الدكتور حسام شودري، أستاذ مشارك بجامعة هيريوت وات، دبي
شهد العالم تغيرات سريعة وغير متوقعة في السنوات القليلة الماضية، مما يسلط الضوء على التقلبات العالمية المستمرة. وبالتالى هناك التزام عالمي راسخ بمعالجة تغير المناخ وتحويل المجتمعات الصناعية نحو اقتصاد مستدام خالٍ من الكربون. ويعتبر هذا التحول إحدى المهام الحاسمة في عصرنا.

وقد وضعت الاقتصادات الرائدة أهدافا طموحة. على سبيل المثال، تعتمد استراتيجية الحياد المناخى في الإمارات العربية المتحدة 2050 على مبادرتين رئيسيتين، مبادرة لتحقيق الحياد المناخي في الإمارات العربية المتحدة بحلول عام 2050، والتي تحدد المسار للوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050، والمسار الوطني للحياد المناخى بحلول عام 2050، الذي يوضح بالتفصيل الجدول الزمني وطرق هذا التحول. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى دفع التقدم الاقتصادي والمجتمعي من خلال قيادة التحول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.
مع توجه العالم نحو مستقبل مستدام، يشهد قطاع الطاقة المتجددة تطورات سريعة. إن التوائم الرقمية تُعد واحدة من أكثر التقنيات التحويلية التي تدفع هذا التحول. تعمل تقنية المحاكاة هذه على إنشاء نسخ طبق الأصل افتراضية من الأصول المادية أو الأنظمة أو العمليات، مما يسهل سُبل المراقبة والتحليل والتحسين في الوقت الفعلي. ومن خلال الاستفادة من التوائم الرقمية، يمكن لقطاع الطاقة المتجددة تعزيز الكفاءة، وخفض التكاليف، وتسريع اعتماد حلول الطاقة الخضراء. على سبيل المثال، في قطاع طاقة الرياح، تعمل تقنية التوأم الرقمي على إحداث تحول في تصميم التوربينات وصيانتها وتشغيلها. تعمل التوائم الرقمية على إنشاء نسخ طبق الأصل افتراضية من توربينات الرياح، مما يسهل عملية مراقبة الأداء في الوقت الفعلي، وجدولة الصيانة التنبؤية، وتحسين إنتاج الطاقة. يعمل هذا التقدم على تعزيز الكفاءة وتقليل الأعطال، وبالتالى يقلل من تكلفة إنتاج طاقة الرياح.
أما في مجال الطاقة الشمسية، أثبتت التوائم الرقمية فعاليتها من خلال مطابقة الألواح الشمسية ومزارع الطاقة الشمسية بشكل كامل. يمكن للمشغلين مراقبة مقاييس الأداء، والتنبؤ بالفشل المحتمل، والتخطيط لأنشطة الصيانة بشكل استباقي. ويضمن هذا النهج الاستباقي عمل منشآت الطاقة الشمسية بأعلى مستويات الكفاءة والموثوقية. علاوة على ذلك، تحاكي التوائم الرقمية تأثير المتغيرات البيئية مثل التظليل وتراكم الغبار والظروف الجوية على أداء الألواح الشمسية. تتيح هذه الإمكانية للمشغلين تطبيق استراتيجيات تخفف من هذه العوامل، وبالتالي تحسين إنتاج الطاقة. وفي مجال تخزين الطاقة، تعد التوائم الرقمية أمرًا بالغ الأهمية لإدارة موثوقية البطارية وكفاءتها. حيث يتم مراقبة العوامل في الوقت الفعلي مثل الشحن ودرجة الحرارة والصحة، مما يسمح بالتدخلات في الوقت المناسب.
توفر تقنية التوائم الرقمية ميزة كبيرة من خلال إمكانيات الصيانة التنبؤية. على سبيل المثال، في قطاع الطاقة المتجددة، تقوم التوائم الرقمية بمراقبة حالة الأصول مثل توربينات الرياح أو الألواح الشمسية في الوقت الفعلي. ومن خلال تحليل اتجاهات البيانات، يمكنهم التنبؤ بحالات الفشل المحتملة وجدولة الصيانة قبل ظهور المشكلات. يعمل هذا النهج الاستباقي على تقليل الأعطال وبالتالى توفير الوقت، وإطالة عمر المعدات، وبالتالى تقليل نفقات الصيانة. علاوة على ذلك، تعمل التوائم الرقمية على تحسين الكفاءة التشغيلية من خلال تحسين أداء أنظمة الطاقة المتجددة. ومن خلال محاكاة سيناريوهات مختلفة وتحليل البيانات الحية، فإنها تساعد المشغلين على تحديد الاستراتيجيات الأكثر فعالية لتوليد الطاقة وتوزيعها. وهذا لا يؤدي إلى زيادة إنتاج الطاقة فحسب، بل يقلل أيضًا من تكاليف التشغيل الإجمالية من خلال ضمان استخدام الموارد على النحو الأمثل.
اليوم ومع تزايد الطلب على التحول إلى الطاقة المتجددة بسبب اللوائح الحكومية والضغوطات العالمية، من الضروري تسخير قوة التقنيات مثل التوائم الرقمية. سيؤدي تبنى هذه التكنولوجيا إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية لأنظمة الطاقة المتجددة، وتعزيز الجهود لمكافحة تغير المناخ، وتعزيز ممارسات الطاقة المستدامة على مستوى العالم.
تعتبر التوائم الرقمية أيضًا ضرورية لإدارة الشبكات الحديثة. فهي تمنح المشغلين رؤية كاملة للشبكة، مما يساعدهم على التنبؤ بالمشكلات المحتملة ومعالجتها قبل أن تصبح خطيرة. ومن خلال محاكاة سيناريوهات مختلفة، تضمن التوائم الرقمية بقاء الشبكة مستقرة وموثوقة. كما أنها تساعد على التنبؤ بأنماط استهلاك الطاقة وإيجاد طرق لمنع التحميل الزائد على الشبكة، وتحسين الكفاءة التشغيلية. على سبيل المثال، خلال أحد أيام الصيف الحارة، يصل الطلب على الطاقة إلى ذروته عندما يقوم السكان بتشغيل مكيفات الهواء. وباستخدام التوائم الرقمية، يمكن لمشغلي الشبكات التنبؤ بهذه الزيادة في الطلب وتعديل توزيع الكهرباء وفقا لذلك. وفي الوقت نفسه، تعمل الألواح الشمسية الموجودة على أسطح المنازل على توليد الطاقة، ولكن الغطاء السحابي يقلل من إنتاجها بشكل غير متوقع. يقوم التوأم الرقمي بمراقبة هذه التقلبات في إنتاج الطاقة الشمسية في الوقت الفعلي وضبط توازن الشبكة عن طريق إعادة توزيع الطاقة من مصادر أخرى، مثل مزارع الرياح أو أنظمة تخزين الطاقة. وتضمن هذه الإدارة الديناميكية بقاء الشبكة مستقرة وموثوقة، حتى في ظل الظروف الجوية المتغيرة ومتطلبات الطاقة المتغيرة على مدار اليوم.


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: التوائم الرقمیة الطاقة المتجددة الألواح الشمسیة على سبیل المثال فی الوقت الفعلی الطاقة الشمسیة إنتاج الطاقة ومن خلال من خلال

إقرأ أيضاً:

تقرير يتهم دولًا نفطية بمقاومة جهود إزالة الوقود الأحفوري خلال كوب 29

اقرأ في هذا المقال

تتنامى توجهات العديد من حكومات العالم إلى تسريع التحول الأخضر يخشى بعض الدول التخلص من الوقود الأحفوري بحجة أنه غير واقعي توقعات بأن يحتل الوقود الأحفوري مساحةً كبيرةً في مناقشات كوب 29 خُطط إنتاج النفط والغاز في أكبر 20 دولة منتجة تمضي في الاتجاه المعاكس خطت السعودية خطوات واسعة في مشروعات الطاقة المتجددة خلال السنوات الأخيرة

تواجه العديد من البلدان الغنية بالنفط اتهامات بعرقلة المساعي المبذولة لإزالة الوقود الأحفوري من مزيج الطاقة العالمي، فيما يُعرف اصطلاحيًا بـ”التحول الأخضر”.

وبينما تتنامى التوجهات لدى كثير من حكومات العالم، لا سيما في منطقة الاتحاد الأوروبي، لاستبدال مصادر الطاقة المتجددة بنظيراتها التقليدية الحساسة للبيئة، تواجه دول أخرى أمثال السعودية وروسيا اتهامات برفض هذا المسار على أساس كونه غير واقعي، بل ويهدد أمن الطاقة العالمي.

ومن المرجح أن يحتل مستقبل الوقود الأحفوري مساحة كبيرة على طاولات المناقشات خلال قمة المناخ كوب 29 المقبلة، المقرر انعقادها في أذربيجان، التي ستسعى خلالها دول التكتل إلى اتخاذ كل ما يلزم لتسريع تحول الطاقة.

غير أن تقريرًا أمميًا سبق أن حذّر من أن خُطط إنتاج النفط والغاز في أكبر 20 دولة منتجة تمضي في الاتجاه المعاكس، موضحًا أن الحكومات تخطّط لإنتاج نحو 110% من الوقود الأحفوري بحلول عام 2030؛ ما يهدد الأهداف المناخية، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن).

اتهامات مُرسَلة

تبذل الدول الغنية بالنفط جهودًا منسقةً لإبطاء وتيرة التقدم المُحرَز بشأن اتفاقية مناخية تاريخية ترعاها الأمم المتحدة، تستهدف التخلص من استعمال الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، وفق ما أوردته صحيفة فايننشال تايمز، نقلاً عن بلدان غربية مشاركة في مباحثات التغيرات المناخية العالمية.

وقال مفاوضون من 5 بلدانٍ غربيةٍ إنهم يمارسون ضغوطًا مكثفة على أذربيجان بوصفها البلد المستضيف لقمة التغيرات المناخية كوب 29، لمنح أولوية للمناقشات الخاصة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، في مسعى لمواجهة “مقاومة” الدول النفطية وحلفائها لتلك الجهود.

وفي قمة المناخ كوب 28 التي استضافتها مدينة دبي الإماراتية في ديسمبر/كانون الأول (2023)، وافق ما يقرب من 200 دولة على التحول من الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة بحلول أواسط القرن الحالي (2050)، ومضاعفة سعة الطاقة المتجددة 3 مرات، وزيادة كفاءة الطاقة بواقع الضعف بحلول نهاية العقد الحالي (2030).

وزعم المفاوضون أن هناك مجموعة من الدول، مثل السعودية وروسيا وبوليفيا، التي ما تزال تعتمد بقوة على مصادر الوقود التقليدي في توليد الطاقة، تسعى لعرقلة التقدم المُحرَز في ذلك المسار، وفق فايننشال تايمز.

لكن وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان سبق أن أوضح موقف بلاده من تلك المسألة، مؤكدًا ضرورة أن “تمضي قضيتا أمن الطاقة ومواجهة معضلة تغير المناخ جنبًا إلى جنب إذا كنا نرغب في إنجاز الأمرين معًا ومعالجتهما”.

وقال: “أكرر دائمًا أننا لا يمكننا المساومة بأي منهما، وفي تقديري أننا نستطيع حل الأمرين معًا من دون أن يؤثر أحدهما في الآخر”.

شعار كوب 29 الذي سيُعقد في أذربيجان – الصورة من cop29 ضغوط على أذربيجان

يُنظر إلى أذربيجان التي تعتمد بشدةٍ على صادرات النفط والغاز لدعم اقتصادها الوطني، على أنها تعارض دعم مزيدٍ من التحول عن النفط والغاز.

ويمثّل قطاع النفط والغاز قرابة 90% من إيرادات الصادرات الأذربيجانية، كما يمول نحو 60% من موازنتها العامة، بحسب أرقام الوكالة الدولية للطاقة.

وقال مفاوض من بلد غربي كبير إن “هناك معارضة واضحة من قبل بعض الدول النفطية في المناقشات الرامية إلى التوصل لاتفاقية بشأن الوقود الأحفوري”، وفق ما أوردته فايننشال تايمز.

وأضاف: “يتعيّن علينا أن نكون واضحين جدًا مع أذربيجان، بشأن حقيقةٍ مفادها بأن النسخة المقبلة من قمة المناخ لن يُكتَب لها النجاح إذا لم نتحدث -كذلك- عن تقليل الانبعاثات أو الحد منها، بما في ذلك قرار مؤتمر كوب 28″، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

محطة لتوليد الكهرباء بالوقود الأحفوري – الصورة من devdiscourse الطاقة المتجددة في السعودية

بينما تواجه اتهامات تضعها في خانة الدول الرافضة لجهود تحول الطاقة، خطت السعودية خطوات واسعة في مشروعات الطاقة المتجددة خلال السنوات الأخيرة؛ ما يضع المملكة على المسار الصحيح لتنفيذ إستراتيجيتها لتحول الطاقة بحلول عام 2030.

ووفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة، تعتزم السعودية التخلص من استعمال الوقود السائل في مزيج توليد الكهرباء بحلول عام 2030، لينقسم ما بين 50% للغاز و50% للطاقة المتجددة.

وفي إطار ترجمة رؤاها الطموحة في قطاع الطاقة النظيفة إلى واقع ملموس، أطلقت المملكة أول مسح جغرافي لمشروعات الطاقة المتجددة في السعودية في 24 يونيو/حزيران (2024) بحضور وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان ورعايته.

ويغطي المشروع جميع مناطق المملكة من خلال مسح أكثر من 850 ألف كيلومتر مربع، عدا المناطق المأهولة بالسكان، ويُسهم في تحديد أفضل المواقع لتطوير مشروعات الطاقة المتجددة في البلاد، من حيث حجم موارد الطاقة، وأولوية تطوير مشروعاتها.

وأُسندت عقود تنفيذ المشروع إلى شركات سعودية لتركيب 1200 محطة لرصد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في جميع مناطق المملكة.

وأكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن المشروع يُعدّ الأول من نوعه عالميًا من حيث التغطية الجغرافية؛ إذ إنه يغطّي مساحة تعادل مساحات دولٍ بأكملها، فمساحته -على سبيل المثال- تعادل تقريبًا مساحة بريطانيا وفرنسا معًا، أو ألمانيا وإسبانيا معًا، في تصريحات سابقة أطلقها على هامش توقيع عقد مشروع أول مسح للطاقة المتجددة في السعودية،

وأوضح أن المشروع يؤكد التزام المملكة بتحقيق مستهدفاتها الطموحة في إنتاج الطاقة المتجددة وتصديرها، إذ سيعزّز الاستفادة المثلى من موارد الطاقة المتجددة في السعودية.

من مراسم توقيع عقد أول مسح لمشروعات الطاقة المتجددة في السعودية – الصورة من وزارة الطاقة السعودية تصدير الكهرباء النظيفة

تعوّل المملكة على المشروع المذكور في دعم موقعها الإستراتيجي لتصدير الكهرباء المُنتجة من الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى دعمه توجّهها نحو إنتاج الهيدروجين النظيف.

كما سيُسهم المشروع في تحقيق مستهدفات مزيج الطاقة الأمثل لتوليد الكهرباء، إذ تشكّل مصادر الطاقة النظيفة نحو 50% من مزيج الطاقة بحلول 2030، وتحقيق مستهدفات برنامج إزاحة الوقود السائل وتقليص الاعتماد عليه في قطاع إنتاج الكهرباء.

وسجلت سعة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في السعودية قفزة كبيرة خلال السنوات الـ3 الماضية، لتصل إلى 2.689 غيغاواط بنهاية عام 2023.

وتخطّط المملكة لطرح مشروعات لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، بطاقة تبلغ 20 غيغاواط سنويًا، ابتداءً من هذا العام (2024)، للوصول إلى ما بين 100 و130 غيغاواط بحلول عام 2030.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
Source link مرتبط

مقالات مشابهة

  • وزير الكهرباء يراجع خطة تشغيل المحطة الشمسية الحرارية بالكريمات ومتطلبات التطوير وتحقيق الاستفادة القصوى منها
  • أداني الهندية تزوّد ولاية ماهاراشترا بالكهرباء النظيفة 25 عامًا
  • "دائرة الطاقة" تستعرض مبادراتها خلال المؤتمر العالمي للمرافق 2024
  • وزير الكهرباء يراجع خطة تشغيل المحطة الشمسية الحرارية بالكريمات
  • تقرير يتهم دولًا نفطية بمقاومة جهود إزالة الوقود الأحفوري خلال كوب 29
  • وزير الكهرباء يستعرض خطة تشغيل المحطة الشمسية الحرارية بالكريمات
  • باحثون يكشفون عن تكنولوجيا جديدة بمجمّعات الطاقة الشمسية
  • سلماوي: الطاقات المتجددة تحقق للدولة 3 مميزات
  • أستاذ هندسة: مصر غنية بإمكانيات الطاقة المتجددة.. وتجتذب الاستثمارات
  • ألمانيا.. ثلث الأسر تستثمر في التحول للطاقة المتجددة