لجريدة عمان:
2024-09-15@18:59:36 GMT

هوامش ومتون الأغاني التي لا تصدأ

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

هوامش ومتون الأغاني التي لا تصدأ

رغم أن أغنية الرواد والأغنية السبعينية احتلت مساحة كبيرة من كتاب الباحث كرم نعمة (أغانٍ من فضة – الغناء العراقي بوصفه مؤرّخا) إلا أن صورة المطرب كاظم الساهر، الذي ظهر في الثمانينيات، احتلّت الغلاف، وهو ما دفعني للتساؤل: لماذا كاظم الساهر دون غيره من المطربين الذين سبقوه، وكانوا سفراء للأغنية العراقيّة، كمطربي المقام محمد القبانجي ويوسف عمر، وكذلك ناظم الغزالي وسليمة مراد التي أعجبت بأغانيها أم كلثوم حتى أنها غنّت أغنيتها (كَلبك صخر جلمود) في زيارتها لبغداد عام 1932م، وأعادت غناءها في الإذاعة المصرية، بعد عودتها للقاهرة، ولا ننسى سعدون جابر، حسين نعمة وياس خضر ود.

فاضل عوّاد، وحميد منصور وفؤاد سالم، ومائدة نزهت، ورضا الخياط، وصباح السهل وقحطان العطار، وسواهم من الذين عرّفوا بالأغنية العراقية عربيا، فتركوا لنا فرائد غنائيّة لا تصدأ، وجميعهم تناولهم الكاتب كرم نعمة في كتابه الصادر عن دار لندن للطباعة والنشر، هل وضع الناشر الكتاب لأهداف تسويقيّة؟ ولكن هذه الأهداف تتحقّق لو نشر صورة أي مطرب من الذين ذكرت، فكلّهم علامات غنائية، وحين تفحصت الكتاب، الذي فتح عنوانه سؤالا آخر هو: لماذا فضّة؟ وليس ذهبًا يلمع؟ وعلمت أن الدلالة هنا تتركز في أن الفضّة لا تصدأ أبدا، فهو يشبّهها بالأغاني الحقيقية التي لا تصدأ! كما يقول محمود درويش: "من فضة الموت الذي لا موت فيه!" أما الذهب، فهو يصبح عرضة للصدأ عند دمجه مع معادن أخرى، ويعبّر عن ثراء يخلو من القيمة الروحية!

وحين تصفّحت الكتاب رأيته قد خصّ الساهر بمساحة واسعة من صفحاته من بينها حوار مهم كنت حاضرا تفاصيله، حين أجراه (كرم نعمة) في مبنى (جريدة الجمهورية) ببغداد عام ١٩٩٢، وفي عدّة مواضع، تتبّع مساره الغنائي، وفصّل في طبقاته الصوتيّة، وآراء النقّاد الموسيقيين، بل اعتبر كاظم الساهر "بمثابة جائزة ترضية للعراقيين حيال الخسائر السياسية والاجتماعية التي توالت عليهم، فالغناء عرض منتظم للماضي بكل قوالبه وقوانينه وأشكاله وبيئاته" ولم يفصل الكاتب الغناء عن الواقع، خصوصا إذا كان مرتبطا بحياة الناس، يقول الشاعر سعدي يوسف "كل الأغاني انتهت إلّا أغاني الناس"، فقد وجد الكاتب (كرم) في الغناء مؤرّخا روحيّا، " بدأ بجيل الوصول الصعب الذي شكله الموسيقار العراقي الراحل صالح الكويتي ومرورا بجيل الخمسينيات في اللحن العراقي، الذي كان بمثابة التعبير الأمثل عن حضارة موسيقية صافية من أي شوائب، ثم جيل السبعينيات وهو يقود ثورة غنائية ولحنية صنعت ما يمكن تسميته بأغنية البيئات التي مزجت بين الغناء الريفي وإرث الأغنية البغدادية والمقام العراقي. ثم الجيل اللاحق، حيث شكل الفنان كاظم الساهر، جيلا منفصلا بألحانه، جعل المستمع العربي يلتفت، ولو بشكل متأخر للغناء العراقي، مع ذلك كان هذا الغناء محظوظًا في إحدى المرات النادرة، عندما جعل غناء الساهر الجمهور العربي يبحث عن الأغنية العراقية التي لم تصله على مدار عقود" كما يقول في المقدمة، فجاء الغناء، مثلما الشعر في أيام العرب، سجلّا لأحداث مرّت في حياتهم، وقد مرّ ذكر الكثير من المعلومات التاريخية من بينها أن الشاعر الجواهري تأثر بقطعة موسيقية للفنان صالح الكويتي فكتب قصيدته( دمعة تثريها الكمنجة)، وأن محمد عبدالوهاب حين زار بغداد عام 1932م تعاون مع صالح الكويتي وأعجبه مقام اللامي للقبانجي "وحين عاد إلى القاهرة استوحى هذا المقام في لحنه لأغنية( يلي زرعتوا البرتقال) لتكون أول أغنية مصرية على مقام اللامي العراقي"، وحتى عندما يسهب فهو يثري معلوماتنا.

يصف ناظم الغزالي، نقلا عن أشخاص قابلهم بحكم عمله الصحفي كانوا قد زاملوا الغزالي "مثقف ووديع وصبور وسريع الحفظ وتقليد للأصوات، لم يتخل عن نكتته السريعة وأناقته الشديدة حتى في أحلك الأيام التي كان يعاني فيها من الفقر" وينقل عن عازف رافق الغزالي أنه كان ينهي حفلاته بعد غناء عدد محدود من أغانيه، "كي لا يرى أحدا يغادر الحفلة وهو يغني".

ويتحدّث عن عازف يتوسط الجوقة الموسيقية التي تظهر خلف ناظم الغزالي في أغانيه المصورة عازفا على القانون، ذلك العازف هو الملحن سالم حسين الذي غنى ألحانه: وديع الصافي، وسعاد محمد، ودلال شمالي، وفايدة كامل، ونرجس شوقي، والقائمة تطول، وكاد أن يجري حوارا معه حين التقى به بمنزل الموسيقار نصير شمة، بتونس، لكن موعد رحلته كان أسرع من شراك لعبته الصحفية" فالطائرات لا تنتظر الصحفيين قبل تحليقها" كما يقول الكاتب كرم في كتاب ممتع مليء بحكايات الأغاني التي لا تصدأ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کاظم الساهر

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. “ويفيقني عليك” 

“ويفيقني عليك” 

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 30 / 9 / 2020

أنا لا أقرأ الشهور من “روزنامة”الحائط..أنا أشتمّ رائحتها فأسمّها..قد أشتم كانون في آب ، وأشتم نيسان في تشرين ، وأشتم #أيلول في كل وقت، لا تعنيني كثيراً #حسابات_الفلك ودوران الشمس ، لا يعنيني تولّد القمر على يد “قابلة” الكواكب ،أنا الفلك وقلبي مجرتي الحسية…
منذ بداية أيلول لم يحضر أيلول ، كان “كميناً وقتياً لكل العاشقين..تماماً كأن تُعطى موعداً ولا يحضر الحبيب ، أو تُدعى إلى فنجان قهوة وتشربها وحيداً…غسلت نافذتي عشر مرات كي أرى وجهه ،كي ينقشع غباش #الصيف ودبق الشوب ، كي أرى #سنونو الشهر يرسم الفواصل بصوته على شال الغروب ،كي أسمع راعياً يصفّر لقطيعة الراكض خلف حلوى الشمس البرتقالية ، كي أسمع زفيراًً شهياً من شبّاك مكسور ، كي أشاهد حمام الحي يطوف في المساء طوفة الوداع لذلك النهار..كي أشتم رائحة “الديزل” العالق بالتراكتورات العائدة من السهول ، أو خشخشة #أوراق “الاسكدنيا” وهي تسقط كأجراس يابسة فوق الحصى، لم انجح لذا لم أكتب ..

مقالات ذات صلة مجازر جديدة بغزة 2024/09/13

بالأمس شممت #رائحة_أيلول كلها ، شاهدت شجرة الكينا القريبة وهي تكنس السماء من غبار القيظ ، شاهدت وسمعت الأشياء كلها؛ السنونو والقطيع وورق الاسكدنيا والتراكتور والشباك المكسور..بالأمس ابتدأ أيلول حسب توقيت قلبي..
كان صيفاً ثقيلاً ،مثل كيس ملح على ظهر عبد، كان صيفاً عاتباً بكل معنى الكلمة ،جعلنا نتصبب عرقاً أمامه..جفّت شفاه الجوريّ دون أن ينبس ببنت وردة..وأعلن بئر الماء إفلاسه من أول جولة وأحسست أن هذا القمع الفصلي لن ينتهي أبدا ..الى أن اهتزت الليمونة وانتصرت أوراقها الرقيقة على هراوة الشمس.

في أيلول سطّرتُ معرش العنب بأسلاك معدنية، قسّمت السماء سطوراً لعيون الدالية، رفعت حرفها وقلت لها خربشي أنّى شئت ارسمي لوحتك بالورق والحمام البريّ ودعي عروقك تنبض حياة وأيلول..
أيلول “منبّه” العمر الذي يرنّ فوق أسرّة الذكريات ، أيلول حكيم الشهور وشيخ الفصول يجمع عشيرة الوقت تحت عباءته ،يرسم ابتسامة فوق حناء لحيته الأصفر ويهمس لمدى عمري الطويل..كل ما فيك “بيفيقني عليك”..

أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

#74يوما

#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي

#صحة_احمد_في_خطر

#سجين_الوطن

مقالات مشابهة

  • بالصور.. الفنان محمد ريفي يعود لإثارة جدل جديد أشهر قليلة عقب تعهده باعتزال الغناء
  • احتفال بيت الغناء العربي بذكرى المولد النبوي الشريف
  • هل منع أحمد فهمي زوجته من الغناء؟
  • السوداني يقول إن حكومته تعرضت لمحاولات تشويه وعرقلة لعملها: لن نلتفت لها
  • زعيم كوريا الشمالية يقول إنه سيوسع التعاون مع روسيا في المستقبل
  • بنعبد الله يقول إن الأحرار نجحوا باستعمال المال في انتخابات جزئية بنسبة مشاركة هي الأدنى عالميا
  • إباء محيو موهبة شابة من السويداء تجمع بين الأدب والغناء
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. “ويفيقني عليك” 
  • الحارث إدريس يقول إن عدم إعادة توازن القوة في دارفور لمصلحة القوات النظامية سيؤثر سلبًا في جهود الحكومة لحماية المدنيين
  • في مئوية الراحل حنا مينة.. الكاتب الذي دوّن تاريخ سوريا الحديث