أولوية الدول الجزرية: دبلوماسية الهند البحرية في قارة إفريقيا في عهد ناريندرا مودي
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
تمثَّلت خطة العمل الأولى لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بَعْد إعادة انتخابه لولاية ثالثة، في منتصف العام الجاري 2024، في تعزيز الشراكات الاستراتيجية للهند مع الدول الجزرية في منطقة المحيط الهندي، ومنها الدول الجزرية الإفريقية؛ وهو ما يأتي في سياق أشمل يرتبط بتعزيز مكانة الهند في قارة إفريقيا باعتبارها جزءاً مهماً من الجنوب العالمي الذي تسعى الهند إلى قيادته في الوقت الراهن، ولاسيما مع تمكُّن الهند من تعزيز الثقة مع الشركاء الأفارقة بعد أن استطاعت خلال رئاستها لمجموعة العشرين كفالة عضوية دائمة للاتحاد الإفريقي في المجموعة في شهر سبتمبر 2023، ومع إمكانية انعقاد القمة الهندية الإفريقية الرابعة خلال العام الحالي أو العام المقبل، بعدما انعقدت في السابق ثلاث مرات كانت في أعوام 2008 و2011 و2015.
ملامح استراتيجية الهند في منطقة المحيط الهندي:
أصبحت الدول الجزرية الإفريقية المطلة على غرب المحيط الهندي ضمن إحدى أولويات سياسة الهند الخارجية منذ إطلاق استراتيجيتها الخاصة بدول منطقة المحيط الهندي في عام 2015 تحت عنوان: “النماء والأمن لجميع دول المنطقة Security and Growth for all in the Region- SAGAR”، أثناء مراسم تسليم دورية بحرية إلى خفر السواحل الوطنية في دولة موريشيوس؛ وهو ما تمت إعادة تأكيده حينما تحدث ناريندرا مودي عن المبادئ العشرة الخاصة بسياسة الهند تجاه إفريقيا أمام البرلمان الأوغندي في عام 2018، وكان من بينها أن إفريقيا على رأس أولويات الهند، وأن الشراكة بين الهند وإفريقيا ستسترشد بأولويات القارة، وأن الهند ستعمل على تعزيز شراكاتها في مجال الأمن البحري؛ خاصةً مع الدول الجزرية الإفريقية.
وتَستهدِف استراتيجية مودي بالأساس حماية المصالح البحرية الهندية وتعميق تعاونها الاقتصادي والعسكري مع شركائها الأفارقة، وإسهامها في إدارة الأزمات والكوارث، والتنمية الإقليمية والمُشارَكَة حسنة النية مع الدول المطلة على المحيط الهندي في القضايا محل الاهتمام المُشترَك. وبواسطة تلك الاستراتيجية، أعادت الهند ترتيب أولوياتها تجاه إفريقيا خاصةً في مجال الأمن البحري والدفاع، مما سمح لها برفع مستوى تعاونها الأمني والعسكري في مجالات مثل: مكافحة الإرهاب والقرصنة والتعاون في المجال البحري وصفقات السلاح.
ويُعد النطاق الجغرافي الذي تم توجيه تلك الاستراتيجية إليه واحداً من أهم نقاط قوتها، فهي مُوجّهة بالأساس لمنطقة المحيط الهندي؛ مما يوفر للهند إمكانية النفاذ غير المُقيَّد إلى تلك المنطقة الحيوية؛ ومن ثم مساعدتها على تحقيق أهدافها الوطنية والاجتماعية والاقتصادية على حد سواء. ومن بين تلك الأهداف: توفير سُبُل العيش وأمن الطاقة وتعزيز الروابط المختلفة مع دول الجوار، والحفاظ على الشراكات الاستراتيجية مع الدول الساحلية لمنطقة المحيط الهندي في آسيا وإفريقيا. كما أنها تمنح الهند دوراً قيادياً في المشاركة الفعالة في برامج بناء القدرات وتعزيزها في المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بالأمن البحري وصناعة وتشغيل السفن، ودوراً إضافياً في تقديم العون للدول الإفريقية النامية والأقل نمواً فيما يتعلق بأمن الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة وسُبُل التعامل مع الكوارث والتلوث البحري وتغيُر المناخ.
انخراط الهند أمنياً في إفريقيا شرقاً وغرباً:
بناءً على ما سبق، استقبلت الهند في السنوات الأخيرة العديد من القادة الأفارقة، واستضافت أول اجتماع لقادة جيوش الهند وإفريقيا في مارس 2023، واستضافت الدورة الثانية من التدريب الميداني الهندي الإفريقي في بوني، وشاركت القوات البحرية الهندية في حوالي 47 تدريباً مُشترَكاً مع شركاء أفارقة في منطقة غرب المحيط الهندي. كذلك توسعت الهند في هذا الجانب إلى مستوى مشاركتها في إنشاء أكاديميات للدفاع في إثيوبيا وتنزانيا في شرق وجنوب شرق القارة الإفريقية، وفي نيجيريا في الغرب، فضلاً عن إنشائها محطات مراقبة في دول جزرية إفريقية مثل: مدغشقر وموريشيوس وسيشل؛ لتتبع النشاط البحري وتعزيز الأمن في منطقة غرب المحيط الهندي؛ وهو ما دفعها لتوطيد علاقاتها بتنزانيا وموزمبيق في الجنوب الشرقي من القارة لاعتبارات تتعلق بالأمن البحري في المنطقة.
وبالنظر للأهمية الاستراتيجية للسواحل الإفريقية المطلة على المحيط الهندي، فقد عزّزت الهند نطاقها الأمني بمشاركتها في خليج غينيا من خلال إنشاء مؤسسات للقوات الجوية في غانا، وكلية حرب بحرية في نيجيريا، فضلاً عن مرافقة سفن البحرية الهندية الشحن التجاري في خليج غينيا وخليج عدن في الطرف الشرقي من البحر الأحمر منذ عام 2008 وحتى الآن. وفي هذا الإطار، تركز الهند على مساعدة شركائها الأفارقة على صيانة المعدات ومرافق الأرصفة والسفن والأسلحة والطائرات، وتزوّدهم بالمدرعات والمروحيات القتالية وزوارق الدوريات البحرية؛ إذ تُعد موريشيوس وموزمبيق وسيشل من أكبر المشترين للأسلحة هندية الصنع.
وقد توطدت العلاقات الدفاعية الهندية الإفريقية بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة؛ إذ عمل الجانبان على تعزيز وتنويع تعاونهما الدفاعي من خلال التدريب وبناء القدرات والاشتراك معاً في تدريبات ومناورات عسكرية ثنائية ومتعددة الأطراف، فضلاً عن إنشاء مبادرات ذات صلة وثيقة بالدفاع والأمن مثل: مبادرة حوار الدفاع بين الهند وإفريقيا (India-Africa Defence Dialogue- IADD) ومؤتمر وزراء دفاع الهند وإفريقيا (India-Africa Defence Ministers Conclave- IADMC)؛ وهو ما أسهم في توسيع نطاق تعاونهما العسكري.
وبالإضافة إلى تعزيز علاقاتها البحرية مع الدول الإفريقية، أسهمت الهند أيضاً في تعزيز القدرات العسكرية لبعض جيوش الدول الإفريقية الشريكة بالنظر لتنامي التهديدات الأمنية بالمنطقة؛ فعلى سبيل المثال، وفرت الهند لشركائها الأفارقة معدات عسكرية بأسعار معقولة، ومن بينهم سيشل وموريشيوس وموزمبيق، هذا بالإضافة لتصديرها معدات دفاعية محلية مثل: المركبات والقوارب الاعتراضية وزوارق الدوريات والمروحيات الخفيفة لتأمين الحدود البحرية. وعلى الرغم من أن إمدادات الأسلحة الهندية لإفريقيا لا تزال تمثل نحو 15% فقط من إجمالي صادراتها الدفاعية؛ فإن هناك إمكانية لزيادة هذه النسبة مستقبلاً.
إعادة تموضُع الهند في منطقة غرب المحيط الهندي:
أجرت الهند في الربع الأول من العام الجاري 2024 (21 إلى 29 مارس) تدريباً ثلاثياً مشتركاً مع تنزانيا وموزمبيق في ميناء موبوتو جنوبي موزمبيق، وميناء ناكالا شمالي موزمبيق، وجزيرة زنجبار قبالة تنزانيا، هو تدريب (IMT TRILAT 24). كان هذا التدريب هو الثاني من نوعه مع الدولتين بالنظر لأن منطقة غرب المحيط الهندي معروفة بانتشار العديد من الجرائم البحرية مثل: الصيد الجائر وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة. وقد تركز التدريب على آليات المواجهة غير المتماثلة مثل: كيفية التعامل مع التهديدات الإرهابية، والتدريب على التفتيش والمصادرة والتعامل مع السفن والقوارب، وإجراء المناورات البحرية الليلية ومراقبة الجسور، والتدريب على الرماية.
وتُطل موزمبيق وتنزانيا على قناة موزمبيق، وهي عبارة عن ممر مائي بطول 1600 كيلومتر بين مدغشقر ودول شرق إفريقيا، ويستوعب هذا الممر نحو 30% من حركة ناقلات النفط العالمية. وكانت تلك المنطقة قد تعرضت لحالة من عدم الاستقرار؛ نتيجة انتقال القوات البحرية الدولية من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر لحماية حركة الملاحة من هجمات الحوثيين في اليمن؛ وهو ما اعتبرته الهند فرصة لإعادة تموضُع وانتشار قواتها البحرية في تلك المنطقة؛ ومن ثم أجرت عمليات أمنية بحرية في بحر العرب وخليج عدن وقبالة الصومال، ونشرت أكثر من 5 آلاف فرد من قواتها في البحر، وأكثر من 20 سفينة، بينما حلقت طائرات المراقبة التابعة لها حوالي 900 ساعة بنهاية مارس من العام الجاري؛ وهو ما يراه العديد من المراقبين بمثابة إعادة تموضُع للوجود الهندي البحري في المنطقة، ومحاولة جادة لملء الفراغ الذي خلفته القوات البحرية الدولية بعد هرولتها إلى منطقة البحر الأحمر.
واستكمالاً لهذا التموضع، تحتل موريشيوس رمزية كبيرة في السياسة الخارجية الهندية تجاه إفريقيا في ظل ولاية مودي، فهي ليست فقط شريكاً مهماً في استراتيجية الهند البحرية التي أطلقها مودي من موريشيوس في عام 2015، ولكنها أيضاً جزءٌ أصيلٌ من سياسة “الجِوار أولاً Neighborhood First Policy” الهندية، ومن مبادرة “إفريقيا للأمام Africa Forward Initiative”، وهي كذلك أول دولة إفريقية تُوقِّع اتفاقية تعاون اقتصادي وشراكة شاملة مع الهند. وهناك تقارب استراتيجي متزايد بين الدولتين بشأن التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية في المنطقة؛ إذ يُنظَر للهند باعتبارها المستجيب الأول لموريشيوس في أوقات الأزمات.
وقد أدى إنشاء الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي في عام 2017 بمقربة من جزر المالديف، إلى دفع الهند نحو تكثيف علاقاتها مع موريشيوس إلى ما هو أبعد من الشراكة التقليدية؛ إذ قدَّمت الهند لها 100 مليون دولار لشراء منتجات دفاعية، كما افتتحت الدولتان بشكل مُشترَك مهبطاً للطائرات ورصيفاً على جزيرتي أغاليغا (Agaléga) الواقعتين في المحيط الهندي؛ بحيث يمكن للمهبط تشغيل طائرات استطلاع بحري من طراز (P-8 Poseidon) جنباً إلى جنب مع طائرات الاستطلاع (Dornier Aircraft)؛ ومن ثم تمكين الهند من مراقبة الأنشطة الصينية عن كثب؛ ولهذا يرى بعض المراقبين أنه في ظل رغبة الهند الحثيثة في مجاراة الصين؛ فإنها قد تسعى إلى إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في إفريقيا في دولة جزرية مهمة هي موريشيوس.
دوافع تطوير العلاقات الهندية الإفريقية:
بناءً على ما سبق، تسير الهند بخطى واثقة في شراكتها مع إفريقيا بصورتيها المؤسسية والثنائية أو حتى الثلاثية، ولا يُتوقَّع في ظل وتيرة الأحداث الإقليمية والدولية المتلاحقة أن تكتفي بما حققته في السنوات القليلة الماضية، بل يُتصوَّر أن تكون هناك عدة عوامل متداخلة تُشكِّل قوة دفع إضافية على طريق توطيد علاقات الهند مع إفريقيا، من أبرزها تقارب مواقف الطرفين بشأن قضايا رئيسية مثل: الديون والتغير المناخي وعدم الرضا عن النظام العالمي بشكله الراهن، خاصةً وأنه من المُتوقَّع أن تصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2027. ولأن الهند وإفريقيا يمثّلان معاً ثلث سكان العالم؛ فإنه يمكن القول إن محور الهند إفريقيا سوف تكون له أهمية متزايدة في التجمعات متعددة الأطراف مثل: مجموعة العشرين ومجموعة بريكس.
أيضاً، يُمثِّل السعي للتكامل الاقتصادي جنباً إلى جنب مع توفير الأمن البحري، عوامل دافعة لدول المحيط الهندي؛ لبناء شراكات جديدة وتعزيز شراكات قائمة، مع أهمية أن يُوضَع في الحسبان أحياناً غياب الإرادة الجماعية للدول المشاطئة؛ وهو ما استطاعت استراتيجية مودي (SAGAR- 2015) التخفيف منه وفَتْح آفاق تعاون كبيرة بين الهند وإفريقيا؛ بحيث يكون مرتكزها الأساسي هو الاعتقاد الجازم بوجود تهديدات تصل لمستوى المخاطر، وأن التعاون بين الجانبين هو السبيل الأجدى للتصدي لها؛ أخذاً في الاعتبار أن هناك ترتيباً ضمنياً في مستوى شراكة الهند مع إفريقيا، يبدأ أولاً بالدول الجزرية الإفريقية ثم دول شرق القارة وجنوب شرقها المطلة على غرب المحيط الهندي، وتلي ذلك الدول الإفريقية التي بحاجة لتعزيز أمنها البحري، ولو في أقصى الغرب من القارة الإفريقية.
وعلى الرغم من أن الهند تتفادى أية توترات ظاهرة مع الصين، وتتفادى كذلك الدخول معها في منافسة مباشرة؛ فإن التحركات الصينية تُمثِّل للهند بوصلة للتحرك، وليس أدل على ذلك من فَتْح الهند خط شراكة جديد مع تنزانيا وموزمبيق في جنوب شرق القارة الإفريقية، ودخولها معهما في تدريبات مُشترَكَة؛ وهو ما ردت عليها الصين بالمثل، ومع نفس الدولتين، من خلال إجراء تدريبات بحرية مُشترَكَة في الفترة من 28 يوليو إلى 15 أغسطس 2024؛ مما يُمثِّل جولة من جولات المنافسة المحتدمة بين الصين والهند داخل وخارج محيطهما الجغرافي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
جهود دبلوماسية لصياغة بيان مشترك لقمة العشرين
اجتمع قادة دول مجموعة العشرين اليوم الاثنين، في متحف الفن الحديث في ريو دي جانيرو لحضور القمة السنوية حيث دارت المناقشات حول التجارة وتغير المناخ والأمن الدولي على جدول الأعمال، وفق ما ذكرت صحيفة ذا إنديان إكسبريس الهندية.
ورحب الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بقادة العالم، بما في ذلك رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينج، في القمة التي استمرت يومين.
وبحسب وكالة رويترز، فإن صياغة بيان مشترك أمر يجاهد فيه الدبلوماسيون للحفاظ على درجة من الإجماع بشأن معالجة حرب أوكرانيا .
ويضغط القادة الأوروبيون لإعادة النظر في اللغة المتعلقة بالصراعات العالمية في أعقاب الغارة الجوية الروسية الضخمة على أوكرانيا يوم الأحد.
وفي الوقت نفسه، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة سترفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة المصنوعة في الولايات المتحدة لشن ضربات داخل روسيا.
تم تشديد الإجراءات الأمنية في ريو، حيث قامت قوات خاصة بدعم الشرطة خلال القمة.
قبل ساعات من الحدث، تعرضت القوات البرازيلية التي كانت تقوم بدورية بالقرب من أحد الأحياء الفقيرة لإطلاق نار، لكن لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات.