بيروت- شكل توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، أمس الثلاثاء، في بيروت على ذمة التحقيق بتهم تتعلق بغسل الأموال والاحتيال والاختلاس، مفاجأة كبيرة بعد أن ظل محميا لسنوات عديدة رغم الشبهات التي دارت حوله.

وتأتي هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلق بشركة الوساطة المالية اللبنانية "أبتيموم إنفيست"، وقبل أسابيع قليلة من احتمال تصنيف لبنان ضمن القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي "فاتف" (FATF)، مما يهدد النظام المالي اللبناني المتأزم أساسا.

فقد أمر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار بتوقيف سلامة بعد التحقيق معه في قصر العدل. وتركزت التحقيقات حول العقود المبرمة بين مصرف لبنان وشركة "أبتيموم"، والتي شملت عمليات شراء وبيع سندات الخزينة وشهادات الإيداع بالليرة اللبنانية، فضلا عن حصول الشركة على عمولات من هذه العمليات.

على مدى السنوات الثلاث الماضية، كان سلامة خاضعا لتحقيقات محلية وأوروبية بشأن شبهات تراكم أصول عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني وإساءة استخدام أموال عامة خلال فترة توليه حاكمية مصرف لبنان.

شملت الاتهامات أيضا تحويل أموال إلى حسابات خارجية وتحقيق "الإثراء غير المشروع"، مما أدى إلى إصدار مذكرات توقيف بحقه من قاضية فرنسية والمدعية العامة في ميونخ، وهو ما أسفر عن منعه من السفر ومصادرة جوازي سفره اللبناني والفرنسي. رغم ذلك، ألغت النيابة العامة في ميونخ مذكرة التوقيف في يونيو/حزيران الماضي بعد انتهاء ولايته.

ويبلغ سلامة من العمر 74 عاما، وقد شغل منصب حاكم مصرف لبنان لمدة 30 عاما، من 1993 حتى 2023، ليصبح واحدا من أطول حكام المصارف المركزية خدمة في العالم. ويواجه سلامة انتقادات شديدة من المواطنين والمودعين في لبنان، الذين يحمّلونه جزءا من مسؤولية انهيار العملة الوطنية، مع اتهامات بأن سياسته النقدية ساهمت في تراكم الديون وتسريع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

نقلة نوعية

يشير الكاتب الاقتصادي منير يونس للجزيرة نت، إلى أن المرحلة الحالية تمثل نقلة نوعية، حيث "انتقلنا من مرحلة المراوغة والمماطلة إلى مرحلة أكثر جدية. في البداية، كان هناك تردد في اتخاذ الإجراءات، لكن اليوم نشهد توقيف حاكم مصرف لبنان سلامة، الذي كان يُعتبر محميا من المنظومة السياسية والقضائية والمصرفية، ما يعكس تحولا كبيرا في الوضع".

ويؤكد يونس وجود عاملين دوليين ضاغطين في القضية. الأول يتعلق بزيارة اثنين من القضاة الفرنسيين إلى لبنان الشهر الماضي، حيث أبلغا نظراءهما اللبنانيين بأن التحقيقات على وشك الانتهاء، وأن الملف سيُحال إلى المحاكمة اعتبارا من عام 2025. وأكدا أنه في حال غياب المتهم، سيتم تسليط الضوء على تقصير القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية، خاصة بعد تقارير تفيد بوجود المتهم في منتجعات ومطاعم، مما يضع القضاء اللبناني في موقف محرج.

أما العامل الثاني وفق يونس، فهو تقرير مجموعة العمل المالي الدولية المتوقع صدوره قبل نهاية الشهر، والذي قد يصنف لبنان ضمن القائمة الرمادية. هذا التصنيف يعني أن لبنان يعتبر دولة غير متعاونة في مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال وتمويل "الإرهاب".

وعلى الرغم من أن مصرف لبنان أفاد باتباعه للإجراءات اللازمة، فإن التقرير يشير إلى تقصير القضاء اللبناني في هذا المجال، مما يضع القاضي الحجار في موقف محرج أمام المجتمع الدولي.

المودعون اللبنانيون يحتجون على منعهم من سحب ودائعهم في خضم الأزمة ويحملون سلامة جزءًا من المسؤولية (الأوروبية) قضية الودائع

ويضيف الكاتب الاقتصادي أن قضية الودائع تُعد مشكلة أكبر بكثير من قضية رياض سلامة. بينما يُتهم سلامة -وفق يونس- باختلاس ما بين 300 إلى 400 مليون دولار، فإن الفجوة المالية الحقيقية تتجاوز 70 مليار دولار. لذا، فإن محاكمته قد تكشف جوانب مهمة حول تبديد الودائع، التي لم تُعرض رواية شاملة عنها حتى الآن.

ولا يخفي المتحدث أن هناك تقاذفا للمسؤوليات في محاكمة رياض سلامة، وأن المحاكمة العلنية قد تكشف عن تفاصيل جديدة من الشخص المعني مباشرة، باعتباره كان يدير النظام المالي. من هذه الزاوية، ينتظر المودعون ما ستكشفه المحاكمة.

وفي الوقت الحالي، يعرب يونس عن شكوك كبيرة حول نزاهة المحاكمة، نتيجة ما يصفه بانعدام الثقة في المنظومة السياسية والقضائية. إذ يشير إلى أن الكثير من اللبنانيين يعتبرون أن هذه المحاكمة قد تكون أشبه بمسرحية.

ومن جهته، يرى الكاتب السياسي، يوسف دياب، أن توقيف رياض سلامة أعاد فتح ملف مصرف لبنان، ويتوقع أن يشمل هذا التطور وتحت إشراف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، إعادة فتح الملف بشكل شامل، مع إمكانية أن تشمل كافة المصارف.

ويستند دياب في تحليله إلى تقارير تشير إلى اختلاسات بملايين الدولارات من مصرف لبنان، وقد قدمت أدلة تدعم هذه الادعاءات.

الخطوات القادمة

ويقول دياب للجزيرة نت، إن سلامة، الذي نفى التهم الموجهة إليه، لم يقدم أدلة كافية لدحضها حتى الآن، ومن المتوقع أن يقدم سلامة أو محاموه مستندات جديدة قد تكون كافية لدحض الشبهات عنه، مما قد يؤدي إلى إطلاق سراحه. وفي حال عدم تقديم مستندات مقنعة، قد تتم إحالة سلامة إلى قاضي التحقيق، الذي قد يصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه.

ويشير دياب إلى أن ما يحدث الآن قد يكون بداية لمسار قضائي جديد يركز على ملفات المصارف والاختلاسات التي مست الأموال العامة وأموال المودعين، مع توقعات بأن تتسع القضية مع مرور الوقت.

بالمقابل يوضح المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة "جستيسيا" (JUSTICIA) في بيروت وعميد الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ للجزيرة نت، أن قرار النائب العام التمييزي الحجار لافت للنظر لكنه لا يسهم في تحرير الودائع المصرفية المحتجزة ولا يشكل جزءًا من حملة شاملة لمكافحة الفساد في لبنان، والتي لم تبدأ بعد ولا تبدو قريبة.

ويشير مرقص إلى أن هناك اعتبارات أخرى قد تكون خلف قرار التوقيف، لكن هذه الاعتبارات ليست واضحة بشكل جليّ.

ومن الناحية القانونية، يوضح مرقص أن الخطوة القضائية التي اتُخذت بحق سلامة هي احتجاز احترازي، يستمر أثره لمدة 4 أيام. بعد هذه الفترة، تُحال القضية إلى محكمة استئناف بيروت التي سترفعها إلى قاضي التحقيق، الذي سيقوم باستجوابه واتخاذ القرار القضائي المناسب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حاکم مصرف لبنان ریاض سلامة إلى أن

إقرأ أيضاً:

عن إمكانية التصويت لجعجع كـرئيس للجمهورية.. ماذا أعلن الجميّل؟

أكد رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل أنه سيكون للبنان رئيساً للجمهوريّة في التاسع من كانون الثاني 2025 إذا التزم رئيس مجلس النوّاب نبيه بري بجلسة انتخابيّة مفتوحة وبدورات متتالية الى حين انتخاب الرئيس.    
وفي مقابلة مع برنامج المشهد اللبناني على قناة "الحرّة"، أكد الجميّل أن نوّاب الكتائب سيحضروا الجلسة الإنتخابيّة، وسيبقوا في كل الدورات، و"صحتين على قلب اللي بيربح".
وردّاً على سؤالٍ حول إعلان ترشيحه لرئاسة الجمهوريّة، قال الجميّل لـ"الحرّة": ترشيحي غير مطروح في الوقت الحاضر.. كل شي معقول، كل شي بوقتو منيح"، وأضاف: "لا يمكننا القيام بخطوة في الهواء، إذا كانت المعطيات تقضي بالتوجه نحو هذا الإتجاه، فسنذهب، ولكن الأولوية هي البلد وإنقاذ لبنان".
وعن إمكانيّة تصويت نوّاب الكتائب لرئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع قال الجميّل: "ليش لأ، المهم أن يكون المرشح من الخطّ الذي يؤكد على سيادة الدولة".     وإذ أكد أن المعارضة لم تتفق حتى الآن على اسم لرئاسة الجمهوريّة لأن هناك مقاربات مختلفة وعملاً يجب ان يتمّ فيما بينها، أشار الى أن كل الأسماء المرشّحة مقبولة بالنسبة لنا، ومضيفاً: "أنا اتصلت بسمير جعجع وأنتظر أن يتصل بي من جديد لنتكلم وننسّق".   وعن ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، قال الجميّل: "قائد الجيش لعب دوراً استثنائيّاً في هذه الحرب، وهناك حكمة كبيرة في طريقة تعاطيه، وتمكن من فرض نفسه على جميع المستويات، وعلاقتنا معه ممتازة، ولا مانع أبداً من وصوله الى رئاسة الجمهورية. سابقاً لم يكن هناك معرفة مباشرة به، ولقائد الجيش دور مهم يجب أن يلعبه".   وعمّا إذا فرح لخروج سليمان فرنجيّة من السباق الرئاسي، أجاب الجميّل: "كلا، احترم سليمان فرنجية جداً، ومشكلتنا معه لم تكن شخصيّة إنما مع خياره مع حزب الله والنظام السوري".
وأكد الجميّل أنه "يجب القبول بالحياة الديمقراطية طالما الأسماء المطروحة ليست أسماء ستسلم قرار لبنان الى إيران أو أي دولة أخرى"، وقال: "من حقّ كل مرشح الوصول الى الرئاسة وعلينا الإلتزام باللعبة الديمقراطية، والقبول بنتائج الإنتخابات كما سيفرزها المجلس النيابي".


وإذ أكد الجميّل أنه ليس هناك أي تواصل مع حزب الله، أشار الى أنه "على حزب الله إعادة النظر في حساباته"، متسائلاً: "كم من الوقت يحتاج غسيل الدماغ المعمول لمناصري حزب الله كيف ينتهي مفعوله ويعود المنطق ليقرّر؟".
وتابع: "نظام لبنان ديمقراطي، ومن حق حزب الله أن يُعبّر عن رأيه، وأن يكون له مشروعه وحزبه، وممارسة حياته الديمقراطية، ودائماً كانت يد الشراكة ممدودة لحزب الله ولكن من دون سلاح ، فلا شراكة في ظلّ الإستقواء والتخوين".     وتحدّث الجميّل عن مبادرته لعقد مؤتمر المصالحة والمصارحة فيعبر الجميع عن شعورهم، لفتح صفحة جديدة في تاريخ لبنان.

مقالات مشابهة

  • الصين ترسل أسطولًا بحريًا جديدًا إلى خليج عدن: ماذا وراء المهمة؟
  • مصرف سوريا المركزي يعتمد سعر صرف 12500 ليرة للدولار
  • مذكرة توقيف بحق الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس بسبب علاقته بقاصر
  • متى سيتم تشييع نصرالله؟
  • عن إمكانية التصويت لجعجع كـرئيس للجمهورية.. ماذا أعلن الجميّل؟
  • ما السر وراء زيارة العاهل الأردني إلى القاهرة؟
  • بسبب الإساءة في طرق الطعن .. وزارة العدل تستوفي 6 مليارات ليرة من رياض سلامة
  • ماذا أهمية سوريا لجهود حزب الله في إعادة بناء لبنان؟
  • مفتي الجمهورية السابق: الندوة الدولية لدار الإفتاء فرصة كبيرة لتبادل الأفكار والآراء
  • وزير التربية السوري: لا تغيير على المناهج الحالية إلا الرموز التي تمجد النظام السابق