(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
العميد الركن طبيب طارق الهادي لـ(الكرامة):
استهدفني القناصة ونجوت من الموت مرتين بفى هذا المكان (….)
أرسل المتمردون طبيبًا عميلًا يبحث عن موقع إقامتي ومنامي
أخرجت أُسرتي بعدما جاء من يسأل عنهم بالحي
المستعمر القديم اشعل الحرب ب( دمى) قوى الحرية والتغيير.

.
المآسي كثيرة لكن أمرّها علي أهلي في توتي
متوسط القصف على المهندسين والسلاح الطبي من 100 لـ150 دانة فى اليوم
لم أتوقع غدر “حميدتي” الذي تبدل بعد زيارة فولكر بالجنينة
ماهية الجيش “الشوينة” كانت عائل إخوتي وأصهاري..
يجب فضح العملاء والجواسيس والخونة وإعدامهم
العدو دمر كل شيءٍ وستنتهي الحرب بـ (….)
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو العميد الركن طبيب طارق الهادي، الذي قصّ لنا عن تجربته ومعاناة أُسرته مع الحرب ضد الميليشيا المتمردة:
كيف علمت بنبأ اندلاع الحرب؟
صادف اليوم عطلة السبت الأسبوعية، وتناولت شاي الصباح مع أُسرتي الصغيرة في “شمبات” عندما رنّ الهاتف حوالي الساعة التاسعة ليظهر على الشاشة الصديق الموسوعي “عم وداعة” الذي تناولت معه وجبة الغداء عصر الجمعة في ضيافة أُسرة الخليفة عبد المجيد جوار مستشفى الأطباء حيث يسكن جوارهم، وهو خزانة خبرات عملية وإدارية وسياسية ووطنية تتعلم منه في كل جلسة الكثير من الدروس اولها بُعد النظر وتناول هموم البلد والناس، وتلمس المخارج للوطن من المأزق السياسي الذي دخل فيه ويديره الغرب بالكامل، وافترقنا بعد صلاة العشاء فصبحت عليه بالخير وبادرني بالسؤال “الحاصل شنو”؟ “قلت ليه في شنو”؟ قال سامعين أصوات “ذخيرة كتيرة” على طول شارع المطار من المدينة الرياضية إلى المركز الطبي الحديث، وحركة عربات مسلحة كثيرة للدعم السريع.. قلت له: (نحنا ما على جهتنا شي، لكن بكون شي عارض خليني أسأل وأرجع ليك).
اتصلت ببعض الزملاء وأكدوا لي حدوث اشتباك بين قوات الدعم السريع وقوة من الجيش في القيادة العامة وحول المدينة الرياضية، ولكن كانت لدي قناعة داخلية أنّ الأمر لن يطول وسيحسم سلمًا، ولكنّ الحقيقة كانت أنّ الحرب قد بدأت فعلًا.
أين كنت حينها؟
نعم كانت هناك إشارة رفع الاستعداد تحوطًا لأحداث شغب قد تحدث منذ أكثر من شهر من الحرب وعلى ضوئها وزعت جداول الاستعداد والمناوبات ولم تكن عليّ مناوبة حينها وكنت في البيت.
ماذا كان شعورك في تلك اللحظة؟
لم أكن أتصور مطلقًا أنّ “حميدتي” قد يتمرد فعلًا وتوقعت أنّ ينتهي الامر سريعًا ربما في نفس اليوم بأمر “حميدتي” لقواته بالتوقف، بل ومحاسبة أفراده الذين أطلقوا النار، فهو أكثر من يعرف الجيش وإمكانياته وأنّه لا قبل له به، ولكن ظهر جليًا أنّ المستعمر الغربي غرّر به، وأنّ في إمكانه استلام العاصمة في ساعات، وبالتالي كل البلد في يومين، وهذا ما قاله في قناة “الحدث” حتى بدا لهم من الله ومن جند الله ما لم يكونوا يحتسبون.
الحرب طالت؟
نعم طالت بسبب أن “حميدتي” والمتمردين وداعميهم لم يتحركوا أصالةً عن أنفسهم ولا عن قناعة ووطنية حقيقية للإصلاح وإلّا لتوقفوا فورًا ولم ينقلوا الحرب ضد المواطن، ولكن هم كانوا ينفذون مشروع استعماري غربي وكان “حميدتي” قد صرّح قائلًا : (مدورانا السفارات وكراعنا في رقبتنا)، وجعفر حسن (سفارة سفارة)، ولذلك قرار إيقاف الحرب ليس في يدهم بل بيد المستعمر الغربي.
كيف مضى اليوم الأول من الحرب؟
كان بالأساس في التواصل مع قيادتي لتلقي التعليمات الأخيرة ومع الزملاء ومتابعة القنوات الفضائية والوسائط لمعرفة أيّ تفاصيل إضافية.
وبقية الأيام؟
في العمل الفني بالسلاح الطبي ومتابعة سير العمليات في بقية المواقع العسكرية داخل وخارج الخرطوم.. زال كل أثرٍ لصدمة الحرب بعد مرور الأسبوع الأول تقريبًا.
وبعد عام من الحرب؟
تطوير وابتكار، خطط ووسائل جديدة للتعامل مع العدو، ونتائج الحرب ناتجة عن اكتساب معرفة وخبرات جديدة غير مسبوقة.
يوميات الحرب في السلاح الطبي؟
كان القصف المدفعي بمختلف أشكاله (هاونات، مسيرات، هاوزرات وراجمات) بمتوسط 100 إلى 150 دانة قى اليوم على منطقة المهندسين والسلاح الطبي، بل لا يكاد مبنى في السلاح الطبي إلّا وأُصيب عدة مراتٍ ومثلها على أحياء أم درمان القديمة والفتيحاب، وكان مطلوبًا أن تستمر عمليات إسعاف الجرحى، وأصابات الطوارئ، وغرف العمليات، والعناية المكثفة، والغسيل الكلوي، والمكاتب و”الميزات”، وزادت المشقة بعد خروج محطة المقرن للمياه والكهرباء بعد مرور شهرين تقريبًا، وطوال الأشهر التالية حتى بعد شهرين من فتح الطريق للوادي.
لك أن تتخيل كيفية التعامل مع عشرات الجرحى والإخلاء من أم درمان والشجرة والمدرعات في غياب المياه والكهرباء والظلام الدامس وعدم التهوية في مكاتب وغرف و”برندات” تكتظُ بالجرحى والمرافقين وأطقم العمل وروائح الدماء والصديد والحمامات التي يصعب غسلها لقلة الماء وأعداد المستخدمين التي تضاعفت عشرات المرات، وشح الطعام بعد مضي ستة أشهر ونفاد المخزون الاحتياطي كان تحديًا آخرًا تطلّب تهريب الطعام خلال خطوط العدو والإسقاط وغيرها.. سأُفصل في تسجيل فالكتابة لن تستوعب التفاصيل.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
المآسي كثيرة لكن أمرّها علي كانت مأساة أهلي في توتي، حيث هي المنطقة الوحيدة التي كانت ومازالت محاصرة تمامًا بلا كهرباء ولا ماء ولا اتصال وهم على مرمى حجرٍ مني ويتصلون عليّ لإنقاذهم وأنا على علم بتفاصيل استحالة ذلك ميدانيًا ولا أستطيع أن أخبر منها بشيء، ولك أن تتخيل خيبة أملهم في ابنهم، ومثلهم أهلنا في شمبات وبري والجزيرة وغيرها، فالجيش مسؤول ويحارب في كل أصقاع السودان، ونحن نقاتل في الجيش في موقع حيث يُقدر الجيش المكان والزمان، هذا هو القسم، نحن في خدمة الشعب السوداني كله مع شح مهول في الأفراد والمعدات والأسلحة.
الموت.. هل اقترب منك في لحظة ما؟
نعم.. استهدفني القناص من ناحية المقرن وعمارة “زين” ومن ناحية أم درمان داخلية علي عبد الفتاح جوار الدايات عدة مراتٍ، بل وأرسل المتمردون طبيبًا عميلًا متعاونا بحثًا عن موقع إقامتي ومنامي حتى وصلني، ولذلك كنت لا أبقى في موقع واحد أكثر من ساعة متجولًا بين الأقسام، ولا أنامُ في مكانٍ واحدٍ لخمسة أيامٍ متتالية.
وصادفني القصف وأنا متحرك في حوش السلاح الطبي مرتين، مرةً جنوب مستشفى الطوارئ ومرةً شمالها، وسلمنا الله وأُصيب زملاء منهم من استُشهد.
ما هي التدابير الاحترازية التي أقدمت عليها؟ وأين كانت أُسرتك؟
بقيت أُسرتي في البيت الشهر الأول، ولما أتى من يسأل عنهم في الحي أخرجتهم لبيت ابن عمتي في “أبو حليمة” لحوالي شهر، ولما كثر القصف عليهم انتقلوا لبيت صديق كريم لأخي الأصغر في “الحاج يوسف” وبقوا هناك (الوالدين، وأولادي، وإخوتي بأولادهم) لستة أشهر حتى أُصيبت الوالدة بجلطةٍ دماغية وشللٍ نصفي، وذهبوا بها لمستشفيات شرق النيل و”أم ضوًابان” و”ود حسونة” ولم يجدوا أي نوع من الخدمة، فتحركوا لشندي فلم يجدوا عنايةً مكثفة، فتحركوا بها لعطبرة وبقوا هناك حتى لحقت بهم بعد فتح الطريق بين المهندسين ووادي سيدنا. وسبحان الله، كان كلّ إخوتي وأصهاري عاطلين عن العمل ولم يحملوا معهم عندما خرجوا من بيتنا في شمبات عصرًا إلّا ما خفّ، فكانت العائل الوحيد لكل هذه الأُسر في كفالة ماهية الجيش “الشوينة” ربنا طرح فيها البركة.
أسوأ اللحظات في أيام الحرب؟
ظلت الخدمات الطبية تعمل بكفاءة وتتعامل مع جميع حالات الإصابات حتى شهر يناير 2024، حيث شكّل شُح الأدوية ومعينات الجراحة والطعام في انخفاض مستوى الخدمة الطبية من الدرجة القياسية لدرجات معقولة تحافظ على الحياة قدر المستطاع.
فوائد الحرب؟
الحرب التي فرضت علينا علمتنا الكثير على المستوى المهني، والاجتماعي، والأخلاقي، والسياسي، والعسكري والثقافي، ما يحتاج وقتًا لتنقيحه وصياغة خطط منه، ولكن على سبيل المثال لا الحصر:
– توحد الشعب خلف قواته المسلحة والمعرفة الحقيقية بأنها الحارس الأمين المؤتمن على بقاء الدولة والأمة.
– عدم رهن خياراتنا السياسية لأي قوّى خارجية.
– القيمة الحقيقية لوجود وطن تنتسب إليه وقيمة بلدنا في نظر الجميع ككنوز يجب الاستحواذ عليها بالقوة أو التحايل، وعلينا أن ندافع عنها وعن بقائنا في الكون بالنفس وبكل غالي ونفيس.
– ظهور معدننا الأصيل والمليء بالقيم والأخلاق المستمدة من ديننا وتاريخنا.
– العودة الكاملة والصادقة لله تعالى بكلياتنا والتوبة من ذنوبنا وأحقادنا وحسدنا لبعضنا.
– فضح العملاء والخونة والجواسيس والذي يجب أن يعاقبوا بالإعدام.
– التعامل مع أي تحذير بجدية كاملة.
– عمل خطط لأسوأ الاحتمالات ووضع الاحتياطات لعام كامل على الأقل في الأطعمة، والوقود، والأدوية، والمستهلكات الضرورية، وعمل تمارين لكل السيناريوهات المحتملة لأي كارثة طبيعية أو مفتعلة.
– تحسين سبل ووسائل الربط بكل أنواعه “البري، والبحري والجوي” ووضع طرق بديلة.
– تطوير فكرة قوات “العمل الخاص” وإعادة تموضعها في مواقع استراتيجية.
– تطوير وإعادة انفتاح القوات بحيث يضمن استمرار التواصل فيما بينها بسهولة.
– خطة أمنية مركزية وولائية من الوزارات ذات الصلة جاهزة للتطبيق فورًا، وعمل تمارين عملية عليها.
– تطوير واستدامة قيمة النفير في الأمة.
– الاعتماد على الذات وعدم انتظار الآخرين، فما يجمعنا أكثر بكثير جدًا مما يفرقنا.
هل تتوقع الحسم العسكري أم التفاوض، بعد أن تجاوزت الحرب عامًا وأربعة أشهر؟
معلوم لأي عسكري محترف أنّ الجيش سحق الدعم السريع كقوة عسكرية متماسكة ولم يعد لها وجودًا ولا قيادةً حتى المستوى العاشر، وبالتالي ستنتهي الحرب بالحسم العسكري فلم يبق هناك ما يتفاوض عليه، كما أن العدو دمر كل شيءٍ حتى خانة العفو فينا.
من أشعل الحرب هل هي “قحت” أم قوى خارجية من شحن التمرد وأوهمه بإمكانية استلام السلطة؟
نفس المستعمر القديم 1899م هو من أشعل الحرب ولكن بدُمىً سودانية عميلة (قحت المركزي)، ومخالب قط خارجية من دول الجوار والإقليم، وغدا ذلك بينًا كالشمس في رابعة النهار بعد “جنيف”.
هل كنت تتوقع اندلاع الحرب؟
البتة.. ولم أتخيل أن يغدُر “حميدتي” أبدًا، ولكنه تبدل بعد زيارة فولكر له في الجنينة ولا أدري لماذا؟ فحتمًا لم يكن في حاجة لمال أو منصب، ولكنها فتنة الله يصيب بها من يشاء.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

القيادي بـ «تأسيس» الهادي إدريس يكشف ملامح الحكومة الموازية وموقفهم من إيقاف الحرب في السودان

 

في خضم الأزمات المتصاعدة التي يمر بها السودان منذ بداية النزاع في أبريل 2023، ظهرت مبادرة إنشاء حكومة “موازية” في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”، مما أثار قلقاً متزايداً على الصعيدين الداخلي والدولي. هذه الخطوة، التي تثير مخاوف من تفكك البلاد وتقسيمها مجدداً، يراها مؤيدوها فرصة تاريخية لبناء سودان جديد قائم على مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة. وقد تم توقيع دستور جديد ووثيقة تحدد خريطة طريق للحكم، مما يعكس طموحاتهم في إنقاذ البلاد من الفوضى والتشرذم.

التغيير ـــ و كالات

الحكومة الجديدة، التي أطلق عليها  “حكومة السلام والوحدة”، تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس من العدل والمساواة، مع التركيز على تقديم الخدمات الأساسية لجميع المواطنين في مختلف أنحاء السودان، وليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”. وقد أرسل القائمون على هذه الحكومة رسائل طمأنة إلى الشعب السوداني ودول الجوار، مؤكدين أن الهدف الرئيسي هو الحفاظ على وحدة السودان وتعزيز التماسك الاجتماعي.

تأتي هذه المبادرة في وقت حرج، حيث تسعى الحكومة الموازية إلى إثبات جدارتها من خلال اتخاذ مدينة بورتسودان عاصمة مؤقتة لها. تأمل هذه الحكومة في كسب ثقة السودانيين ودعم المجتمع الدولي من خلال التزامها بإنهاء النزاع وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية وعلمانية لا مركزية. يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن هذه الحكومة من تحقيق السلام المنشود، أم ستواجه تحديات جديدة تعيق مسيرتها نحو الاستقرار؟

هل ستتمكن هذه الحكومة من تحقيق السلام الذي نطمح إليه، أم ستكون التحديات فوق قدرتها على إحداث التغيير؟ سنعمل على بحث هذا الموضوع خلال لقائنا مع الدكتور الهادي إدريس، أحد القادة البارزين في تحالف “تأسيس”، الذي وراء تشكيل “حكومة موازية”.

يقول إدريس، وهو عضو سابق في مجلس “السيادة” السوداني خلال حكومة الثورة الثانية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، إن “الحكومة التي نسعى إلى تشكيلها هي حكومة تعزز السلام والوحدة… نحن، كقوة سياسية وعسكرية، كنا حريصين منذ البداية على حل الأزمة السودانية التي بدأت في 15 أبريل 2023 بطريقة سلمية، وبذلنا جهوداً كبيرة لحث القوى الداعمة لاستمرار الحرب على الانخراط في الحوار والتفاعل بشكل إيجابي مع المبادرات السلمية المختلفة (في جدة والمنامة وجنيف)، لكن للأسف، رفض الجيش والسلطة القائمة في بورتسودان التفاوض. لذا كان من الضروري أن نفكر في وسائل أكثر فعالية لدفع الأطراف نحو الحوار وإيقاف الحرب، مما أدى إلى إنشاء حكومة موازية تسعى إلى تقديم خدماتها لقطاع كبير من الناس الذين لا يحصلون على الاهتمام الكافي.

أسباب رفض الجيش للحوار

يرأس إدريس أيضاً تحالف “الجبهة الثورية” الذي يضم حركات مسلحة من دارفور وتنظيمات سياسية من خارج دارفور، مثل مؤتمر البجا المعارض برئاسة أسامة سعيد وحركة “كوش” السودانية من أقصى الشمال. ويقول: “نحن ندرك تماماً سبب رفض الجيش الذهاب إلى طاولة المفاوضات، حيث إن السبب الرئيسي يكمن في تأثير الحركة الإسلامية وأنصار وفلول النظام السابق عليه، والذين يرون أن أي عملية سياسية ستخرجهم من المشهد وتقلل من نفوذهم. لذا، هم يُظهرون حرصهم على استمرار الحرب على الرغم من الكوارث والمعاناة والنزوح الذي تسببه للمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، هناك حركات مسلحة متحالفة مع الجيش تعتبر استمرار الحرب مصلحة شخصية لها، حيث تعتمد هذه الحركات على دوام الصراع لضمان بقائها وبقاء مصالحها. وبعضها يمارس عمليات سلب ونهب لممتلكات المواطنين في وسط الفوضى السائدة حالياً في السودان.”

سياسات التقسيم

يتهم إدريس قادة الجيش السوداني باتخاذ تدابير قد تؤدي إلى تقسيم البلاد عن طريق إصدار عملة جديدة في المناطق التي يسيطرون عليها، وحرمان مناطق أخرى، بالإضافة إلى إعلان بدء الدراسة في بعض المناطق دون أخرى. كما أشار إلى أنهم يفتحون المجال لإصدار وثائق السفر والهوية لعدد من الأشخاص ويمنعون آخرين. بالإضافة إلى ذلك، تم إصدار قانون غريب يُعرف باسم (الوجوه الغريبة). وأكد إدريس أن “هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو ما نرفضه تمامًا”.

قال إدريس: “الحركة الإسلامية تسعى لتقسيم البلاد، وقد قامت بتقسيم الجنوب سابقاً. نحن الآن نتخذ خطوات لضمان وحدة السودان. نحن نؤمن بأن الوطن يجب أن يبقى موحداً، وأن أي حل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع السودانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية أو العرقية أو الثقافية… ومن أجل وقف عملية التقسيم الحالية، اقترحنا إنشاء حكومة للسلام والوحدة الوطنية”.

حكومتنا لكل السودانيين

يقول أحد القياديين في “تأسيس”: “حكومتنا ليست مخصصة فقط لدارفور أو (الدعم السريع) أو لأي إقليم معين، بل هي تمثل كل السودان، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. لقد أعددنا دستوراً يضمن حقوق الجميع، وقد وقعه أفراد وكيانات متنوعة من جميع أنحاء السودان”. وأوضح أن الحكومة القادمة ستكون مسؤولة عن إعادة بناء الدولة وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بما في ذلك التعليم والصحة والأمن.

مخاوف محلية وإقليمية

على الرغم من أن دولاً مجاورة للسودان ومنظمات دولية وإقليمية قد رفضت بشكل قاطع وجود حكومة موازية في السودان، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة “إيغاد” في القرن الأفريقي، إلا أن إدريس، الذي يرأس أيضاً حركة تحرير السودان/المجلس الانتقالي، يعتقد أن مخاوف الناس غير مبررة، مع اعترافه بحقهم في القلق. ويضيف: “ولكن عندما ترى حكومتنا النور، سيتضح لهم أننا نسعى نحو الوحدة والسلام والاستقرار، وليس العكس”.

ويقول: “نحن نبذل جهوداً لطمأنة دول الجوار من خلال تأكيدنا على أننا نؤيد الوحدة ونرفض تقسيم السودان. نرى أن تقديم الخدمات للناس المحرومين، بما في ذلك أولئك الموجودين في مناطق الجيش، وحماية حقوقهم، سيساهم في بناء ثقة المجتمع الدولي والدول المجاورة القلقة. وإذا قمنا بفتح الحدود للمساعدات وحمينا الناس من الانتهاكات التي تحدث على الأرض، فإن نظرة العالم لنا ستتغير وسيتعامل معنا بشكل إيجابي”.

قضية الاعتراف

يعتقد إدريس أن مسألة الاعتراف بالحكومة الجديدة “لا تهمنا”، ويشير إلى الزيارات التي قاموا بها سابقاً إلى أوغندا وكينيا وإثيوبيا وتشاد، حيث شعر بدعم لمطالبهم. وأوضح قائلاً: “هذه الدول لديها مصلحة في استقرار السودان”، حيث استقبلهم في أوغندا الرئيس يوري موسيفيني شخصياً، وفي كينيا كانت الأبواب مفتوحة لهم ورحّب بهم الرئيس ويليام روتو.

“في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، التقينا رئيس الوزراء آبي أحمد. وذهبنا إلى تشاد حيث استقبلنا رئيسها محمد إدريس ديبي، بالإضافة إلى عدد آخر من الدول”. وقال: “هذا لا يعني أنهم يرغبون في الاعتراف بنا، ولكنه يعكس اهتمامهم بالأوضاع في بلادنا، لأن استمرار الصراع في السودان قد يؤدي إلى أزمات كبيرة في بلادهم والمنطقة بشكل عام”. وأضاف: “لذا، هم مهتمون باستقرار السودان. وبالتأكيد، عندما نؤسس حكومتنا، سنقوم بزيارة هذه البلدان مرة أخرى، وسيستقبلوننا هذه المرة كسودانيين يديرون شؤون السودان”.

فشل الدولة القديمة

يقول إدريس إن “العالم من حولنا يتغير… لقد بدأ عهد جديد في لبنان، ونظام جديد في سوريا، بعد انهيار النظام القمعي القديم. ومن رأيي، فإن الأنظمة السابقة لم يعد لها مستقبل. فمنذ الاستقلال في عام 1956، لم تتمكن أي من هذه الأنظمة من بناء دولة وطنية تحافظ على البلاد وتسمو بها. تاريخ السودان منذ الاستقلال هو تاريخ من الصراعات والاضطرابات. يسأل الناس: لماذا يترك المواطن بلاده منذ عام 1956؟ لأن الاستقرار مفقود. وهذا يشير إلى وجود خلل في بنية الدولة الوطنية. أرى أن هناك موجة جديدة من التغيير قادمة… وستنهض دول جديدة على أنقاض الدولة القديمة… لذا، في اجتماعاتنا في نيروبي، ناقشنا ضرورة إنشاء دولة ديمقراطية علمانية لامركزية، تحافظ على حقوق جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الإقليمية”.

دور متوقع للإدارة الأميركية

يقول إدريس: “لقد كان للولايات المتحدة دور كبير منذ بداية الحرب في السودان عام 2023، حيث بذلت إدارة الرئيس جو بايدن السابقة جهودًا كبيرة لمساعدة السودان، لكنها لم تتمكن من إنهاء الحرب. نأمل أن تلعب الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس دونالد ترمب دورًا أكثر فعالية، من خلال استخدام سياسة الجزرة مع جميع الأطراف لتحقيق السلام. نحن منفتحون، وحكومتنا حكومة سلام. ونحن مستعدون للتعامل مع أي طرف يمكن أن يسهم في حل الأزمة. نتطلع إلى أن تأتي الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بسياسات جديدة وواضحة وقوية تستطيع الضغط على جميع الأطراف لوقف هذه الحرب المدمرة”.

حماية المدنيين من القصف الجوي

يقول أحد قادة “حركة تحرير السودان”: “من واجب أي حكومة أن تحمي مواطنيها، وإلا ستكون بلا قيمة. سنعين وزير دفاع تكون مهمته البحث عن أساليب دفاعية تهدف لحماية المدنيين بشتّى الطرق والوسائل الممكنة. كما نعمل على تشكيل نواة للجيش الجديد من القوات المؤيدة لحكومتنا، بما في ذلك الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية/شمال، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وجميع الفصائل المسلحة. سنقوم بتأسيس هيئة أركان مشتركة. وبعد انتهاء الحرب، سيصبح هذا الجيش نواة للجيش الجديد، الذي سيتولى مسؤولية حماية الحدود والحفاظ على الأمن الداخلي، دون دخول في المجال السياسي”.

ويقول: “لن يكون هناك جيشان منفصلان بعد الآن، بل سيكون هناك جيش موحد. نحن نعارض تعدد الجيوش كما تفعل حكومة بورتسودان الحالية، حيث توجد العديد من الميليشيات والجيوش المختلفة. نعتقد أن أحد أسباب اندلاع الحرب كان تعدد الجيوش، لذا لن نكرر هذه التجربة. ومن اليوم الأول لتشكيل الحكومة، سنعمل على دمج كل هذه القوات في جيش واحد، بما في ذلك قوات الدعم السريع”.

العملة ووثائق السفر

يؤكد إدريس أن “الحكومة الجديدة ستقوم بإصدار عملة ووثائق سفر وجوازات. وأشار إلى أن قضية العملة كانت من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت للتفكير في إنشاء حكومة جديدة. وأضاف أن العديد من مناطق السودان تعتمد على نظام المقايضة، حيث جففت حكومة بورتسودان العملات من المناطق التي تعاني من نقص فيها، مما يؤدي إلى تبادل السلع مثل الملح والسكر والقمح لعدم وجود عملة متداولة. وفي بعض المناطق، لا تتوفر أموال، مما يجعل الحياة صعبة للغاية… لذا ستتمثل إحدى المهام الأساسية للحكومة في إصدار عملة جديدة، وسيتم تحديد اسمها لاحقًا، وسنعكس من خلالها المبادئ والقيم التي نؤسس عليها دولتنا الجديدة والميثاق الذي وقعناه”. كما قال إنه سيتم إصدار جوازات ووثائق ثبوتية، وستكون متاحة لجميع المواطنين.

موعد إعلان الحكومة

فيما يتعلق بموعد إطلاق الحكومة الجديدة، أوضح قيادي بارز في “تأسيس” أن “هناك مشاورات مكثفة تجري حالياً لتحديد موعد الإطلاق. نحن نتوقع أن يتم ذلك في غضون شهر، وسيتم الإعلان من داخل السودان”. وأضاف أنهم لديهم مجموعة من الخيارات بشأن الأماكن والمدن التي يمكن أن يتم فيها الإعلان، وسيتم الكشف عنها خلال الأيام القادمة.

التواصل مع قيادة “الدعم السريع”

يقول الهادي إدريس: “نحن على تواصل مستمر مع قيادة (الدعم السريع)، وخاصة مع القائد محمد حمدان دقلو (حميدتي)”. وأضاف: “أنا شخصياً أتحادث معه تقريباً كل يوم، وكان آخر اتصال لي معه قبل يومين، وقد نتصل به مرة أخرى هذه الليلة (ساعة الحوار)”. نحن نتعاون معه في العديد من القضايا، ونبحث معه في الاتفاقيات والوثائق الضرورية. نعمل معه بشكل جيد، ولا توجد مشاكل في التواصل. وهو بصحة جيدة، على عكس ما يشاع.

وفيما يتعلق بالانتهاكات التي تُتهم بها “قوات الدعم السريع” وما إذا كانت ستؤثر على الاعتراف بالحكومة الجديدة، يقول إدريس: “نرفض تماماً تلك الانتهاكات، وندين أي اعتداءات تحدث. لا يوجد أحد فوق القانون، وأي شخص يرتكب جرائم يجب أن يُحاسب. هذا ينطبق على جميع الأطراف، بما في ذلك (الدعم السريع). كما أن العقوبات الأميركية والجهات الدولية الأخرى قد اتهمت كلا الطرفين المتحاربين بارتكاب انتهاكات ولم تستثنِ أي طرف”.

ويقول: “هدفنا الآن هو إنهاء الحرب. وبعد انتهاء الحرب، سنقوم كسودانيين بإنشاء آلية وطنية تكشف الحقائق للشعب: من المسؤول عن ارتكاب الجرائم؟ ومن بدأ الحرب؟ ومن تسبب في وفاة الناس ونزوحهم؟ وإلا فلن ينعم هذا البلد بالاستقرار”.

العلاقات مع «صمود»

وفيما يتعلق بالعلاقات مع زملائهم المدنيين في تنظيم “صمود” الذي يرأسه الدكتور عبد الله حمدوك، يشير القيادي السوداني البارز إلى أنهم يتشاركون في الأهداف الكبرى والتوجهات السياسية، وكذلك في قضية إنهاء الحرب ومواجهة الحركة الإسلامية التي أشعلت الصراع. ومع ذلك، فإنهم يختلفون فقط في الوسائل حيث يرون أن إنهاء الحرب يجب أن يتم عبر وسائل سلمية ومناشدات. نحن نعتقد أننا قد ناشدنا بما يكفي، والبلد في طريقه نحو الانهيار بسبب تعنت الطرف الآخر، ولذلك رأينا أنه من الضروري مواجهة هذا الطرف من خلال إنشاء حكومة تسحب الشرعية منهم.

وقال: “نحن على اتصال مستمر معهم… واختلاف الطرق لا يؤثر على الروابط. سيكون هناك تعاون كبير بيننا في المستقبل، خصوصًا في جهود حل الأزمة”.

لا خوف من الفشل

يعتقد إدريس أن القادة الحزبيين وزعماء الجماعات المسلحة يمتلكون الخبرة والمعرفة المطلوبة، ولديهم خلفية واسعة في إدارة الدولة، حيث شغل العديد منهم مناصب حكومية. وأوضح قائلاً: “كنت عضواً في مجلس السيادة، وكذلك كان آخرون وزراء. إذا كنا نشك في إمكانية الفشل، لما اتخذنا هذه الخطوة. وقد أبدى الكثيرون مخاوفهم، بما في ذلك الأمم المتحدة وغيرهم… نحن ندرك هذه المخاوف الدولية… وستثبت التجربة العكس، حيث ستتحول الانتقادات إلى مديح، وسيتعاملون معنا.”

المشاركة في المفاوضات

وفيما يتعلق بالمشاركة في أي مفاوضات مستقبلية، يُعبر إدريس عن موقفه بالقول: “نحن نرحب بأي مبادرة جدية ومسؤولة تهدف إلى حل الأزمة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية… ولكننا لن نتعامل معها إلا بصفتنا الجديدة كحكومة للسلام وحكومة شرعية”.

نقلاً عن صحيفة الشرق الاوسط

الوسومالحكومة الموازية الدعم السريع الهادي إدريس تأسيس

مقالات مشابهة

  • “السياحة” تنفذ أكثر من 1200 زيارة رقابية على مرافق الضيافة في مكة والمدينة
  • بالفيديو.. الجيش يرد على تصريحات “حميدتي” بالأمس ويحاصر القصر الجمهوري والمقرن من جميع المحاور.. كتائب البراء يزحفون من المدرعات ويسيطرون على “كوبري” المسلمية ويقتربون من الالتحام مع جيش القيادة
  • قائد في الجيش السوداني: لا جديد بخطاب حميدتي غير ربطة “الكدمول
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الوزارة تضع آليات لضمان استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل وتعتبرهم جزءاً أصيلاً من المؤسسة العسكرية ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • القيادي بـ «تأسيس» الهادي إدريس يكشف ملامح الحكومة الموازية وموقفهم من إيقاف الحرب في السودان
  • بالفيديو.. شاهد هلع وخوف و “جرسة” الفنان السوداني عبد العزيز القلع من “ثعبان” الصحفي “دندش” وكيف كانت ردة فعله عندما طالبه الأخير بلمسه
  • حميدتي في خطاب جديد: كنا مغشوشين في “العلمانية” وفقدنا الجنوب بسبب الشريعة ولن نخرج من القصر
  • العميد طارق :القوى الوطنية تتُقرِّب من النصر المؤزر واستعادة الدولة ومعركة اليمنيين ضد الحوثيين هي معركة أجيال ولن تتوقف إلا بدفن خرافة الولاية
  • الهادي إدريس لـ«الشرق الأوسط»: حكومتنا لإبعاد «شبح الانقسام» في السودان