

ويقول الورقي: “”لينكد إن” ليست مجرد منصة تواصل، بل فضاء مهني متخصص يركز على المسار الوظيفي، وتطوير المهارات، ونشر الفرص الوظيفية والتدريبية، وكل ما له علاقة بالتخصصات المهنية والأكاديمية، إنها منصة موجهة لأصحاب الكفاءات والطامحين للنمو، وليست ساحة للتسلية أو الترفيه”.

ويضيف: “بعكس المنصات الأخرى التي تغرق في تفاصيل الحياة اليومية من طبخ وأماكن زيارة وصور صباحية ونكات وفيديوهات قصيرة لا تقدم فائدة حقيقية، فإن “لينكد إن” تحافظ على طابعها المهني الهادئ، المحتوى فيها مصفى وخاضع لآليات ذكية ترصد الأخبار الكاذبة والمعلومات المشبوهة، فلا تسمح بانتشارها”.

كما يلفت الورقي إلى ميزة مهمة في المنصة، وهي “المصداقية والشفافية”، موضحًا أن “أكثر من 99 % من المستخدمين يظهرون بأسمائهم الحقيقية، بعكس ما يحدث في منصات أخرى تنتشر فيها الحسابات الوهمية والأسماء المستعارة”، مؤكداً أن هذه البيئة المهنية جعلت من هذه الشبكة فضاءً مميزًا يسهل فيه التواصل المباشر مع شخصيات مرموقة، سواء على المستوى اليمني أو العربي أو العالمي، وهو أمر نادرًا ما يتحقق في بقية الشبكات التي يعيق فيها التواصل وجود مديري أعمال أو مشرفين على الحسابات.

وينوه الورقي بقوله: «LinkedIn» أشبه بمنصة نخبوية، تمنح المستخدم فرصة حقيقية لبناء سمعة مهنية، وتوسيع شبكة العلاقات المؤثرة، بطريقة واعية وفعّالة، بعيدًا عن فوضى وعبثية بقية شبكات التواصل”.

الخطوة الأولى

ويؤكد المدرب علي الورقي أن الخطوة الأولى والأهم لأي شاب يبحث عن وظيفة عبر “لينكد إن” تبدأ ببناء ملف شخصي احترافي ومتكامل، ويشدد على ضرورة تعبئة كافة أقسام البروفايل بشكل دقيق، مع الاستعانة بذوي الخبرة والنماذج الناجحة داخل اليمن وخارجها، معتبرًا أن المتابعة والتعلّم من الآخرين عامل حاسم في اختصار الطريق نحو الاحتراف.

ويرى الورقي أن “يوتيوب” يشكّل أداة مساندة فعّالة، معتبرًا إياه ثاني أهم منصة بعد “لينكد إن”، لما يقدمه من محتوى تعليمي يغذي المهارات ويفتح آفاق التطوير المهني.

ويضيف: “من المهم جدًا نشر المحتوى الذي يعكس خبراتك ومهاراتك العملية، على سبيل المثال، كوني مدربًا، أشارك إنجازاتي التدريبية، والفرص التي أشارك فيها، ما يعزز من حضوري المهني ويجذب الفرص المناسبة”.

لكنه يلفت إلى ضرورة الموازنة في النشر، موضحًا أن “بعض الإنجازات لا يحبذ عرضها أمام الزملاء المنافسين، لذا يجب أن يكون المستخدم ذكيًا في اختيار ما ينشره ومتى”.

ويشدد الورقي على أن الصورة الشخصية هي أول عنصر في بناء العلامة المهنية على “لينكد إن”، ويقول: “ينبغي أن تكون صورة احترافية، واضحة، حديثة، وتُظهر الشخص في بيئة عمله أو بما يعكس مهنته. لا تصلح الصور القديمة أو الرسمية مثل صور الوثائق والمعاملات”.

ويؤكد أن تعبئة جميع أقسام الملف الشخصي أمر لا غنى عنه، مع ضرورة تحديث البيانات بمرور الوقت. كما يشير إلى أهمية تحديد الموقع الجغرافي المهني الذي يستهدفه المستخدم (الدولة أو المدينة)، لأن ذلك يساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في اقتراح الفرص المناسبة بناءً على الاهتمامات والمجال المهني.

ويلفت الورقي إلى أن “نشر المحتوى المرتبط بالتخصص يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الحضور، ويزيد من معدل التفاعل مع الحساب، مما يوسع دائرة الوصول والتأثير”.

ويؤكد الورقي أن على رواد الأعمال وأصحاب الشركات – حتى الصغيرة منها – إنشاء حسابات احترافية خاصة بهم، إلى جانب إنشاء صفحات خاصة بشركاتهم على «LinkedIn»، بهدف الترويج لأنشطتهم ونشر الفرص الوظيفية المتاحة لديهم. مضيفاً: “من خلال استخدام الوسوم (الهاشتاغات) والمصطلحات ذات العلاقة، يمكن الوصول إلى الفئة المستهدفة بدقة، وتوفر المنصة أدوات تحليل تساعد في معرفة من زار حسابك أو صفحة شركتك، ومجالاتهم المهنية، وحجم الشركات التي ينتمون إليها، مما يمنحك صورة واضحة عن جمهورك”.

ويتابع: “المنصة أصبحت أيضًا مركزًا هامًا لنشر الفرص من قبل الجامعات، المنظمات، والمؤسسات المحلية والدولية، وبعض هذه الفرص متاح لها ما يسمى بـ«Easy Apply»، أي التقديم السهل، الذي يتيح رفع السيرة الذاتية المحفوظة مسبقًا في حسابك، والتقديم بلمسة زر واحدة”.

ويختم الورقي نصيحته بالقول: “حتى إن لم تكن الفرصة مناسبة لك، شاركها مع غيرك، فمساعدة الآخرين لا تضيع أبدًا، والله يفتح بها أبوابًا كثيرة”.

التوظيف والتعلم الرقمي

ويرى المدرب علي الورقي أن منصة “لينكد إن” باتت تتجه بقوة لتكون الأداة الأهم في التوظيف والتعليم الرقمي، خصوصًا مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي وتوسع سوق العمل عن بُعد، ويؤكد أن العديد من المؤسسات التعليمية والبحثية حول العالم أصبحت تنشر فرصها ومقالاتها عبر هذه الشبكة، وبعض الجهات الدولية باتت تشترط وجود حساب احترافي لمنسوبيها.

ويشير الورقي إلى أن التفاعل داخل المنصة يوفر فرصًا غير مباشرة عبر شبكة العلاقات، موضحًا: “أحيانًا تجد أصدقاءك يعملون في مؤسسة معينة، ويمكنك التواصل معهم لطلب توصية عند التقديم على وظيفة أو منحة أو فرصة تدريب، المنصة تسهّل ذلك عبر رسائل مقترحة تساعد في تقوية فرص القبول”.

ويحذر الورقي من النظرة السلبية للمنصة لدى بعض الشباب، خاصة في اليمن، ممن تعودوا على الطرق التقليدية والوساطات. ويضيف: “نعم، قد تقدم لعشرين فرصة ولا تُقبل إلا في واحدة، وهذا طبيعي، المهم أن تستمر، لأن مجرد التقديم مكسب، ويساعدك على التعلّم، والتواجد في قاعدة بيانات المؤسسات”.

كما ينصح بتعبئة الملف الشخصي باحتراف، ونشر محتوى يعكس النشاط المهني، واستخدام الوسوم المناسبة للمجال والموقع الجغرافي، ويقول: “هاشتاج بسيط لمدينة أو بلد عملت فيه نشاطًا، يمكن أن يعزز من ظهورك في نتائج البحث، ويمنح الآخرين صورة واضحة عن مجالك وتنوع تجاربك”.

ويختم الورقي بالتأكيد على أن “لينكد إن” لن يحل محل وسائل التوظيف التقليدية بالكامل، لكنه أصبح المنصة الأكثر جدية وتأثيرًا، ويجب على المؤسسات التعليمية والشركات اليمنية أن تدرك هذه الأهمية وتستثمرها في التسويق، التوظيف، والتواصل المهني.

 

مقالات مشابهة

  • بريطانيا تدرس فرض حظر على استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي
  • كل شيء يمكن فعله على هاتفك.. خدمة جديدة من إنستجرام لمنافسة تيك توك
  • وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الأردن تحذر من الترويج للجمعيات المحظورة على وسائل التواصل الاجتماعي
  • شبكات الاتصال تنهار مجددًا بعد زلزال إسطنبول… وغضب على مواقع التواصل
  • “رئاسة الشؤون الدينية” تنفي وجود مواقع للأئمة والخطباء في وسائل التواصل الاجتماعي وتحذر من المقاطع المفبركة بالذكاء الاصطناعي
  • السعودية تنفي وجود مواقع لأئمة وخطباء الحرمين الشريفين في وسائل التواصل الاجتماعي
  • المدرب علي الورقي: «لينكد إن» منصة مهنية جادة بعيدة عن ضوضاء التواصل الاجتماعي
  • رئاسه الشوؤن الدينية تنفي وجود مواقع للأئمة والخطباء في وسائل التواصل الاجتماعي
  • رئاسة الشؤون الدينية تنفي وجود مواقع للأئمة والخطباء في وسائل التواصل الاجتماعي وتحذر من المقاطع المفبركة بالذكاء الاصطناعي
  • كيف تنبّأ فيلم أمريكي بعصر الهوس بالمظهر قبل 25 عامًا؟